أَيْ: عَظِيمًا.
قَالَ مُحَمَّدٌ: يُقَالُ: فُلَانٌ يَفْرِي الْفَرْيَ إِذَا عَمِلَ عَمَلًا أَوْ قَالَ قَوْلًا فَبَالَغَ فِيهِ؛ كَانَ فِي خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ، وَأَنْشَدَ بَعْضُهُمْ:
(أَلَا رُبَّ مَنْ يَدْعُو صَدِيقًا وَلَوْ تَرَى مَقَالَتَهُ بِالْغَيْبِ سَاءَكَ مَا يَفْرِي)
قَوْلُهُ: ﴿يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبوك امْرأ سوء﴾ أَيْ: مَا كَانَ زَانِيًا. قَالَ قَتَادَةُ: لَيْسَ بِهَارُونَ أَخِي مُوسَى، وَلَكِنَّهُ هَارُونُ آخَرُ كَانَ يُسَمَّى هَارُونَ الصَّالِحَ الْمُحَبَّبَ فِي عَشِيرَتِهِ، الْمَعْنَى: يَا شَبِيهَةَ هَارُونَ فِي عِبَادَته وفضله.
﴿فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ﴾ بِيَدِهَا قَالَ قَتَادَةُ: أَمَرَتْهُمْ بِكَلَامِهِ
﴿قَالُوا كَيفَ نُكَلِّم﴾ أَيْ:
94
كَيفَ نُكَلِّم
﴿من كَانَ﴾ أَي: من هُوَ
﴿من المهد صَبيا﴾ وَالْمَهْدُ: الْحِجْرُ؛ فِي تَفْسِيرِ قَتَادَةَ.
95
﴿وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَمَا كنت﴾ يَقُول: جعلني معلما مؤدبا
﴿وَلم يَجْعَلنِي جبارا﴾ أَيْ: مُسْتَكْبِرًا عَنْ عِبَادَةِ اللَّهِ
﴿وَالسَّلَام عَليّ يَوْم ولدت﴾ الْآيَةُ، وَلَمْ يَتَكَلَّمْ بَعْدَ ذَلِكَ بِشَيْءٍ حَتَّى بَلَغَ مَبْلَغَ الْغِلْمَانَ
﴿ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحق﴾ قَالَ الْحَسَنُ: الْحَقُّ: هُوَ اللَّهُ.
قَالَ مُحَمَّدٌ: مَنْ قَرَأَ (قَوْلُ) بِالرَّفْعِ؛ فَالْمَعْنَى: هُوَ قَوْلُ الْحَقِّ. ﴿الَّذِي فِيهِ يمترون﴾ قَالَ قَتَادَةُ: امْتَرَتْ فِيهِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى؛ أَمَّا الْيَهُودُ؛ فَزَعَمُوا أَنَّهُ سَاحِرٌ كَذَّابٌ، وَأَمَّا النَّصَارَى فَزَعَمُوا أَنَّهُ ابْنُ اللَّهِ وَثَالِثُ ثَلَاثَةٍ [وإله]
﴿مَا كَانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ من ولد سُبْحَانَهُ﴾ (ل ٢٠٣) يُنَزِّهُ نَفْسَهُ عَمَّا يَقُولُونَ ﴿إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كن فَيكون﴾ [يَعْنِي: عِيسَى] كَانَ فِي عِلْمِهِ أَنْ يَكُونَ مِنْ غَيْرِ أَبٍ.
قَالَ مُحَمَّدٌ: قَوْلُهُ: ﴿أَنْ يَتَّخِذَ من ولد﴾ الْمَعْنَى: أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا وَمِنْ مُؤَكدَة.
﴿وَإِن الله رَبِّي وربكم﴾ الآيَةَ، هَذَا قَوْلُ عِيسَى لَهُمْ
﴿فَاخْتلف الْأَحْزَاب من بَينهم﴾ يَعْنِي: النَّصَارَى؛ فَتَجَادَلُوا فِي عِيسَى؛ فَقَالَتْ فِرْقَةٌ: هُوَ ابْنُ اللَّهِ، وَقَالَتْ فِرْقَةٌ: إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيح ابْن مَرْيَمَ، وَقَالَتْ فِرْقَةٌ: اللَّهُ إِلَهٌ، وَعِيسَى إِلَهٌ، وَمَرْيَمُ إِلَهٌ.
95
قَالَ اللَّهُ:
﴿فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ أَسْمِعْ بهم وَأبْصر يَوْم يأتوننا﴾ وَذَلِكَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ يَقُولُ: مَا أسمعهم يَوْمئِذٍ وَمَا أَبْصَرَهُمْ؛ سَمِعُوا حِينَ لَمْ يَنْفَعْهُمُ السَّمَعُ، وَأَبْصَرُوا حِينَ لَمْ يَنْفَعهُمْ الْبَصَر.
سُورَة مَرْيَم من (آيَة ٣٩ آيَة ٤٥).
96
﴿ أسمع بهم وأبصر يوم يأتوننا ﴾ وذلك يوم القيامة يقول : ما أسمعهم يومئذ وما أبصرهم، سمعوا حين لم ينفعهم السمع، وأبصروا حين لم ينفعهم البصر.
﴿وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمر﴾ يَعْنِي: إِذْ وَجَبَ الْعَذَابُ فَوَقَعَ بِأَهْلِ النَّارِ.
يَحْيَى: عَنْ صَاحِبٍ لَهُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ، عَنْ أَبِي الزَّعْرَاءَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ؛ أَنَّهُ ذَكَرَ حَدِيثًا فِي الْبَعْثِ؛ قَالَ: " فَلَيْسَ مِنْ نَفْسٍ إِلَّا وَهِيَ تَنْظُرُ إِلَى بَيْتٍ فِي الْجَنَّةِ وَبَيْتٍ فِي النَّارِ. قَالَ: وَهُوَ يَوْمُ الْحَسْرَةِ، فَيَرَى أَهْلُ النَّارِ الْبَيْتَ الَّذِي فِي الْجَنَّةِ، قَالَ: ثُمَّ يُقَالُ لَهُمْ: لَوْ عَمِلْتُمْ؛ فَتَأَخْذُهُمُ الْحَسْرَةُ، وَيَرَى أَهْلُ الْجَنَّةِ الْبَيْتَ الَّذِي فِي النَّارِ، قَالَ: فَيُقَالُ لَهُمْ: لَوْلَا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ ".
96
﴿وهم فِي غَفلَة﴾ فِي الدُّنْيَا؛ وَهَذَا كَلَامٌ مُسْتَقْبَلٌ
﴿وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ﴾ .
97
﴿إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا﴾ أَيْ: نُهْلِكَ الْأَرْضِ وَمِنْ عَلَيْهَا ﴿وإلينا يرجعُونَ﴾ يَوْم الْقِيَامَة.
﴿وَاذْكُر فِي الْكتاب إِبْرَاهِيم﴾ أَي: اقرأه عَلَيْهِم
﴿إِذْ قَالَ لأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يبصر﴾ يَعْنِي: الْأَصْنَام
﴿يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ﴾ أَيْ: إِنَّ عِبَادَةَ الْوَثَنِ عِبَادَةٌ الشَّيْطَان.
﴿ يا أبت لا تعبد الشيطان ﴾ أي : إن عبادة الوثن عبادة الشيطان.
﴿يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ للشَّيْطَان وليا﴾ أَيْ: إِذَا نَزَلَ بِكَ الْعَذَابُ لَمْ تُقْبَلْ تَوْبَتُكَ، وَمَا لَمْ يَنْزِلْ بِكَ فَتَوْبَتُكَ مَقْبُولَةٌ إِنْ تُبْتَ.
قَالَ مُحَمَّدٌ: (يَا أَبَتِ) الْوَقْفُ عَلَيْهِ بِالْهَاءِ: (يَا أَبَهْ) الْهَاءُ عِوَضٌ مِنْ يَاءِ الْإِضَافَةِ.
سُورَة مَرْيَم من (آيَة ٤٦ آيَة ٥١).
﴿قَالَ أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيم﴾ أَنْ تَعْبُدَهَا ﴿لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ﴾ عَن شتمها وذمها ﴿لأرجمنك﴾ أَيْ: بِالْحِجَارَةِ فَلَأَقْتُلَنَّكَ بِهَا.
وَقَالَ السّديّ: معنى (لأرجمنك): لَأَشْتِمَنَّكَ.
قَالَ مُحَمَّدٌ: تَقُولُ الْعَرَبُ: فُلَانٌ يَرْمِي فُلَانًا، وَفُلَانٌ يَرْجُمُ فُلَانًا؛ بِمَعْنًى وَاحِدٍ؛ يُرِيدُونَ الشَّتْمَ. ﴿واهجرني مَلِيًّا﴾ يَعْنِي: طَويلا
﴿قَالَ سَلام عَلَيْك﴾ إِبْرَاهِيمُ يَقُولُهُ، قَالَ الْحَسَنُ: هَذِهِ كَلِمَةُ حِلْمٍ ﴿سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّه كَانَ بِي حفيا﴾ .
قَالَ الْكَلْبِيُّ: يَعْنِي: رَحِيمًا، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَطِيفًا.
قَالَ مُحَمَّدٌ: حَفِيَ فُلَانٌ بِفُلَانٍ حِفْوَةً وَحَفَاوَةً؛ إِذَا بره وألطفه.
﴿عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شقيا﴾ أَيْ: عَسَى أَنْ أَسْعَدَ بِهِ
﴿وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ﴾ إِلَى قَوْلِهِ: ﴿وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عليا﴾ أَيْ: رَفِيعًا؛ يَعْنِي: الثَّنَاءَ عَلَيْهِمْ من بعدهمْ.
سُورَة مَرْيَم من (آيَة ٥١ آيَة ٥٧).
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٤٩: ﴿ وهبنا له إسحاق ويعقوب... ﴾ إلى قوله ﴿ وجعلنا لهم لسان صدق عليا ﴾ أي : رفيعا، يعني الثناء عليهم من بعدهم.
﴿وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الأَيْمَنِ﴾ أَيمن الْجَبَل ﴿وقربناه نجيا﴾ يَعْنِي: حِينَ كَلَّمَهُ.
قَالَ مُحَمَّدٌ: (نجيا) يَعْنِي: مناجيا.
﴿وَوَهَبْنَا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُون نَبيا﴾ جَعَلَهُ اللَّهُ لَهُ وَزِيرًا، وَأَشْرَكَهُ مَعَه فِي الرسَالَة).
﴿إِنَّه كَانَ صَادِق الْوَعْد﴾ .
يَحْيَى: عَنْ أَبَانٍ الْعَطَّارِ " أَنَّ إِسْمَاعِيلَ وَعَدَ رَجُلًا مَوْعِدًا؛ فَجَاءَ لِلْمَوْعِدِ فَلَمْ يَجِدِ الرَّجُلَ، فَأَقَامَ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ حَوْلًا يَنْتَظِرُهُ ".
﴿وَكَانَ عِنْد ربه مرضيا﴾ أَيْ: قَدْ رَضِيَ عَنْهُ [إِذِ ابتلاه بِالذبْحِ]
﴿وَرَفَعْنَاهُ مَكَانا عليا﴾ قَالَ مُجَاهِدٌ: لَمْ يَمُتْ إِدْرِيسُ، بَلْ رُفِعَ كَمَا رُفِعَ عِيسَى.
سُورَة مَرْيَم من (آيَة ٥٨ آيَة ٦٤).
﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ﴾ بِالنُّبُوَّةِ ﴿مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حملنَا مَعَ نوح﴾ وَكَانَ إِدْرِيسُ مِنْ وَلَدِ آدَمَ قَبْلَ نُوْحٍ، وَكَانَ إِبْرَاهِيمُ مِنْ ذُرِيَّةِ نُوحٍ قَالَ: ﴿وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيم وَإِسْرَائِيل﴾ وَهُوَ يَعْقُوب ﴿وَمِمَّنْ هدينَا﴾ للْإيمَان ﴿واجتبينا﴾ لِلنُّبُوَّةِ؛ يَعْنِي: اخْتَرْنَا ﴿إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وبكيا﴾ جمع: (باك) (ل ٢٠٤)
﴿فخلف من بعدهمْ خلف﴾ قَالَ قَتَادَةُ يَعْنِي: اليَهُودَ ﴿أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غيا﴾ تَفْسِير ابْن مَسْعُود (غيا): وَادٍ فِي جَهَنَّمَ، وَقَدْ مَضَى تَفْسِيرُ (الْخَلْفِ) فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ
﴿فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئًا﴾ ﴿جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَن عباده بِالْغَيْبِ﴾ الْغَيْبُ: الْآخِرَةُ؛ فِي قَوْلِ الْحَسَنِ الْمَعْنَى: وَعَدَهُمْ فِي الدُّنْيَا الْجَنَّةَ فِي الْآخِرَةِ.
قَالَ مُحَمَّدٌ: وَتُقْرَأُ: (جَنَّاتٌ) بِالرَّفْعِ عَلَى مَعْنَى: هِيَ جَنَاتُ عَدْنٍ ﴿إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مأتيا﴾ قَالَ مُحَمَّدٌ: يَعْنِي: أَتِيًّا؛ وَهُوَ مَفْعُولٌ مِنَ الْإِتْيَانِ؛ فِي مَعْنَى فَاعل.
﴿ جنات عدن التي وعد الرحمن عباده بالغيب ﴾ الغيب : الآخرة، في قول الحسن المعنى : وعدهم في الدنيا الجنة في الآخرة.
قال محمد : وتقرأ :( جنات ) بالرفع على معنى : هي جنات عدن ﴿ إنه كان وعده مأتيا ﴾ قال محمد : يعني : آتيا، وهو مفعول من الإتيان، في معنى فاعل.
﴿لَا يسمعُونَ فِيهَا لَغوا﴾ أَي: بَاطِلا ﴿إِلَّا سَلاما﴾ أَيْ: إِلَّا خَيْرًا ﴿وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بكرَة وعشيا﴾ أَيْ: وَفِي كُلِّ سَاعَةٍ؛ فِي تَفْسِيرِ قَتَادَةَ، وَالْبُكْرَةُ وَالْعَشِيُّ سَاعَتَانِ مِنَ السَّاعَاتِ، وَلَيْسَ ثُمَّ لَيْلٌ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: لَيْسَ فِيهَا بُكْرَةٌ وَلَا عَشِيٌّ، وَلَكِنْ يُؤْتَوْنَ بِهِ عَلَى مَا كَانُوا يَشْتَهُونَ فِي الدُّنْيَا.
﴿وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلا بِأَمْرِ رَبِّكَ﴾ تَفْسِيرُ قَتَادَةَ: قَالَ: " هَذَا قَوْلُ جِبْرِيلَ حِينَ احْتَبَسَ عَنِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَام فِي بَعْضِ الْوَحْيِ؛ فَقَالَ لَهُ نَبِيُّ اللَّهِ: مَا جِئْتَ حَتَّى اشْتَقْتُ إِلَيْكَ؛ فَقَالَ جِبْرِيلُ: ﴿وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَين أَيْدِينَا﴾ " يَعْنِي: مِنْ أَمْرِ الْآخِرَةِ ﴿وَمَا خلفنا﴾ مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا؛ أَيْ: إِذَا كُنَّا فِي الْآخِرَةِ. ﴿وَمَا بَيْنَ ذَلِك﴾ قَالَ الْكَلْبِيُّ: يَعْنِي: الْبَرْزَخُ؛ مَا بَين النفختين.
سُورَة مَرْيَم من (آيَة ٦٥ ٧٢)
﴿هَل تعلم لَهُ سميا﴾ أَيْ: مَثَلًا؛ أَيْ: أَنَّكَ لَا تعلمه، و (سميا) هُوَ من: المساماة
﴿وَيَقُولُ الإِنْسَانُ أَئِذَا مَا مِتُّ لسوف أخرج حَيا﴾ هُوَ الْمُشرك يكذب بِالْبَعْثِ.
قَالَ الله ﴿أَو لَا يَذْكُرُ الإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ قبل وَلم يَك شَيْئا﴾ فَالَّذِي خَلَقَهُ، وَلَمْ يَكُ شَيْئًا قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَبْعَثَهُ يَوْمَ الْقِيَامَة،
ثمَّ أقسم بِنَفسِهِ؛ فَقَالَ: ﴿فو رَبك لنحشرنهم﴾ يَعْنِي: الْمُشْركين ﴿وَالشَّيَاطِين﴾ الَّذِينَ دَعَتْهُمْ إِلَى عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ ﴿ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا﴾ قَالَ قَتَادَةُ: يَعْنِي: عَلَى رُكَبِهِمْ.
قَالَ مُحَمَّد: (جثيا) جَمْعُ (جَاثٍ)، وَهُوَ نَصْبٌ عَلَى الْحَال.
﴿ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ﴾ يَعْنِي: مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ ﴿أَيُّهُمْ أَشد على الرَّحْمَن عتيا﴾ .
قَالَ مُحَمَّد: (أَيهمْ) بِالرَّفْعِ، وَهِيَ أَكْثَرُ الْقِرَاءَةِ؛ عَلَى مَعْنَى: الَّذِينَ يُقَالُ لَهُمْ: أَيُّهُمْ أَشَدُّ. قِيلَ: الْمَعْنَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ -: فَإِنَّهُ يَبْدَأُ بِالْتَعْذِيبِ بِأَشَدِّهِمْ عِتِيًا، ثمَّ الَّذِي يَلِيهِ
﴿ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أولى بهَا صليا﴾ يَعْنِي: الَّذين يصلونها
﴿وَإِنْ مِنْكُمْ إِلا وَارِدُهَا كَانَ على رَبك حتما مقضيا﴾ .
يَحْيَى: عَنْ يُونُسَ بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ فِي قَوْلِهِ:
﴿وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا واردها﴾ قَالَ: " الصِّرَاطُ عَلَى جَهَنَّمَ مِثْلُ حَدِّ السَّيْفِ، وَالْمَلَائِكَةُ مَعَهُمْ كَلَالِيبُ مِنْ حَدِيدٍ كُلَّمَا وَقَعَ رَجُلٌ اخْتَطَفُوهُ؛ فَيَمُرُّ الصَّفُّ الْأَوَّلُ كَالْبَرْقِ، وَالثَّانِي كَالرِّيحِ، وَالثَّالِثُ كَأَجْوَدِ
102
الْخَيْلِ، وَالرَّابِعُ كَأَجْوَدِ الْبَهَائِمِ، وَالْمَلَائِكَةُ يَقُولُونَ: اللَّهُمَّ سَلِّمْ سَلِّمْ ".
وَتَفْسِيرُ الْحسن:
﴿إِلَّا واردها﴾ إِلَّا دَاخِلُهَا، فَيَجْعَلُهَا اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ بَرْدًا وَسَلَامًا؛ كَمَا جَعَلَهَا على إِبْرَاهِيم.
سُورَة مَرْيَم من (آيَة ٧٣ آيَة ٧٦).
103
﴿قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَي الْفَرِيقَيْنِ﴾ نَحْنُ أَوْ أَنْتُمْ؟ ﴿خَيْرٌ مَقَامًا وَأحسن نديا﴾ الْمَقَامُ: الْمَسْكَنُ، وَالنَّدِيُّ: الْمَجْلِسُ.
قَالَ قَتَادَة: رَأَوْا أَصْحَاب النَّبِي فِي عَيْشِهِمْ خُشُونَةً، فَقَالُوا لَهُمْ ذَلِك.
قَالَ اللَّهُ:
﴿وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثًا﴾ أَي: مَتَاعا
﴿ورئيا﴾ أَيْ: مَنْظَرًا؛ فِي قِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَهَا مَهْمُوزَةً، وَمَنْ قَرَأَهَا بِغَيْرِ هَمْزٍ (وَرِيًّا) فَهُوَ مِنْ
103
قِبَلِ الرِّوَاءِ، وَإِنَّمَا عَيْشُ النَّاسِ بِالْمَطَرِ تَنْبُتُ زُرُوعُهُمْ، وَتَعِيشُ مَاشِيَتُهُمْ
104
﴿قُلْ مَنْ كَانَ فِي الضَّلالَةِ﴾ هَذَا الَّذِي يَمُوتُ عَلَى ضَلَالَتِهِ ﴿فليمدد لَهُ الرَّحْمَن مدا﴾ هَذَا دُعَاءٌ أَمَرَ اللَّهُ النَّبِيَّ أَن يَدْعُو بِهِ؛ (ل ٢٠٥) الْمَعْنَى: فَأَمَدَّ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدَّا. ﴿حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذَاب وَإِمَّا السَّاعَة﴾ يَعْنِي: إِمَّا الْعَذَابَ فِي الدُّنْيَا قَبْلَ عَذَابِ الْآخِرَةِ، أَوِ الْعَذَابُ الأَكْبَرُ؛ لَمْ يَبْعَثِ اللَّهُ نَبِيًا إِلَّا وَهُوَ يُحَذِّرُ أُمَّتَهُ عَذَابَ اللَّهِ فِي الدُّنْيَا، وَعَذَابَهُ فِي الْآخِرَة.
قَالَ مُحَمَّد: (الْعَذَاب) و (السَّاعَة) مَنْصُوبَانِ عَلَى مَعْنَى الْبَدَلِ مِنْ [مَا] يوعدون؛ الْمَعْنَى: إِذَا رَأُوا الْعَذَابَ أَوْ رَأُوا السَّاعَةَ، قَالَ: فَيُسْلِمُونَ عِنْدَ ذَلِكَ. ﴿مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكَانًا﴾ أهم الْمُؤْمِنُونَ ﴿وأضعف جندا﴾ فِي النُّصْرَةِ وَالْمَنَعَةِ؛ أَيْ: لَيْسَ لَهُمْ أَحَدٌ يَمْنَعُهُمْ مِنْ عَذَابِ الله
﴿وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى﴾ يَعْنِي: يَزِيدَهُمْ إِيمَانًا ﴿وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ﴾ قَالَ الْحَسَنُ: هِيَ الْفَرَائِضُ ﴿خَيْرٌ عِنْد رَبك ثَوابًا﴾ جَزَاءً فِي الْآخِرَةِ ﴿وَخَيْرٌ مَرَدًّا﴾ يَعْنِي: خَيْرٌ عَاقِبَةً مِنْ أَعْمَالِ الْكفَّار.
سُورَة مَرْيَم من (آيَة ٧٧ آيَة ٨٧).
﴿أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالا وَولدا﴾ أَي: فِي الْآخِرَة
﴿أطلع الْغَيْب﴾ عَلَى الِاسْتِفْهَامِ؛ أَيْ: عَلِمَ مَا فِيهِ؛ أَيْ: لَمْ يَطَّلِعْ ﴿أَمِ اتخذ عِنْد الرَّحْمَن عهدا﴾ أَيْ: لَمْ يَفْعَلْ، وَالْعَهْدُ: التَّوْحِيدُ؛ فِي تَفْسِير بَعضهم.
﴿كَلَّا سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ من الْعَذَاب مدا﴾ هُوَ كَقَوْلِهِ: ﴿فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عذَابا﴾ .
﴿ونرثه مَا يَقُول﴾ أَيْ: نَرِثُهُ مَالَهُ وَوَلَدَهُ الَّذِي قَالَ ﴿ويأتينا فَردا﴾ لَا شَيْءَ مَعَهُ.
يَحْيَى: عَنْ صَاحِبٍ لَهُ: عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ خَبَّابِ بْنِ الْأَرَتِّ قَالَ: " كُنْتُ قَيْنًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَعَمِلْتُ لِلْعَاصِ بْنِ وَائِلٍ حَتَّى اجْتَمَعَتْ لِي عِنْدَهُ دَرَاهِمُ؛ فَأَتَيْتُهُ أَتَقَاضَاهُ فَقَالَ: وَاللَّهِ لَا أَقْضِيكَ حَتَّى تَكْفُرَ بِمُحَمَّدٍ، فَقُلْتُ: وَاللَّهِ لَا أَكْفُرُ بِمُحَمَّدٍ؛ حَتَّى تَمُوتَ ثُمَّ تُبْعَثَ. قَالَ: وَإِنِّي لَمَبْعُوثٌ؟! قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: فَسَيَكُونُ لِي ثَمَّ مَالٌ وَولد فَأَقْضِيك، فَأتيت النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الآيَةَ إِلَى قَوْله: ﴿وَيَأْتِينَا فَرْدًا﴾ .
﴿وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً ليكونوا لَهُم عزا﴾ هُوَ كَقَوْلِهِ: (وَاتَّخَذُوا مِنْ
105
دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لَعَلَّهُمْ يُنْصَرُونَ} وَإِنَّمَا يَرْجُونَ مَنْفَعَةَ أَوْثَانِهِمْ فِي الدُّنْيَا، لَا يقرونَ بِالآخِرَة.
106
قَالَ اللَّهُ: ﴿كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ﴾ ﴿فِي الْآخِرَةِ﴾ (وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا} [قُرَنَاءَ فِي النَّارِ] الْمَعْنَى: يَلْعَنُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، وَيَتَبَرَّأُ بَعْضُهُمْ مِنْ بعض؛ فِي تَفْسِير قَتَادَة.
﴿أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ يؤزهم أزا﴾ قَالَ قَتَادَةُ: يَعْنِي: تُزْعِجُهُمْ إِزْعَاجًا فِي مَعْصِيّة الله.
﴿فَلَا تعجل عَلَيْهِم﴾ وَهَذَا وَعِيدٌ ﴿إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عدا﴾ يَعْنِي: الْأَجَلَ. قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: كُتُبِ فِي أَوَّلِ الصَّحِيفَةِ أَجَلُهُ، ثُمَّ يُكْتَبُ أَسَفَلَ مِنْ ذَلِكَ ذَهَبَ يَوْمُ كَذَا، وَذَهَبَ يَوْمُ كَذَا؛ حَتَّى يَأْتِيَ عَلَى أَجله).
﴿يَوْم نحشرالمتقين إِلَى الرَّحْمَن وَفْدًا﴾ .
يَحْيَى: بَلَغَنِي عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ مُزَاحِمٍ، عَنِ الْحَارِثِ، عَنْ عَلِيٍّ " أَنَّهُ سَأَلَ رَسُولَ الله عَلَيْهِ السَّلَام فَقَالَ: هَلْ يَكُونُ الْوَافِدُ إِلَّا الرَّاكِبَ؟ فَقَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنَّهُمْ إِذَا خَرَجُوا مِنْ قُبُورِهِمُ اسْتُقْبِلُوا بِنُوقٍ بِيضٍ لَهَا أَجْنِحَةٌ عَلَيْهَا رَحَائِلُ الذَّهَبِ، كُلُّ خُطْوَةٍ مِنْهَا مَدَّ الْبَصَرِ ".
106
قَالَ مُحَمَّدٌ: الْوَفْدُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ: الرُّكْبَانُ الْمُكَرَّمُونَ وَاحِدُهُمْ: وَافِدٌ
107
﴿ونسوق الْمُجْرمين﴾ يَعْنِي: الْمُشْرِكِينَ ﴿إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا﴾ أَيْ: عِطَاشًا.
قَالَ مُحَمَّدٌ: ﴿وِرْدًا﴾ أَصْلُهُ فِي اللُّغَةِ: الْجَمَاعَةُ يَرِدُونَ المَاء.
﴿لَا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلا مَنِ اتخذ عِنْد الرَّحْمَن عهدا﴾ قَالَ بَعضهم الْعَهْد: التَّوْحِيد.
107
سُورَة مَرْيَم من (آيَة ٨٨ - آيَة ٩٨).
108
﴿وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا لَقَدْ جئْتُمْ شَيْئا إدا﴾ قَالَ (مُجَاهِد): يَعْنِي عَظِيما
﴿ لقد جئتم شيئا إدا ﴾ قال مجاهد يعني : عظيما.
﴿يكَاد السَّمَوَات يتفطرن مِنْهُ﴾ أَيْ: يَتَشَقَّقْنَ مِنْهُ ﴿وَتَنْشَقُّ الأَرْضُ وتخر الْجبَال هدا﴾ أَي: سقوطا
﴿ان دعوا﴾ بِأَن دعوا ﴿للرحمن ولدا﴾ قَالَ قَتَادَةُ: بَلَغَنَا أَنَّ كَعْبًا قَالَ: غَضِبَتِ الْمَلَائِكَةُ، وَسُعِّرَتْ جَهَنَّمُ حِين قَالُوا مَا قَالُوا.
﴿ إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا ﴾ قال قتادة : يعني : في قلوب أهل الإيمان.
يحيى : عن مندل بن علي، عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" إن الله إذا أحب عبدا دعا جبريل، فقال : إني أحب فلانا فأحبه. قال : فينادي جبريل :( يا أهل السماء ) إن الله يحب فلانا، فأحبوه. قال : ثم يوضع له القبول –يعني : المودة- في الأرض " قال سهيل : وأحسبه ذكر البغض مثل ذلك.
﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيجْعَلُ لَهُم الرَّحْمَن ودا﴾ قَالَ قَتَادَةُ يَعْنِي: فِي قُلُوبِ أهل الْإِيمَان.
(ل ٢٠٦) يَحْيَى: عَنْ مَنْدَلِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ اللَّهَ إِذَا أَحَبَّ عَبْدًا دَعَا جِبْرِيلَ، فَقَالَ: إِنِّي أُحِبُّ فُلَانًا فَأَحَبَّهُ. قَالَ: فَيُنَادِي جِبْرِيلُ: (يَا أَهْلَ السَّمَاءِ) إِنَّ اللَّهَ
108
يُحِبُّ فُلَانًا؛ فَأَحِبُّوهُ. قَالَ: ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ الْقَبُولُ يَعْنِي: الْمَوَدَّةَ فِي الْأَرْضِ " قَالَ سُهَيْلٌ: وَأَحْسَبُهُ ذكر البغض مثل ذَلِك.
109
﴿فَإِنَّمَا يسرناه﴾ يَعْنِي: الْقُرْآن ﴿بلسانك﴾ يَا مُحَمَّدُ ﴿لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ﴾ بِالْجنَّةِ ﴿وتنذر بِهِ﴾ بالنَّار ﴿قوما لدا﴾ أَيْ: ذَوِي لَدَدٍ وَخُصُومَةٍ؛ يَعْنِي: قُريْشًا
﴿وَكم أهلكنا قبلهم﴾ قَبْلَ قَوْمِكَ يَا مُحَمَّدُ
﴿مِنْ قَرْنٍ هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أحد﴾ أَيْ: هَلْ تَرَى
﴿أَوْ تَسْمَعُ لَهُم ركزا﴾ يَعْنِي: صَوْتًا؟ أَيْ: إِنَّكَ لَا تَرَى مِنْهُمْ أَحَدًا، وَلَا تَسْمَعُ لَهُمْ صَوْتًا.
قَالَ مُحَمَّدٌ: الرِّكْزُ فِي اللُّغَةِ: الصَّوْتُ الْخَفِيُّ.
109
تَفْسِيرُ سُوْرَةِ طه وَهِيَ مَكِّيَّةٌ كلهَا
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
سُورَة طه من (آيَة ١ آيَة ٨).
110
سورة مريم
×
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات
أشارت فاتحةُ سورةِ (مَرْيَمَ) إلى عظمةِ هذا الكتاب، ونبَّهتْ بعد ذلك على مِحوَرِ السُّورةِ؛ وهو رحمةُ الله عزَّ وجلَّ بأنبيائه؛ فقد بدأت بذِكْرِ رحمة الله عز وجل بزكريَّا ويحيى عليهما السلام، ثم رحمتِه تعالى بمَرْيَمَ وعيسى عليه السلام، ثم رحمتِهِ تعالى بإبراهيمَ عليه السلام، ثم رحمتِه تعالى بموسى وهارونَ عليهما السلام، ثمَّ رحمتِه تعالى بإسماعيلَ وإدريسَ عليهما السلام، وجُلُّ رحمةِ الله بعباده المؤمنين ستكون يومَ القيامة عندما يُنجِّي اللهُ الذين اتَّقَوْا من النَّار، ويذَرُ الظالمين فيها جِثِيًّا.
ترتيبها المصحفي
19
نوعها
مكية
ألفاظها
972
ترتيب نزولها
44
العد المدني الأول
98
العد المدني الأخير
99
العد البصري
98
العد الكوفي
98
العد الشامي
98
* قوله تعالى: {وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَۖ لَهُۥ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا} [مريم: 64] :
عن عبدِ اللهِ بن عباسٍ رضي الله عنهما، قال: قال رسولُ اللهِ ﷺ لجِبْريلَ: «ألَا تَزُورُنا أكثَرَ ممَّا تَزُورُنا؟»، قال: فنزَلتْ: {وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَۖ لَهُۥ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا} [مريم: 64] الآيةَ. أخرجه البخاري (٣٢١٨).
* قوله تعالى: {أَفَرَءَيْتَ اْلَّذِي كَفَرَ بِـَٔايَٰتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالٗا وَوَلَدًا} [مريم: 77] :
عن خَبَّابِ بن الأَرَتِّ رضي الله عنه، قال: «كنتُ رجُلًا قَيْنًا، وكان لي على العاصِ بنِ وائلٍ دَيْنٌ، فأتَيْتُه أتقاضاه، فقال لي: لا أَقضِيك حتى تكفُرَ بمُحمَّدٍ، قال: قلتُ: لن أكفُرَ به حتى تموتَ، ثم تُبعَثَ، قال: وإنِّي لمبعوثٌ مِن بعدِ الموتِ؟! فسوف أَقضِيك إذا رجَعْتُ إلى مالٍ وولَدٍ، قال: فنزَلتْ: {أَفَرَءَيْتَ اْلَّذِي كَفَرَ بِـَٔايَٰتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالٗا وَوَلَدًا ٧٧ أَطَّلَعَ اْلْغَيْبَ أَمِ اْتَّخَذَ عِندَ اْلرَّحْمَٰنِ عَهْدٗا ٧٨ كَلَّاۚ سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُۥ مِنَ اْلْعَذَابِ مَدّٗا ٧٩ وَنَرِثُهُۥ مَا يَقُولُ وَيَأْتِينَا فَرْدٗا} [مريم: 77-80] ». أخرجه البخاري (٤٧٣٥).
* سورة (مَرْيَمَ):
وجهُ تسميةِ سورة (مَرْيَمَ) بهذا الاسم: أنَّها بُسِطتْ فيها قصةُ (مَرْيَمَ)، وابنِها، وأهلِها.
* جاء في فضلِ سورة (مَرْيَمَ): أنها من قديم ما تعلَّمَه الصحابةُ من النبي صلى الله عليه وسلم:
عن عبد الرَّحمنِ بن يَزيدَ بن جابرٍ، قال: «سَمِعْتُ ابنَ مسعودٍ يقولُ في (بَنِي إسرائِيلَ)، و(الكَهْفِ)، و(مَرْيَمَ)، و(طه)، و(الأنبياءِ): إنَّهُنَّ مِن العِتَاقِ الأُوَلِ، وهُنَّ مِن تِلادي». أخرجه البخاري (٤٩٩٤).
قال أبو عُبَيدٍ: «قولُه: «مِن تِلَادي»: يعني: مِن قديمِ ما أخَذْتُ مِن القرآنِ؛ وذلك أنَّ هذه السُّوَرَ نزَلتْ بمكَّةَ». "فضائل القرآن" للقاسم بن سلام (ص247).
ما تعلق بها من هدي النبي صلى الله عليه وسلم
اشتملت سورةُ (مَرْيَمَ) على الموضوعات الآتية:
1. رحمته تعالى بزكريا ويحيى عليهما السلام (١-١٥).
2. رحمته تعالى بمَرْيَمَ وعيسى عليه السلام (١٦- ٤٠).
3. رحمته تعالى بإبراهيمَ عليه السلام (٤١ -٥٠).
4. رحمته تعالى بموسى وهارونَ عليهما السلام (٥١ -٥٣).
5. رحمته تعالى بإسماعيلَ وإدريسَ عليهما السلام (٥٤-٥٨).
6. طريق النجاة (٥٩-٦٥).
7. جَوْلات مع شُبَه الكافرين وأباطيلهم (٦٦-٩٥).
8. محبته تعالى لأوليائه، مهمة القرآن (٩٦-٩٨).
ينظر: "التفسير الموضوعي للقرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (4 /414).
مقصدُ السورةِ الأعظَمُ هو بيانُ اتِّصافه سبحانه بشمول الرحمة؛ بإضافةِ جميع النِّعَم على جميع خَلْقه، المستلزِم للدَّلالة على اتصافِه بجميع صفات الكمال، المستلزِم لشمول القدرة على إبداعِ المستغرَب، المستلزِم لتمام العلم، المُوجِب للقدرة على البعث، والتنزُّه عن الولد؛ لأنه لا يكون إلا لمحتاجٍ، ولا يكون إلا مثل الوالد، ولا سَمِيَّ له سبحانه، فضلًا عن مثيلٍ له سبحانه وتعالى.
ينظر: "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور" للبقاعي (2 /256).