تفسير سورة النصر

صفوة البيان لمعاني القرآن

تفسير سورة سورة النصر من كتاب صفوة البيان لمعاني القرآن
لمؤلفه حسنين مخلوف . المتوفي سنة 1410 هـ
مدنية، وآيتها ثلاث
بسم الله الرحمان الرحيم
﴿ إذا جاء نصر الله والفتح ( ١ ) ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا ( ٢ ) فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا ( ٣ ) ﴾
سورة النصر
وتسمى سورة التوديع
روي أنها حين نزلت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " نعيت إلي نفسي ". وقال في خطبته : " إن عبدا خيره الله تعالى بين الناس وبين لقائه، فاختار لقاء الله تعالى " فقال أبو بكر : فديناك بأنفسنا وأموالنا ! وآبائنا وأولادنا ! !. وفي ذكر حصول النصر والفتح ودخول الناس في الدين أفواجا دليل على حصول الكمال والتمام، وذلك يعقبه الزوال والنقصان، كما أن أمره صلى الله عليه وسلم بالتسبيح والحمد والاستغفار مطلقا واشتغاله بذلك لما كان مانعا له من اشتغاله بأمر الأمة كان كالتنبيه على أن أمر التبليغ قد تم وكمل، وذلك يقتضي قرب انقضاء الأجل.

﴿ إذا جاء نصر الله ﴾ أي إذا حصل عون الله لك وللمؤمنين على أعدائك﴿ والفتح ﴾ أي فتوح مكة وغيرها من القرى، وصيرتها بلاد إسلام.
﴿ ورأيت الناس يدخلون في دين الله ﴾ أي في ملة الإسلام، التي لا دين لله تعالى يضاف إليه غيرها. ﴿ أفواجا ﴾ جماعات كثيرة من غير قتال، لا أحادا كما كان قبل فتح مكة.
﴿ فسبح بحمد ربك ﴾ فنزهه عما لا يليق به، بكل ذكر يدل على التنزيه، حامدا له على أن صدق وعده زيادة في عبادته والثناء عليه، لزيادة إنعامه عليك. أو فصّل له تعالى حامدا على نعمه. و " إذا " منصوب ب " سبح "، والفاء غير مانعة منه على ما عليه الجمهور. ﴿ واستغفره ﴾ اطلب مغفرته ؛ وأمره به ؛ لأنه صلى الله عليه وسلم كان دائم الترقي ؛ فإذا ترقى إلى مرتبة استغفر لما دونها. أو استغفاره مما هو خلاف الأولى في نظره الشريف. أو لتعليم أمته. أو مما كان يعرض له بمقتضى البشرية من الضجر والقلق عند إعراض قومه عنه، وإبائهم السماع والقبول منه، وإبطاء نصر الله له، وللحق الذي جاء به. وقال القرطبي : إنه عليه الصلاة والسلام كان يستقصر نفسه لعظم ما أنعم الله به عليه، ويرى قصوره عن القيام بحق ذلك ذنوبا فيستغفر منها. وقيل : الاستغفار تعبد يجب إتيانه في ذاته لا للمغفرة ؛ فإنه قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر. ﴿ إنه كان توابا ﴾ كثير القبول لتوبة كثير من عباده التائبين. والجملة تعليل لما قبلها. وأخرج الإمام أحمد من حديث ابن عباس : " من أكثر من الاستغفار جعل الله تعالى له من كل هم فرجا ". وأنا أقول كما قال العلامة الآلوسي هنا : سبحان الله وبحمده، أستغفر الله تعالى وأتوب إليه. وأسأله أن يجعل لي من كل هم فرجا، ومن كل ضيق مخرجا ؛ بحرمة كتابه الكريم، وسيد أحبابه العظيم، صلى الله عليه وسلم.
والله أعلم.
سورة النصر
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (النَّصْرِ) من السُّوَر المدنية، نزلت بعد سورة (التوبة)، ولها فضلٌ عظيم؛ فهي تَعدِل رُبُعَ القرآن، وقد نزلت للإعلام بتمام الدِّين، وانتصارِ النبي صلى الله عليه وسلم على المشركين، وانتشارِ الإسلام في أرجاء الجزيرة العربية، وانحسار  الشرك، والإخبارِ بدُنُوِّ أجَلِ النبي  صلى الله عليه وسلم - كما فَهِم ذلك ابن عباس رضي الله عنهما -، وأمرِه بتسبيح ربِّه وحمدِه عند الفتوحات، وفي كلِّ حين.


ترتيبها المصحفي
110
نوعها
مدنية
ألفاظها
19
ترتيب نزولها
114
العد المدني الأول
3
العد المدني الأخير
3
العد البصري
3
العد الكوفي
3
العد الشامي
3

* سورة (النَّصْرِ):

سُمِّيت سورة (النَّصْرِ) بهذا الاسم؛ لافتتاحها بذكرِ النصر؛ وهو: فتحُ مكَّةَ المكرَّمة.

* سورة: {إِذَا جَآءَ نَصْرُ اْللَّهِ وَاْلْفَتْحُ}:

سُمِّيت بهذا الاسم؛ لافتتاحها به، وقد وردت هذه التسميةُ في كلام السلف رضوان الله عليهم؛ ومن ذلك:

ما جاء عن عائشةَ رضي الله عنها، قالت: «ما صلَّى النبيُّ صلى الله عليه وسلم صلاةً بعد أن نزَلتْ عليه: {إِذَا جَآءَ نَصْرُ اْللَّهِ وَاْلْفَتْحُ} إلا يقولُ فيها: «سُبْحانَك ربَّنا وبحمدِك، اللهمَّ اغفِرْ لي»». أخرجه البخاري (4967).

* سورة (النَّصْر) تَعدِل رُبُعَ القرآن:

عن أنسِ بن مالكٍ رضي الله عنه: «أنَّ رسولَ اللهِ ﷺ قال لرجُلٍ مِن أصحابِه: «هل تزوَّجْتَ يا فلانُ؟»، قال: لا واللهِ يا رسولَ اللهِ، ولا عندي ما أتزوَّجُ به، قال: «أليس معك {قُلْ هُوَ اْللَّهُ أَحَدٌ}؟»، قال: بلى، قال: «ثُلُثُ القرآنِ»، قال: «أليس معك {إِذَا جَآءَ نَصْرُ اْللَّهِ وَاْلْفَتْحُ}؟»، قال: بلى، قال: «رُبُعُ القرآنِ»، قال: «أليس معك {قُلْ يَٰٓأَيُّهَا اْلْكَٰفِرُونَ}؟»، قال: بلى، قال: «رُبُعُ القرآنِ»، قال: «أليس معك {إِذَا زُلْزِلَتِ اْلْأَرْضُ زِلْزَالَهَا}؟»، قال: بلى، قال: «رُبُعُ القرآنِ»، قال: «تزوَّجْ، تزوَّجْ»». أخرجه الترمذي (٢٨٩٥).

تمام الدِّين، وانتصارُ النبي عليه السلام (١-٣).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (9 /422).

الوعدُ بنصرِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وفتحِ مكة، ودخولِ الناس في هذا الدِّين أفواجًا، والإيماءُ إلى أنه حين يقع ذلك، فقد اقترب انتقالُ رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الرَّفيقِ الأعلى.

ينظر: "التحرير والتنوير" لابن عاشور (30 /589).