تفسير سورة النصر

تفسير التستري

تفسير سورة سورة النصر من كتاب تفسير التستري المعروف بـتفسير التستري.
لمؤلفه سهل التستري . المتوفي سنة 283 هـ

السورة التي يذكر فيها النصر
[سورة النصر (١١٠) : الآيات ١ الى ٣]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (١) وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْواجاً (٢) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كانَ تَوَّاباً (٣)
قوله تعالى: إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ [١] قال: إذا جاء نصر الله لدينك والفتح لدينك.
وَرَأَيْتَ النَّاسَ [٢] وهم أهل اليمن. يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْواجاً [٢] زمراً، القبيلة بأسرها، والقوم بأجمعهم، فانصر روحك على نفسك بالتهيؤ للآخرة لأنه منها، فالنفس تريد الدنيا لأنها منها، والروح تريد الآخرة لأنه منها، فانصر على النفس وافتح له باب الآخرة بالتسبيح والاستغفار لأمتك. وكان يستغفر بعد ذلك ويسبح بالغداة مائة مرة، وبالعشي مائة مرة، واجتهدَ في العبادة ليلاً ونهاراً حتى تورمت قدماه، واحمرت عيناه، واصفرت وجنتاه، وقلّ تبسمه، وكثر بكاؤه وفكرته.
وقد حكي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: لما نزلت هذه السورة واستبشر بها أصحاب النبي صلى الله عليه وسلّم بكى أبو بكر «١» رضي الله عنه بكاء شديداً فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما يبكيك؟ قال: نعيت لك نفسك يا رسول الله. فقال له النبي صلّى الله عليه وسلّم: صدقت»، ثم قال: «اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل» «٢»، وهذا تعليم لأمته بالدين والتسبيح. وقد قال الربيع بن خيثم رحمه الله تعالى: أقلوا الكلام إلا من تسع: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، وقراءة القرآن، وأمر بالمعروف، ونهي عن المنكر، ومسألة خير، وتعوذ من شر «٣».
إِنَّهُ كانَ تَوَّاباً [٣] أي رجاعاً يقبل التوبة، كلما تاب العبد إليه. واعلم أن إلهنا أكرم من أن يكون معك على نفسك، فإنه قال: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ [البقرة: ٢٢٢] فإن كنت عليها كان معها بالعفو، وإن كنت معها على أمر الله ونهيه كان عليك، فمن وافق أمر الله على هواه كان ناجياً، ومن وافق هواه على أمر الله كان هالكاً، وإنّ أمر الله تعالى مرّ وهوى النفس حلو، فما مثالها إلا كالأطعمة اللذيذة قد يحصل فيها الصبر، والدواء يشرب مع مرارته لما جعل فيه من المنافع. وكان بعض الصالحين يقول: وا سوأتاه، وإن عفوت. فمنهم من يحذر الرد، ومنهم من يبكي خجلاً، وإن عفي عنه. والله سبحانه وتعالى أعلم.
(١) ليس في كتب الحديث ما يشير إلى أن أبا بكر هو من عرف أن في هذه السورة نعي النبي صلى الله عليه وسلّم، بل هو ابن عباس. انظر: صحيح البخاري: باب تفسير سورة النصر، رقم ٤٦٨٥- ٤٦٨٦، وباب المناقب، رقم ٣٤٢٨ وتحفة الأحوذي ٩/ ٢٠٨.
(٢) صحيح البخاري: باب وضع الماء عند الخلاء، رقم ١٤٢ والمستدرك على الصحيحين، رقم ٢٦٨٠ ومسند أحمد ١/ ٣٣٥ ومصنف ابن أبي شيبة ٦/ ٣٨٣ ومجمع الزوائد ٩/ ٢٧٦ والمعجم الصغير ١/ ٣٢٧ والمعجم الكبير ١٠/ ٢٦٣، ١١/ ١١٠، ١٢/ ٧٠ والمعجم الأوسط ٤/ ١١٣، ٢٧٣.
(٣) الحلية ٢/ ١٠٩.
سورة النصر
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (النَّصْرِ) من السُّوَر المدنية، نزلت بعد سورة (التوبة)، ولها فضلٌ عظيم؛ فهي تَعدِل رُبُعَ القرآن، وقد نزلت للإعلام بتمام الدِّين، وانتصارِ النبي صلى الله عليه وسلم على المشركين، وانتشارِ الإسلام في أرجاء الجزيرة العربية، وانحسار  الشرك، والإخبارِ بدُنُوِّ أجَلِ النبي  صلى الله عليه وسلم - كما فَهِم ذلك ابن عباس رضي الله عنهما -، وأمرِه بتسبيح ربِّه وحمدِه عند الفتوحات، وفي كلِّ حين.


ترتيبها المصحفي
110
نوعها
مدنية
ألفاظها
19
ترتيب نزولها
114
العد المدني الأول
3
العد المدني الأخير
3
العد البصري
3
العد الكوفي
3
العد الشامي
3

* سورة (النَّصْرِ):

سُمِّيت سورة (النَّصْرِ) بهذا الاسم؛ لافتتاحها بذكرِ النصر؛ وهو: فتحُ مكَّةَ المكرَّمة.

* سورة: {إِذَا جَآءَ نَصْرُ اْللَّهِ وَاْلْفَتْحُ}:

سُمِّيت بهذا الاسم؛ لافتتاحها به، وقد وردت هذه التسميةُ في كلام السلف رضوان الله عليهم؛ ومن ذلك:

ما جاء عن عائشةَ رضي الله عنها، قالت: «ما صلَّى النبيُّ صلى الله عليه وسلم صلاةً بعد أن نزَلتْ عليه: {إِذَا جَآءَ نَصْرُ اْللَّهِ وَاْلْفَتْحُ} إلا يقولُ فيها: «سُبْحانَك ربَّنا وبحمدِك، اللهمَّ اغفِرْ لي»». أخرجه البخاري (4967).

* سورة (النَّصْر) تَعدِل رُبُعَ القرآن:

عن أنسِ بن مالكٍ رضي الله عنه: «أنَّ رسولَ اللهِ ﷺ قال لرجُلٍ مِن أصحابِه: «هل تزوَّجْتَ يا فلانُ؟»، قال: لا واللهِ يا رسولَ اللهِ، ولا عندي ما أتزوَّجُ به، قال: «أليس معك {قُلْ هُوَ اْللَّهُ أَحَدٌ}؟»، قال: بلى، قال: «ثُلُثُ القرآنِ»، قال: «أليس معك {إِذَا جَآءَ نَصْرُ اْللَّهِ وَاْلْفَتْحُ}؟»، قال: بلى، قال: «رُبُعُ القرآنِ»، قال: «أليس معك {قُلْ يَٰٓأَيُّهَا اْلْكَٰفِرُونَ}؟»، قال: بلى، قال: «رُبُعُ القرآنِ»، قال: «أليس معك {إِذَا زُلْزِلَتِ اْلْأَرْضُ زِلْزَالَهَا}؟»، قال: بلى، قال: «رُبُعُ القرآنِ»، قال: «تزوَّجْ، تزوَّجْ»». أخرجه الترمذي (٢٨٩٥).

تمام الدِّين، وانتصارُ النبي عليه السلام (١-٣).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (9 /422).

الوعدُ بنصرِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وفتحِ مكة، ودخولِ الناس في هذا الدِّين أفواجًا، والإيماءُ إلى أنه حين يقع ذلك، فقد اقترب انتقالُ رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الرَّفيقِ الأعلى.

ينظر: "التحرير والتنوير" لابن عاشور (30 /589).