تفسير سورة مريم

كتاب نزهة القلوب

تفسير سورة سورة مريم من كتاب كتاب نزهة القلوب
لمؤلفه أبى بكر السجستاني .

﴿ عَاقِراً ﴾ انظر ٤٠ من آل عمران.
﴿ عِتِيّاً ﴾ وعتيا: بمعنى واحد. وقوله تعالى ﴿ وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ ٱلْكِبَرِ عِتِيّاً ﴾ أي يبسا. وكل مبالغ في كبر أو كفر أو فساد فقد عتا وعسا عتيا وعتوا، وعسيا وعسوا.
﴿ حَنَاناً مِّن لَّدُنَّا ﴾ أي رحمة من عندنا. قال أبو عمر عن ثعلب عن ابن الأعرابي عن المفضل: ﴿ وَحَنَاناً مِّن لَّدُنَّا ﴾: أي (قال): هيبة. قال: كل من رآءها به ووقره.
﴿ ٱنتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا ﴾ أي اعتزلتهم ناحية، ويقال قعد نبذة ونبذة: أي ناحية.
﴿ قَصِيّاً ﴾ أي بعيدا.
﴿ أَجَآءَهَا ٱلْمَخَاضُ ﴾ جاء بها، ويقال ألجأها.﴿ ٱلْمَخَاضُ ﴾ هو تمخض الولد في بطن أمه أي تحركه للخروج.﴿ نَسْياً مَّنسِيّاً ﴾ النسي: الشيء الحقير الذي إذا ألقي نسي ولم يلتفت إليه.
﴿ جَنِيّاً ﴾: أي غضا، ويقال: جنيا: أي مجنيا طريا.
(صوم) إمساك عن طعام أو كلام أو نحوهما، كقوله تعالى ﴿ إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَـٰنِ صَوْماً ﴾ أي صمتا.
﴿ فَرِيّاً ﴾ أي عجبا، ويقال: عظيما.
﴿ بَغِيّاً ﴾: يعني فاجرة.
﴿ جَبَّاراً ﴾ انظر ٢٢ من المائدة.
﴿ صِدِّيقاً ﴾: أي كثير الصدق، كما يقال سكيت وسكير وشريب إذا كثر ذلك منه.
﴿ مَلِيّاً ﴾ أي حينا طويلا.
﴿ حَفِيّاً ﴾ أي بارا معنيا انظر ١٨٧ من الأعراف.
﴿ بُكِيّاً ﴾ جمع باك، وأصله بكويا على فعول، فأدغمت الواو في الياء فصارت بكيا.
﴿ مَأْتِيّاً ﴾ أي آتيا، مفعول بمعنى فاعل.
﴿ جِثِيّاً ﴾: أي على الركب، لا يستطيعون القيام مما هم فيه، واحدهم جاث.
﴿ نَدِيّاً ﴾: مجلسا.
﴿ رِءْياً ﴾ بهمزة ساكنة قبل الياء: ما رأيت عليه من شارة وهيئة. وريا بغير همز: يجوز أن يكون على المعنى الأول؛ ويجوز أن يكون على الري، أي منظرهم مرتو من النعم. وزيا بالزاي، يعني هيئة ومنظرا. وقد قرئت بهذه الثلاثة الأوجه.
﴿ تَؤُزُّهُمْ أَزّاً ﴾ أي تزعجهم إزعاجا.
﴿ وَفْداً ﴾: ركبانا على الإبل، واحدهم وافد.
﴿ وِرْداً ﴾: مصدر ورد يرد وردا. وفي التفسير ﴿ وَنَسُوقُ ٱلْمُجْرِمِينَ إِلَىٰ جَهَنَّمَ وِرْداً ﴾ أي عطاشا.
﴿ هَدّاً ﴾: سقوطا.
﴿ وُدّاً ﴾ أي محبة، وقوله عز وجل: ﴿ سَيَجْعَلُ لَهُمُ ٱلرَّحْمَـٰنُ وُدّاً ﴾ أي محبة في قلوب العباد؛ قال أبو عمر: قال ابن عباس رضي الله عنهما وقد سئل عن هذا قال: نزلت في علي بن أبي طالب رضي الله عنه، لأنه ما من مسلم إلا ولعلي في قلبه محبة.
﴿ لُّدّاً ﴾: جمع ألد، وهو الشديد الخصومة.
﴿ رِكْزاً ﴾ أي صوتا خفيا.
سورة مريم
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

أشارت فاتحةُ سورةِ (مَرْيَمَ) إلى عظمةِ هذا الكتاب، ونبَّهتْ بعد ذلك على مِحوَرِ السُّورةِ؛ وهو رحمةُ الله عزَّ وجلَّ بأنبيائه؛ فقد بدأت بذِكْرِ رحمة الله عز وجل بزكريَّا ويحيى عليهما السلام، ثم رحمتِه تعالى بمَرْيَمَ وعيسى عليه السلام، ثم رحمتِهِ تعالى بإبراهيمَ عليه السلام، ثم رحمتِه تعالى بموسى وهارونَ عليهما السلام، ثمَّ رحمتِه تعالى بإسماعيلَ وإدريسَ عليهما السلام، وجُلُّ رحمةِ الله بعباده المؤمنين ستكون يومَ القيامة عندما يُنجِّي اللهُ الذين اتَّقَوْا من النَّار، ويذَرُ الظالمين فيها جِثِيًّا.

ترتيبها المصحفي
19
نوعها
مكية
ألفاظها
972
ترتيب نزولها
44
العد المدني الأول
98
العد المدني الأخير
99
العد البصري
98
العد الكوفي
98
العد الشامي
98

 * قوله تعالى: {وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَۖ لَهُۥ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا} [مريم: 64]:

عن عبدِ اللهِ بن عباسٍ رضي الله عنهما، قال: قال رسولُ اللهِ ﷺ لجِبْريلَ: «ألَا تَزُورُنا أكثَرَ ممَّا تَزُورُنا؟»، قال: فنزَلتْ: {وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَۖ لَهُۥ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا} [مريم: 64] الآيةَ. أخرجه البخاري (٣٢١٨).

* قوله تعالى: {أَفَرَءَيْتَ اْلَّذِي كَفَرَ بِـَٔايَٰتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالٗا وَوَلَدًا} [مريم: 77]:

عن خَبَّابِ بن الأَرَتِّ رضي الله عنه، قال: «كنتُ رجُلًا قَيْنًا، وكان لي على العاصِ بنِ وائلٍ دَيْنٌ، فأتَيْتُه أتقاضاه، فقال لي: لا أَقضِيك حتى تكفُرَ بمُحمَّدٍ، قال: قلتُ: لن أكفُرَ به حتى تموتَ، ثم تُبعَثَ، قال: وإنِّي لمبعوثٌ مِن بعدِ الموتِ؟! فسوف أَقضِيك إذا رجَعْتُ إلى مالٍ وولَدٍ، قال: فنزَلتْ: {أَفَرَءَيْتَ اْلَّذِي كَفَرَ بِـَٔايَٰتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالٗا وَوَلَدًا ٧٧ أَطَّلَعَ اْلْغَيْبَ أَمِ اْتَّخَذَ عِندَ اْلرَّحْمَٰنِ عَهْدٗا ٧٨ كَلَّاۚ سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُۥ مِنَ اْلْعَذَابِ مَدّٗا ٧٩ وَنَرِثُهُۥ مَا يَقُولُ وَيَأْتِينَا فَرْدٗا} [مريم: 77-80]». أخرجه البخاري (٤٧٣٥).

* سورة (مَرْيَمَ):

وجهُ تسميةِ سورة (مَرْيَمَ) بهذا الاسم: أنَّها بُسِطتْ فيها قصةُ (مَرْيَمَ)، وابنِها، وأهلِها.

* جاء في فضلِ سورة (مَرْيَمَ): أنها من قديم ما تعلَّمَه الصحابةُ من النبي صلى الله عليه وسلم:

عن عبد الرَّحمنِ بن يَزيدَ بن جابرٍ، قال: «سَمِعْتُ ابنَ مسعودٍ يقولُ في (بَنِي إسرائِيلَ)، و(الكَهْفِ)، و(مَرْيَمَ)، و(طه)، و(الأنبياءِ): إنَّهُنَّ مِن العِتَاقِ الأُوَلِ، وهُنَّ مِن تِلادي». أخرجه البخاري (٤٩٩٤).

قال أبو عُبَيدٍ: «قولُه: «مِن تِلَادي»: يعني: مِن قديمِ ما أخَذْتُ مِن القرآنِ؛ وذلك أنَّ هذه السُّوَرَ نزَلتْ بمكَّةَ». "فضائل القرآن" للقاسم بن سلام (ص247).


اشتملت سورةُ (مَرْيَمَ) على الموضوعات الآتية:

1. رحمته تعالى بزكريا ويحيى عليهما السلام (١-١٥).

2. رحمته تعالى بمَرْيَمَ وعيسى عليه السلام (١٦- ٤٠).

3. رحمته تعالى بإبراهيمَ عليه السلام (٤١ -٥٠).

4. رحمته تعالى بموسى وهارونَ عليهما السلام (٥١ -٥٣).

5. رحمته تعالى بإسماعيلَ وإدريسَ عليهما السلام (٥٤-٥٨).

6. طريق النجاة (٥٩-٦٥).

7. جَوْلات مع شُبَه الكافرين وأباطيلهم (٦٦-٩٥).

8. محبته تعالى لأوليائه، مهمة القرآن (٩٦-٩٨).

ينظر: "التفسير الموضوعي للقرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (4 /414).

مقصدُ السورةِ الأعظَمُ هو بيانُ اتِّصافه سبحانه بشمول الرحمة؛ بإضافةِ جميع النِّعَم على جميع خَلْقه، المستلزِم للدَّلالة على اتصافِه بجميع صفات الكمال، المستلزِم لشمول القدرة على إبداعِ المستغرَب، المستلزِم لتمام العلم، المُوجِب للقدرة على البعث، والتنزُّه عن الولد؛ لأنه لا يكون إلا لمحتاجٍ، ولا يكون إلا مثل الوالد، ولا سَمِيَّ له سبحانه، فضلًا عن مثيلٍ له سبحانه وتعالى.

ينظر: "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور" للبقاعي (2 /256).