تفسير سورة النصر

تفسير البيضاوي

تفسير سورة سورة النصر من كتاب أنوار التنزيل وأسرار التأويل المعروف بـتفسير البيضاوي.
لمؤلفه البيضاوي . المتوفي سنة 685 هـ
سورة النصر مدنية، وآيها ثلاث آيات.

(١١٠) سورة النصر
مدينة، وآيها ثلاث آيات
[سورة النصر (١١٠) : الآيات ١ الى ٢]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (١) وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْواجاً (٢)
إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ إظهاره إياك على أعدائك. وَالْفَتْحُ وفتح مكة، وقيل المراد جنس نصر الله المؤمنين وفتح مكة وسائر البلاد عليهم، وإنما عبر عن الحصول بالمجيء تجوزاً للإِشعار بأن المقدرات متوجهة من الأزل إلى أوقاتها المعينة لها فتقرب منها شيئاً فشيئاً، وقد قرب النصر من وقته فكن مترقباً لوروده مستعداً لشكره.
وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْواجاً جماعات كثيفة كأهل مكة والطائف واليمن وهوازن وسائر قبائل العرب، ويَدْخُلُونَ حال على أن رَأَيْتَ بمعنى أبصرت أو مفعول ثان على أنه بمعنى علمت.
[سورة النصر (١١٠) : آية ٣]
فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كانَ تَوَّاباً (٣)
فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ فتعجب لتيسير الله ما لم يخطر ببال أحد حامداً له عليه، أو فصل له حامداً على نعمه. «
روي أنه صلّى الله عليه وسلم لما دخل مكة بدأ بالمسجد فدخل الكعبة وصلى ثمان ركعات
»
أو فنزهه تعالى عما كانت الظلمة يقولون فيه حامداً له على أن صدق وعده، أو فأثن على الله بصفات الجلال حامداً له على صفات الإِكرام. وَاسْتَغْفِرْهُ هضماً لنفسك واستقصاراً لعملك واستدراكاً لما فرط منك من الالتفات إلى غيره.
وعنه عليه الصلاة والسلام «إني لأستغفر الله في اليوم والليلة مائة مرة».
وقيل استغفره لأمتك، وتقديم التسبيح على الحمد ثم الحمد على الاستغفار على طريق النزول من الخالق إلى الخلق. كما قيل ما رأيت شيئاً إلا ورأيت الله قبله. إِنَّهُ كانَ تَوَّاباً لمن استغفره مذ خلق المكلفين، والأكثر على
أن السورة نزلت قبل فتح مكة، وأنه نعي لرسول الله صلّى الله عليه وسلم لأنه لما قرأها بكى العباس، فقال عليه الصلاة والسلام ما يبكيك، فقال: نعيت إليك نفسك، فقال «إنها لكما تقول»
، ولعل ذلك لدلالتها على تمام الدعوة وكمال أمر الدين فهي كقوله: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ أو لأن الأمر باستغفار تنبيه على دنو الأجل، ولهذا سميت سورة التوديع.
وعنه عليه الصلاة والسلام «من قرأ سورة إِذا جاءَ أعطي من الأجر كمن شهد مع محمد عليه الصلاة والسلام يوم فتح مكة شرفها الله تعالى».
سورة النصر
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (النَّصْرِ) من السُّوَر المدنية، نزلت بعد سورة (التوبة)، ولها فضلٌ عظيم؛ فهي تَعدِل رُبُعَ القرآن، وقد نزلت للإعلام بتمام الدِّين، وانتصارِ النبي صلى الله عليه وسلم على المشركين، وانتشارِ الإسلام في أرجاء الجزيرة العربية، وانحسار  الشرك، والإخبارِ بدُنُوِّ أجَلِ النبي  صلى الله عليه وسلم - كما فَهِم ذلك ابن عباس رضي الله عنهما -، وأمرِه بتسبيح ربِّه وحمدِه عند الفتوحات، وفي كلِّ حين.


ترتيبها المصحفي
110
نوعها
مدنية
ألفاظها
19
ترتيب نزولها
114
العد المدني الأول
3
العد المدني الأخير
3
العد البصري
3
العد الكوفي
3
العد الشامي
3

* سورة (النَّصْرِ):

سُمِّيت سورة (النَّصْرِ) بهذا الاسم؛ لافتتاحها بذكرِ النصر؛ وهو: فتحُ مكَّةَ المكرَّمة.

* سورة: {إِذَا جَآءَ نَصْرُ اْللَّهِ وَاْلْفَتْحُ}:

سُمِّيت بهذا الاسم؛ لافتتاحها به، وقد وردت هذه التسميةُ في كلام السلف رضوان الله عليهم؛ ومن ذلك:

ما جاء عن عائشةَ رضي الله عنها، قالت: «ما صلَّى النبيُّ صلى الله عليه وسلم صلاةً بعد أن نزَلتْ عليه: {إِذَا جَآءَ نَصْرُ اْللَّهِ وَاْلْفَتْحُ} إلا يقولُ فيها: «سُبْحانَك ربَّنا وبحمدِك، اللهمَّ اغفِرْ لي»». أخرجه البخاري (4967).

* سورة (النَّصْر) تَعدِل رُبُعَ القرآن:

عن أنسِ بن مالكٍ رضي الله عنه: «أنَّ رسولَ اللهِ ﷺ قال لرجُلٍ مِن أصحابِه: «هل تزوَّجْتَ يا فلانُ؟»، قال: لا واللهِ يا رسولَ اللهِ، ولا عندي ما أتزوَّجُ به، قال: «أليس معك {قُلْ هُوَ اْللَّهُ أَحَدٌ}؟»، قال: بلى، قال: «ثُلُثُ القرآنِ»، قال: «أليس معك {إِذَا جَآءَ نَصْرُ اْللَّهِ وَاْلْفَتْحُ}؟»، قال: بلى، قال: «رُبُعُ القرآنِ»، قال: «أليس معك {قُلْ يَٰٓأَيُّهَا اْلْكَٰفِرُونَ}؟»، قال: بلى، قال: «رُبُعُ القرآنِ»، قال: «أليس معك {إِذَا زُلْزِلَتِ اْلْأَرْضُ زِلْزَالَهَا}؟»، قال: بلى، قال: «رُبُعُ القرآنِ»، قال: «تزوَّجْ، تزوَّجْ»». أخرجه الترمذي (٢٨٩٥).

تمام الدِّين، وانتصارُ النبي عليه السلام (١-٣).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (9 /422).

الوعدُ بنصرِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وفتحِ مكة، ودخولِ الناس في هذا الدِّين أفواجًا، والإيماءُ إلى أنه حين يقع ذلك، فقد اقترب انتقالُ رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الرَّفيقِ الأعلى.

ينظر: "التحرير والتنوير" لابن عاشور (30 /589).