بسم الله الرحمن الرحيم
( تفسير ) ( ١ ) سورة مريم مكية ( و ) ( ٢ ) قد روينا عن ابن مسعود - رضي الله عنه - أنه قال :«سورة بني إسرائيل والكهف ومريم وطه من تلادي، وفي رواية : من العتاق الأول ».٢ - ليست في "ك"..
ﰡ
فَإِن قيل: لم أخْفى؟ وَالْجَوَاب من وُجُوه: أَحدهَا: أَنه أفضل، وَالْآخر: لِأَنَّهُ استحيا من النَّاس أَن يَدْعُو جَهرا، فَيَقُولُونَ: انْظُرُوا إِلَى هَذَا الشَّيْخ يسْأَل على كبره الْوَلَد!. وَيُقَال: إِنَّه أخْفى، لِأَنَّهُ دَعَا فِي جَوف اللَّيْل، وَهُوَ ساجد.
قَوْله: ﴿واشتعل الرَّأْس شيبا﴾ أَي: شعر الرَّأْس. وَالْعرب تَقول إِذا كثر الشيب فِي الرَّأْس: اشتعل رَأسه، وَهَذَا أحسن اسْتِعَارَة، لِأَنَّهُ يشتعل فِيهِ كاشتعال النَّار فِي الْحَطب.
وَقَوله: ﴿وَلم أكن بدعائك رب شقيا﴾ فِيهِ قَولَانِ: أَحدهمَا: أَنَّك عودتني الْإِجَابَة، وَلم تخيبني، وَالْآخر: وَلم أكن بدعائك لي شقيا يَعْنِي: لما دعوتني إِلَى الْإِيمَان آمَنت، وَلم أشق بترك الْإِيمَان.
وَقَوله: ﴿ورائي﴾ أَي بعدِي، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: ورائي أَي: أَمَامِي. وَالْقَوْل الأول أصح.
وَفِي الشاذ: " وَإِنِّي خفت الموَالِي من ورائي " أَي: قلت.
وَقَوله: ﴿وَكَانَت امْرَأَتي عاقرا﴾. العاقر: هِيَ الَّتِي لَا تَلد.
وَقَوله: ﴿فَهَب لي من لَدُنْك وليا﴾.
وَالْجَوَاب: أَنه اخْتلف الْأَقْوَال فِي الْإِرْث: فَعَن ابْن عَبَّاس: أَنه أَرَادَ بِهِ إِرْث المَال، وَهُوَ قَول جمَاعَة، وَعنهُ أَيْضا أَن المُرَاد مِنْهُ: إِرْث الْعلم، وَهُوَ قَول الْحسن الْبَصْرِيّ، وَفِيه قَول ثَالِث: أَنه مِيرَاث الحبورة، فَإِنَّهُ كَانَ رَأس الْأَحْبَار.
قَالَ الزّجاج: وَالْأولَى أَن يحمل على مِيرَاث غير المَال؛ لِأَنَّهُ يبعد أَن يشفق زَكَرِيَّاء عَلَيْهِ السَّلَام - وَهُوَ نَبِي من الْأَنْبِيَاء - أَن يَرِثهُ بَنو عَمه وعصبته مَالا، وَقد ثَبت عَن النَّبِي أَنه قَالَ: " كَانَ زَكَرِيَّا نجارا ". قَالَ الشَّيْخ الإِمَام الْأَجَل: أخبرنَا بِهِ أَبُو الْحسن أَحْمد بن مُحَمَّد بن النقور، قَالَ أَبُو الْقَاسِم بن حبابة، قَالَ عبد الله بن مُحَمَّد بن عبد الْعَزِيز الْبَغَوِيّ، قَالَ هدبة بن خَالِد، عَن حَمَّاد بن سَلمَة، عَن ثَابت، عَن أبي رَافع عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي... الْخَبَر. خرجه مُسلم فِي الصَّحِيح، وَلم يُخرجهُ البُخَارِيّ؛ لِأَنَّهُ لَا يرْوى عَن حَمَّاد بن سَلمَة.
وَالْمرَاد من الْخَوْف أَنه أَرَادَ أَن يكون وَارثه فِي النُّبُوَّة والحبورة وَلَده، وَقد قَالَ النَّبِي: " إِذا مَاتَ ابْن آدم انْقَطع [عمله] إِلَّا من ثَلَاثَة.. وَقَالَ فِيهَا: ولد صَالح يَدْعُو لَهُ ".
وَقَوله: ﴿وَيَرِث من آل يَعْقُوب﴾ قيل: النُّبُوَّة، وَقيل: الْملك؛ لِأَن زَكَرِيَّا كَانَ من بَيت الْملك.
وَقَوله: ﴿واجعله رب رَضِيا﴾ أَي: مرضيا.
وَقَوله: ﴿بِغُلَام اسْمه يحيى لم نجْعَل لَهُ من قبل سميا﴾ يَعْنِي: من تسمى باسمه. فَإِن قيل: وَأي فَضِيلَة لَهُ فِي هَذَا؟ قُلْنَا: فَضِيلَة التَّخْصِيص، وَقيل: فَضِيلَة تَسْمِيَة الله إِيَّاه بِهَذَا الِاسْم. وَفِي الْآيَة قَول آخر: هُوَ أَن قَوْله: ﴿لم نجْعَل لَهُ من قبل سميا﴾ أَي: شبها ومثلا؛ فَإِنَّهُ لم يُذنب، وَلم يهم بذنب، وَمَا من أحد إِلَّا وَقد أذْنب أَو هم بذنب. وَقد رُوِيَ هَذَا عَن النَّبِي فِي خبر مُسْند أَنه قَالَ: " مَا من أحد يَأْتِي الله يَوْم الْقِيَامَة إِلَّا وَقد أذْنب أَو هم بذنب غير يحيى بن زَكَرِيَّا، ثمَّ أَخذ عودا صَغِيرا من الأَرْض وَقَالَ: مَا كَانَ لَهُ إِلَّا مثل هَذَا " وَالْخَبَر غَرِيب.
وَقيل فِي منع الشُّبْهَة: أَنه لم تَلد عَاقِر من النِّسَاء مثله.
وَقَرَأَ ابْن مَسْعُود: " عسيا " بِالسِّين، وَالْمعْنَى وَاحِد.
وَقيل: كَيفَ سَأَلَ الله الْوَلَد فَلَمَّا أُجِيب قَالَ: ﴿أَنى يكون لي غُلَام﴾ ؟
وَالْجَوَاب عَنهُ من وَجْهَيْن: أَحدهمَا: أَنه كَانَ قَالَ حَال الشَّبَاب، ثمَّ إِنَّه أُجِيب فِي حَال الْكبر. وَهَذَا قَول ضَعِيف.
القَوْل الثَّانِي: أَن مَعْنَاهُ: أَنى يكون لي غُلَام؟ يَعْنِي: كَيفَ يكون لي غُلَام؟ أفتردني إِلَى حَال الشَّبَاب أَو تهب لي الْغُلَام وَأَنا شيخ؟ وَقيل: إِنَّه سَأَلَ الْوَلَد مُطلقًا لَا من هَذِه الْمَرْأَة، فَقَالَ: كَيفَ يكون لي الْغُلَام؟ أَمن هَذِه الْمَرْأَة أَو من غَيرهَا؟
وَقَوله: ﴿وَقد خلقتك من قبل وَلم تَكُ شَيْئا﴾ قد بَينا.
وَقَوله: ﴿قَالَ آيتك أَلا تكلم النَّاس ثَلَاث لَيَال سويا﴾ أَي: مُتَتَابِعَات، وَقيل: فِيهِ تَقْدِيم وَتَأْخِير، وَمَعْنَاهُ: أَلا يتَكَلَّم النَّاس سويا يَعْنِي: وَأَنت سوي لَا آفَة بك ثَلَاث لَيَال.
وَفِي الْقِصَّة: أَنه لم يقدر أَن يتَكَلَّم مَعَ النَّاس، وَكَانَ إِذا أَرَادَ التَّسْبِيح وَذكر الله يُطلق لِسَانه.
وَقَوله: ﴿فَأوحى إِلَيْهِم﴾ أَي: أَوْمَأ إِلَيْهِم ﴿أَن سبحوا بكرَة وعشيا﴾
وَرُوِيَ أَنه كَانَ يَدُور على الْأَحْبَار كل يَوْم بكرَة وعشيا، وَيَأْمُرهُمْ بِالْعبَادَة وَالصَّلَاة، فَلَمَّا كَانَ فِي هَذِه الْأَيَّام جعل يُشِير، وَيُقَال: إِنَّه كتب حَتَّى قرءوا مِنْهُ.
وَقَالَ بعض أهل الْعلم: إِن أَخذ لِسَانه عَن الْكَلَام كَانَ عُقُوبَة عَلَيْهِ لما سَأَلَ الله تَعَالَى عَن الْآيَة بعد أَن سمع وعد الله إِيَّاه، وَالله أعلم.
وَقَوله: ﴿خُذ الْكتاب بِقُوَّة﴾ أَي: بجد واجتهاد.
وَقَوله: ﴿وَآتَيْنَاهُ الحكم صَبيا﴾ أَي النُّبُوَّة. هَذَا قَول أَكثر الْمُفَسّرين، وَقَالَ قَتَادَة: أعْطى النُّبُوَّة وَهُوَ ابْن ثَلَاث سِنِين. وَقيل: المُرَاد من الحكم هُوَ الْعلم، فَقَرَأَ التَّوْرَاة، وَهُوَ صَغِير. وَعَن بعض السّلف قَالَ: من قَرَأَ الْقُرْآن قبل أَن يبلغ، فَهُوَ مِمَّن أُوتِيَ الحكم صَبيا. وَفِي الْآيَة قَول ثَالِث رَوَاهُ أَبُو وَائِل: وَهُوَ أَن يحيى قيل لَهُ وَهُوَ صَغِير: تعال نلعب، فَقَالَ: مَا للعب خلقت ". فَهُوَ معنى قَوْله تَعَالَى: ﴿وَآتَيْنَاهُ الحكم صَبيا﴾.
(أَبَا مُنْذر (أفنيت فَاسْتَبق بَعْضنَا)
حنانيك بعض الشَّرّ أَهْون من بعض)
هُوَ مَأْخُوذ من التحنن وَهُوَ التعطف.
وَقَوله: " وَزَكَاة " أَي " طَهَارَة وتوفيقا، وَقيل: إخلاصا.
وَقَوله: ﴿وَكَانَ تقيا﴾. وَصفه بالتقوى؛ لِأَنَّهُ لم يُذنب، وَلم يهم بذنب.
وَقَوله: ﴿وَلم يكن جبارا عصيا﴾ الْجَبَّار هُوَ الَّذِي يقتل على
وَقَوله: ﴿مَكَانا شرقيا﴾ أَي: من جَانب الْمشرق، وَيُقَال: كَانَ يَوْمًا شاتيا شَدِيد الْبرد، فَذَهَبت إِلَى مشرقه تفلي رَأسهَا. وَرُوِيَ أَنَّهَا كَانَت طهرت من الْحيض فَذَهَبت لتغتسل.
وَقَوله: ﴿فَأَرْسَلنَا إِلَيْهَا رُوحنَا﴾ الْأَكْثَرُونَ على أَنه جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام، وَفِيه قَول آخر: أَن المُرَاد من الرّوح عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام، جَاءَ فِي صُورَة بشر، وحملت بِهِ، وَالصَّحِيح هُوَ القَوْل الأول.
قَوْله تَعَالَى: ﴿فتمثل لَهَا بشرا سويا﴾ فِي الْقِصَّة: أَنه جِبْرِيل جَاءَ فِي صُورَة غُلَام أَمْرَد وضىء الْوَجْه، (لَهُ) جعد قطط.
وَقَوله: ﴿ولنجعله آيَة للنَّاس﴾ أَي: عَلامَة للنَّاس وَدلَالَة.
قَوْله: ﴿وَرَحْمَة منا﴾ أَي: ونعمة منا.
وَقَوله: ﴿وَكَانَ أمرا مقضيا﴾ أَي: مَحْكُومًا [محتما] لَا يرد وَلَا يُبدل.
وَقَوله: ﴿فانتبذت﴾ أَي: فتنحت وَتَبَاعَدَتْ ﴿بِهِ مَكَانا قصيا﴾ أَي: شاسعا بَعيدا.
قَالَ ابْن عَبَّاس: كَانَ الْحمل والولادة فِي سَاعَة وَاحِدَة.
وَقَالَ غَيره: حملت بِهِ ثَمَانِيَة أشهر، وَولدت لَهَا، وَلَا يعِيش ولد فِي الْعَالم يود لثمانية أشهر، وَكَانَ هَذَا معْجزَة لعيسى.
وَفِي الْقِصَّة عَن مَرْيَم أَنَّهَا قَالَت: كنت إِذا خلوت جعل عِيسَى يحدثني، وَأَنا أحدثه وَهُوَ فِي بَطْني، وَإِذا كنت مَعَ النَّاس، وتكلمت مَعَهم أَخذ يسبح وأسمع تسبيحه.
(وجار سَار مُعْتَمدًا عَلَيْكُم | فاجاءته المخافة والرجاء) |
وَقَوله تَعَالَى: ﴿قَالَت يَا لَيْتَني مت قبل هَذَا وَكنت نسيا منسيا﴾
النسي فِي اللُّغَة: كمل مَا (إِذا) ألقِي لم يذكر وَنسي؛ لحقارته وخساسته. وَقَوله: ﴿نسيا﴾ أَي: متروكا. وَعَن ابْن عَبَّاس قَالَ: مَعْنَاهُ: يَا لَيْتَني لم أخلق، وَلم أك شَيْئا. وَعَن قَتَادَة: لم أعرف وَلم أذكر. وَعَن مُجَاهِد قَالَ: دم حَيْضَة ملقاة.
فَإِن قيل: لم تمنت الْمَوْت؟. وَالْجَوَاب: أَنَّهَا تمنت الْمَوْت استحياء من قَومهَا. وَيُقَال: إِنَّهَا تمنت الْمَوْت، لِأَنَّهَا علمت أَن النَّاس يكفرون بِسَبَب ابْنهَا وبسببها، فتمنت الْمَوْت حَتَّى لَا يعْصى الله بِسَبَبِهَا وبسبب ابْنهَا.
وَفِي الْقِصَّة: أَن مَرْيَم كَانَت على أكمة، فَكَانَ جِبْرِيل وَرَاء الأكمة تحتهَا.
وَقَوله: ﴿أَلا تحزني﴾. أَلا تغتمي بِالْولادَةِ من غير زوج وبالوحدة.
وَقَوله: ﴿قد جعل رَبك تَحْتك سريا﴾ أَكثر الْمُفَسّرين أَن السّري هَاهُنَا هُوَ: النَّهر، وَيُسمى سريا؛ لِأَنَّهُ يسري فِيهِ المَاء، وَقَالَ إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ: هُوَ نهر صَغِير.
وَفِي الْقِصَّة: أَنه كَانَ هُنَاكَ نهر يَابِس فَأجرى الله تَعَالَى فِيهِ المَاء، وَالدَّلِيل على صِحَة هَذَا القَوْل أَن الله تَعَالَى قَالَ فِي الْآيَة الْأُخْرَى: ﴿فكلي واشربي﴾ أَي: كلي من الرطب، واشربي من النَّهر، وَقَالَ الشَّاعِر فِي السّري بِمَعْنى النَّهر:
(سهل الْخَلِيفَة ماجد ذِي نائل | مثل السّري عدَّة الْأَنْهَار) |
(إِن السّري إِذا سرى بِنَفسِهِ | وَابْن السّري إِذا سرى أسراهما) |
(فتصدعت صم الْجبَال لمَوْته | وبكت عَلَيْهِ المرملات مَلِيًّا) |
قَالَ بَعضهم: هَذَا سَلام هجران ومفارقة. وَقَالَ بَعضهم: هُوَ سَلام بر ولطف، وَهُوَ جَوَاب حَلِيم لسفيه، قَالَ الله تَعَالَى: ﴿وَإِذا خاطبهم الجاهلون قَالُوا سَلاما﴾.
وَيُقَال: معنى قَوْله: ﴿سَلاما﴾ أَي: سَلامَة لَك مني؛ لِأَنَّهُ لم يكن أَمر بقتاله.
وَقَوله: ﴿سأستغفر لَك رَبِّي﴾. فِيهِ قَولَانِ: أَحدهمَا: سأستغفر لَك رَبِّي إِن آمَنت، وَالْقَوْل الثَّانِي: سأسأل الله لَك التَّوْبَة الَّتِي توجب الْمَغْفِرَة، وَقد كَانَت تَوْبَته هِيَ الْإِيمَان. وَقَوله: ﴿إِنَّه كَانَ بِي حفيا﴾ أَي: عودني الْإِجَابَة لدعائي. وَقيل: محبا.
وَقَوله: ﴿وَمَا تدعون من دون الله﴾ أَي: تَعْبدُونَ من دون الله.
وَقَوله: ﴿وأدعو رَبِّي﴾ أَي: وأعبد رَبِّي.
وَقَوله: ﴿عَسى أَلا أكون بِدُعَاء رَبِّي شقيا﴾ عَسى من الله وَاجِب، وَالدُّعَاء بِمَعْنى الْعِبَادَة، والشقاوة: الخيبة من الرَّحْمَة.
وَمَعْنَاهُ: أَنا أعطيناه أَوْلَادًا كراما بررة عوض الَّذين كَانَ يَدعُوهُم إِلَى عبَادَة الله فَلم يجيبوا.
وَقَوله: ﴿وكلا جعلنَا نَبيا﴾ يَعْنِي: إِسْحَاق وَيَعْقُوب.
وَقَوله: ﴿وَجَعَلنَا لَهُم لِسَان صدق عليا﴾ أَي: ثَنَاء حسنا إِلَى يَوْم الْقِيَامَة، وَقد بَينا أَن كل أهل الْأَدْيَان يتولون: إِبْرَاهِيم، فَهُوَ الثَّنَاء الْحسن إِلَى يَوْم الْقِيَامَة.
وَقَوله: ﴿وَكَانَ رَسُولا نَبيا﴾. قيل: الرَّسُول وَالنَّبِيّ وَاحِد، وَقد فرق بَينهمَا، وَقد بَينا من قبل.
وَقَوله: ﴿الْأَيْمن﴾ وَقيل: يَمِين الْجَبَل، وَقيل: يَمِين مُوسَى، وَالأَصَح يَمِين مُوسَى؛ لِأَن الْجَبَل لَيْسَ لَهُ يَمِين وَلَا شمال.
وَقَوله: ﴿وقربناه نجيا﴾ قَالَ ابْن عَبَّاس: أدناه حَتَّى سمع صرير الْقَلَم، وَقيل: صريف الْقَلَم. وَفِي رِوَايَة: رَفعه على الْحجب.
وَيُقَال: قربناه نجيا أَي: كلمناه، والتقريب هَا هُنَا هُوَ التَّكَلُّم، وَأما النجي فَهُوَ المناجي، وَكَأن مَعْنَاهُ على هَذَا القَوْل: أَن الله يكلمهُ، وَهُوَ يكلم الله.
وَقَوله: ﴿إِنَّه كَانَ صَادِق الْوَعْد﴾ قَالَ سُفْيَان: لم يعد الله شَيْئا من نَفسه إِلَّا وفى بِهِ، وَمن الْمَعْرُوف أَنه وعد إنْسَانا شَيْئا فأنتظره ثَلَاثَة أَيَّام فِي مَكَان وَاحِد، فَسُمي صَادِق الْوَعْد، وَيُقَال: انتظره حولا.
وَعَن سُفْيَان الثَّوْريّ أَنه قَالَ: إِن للكذاب أطرافا، وَأعظم الْكَذِب إخلاف المواعيد، واتهام الأبرياء.
وَفِي بعض الْأَخْبَار: " أَن النَّبِي بَايع رجلا قبل الْوَحْي، فَقَالَ لَهُ ذَلِك الرجل: مَكَانك يَا مُحَمَّد، حَتَّى أرجع إِلَيْك، وَذهب وَنسي، ثمَّ مر بذلك الْمَكَان بعد ثَلَاثَة أَيَّام، فَوجدَ النَّبِي جَالِسا، فَقَالَ لَهُ النَّبِي: أتعبتني أَيهَا الرجل، أَنا أنتظرك
وَقد ثَبت عَن النَّبِي أَنه جعل إخلاف الْوَعْد ثلث النِّفَاق.
وَعَن زيد بن أَرقم، أَن من وعد إنْسَانا وَمن نِيَّته أَن يَفِي بِهِ، ثمَّ لم يتَّفق الْوَفَاء، فَإِنَّهُ لَا يدْخل فِي هَذَا الْوَعيد.
وروى [قباث] بن أَشْيَم أَن النَّبِي قَالَ: " الْعدة عَطِيَّة ". هُوَ خبر غَرِيب.
وَقَوله: ﴿وَكَانَ رَسُولا نَبيا﴾ قد بَينا.
وَقَالَ أهل التَّفْسِير: إِن معنى قَوْله: ﴿وَكَانَ يَأْمر أَهله﴾ أَي: أمته، وَإِن أمة كل نَبِي أهلوه.
وَقَوله: ﴿وَكَانَ عِنْد ربه مرضيا﴾ أَي: مُخْتَارًا وَمَعْنَاهُ: رضيه الله لنبوته ورسالته.
وَقَالَ مُحَمَّد بن إِسْحَاق: هُوَ أول من خطّ بالقلم، وَأول من لبس الثِّيَاب، وَكَانَ من قبله يلبسُونَ الْجُلُود، وَأول من اتخذ السِّلَاح وَقَاتل الْكفَّار.
قَوْله: ﴿إِنَّه كَانَ صديقا نَبيا﴾ قد بَينا.
وَقيل: هِيَ الرّفْعَة بعلو الْمرتبَة. وَاخْتلف القَوْل فِي أَنه فِي السَّمَاء الرَّابِعَة حَيّ أم ميت: أحد الْقَوْلَيْنِ: أَنه حَيّ.
قَالَ قوم من أهل الْعلم: أَرْبَعَة من الْأَنْبِيَاء فِي الْأَحْيَاء، اثْنَان فِي السَّمَاء، وَاثْنَانِ فِي الأَرْض، أما اللَّذَان فِي السَّمَاء: فإدريس، وَعِيسَى، وَأما اللَّذَان فِي الأَرْض: فالخضر، وإلياس.
وَالْقَوْل الثَّانِي: إِن إِدْرِيس ميت. قَالَ كَعْب الْأَحْبَار: كَانَ لإدريس صديق من الْمَلَائِكَة، فَقَالَ لَهُ: إِنِّي أحب أَن أعرف مَتى أَمُوت؛ لِأَزْدَادَ من الْعَمَل، فَهَل لَك أَن تسْأَل ملك الْمَوْت؟ فَقَالَ: أسأله وَأَنت تسمع، ثمَّ رَفعه تَحت جنَاحه إِلَى السَّمَاء، وَجَاء إِلَى ملك الْمَوْت، فَقَالَ: هَل تعرف أَن إِدْرِيس مَتى يَمُوت؟ فَقَالَ: حَتَّى أنظر، ثمَّ
وَقَوله: ﴿وَمِمَّنْ حملنَا مَعَ نوح﴾. أَي: وَمن ذُرِّيَّة من حملنَا مَعَ نوح، وَالْمرَاد مِنْهُ: إِبْرَاهِيم؛ لِأَنَّهُ كَانَ من ولد سَام بن نوح.
وَقَوله: ﴿وَمن ذُرِّيَّة إِبْرَاهِيم﴾ المُرَاد مِنْهُ: إِسْمَاعِيل وَإِسْحَاق وَيَعْقُوب.
وَقَوله تَعَالَى: ﴿وَإِسْرَائِيل﴾. أَي: من ذُرِّيَّة إِسْرَائِيل، وَالْمرَاد مِنْهُ: مُوسَى وَدَاوُد وَسليمَان ويوسف وَعِيسَى، وكل أَنْبيَاء بني إِسْرَائِيل.
وَقَوله: ﴿وَمِمَّنْ هدينَا واجتبينا﴾ هَذَا يرجع إِلَى الْأَوَّلين، وَمَعْنَاهُ: أَنا هديناهم، واختبرناهم، وَهَؤُلَاء ذُرِّيتهمْ.
وَقَوله: ﴿إِذا تتلى عَلَيْهِم آيَات الرَّحْمَن خروا سجدا﴾ أَي: سقطوا، وَقيل: وَقَعُوا بِوُجُوهِهِمْ ساجدين، والسجد جمع ساجد.
وَقَوله: ﴿وبكيا﴾ أَي: بَاكِينَ.
وَرُوِيَ أَن النَّبِي مر على رجل، وَهُوَ ساجد يَدْعُو، فَقَالَ: " هَذَا السُّجُود وَأَيْنَ الْبكاء "؟ !.
وَقَوله: ﴿أضاعوا الصَّلَاة﴾. فِيهِ قَولَانِ: أَحدهمَا: أخروها عَن وَقتهَا، وَالْآخر: تركوها أصلا. وَعَن ابْن شَوْذَب: هُوَ التَّأْخِير عَن الْوَقْت، وَلَو تركوها أصلا لكفروا.
وَقَالَ عمر بن عبد الْعَزِيز: هُوَ شربهم الْخمر، وتركهم الصَّلَاة.
وَقَالَ مُجَاهِد: هَؤُلَاءِ قوم يظهرون فِي آخر الزَّمَان ينزوا بَعضهم على بعض فِي الْأَسْوَاق والأزقة، وَقيل: هم الزناة. وَيُقَال: أضاعوا الصَّلَاة بِاتِّبَاع الشَّهَوَات.
وَقَوله: ﴿فَسَوف يلقون غيا﴾ قيل: الغي وَاد فِي جَهَنَّم، وَقيل: غيا: هَلَاكًا، وَقيل: غيا: جُزْءا غيهم. شعر:
(وَمن يلق خيرا يحمد النَّاس أمره | وَمن يغو لَا يعْدم على الغي لائما) |
" حق لِابْنِ آدم أَن يبكي | وَذكر نَحوا من هَذَا ". |
وَالْقَوْل الثَّالِث: أَن المُرَاد من الْوُرُود هُوَ الْحُضُور والرؤية دون الدُّخُول. وَهَذَا قَول الْحسن وَقَتَادَة، وَقد يذكر الْوُرُود بِمَعْنى الْحُضُور، قَالَ الله تَعَالَى: ﴿وَلما ورد مَاء مَدين﴾ أَي: حضر. وَقَالَ زُهَيْر شعرًا:
(وَلما وردن المَاء زرقا جمامه | تركن عصي الْحَاضِر المتخيم) |
(أَبيت نجيا للهموم كأنني | أخاصم أقوما ذَوي جدل لدا) |