تفسير سورة النصر

تفسير ابن عطية

تفسير سورة سورة النصر من كتاب المحرر الوجيز فى تفسير الكتاب العزيز المعروف بـتفسير ابن عطية.
لمؤلفه ابن عطية . المتوفي سنة 542 هـ
وهي مدنية إجماعا.

بسم الله الرّحمن الرّحيم

سورة النّصر
وهي مدنية بإجماع.
قوله عز وجل:
[سورة النصر (١١٠) : الآيات ١ الى ٣]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (١) وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْواجاً (٢) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كانَ تَوَّاباً (٣)
قرأ ابن عباس: إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ، وسأل عمر بن الخطاب رضي الله عنه جمعا من الصحابة الأشياخ وبالحضرة لابن عباس عن معنى هذه السورة وسببها، فقالوا كلهم بمقتضى ظاهر ألفاظها، إن رسول الله ﷺ أمر عند الفتوح التي فتحت عليه مكة وغيرها بأن يسبح ربه ويحمده ويستغفره، فقال لابن عباس: ما تقول أنت يا عبد الله؟ فقال: هو أجل رسول الله ﷺ أعلمه الله بقربه إذا رأى هذه الأشياء، فقال عمر ما أعلم منها إلا ما ذكرت، وهذا المنزع الذي ذكره ابن عباس ذكره ابن مسعود وأصحابه ومجاهد وقتادة والضحاك، وروت معناه عائشة عن النبي ﷺ وأنه عليه السلام لما فتحت مكة وأسلمت العرب جعل يكثر أن يقول «سبحان الله وبحمده، اللهم إني أستغفرك» يتأول القرآن في هذه السورة، وقال لها مرة: «ما أراه إلا حضور أجلي»، وتأوله عمر والعباس بحضرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فصدقهما. و «النصر» الذي رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم:
هو غلبته لقريش ولهوازن وغير ذلك، وَالْفَتْحُ: هو فتح مكة والطائف ومدن الحجاز وكثير من اليمن ودخول الناس في الإسلام أَفْواجاً، كان بين فتح مكة إلى موته صلى الله عليه وسلم، قال أبو عمر بن عبد البر النمري رحمه الله في كتاب الاستيعاب في الصحابة في باب أبي خراش الهذلي: لم يمت رسول الله ﷺ وفي العرب رجل كافر، بل دخل الكل في الإسلام بعد حنين والطائف، منهم من قدم ومنهم من قدم وفده، ثم كان بعده من الردة ما كان ورجعوا كلهم إلى الدين.
قال القاضي أبو محمد: والمراد والله أعلم عرب عبدة الأوثان، وأما نصارى بني تغلب فما أراهم أسلموا قط في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكن أعطوا الجزية، والأفواج: الجماعة إثر الجماعة، كما قال تعالى: أُلْقِيَ فِيها فَوْجٌ [الملك: ٨] وقال مقاتل: المراد بالناس أهل اليمن وفد منهم سبعمائة رجل، وقاله عكرمة، وقال الجمهور: المراد جميع وفود العرب لأنهم قالوا: إذا فتح الحرم لمحمد عليه
532
السلام وقد حماه الله من الحبشة وغيرهم فليس لكم به يدان، وذكر جابر بن عبد الله فرقة الصحابة فبكى وقال سمعت رسول الله ﷺ يقول: «دخل الناس في الدين أفواجا وسيخرجون منه أفواجا» وقوله: إِنَّهُ كانَ تَوَّاباً يعقب ترجية عظيمة للمستغفرين، جعلنا الله منهم، وحكى النقاش عن ابن عباس أن «النصر» صلح الحديبية، وأن «الفتح» فتح مكة، وقال ابن عمر: نزلت هذه السورة على النبي ﷺ بمنى في وسط أيام التشريق في حجة الوداع وعاش بعدها ثمانين يوما أو نحوها ﷺ وشرف وكرم.
533
سورة النصر
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (النَّصْرِ) من السُّوَر المدنية، نزلت بعد سورة (التوبة)، ولها فضلٌ عظيم؛ فهي تَعدِل رُبُعَ القرآن، وقد نزلت للإعلام بتمام الدِّين، وانتصارِ النبي صلى الله عليه وسلم على المشركين، وانتشارِ الإسلام في أرجاء الجزيرة العربية، وانحسار  الشرك، والإخبارِ بدُنُوِّ أجَلِ النبي  صلى الله عليه وسلم - كما فَهِم ذلك ابن عباس رضي الله عنهما -، وأمرِه بتسبيح ربِّه وحمدِه عند الفتوحات، وفي كلِّ حين.


ترتيبها المصحفي
110
نوعها
مدنية
ألفاظها
19
ترتيب نزولها
114
العد المدني الأول
3
العد المدني الأخير
3
العد البصري
3
العد الكوفي
3
العد الشامي
3

* سورة (النَّصْرِ):

سُمِّيت سورة (النَّصْرِ) بهذا الاسم؛ لافتتاحها بذكرِ النصر؛ وهو: فتحُ مكَّةَ المكرَّمة.

* سورة: {إِذَا جَآءَ نَصْرُ اْللَّهِ وَاْلْفَتْحُ}:

سُمِّيت بهذا الاسم؛ لافتتاحها به، وقد وردت هذه التسميةُ في كلام السلف رضوان الله عليهم؛ ومن ذلك:

ما جاء عن عائشةَ رضي الله عنها، قالت: «ما صلَّى النبيُّ صلى الله عليه وسلم صلاةً بعد أن نزَلتْ عليه: {إِذَا جَآءَ نَصْرُ اْللَّهِ وَاْلْفَتْحُ} إلا يقولُ فيها: «سُبْحانَك ربَّنا وبحمدِك، اللهمَّ اغفِرْ لي»». أخرجه البخاري (4967).

* سورة (النَّصْر) تَعدِل رُبُعَ القرآن:

عن أنسِ بن مالكٍ رضي الله عنه: «أنَّ رسولَ اللهِ ﷺ قال لرجُلٍ مِن أصحابِه: «هل تزوَّجْتَ يا فلانُ؟»، قال: لا واللهِ يا رسولَ اللهِ، ولا عندي ما أتزوَّجُ به، قال: «أليس معك {قُلْ هُوَ اْللَّهُ أَحَدٌ}؟»، قال: بلى، قال: «ثُلُثُ القرآنِ»، قال: «أليس معك {إِذَا جَآءَ نَصْرُ اْللَّهِ وَاْلْفَتْحُ}؟»، قال: بلى، قال: «رُبُعُ القرآنِ»، قال: «أليس معك {قُلْ يَٰٓأَيُّهَا اْلْكَٰفِرُونَ}؟»، قال: بلى، قال: «رُبُعُ القرآنِ»، قال: «أليس معك {إِذَا زُلْزِلَتِ اْلْأَرْضُ زِلْزَالَهَا}؟»، قال: بلى، قال: «رُبُعُ القرآنِ»، قال: «تزوَّجْ، تزوَّجْ»». أخرجه الترمذي (٢٨٩٥).

تمام الدِّين، وانتصارُ النبي عليه السلام (١-٣).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (9 /422).

الوعدُ بنصرِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وفتحِ مكة، ودخولِ الناس في هذا الدِّين أفواجًا، والإيماءُ إلى أنه حين يقع ذلك، فقد اقترب انتقالُ رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الرَّفيقِ الأعلى.

ينظر: "التحرير والتنوير" لابن عاشور (30 /589).