تفسير سورة مريم

معاني القرآن

تفسير سورة سورة مريم من كتاب معاني القرآن
لمؤلفه الأخفش . المتوفي سنة 215 هـ

قال ﴿ ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا ﴾ ( ٢ ) قال : " مِمّا نَقُصُّ عَلَيْكَ ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّك " فانتصب العبد بالرحمة. وقد يقول الرجل " هذا ذِكْرُ ضَرْبِ زيدٍ عَمْراً ".
[ و ] قال ﴿ نِدَاءً خَفِيّاً ﴾ ( ٣ ) وجعله من الإخفاء.
وقال ﴿ شَيْباً ﴾ ( ٤ ) لأنه مصدر في المعنى كأنه حين قال ﴿ اشْتَعَلَ ﴾ ( ٤ ) قال : " شابَ " فقال " شَيْبَا " على المصدر وليس هو مثل " تَفَتَأْتُ شَحْماً " و " اِمْتَلأَتُ ماءً " لأن ذلك ليس بمصدر.
وقال ﴿ سَوِيّاً ﴾ ( ١٠ ) على الحال كأنه أمره أن يكف عن الكلام سويّا.
وقال ﴿ وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ ﴾ ( ٢٥ ) لأن الباء تزاد في كثير من الكلام نحو قوله ﴿ تَنبُتُ بِالدُّهْنِ ﴾ أي : تُنْبِتُ الدُهنَ. وقال الشاعر :[ من الطويل وهو الشاهد السادس والأربعون بعد المئتين ] :
بِوادٍ يَمانٍ يُنْبِتُ السِّدْرَ صَدْرُهُ وَأَسْفَلُهُ بالمَرْخِ والشَبَهانِ
يقول : " وأسْفَلُه يُنْبِتُ المَرْخَ والشَبَهان " ومثله : " زَوَّجْتُكَ بِفُلانَة " يريدون : " زَوَّجْتُكَها " ويجوز ان يكون على معنى " هُزِّي رُطَباً بِجِذْعِ النَخْلَة ".
وقال ﴿ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيّاً ﴾ ( ٢٨ ) مثل قولك " مِلْحَفَةٌ جَدِيدٌ ".
وقال ﴿ يا أَبَتِ [ ١٤٩ ب ] لاَ تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ ﴾ ( ٤٤ ) فإذا وقفت قلت ﴿ يا آبَهْ ﴾ وهي هاء زيدت كنحو قولك " يا أُمَّهْ " ثم قال " يَا أُمَّ " إذا وصل ولكنه لما كان " الأبُ " على حرفين كان كأنه قد أُخِلَّ به فصارت الهاء لازمَةً وصارت الياء كأنها بعدها، فلذلك قال " يَا أبَتِ أقْبِلْ " وجعل التاء للتأنيث. ويجوز الترخيم لأنه يجوز أن تدعو ما تضيف إلى نفسك في المعنى مضموماً نحو قول العرب " يا رَبُّ اغْفِرْ لي " وثقف في القرآن ﴿ يا أبَتِ ﴾ للكتاب. وقد يقف بعض العرب على هاء التأنيث.
وقوله ﴿ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيّاً ﴾ ( ٤٤ ) و " العَصِيّ " : العاصي كما تقول : " عَلِيم " و " عالِم " و " عَرِيف " و " عارِفْ " قال الشاعر :[ من الكامل وهو الشاهد السابع والأربعون بعد المئتين ] :
أَوَ كُلَّما وَرَدَتْ عُكَاظَ قَبِيلَةٌ [ ١٥٠ ب ] بَعَثُوا إِلَيَّ عَرِيفَهُم يَتَوَسَّمُ
يقول : " عارِفَهُمْ ".
وقال ﴿ لِسَانَ صِدْقٍ ﴾ ( ٥٠ ) كما تقول : " لسانُنا غيرُ لسانِكُم " أي : لغتُنا غيرُ لغتِكُم. وان شئت جعلت اللسان مقالهم كما تقول " فُلانٌ لِسانُنا ".
وقال ﴿ إِلاَّ سَلاَماً ﴾ ( ٦٢ ) فهذا كالاستثناء الذي ليس من أول الكلام. وهذا على البدل إن شئت كأنه " لا يَسْمَعُونَ فيهَا إِلاّ سَلاَما " وفي قراءة عبد الله ﴿ فَشَرِبُواْ مِنْهُ إِلاَّ قَلِيلاً ﴾ و﴿ إِلاَّ قَلِيلٌ مِّمَّنْ أَنجَيْنَا مِنْهُمْ ﴾ رفع على أن قوله ﴿ إِلاَّ قَلِيلٌ ﴾ صفة.
وقال ﴿ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا [ ١٥٠ ء ] بَيْنَ ذالِكَ ﴾ ( ٦٤ ) يقول ﴿ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا ﴾ قبل أن نخلق ﴿ وَمَا خَلْفَنَا ﴾ بعد الفناء ﴿ وَمَا بَيْنَ ذالِكَ ﴾ حين كنا.
وقال ﴿ وَرِءْياً ﴾ ( ٧٤ ) ف " الرِءْيُ " من الرُؤْيَةِ وفسروه من المنظر فذاك يدل على أنَّهُ من " رَأَيْتُ ".
وقال ﴿ أَطَّلَعَ الْغَيْبَ ﴾ ( ٧٨ ) فهذه ألف الاستفهام وذهبت ألف الوصل لما دخلت ألف الاستفهام.
[ و ] قال ﴿ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدّاً ﴾ ( ٨٢ ) لأنَّ " الضِدّ " يكون واحدا وجماعة مثل " الرَصَد " و " الأَرْصاد " - ويكون الرَّصَدُ أيضاً اسما للجماعة.
وقال :﴿ تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ ﴾ ( ٩٠ ) فالمعنى : يُرِدْنَ. لأنهن لا يكون [ منهن ] أن يتفطرن ولا يدنون من ذلك ولكنهن هممن به إعظاما لقول المشركين. ولا يكون على من هم بالشيء أن يدنو منه إلا ترى أن رجلا لو أراد أن ينال السماء لم يدن من ذلك وقد كانت منه إرادة. وتقرأ ﴿ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ ﴾ ويقرأ ﴿ يَنْفَطِرْنَ ﴾ للكثرة.
سورة مريم
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

أشارت فاتحةُ سورةِ (مَرْيَمَ) إلى عظمةِ هذا الكتاب، ونبَّهتْ بعد ذلك على مِحوَرِ السُّورةِ؛ وهو رحمةُ الله عزَّ وجلَّ بأنبيائه؛ فقد بدأت بذِكْرِ رحمة الله عز وجل بزكريَّا ويحيى عليهما السلام، ثم رحمتِه تعالى بمَرْيَمَ وعيسى عليه السلام، ثم رحمتِهِ تعالى بإبراهيمَ عليه السلام، ثم رحمتِه تعالى بموسى وهارونَ عليهما السلام، ثمَّ رحمتِه تعالى بإسماعيلَ وإدريسَ عليهما السلام، وجُلُّ رحمةِ الله بعباده المؤمنين ستكون يومَ القيامة عندما يُنجِّي اللهُ الذين اتَّقَوْا من النَّار، ويذَرُ الظالمين فيها جِثِيًّا.

ترتيبها المصحفي
19
نوعها
مكية
ألفاظها
972
ترتيب نزولها
44
العد المدني الأول
98
العد المدني الأخير
99
العد البصري
98
العد الكوفي
98
العد الشامي
98

 * قوله تعالى: {وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَۖ لَهُۥ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا} [مريم: 64]:

عن عبدِ اللهِ بن عباسٍ رضي الله عنهما، قال: قال رسولُ اللهِ ﷺ لجِبْريلَ: «ألَا تَزُورُنا أكثَرَ ممَّا تَزُورُنا؟»، قال: فنزَلتْ: {وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَۖ لَهُۥ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا} [مريم: 64] الآيةَ. أخرجه البخاري (٣٢١٨).

* قوله تعالى: {أَفَرَءَيْتَ اْلَّذِي كَفَرَ بِـَٔايَٰتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالٗا وَوَلَدًا} [مريم: 77]:

عن خَبَّابِ بن الأَرَتِّ رضي الله عنه، قال: «كنتُ رجُلًا قَيْنًا، وكان لي على العاصِ بنِ وائلٍ دَيْنٌ، فأتَيْتُه أتقاضاه، فقال لي: لا أَقضِيك حتى تكفُرَ بمُحمَّدٍ، قال: قلتُ: لن أكفُرَ به حتى تموتَ، ثم تُبعَثَ، قال: وإنِّي لمبعوثٌ مِن بعدِ الموتِ؟! فسوف أَقضِيك إذا رجَعْتُ إلى مالٍ وولَدٍ، قال: فنزَلتْ: {أَفَرَءَيْتَ اْلَّذِي كَفَرَ بِـَٔايَٰتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالٗا وَوَلَدًا ٧٧ أَطَّلَعَ اْلْغَيْبَ أَمِ اْتَّخَذَ عِندَ اْلرَّحْمَٰنِ عَهْدٗا ٧٨ كَلَّاۚ سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُۥ مِنَ اْلْعَذَابِ مَدّٗا ٧٩ وَنَرِثُهُۥ مَا يَقُولُ وَيَأْتِينَا فَرْدٗا} [مريم: 77-80]». أخرجه البخاري (٤٧٣٥).

* سورة (مَرْيَمَ):

وجهُ تسميةِ سورة (مَرْيَمَ) بهذا الاسم: أنَّها بُسِطتْ فيها قصةُ (مَرْيَمَ)، وابنِها، وأهلِها.

* جاء في فضلِ سورة (مَرْيَمَ): أنها من قديم ما تعلَّمَه الصحابةُ من النبي صلى الله عليه وسلم:

عن عبد الرَّحمنِ بن يَزيدَ بن جابرٍ، قال: «سَمِعْتُ ابنَ مسعودٍ يقولُ في (بَنِي إسرائِيلَ)، و(الكَهْفِ)، و(مَرْيَمَ)، و(طه)، و(الأنبياءِ): إنَّهُنَّ مِن العِتَاقِ الأُوَلِ، وهُنَّ مِن تِلادي». أخرجه البخاري (٤٩٩٤).

قال أبو عُبَيدٍ: «قولُه: «مِن تِلَادي»: يعني: مِن قديمِ ما أخَذْتُ مِن القرآنِ؛ وذلك أنَّ هذه السُّوَرَ نزَلتْ بمكَّةَ». "فضائل القرآن" للقاسم بن سلام (ص247).


اشتملت سورةُ (مَرْيَمَ) على الموضوعات الآتية:

1. رحمته تعالى بزكريا ويحيى عليهما السلام (١-١٥).

2. رحمته تعالى بمَرْيَمَ وعيسى عليه السلام (١٦- ٤٠).

3. رحمته تعالى بإبراهيمَ عليه السلام (٤١ -٥٠).

4. رحمته تعالى بموسى وهارونَ عليهما السلام (٥١ -٥٣).

5. رحمته تعالى بإسماعيلَ وإدريسَ عليهما السلام (٥٤-٥٨).

6. طريق النجاة (٥٩-٦٥).

7. جَوْلات مع شُبَه الكافرين وأباطيلهم (٦٦-٩٥).

8. محبته تعالى لأوليائه، مهمة القرآن (٩٦-٩٨).

ينظر: "التفسير الموضوعي للقرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (4 /414).

مقصدُ السورةِ الأعظَمُ هو بيانُ اتِّصافه سبحانه بشمول الرحمة؛ بإضافةِ جميع النِّعَم على جميع خَلْقه، المستلزِم للدَّلالة على اتصافِه بجميع صفات الكمال، المستلزِم لشمول القدرة على إبداعِ المستغرَب، المستلزِم لتمام العلم، المُوجِب للقدرة على البعث، والتنزُّه عن الولد؛ لأنه لا يكون إلا لمحتاجٍ، ولا يكون إلا مثل الوالد، ولا سَمِيَّ له سبحانه، فضلًا عن مثيلٍ له سبحانه وتعالى.

ينظر: "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور" للبقاعي (2 /256).