تفسير سورة مريم

تفسير الجلالين

تفسير سورة سورة مريم من كتاب تفسير الجلالين المعروف بـتفسير الجلالين.
لمؤلفه المَحَلِّي . المتوفي سنة 864 هـ

﴿كهيعص﴾ الله أعلم بمراده بذلك
هذا ﴿ذكر رحمت رَبّك عَبْده﴾ مَفْعُول رَحْمَة ﴿زَكَرِيَّا﴾ بَيَان لَهُ
﴿إذْ﴾ مُتَعَلِّق بِرَحْمَةِ ﴿نَادَى رَبّه نِدَاء﴾ مُشْتَمِلًا عَلَى دُعَاء ﴿خَفِيًّا﴾ سِرًّا جَوْف اللَّيْل لِأَنَّهُ أسرع للإجابة
﴿قال رب إنِّي وَهَنَ﴾ ضَعُفَ ﴿الْعَظْم﴾ جَمِيعه ﴿مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْس﴾ مِنِّي ﴿شَيْبًا﴾ تَمْيِيز مُحَوَّل عَنْ الْفَاعِل أَيْ انْتَشَرَ الشَّيْب فِي شَعَره كَمَا يَنْتَشِر شُعَاع النَّار فِي الْحَطَب وَإِنِّي أُرِيد أَنْ أَدْعُوَك ﴿وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِك﴾ أَيْ بِدُعَائِي إيَّاكَ ﴿رب شقيا﴾ أي خائبا فِيمَا مَضَى فَلَا تُخَيِّبنِي فِيمَا يَأْتِي
﴿وَإِنِّي خِفْت الْمَوَالِيَ﴾ أَيْ الَّذِينَ يَلُونِي فِي النَّسَب كَبَنِي الْعَمّ ﴿مِنْ وَرَائِي﴾ أَيْ بَعْد مَوْتِي عَلَى الدِّين أَنْ يُضَيِّعُوهُ كَمَا شَاهَدْته فِي بَنِي إسْرَائِيل مِنْ تَبْدِيل الدِّين ﴿وَكَانَتْ امْرَأَتِي عَاقِرًا﴾ لَا تَلِد ﴿فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْك﴾ مِنْ عِنْدك ﴿وَلِيًّا﴾ ابْنًا
﴿يَرِثنِي﴾ بِالْجَزْمِ جَوَاب الْأَمْر وَبِالرَّفْعِ صِفَة وَلِيًّا ﴿وَيَرِث﴾ بِالْوَجْهَيْنِ ﴿مِنْ آل يَعْقُوب﴾ جَدِّي الْعِلْم وَالنُّبُوَّة ﴿وَاجْعَلْهُ رَبّ رَضِيًّا﴾ أَيْ مَرْضِيًّا عِنْدك
﴿يَا زَكَرِيَّا إنَّا نُبَشِّرك بِغُلَامٍ﴾ يَرِث كَمَا سَأَلْت ﴿اسْمه يَحْيَى لَمْ نَجْعَل لَهُ مِنْ قبل سميا﴾ أي مسمى بيحيى
﴿قَالَ رَبّ أَنَّى﴾ كَيْفَ ﴿يَكُون لِي غُلَام وَكَانَتْ امْرَأَتِي عَاقِرًا وَقَدْ بَلَغْت مِنْ الْكِبَر عِتِيًّا﴾ مِنْ عَتَا يَبِسَ أَيْ نِهَايَة السِّنّ مِائَة وَعِشْرِينَ سَنَة وَبَلَغَتْ امْرَأَته ثَمَانِيَة وَتِسْعِينَ سَنَة وَأَصْل عِتِيّ عِتِوّ وَكُسِرَتْ التَّاء تَخْفِيفًا وَقُلِبَتْ الْوَاو الأولى ياء لمناسبة الكسرة والثانية ياء لتدغيم فيها الياء
﴿قَالَ﴾ الْأَمْر ﴿كَذَلِكَ﴾ مِنْ خَلْق غُلَامٍ مِنْكُمَا ﴿قَالَ رَبّك هُوَ عَلَيَّ هَيِّن﴾ أَيْ بِأَنْ أرد عَلَيْك قُوَّة الْجِمَاع وَأَفْتَقَ رَحِم امْرَأَتك لِلْعُلُوقِ ﴿وَقَدْ خَلَقْتُك مِنْ قَبْل وَلَمْ تَكُ شَيْئًا﴾ قَبْل خَلْقك وَلِإِظْهَارِ اللَّه هَذِهِ الْقُدْرَة الْعَظِيمَة أَلْهَمَهُ السُّؤَال لِيُجَابَ بِمَا يَدُلّ عَلَيْهَا وَلَمَّا تَاقَتْ نَفْسه إلَى سُرْعَة الْمُبَشَّر بِهِ
١ -
﴿قَالَ رَبّ اجْعَلْ لِي آيَة﴾ أَيْ عَلَامَة عَلَى حَمْل امْرَأَتِي ﴿قَالَ آيَتك﴾ عَلَيْهِ ﴿أَلَّا تُكَلِّم النَّاس﴾ أَيْ تَمْتَنِع مِنْ كَلَامهمْ بِخِلَافِ ذِكْر اللَّه ﴿ثَلَاث لَيَالٍ﴾ أَيْ بِأَيَّامِهَا كَمَا فِي آل عِمْرَان ثَلَاثَة أَيَّام ﴿سَوِيًّا﴾ حَال مِنْ فَاعِل تُكَلِّم أَيْ بِلَا عِلَّة
١ -
﴿فَخَرَجَ عَلَى قَوْمه مِنْ الْمِحْرَاب﴾ أَيْ الْمَسْجِد وَكَانُوا يَنْتَظِرُونَ فَتْحه لِيُصَلُّوا فِيهِ بِأَمْرِهِ عَلَى الْعَادَة ﴿فَأَوْحَى﴾ أَشَارَ ﴿إلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا﴾ صَلُّوا ﴿بُكْرَة وَعَشِيًّا﴾ أَوَائِل النَّهَار وَأَوَاخِره عَلَى الْعَادَة فَعَلِمَ بِمَنْعِهِ مِنْ كَلَامهمْ حَمْلهَا بِيَحْيَى وَبَعْد وِلَادَته بِسَنَتَيْنِ قَالَ اللَّه تَعَالَى لَهُ
١ -
﴿يَا يَحْيَى خُذْ الْكِتَاب﴾ أَيْ التَّوْرَاة ﴿بِقُوَّةٍ﴾ بجد ﴿وآتيناه الحكم﴾ النبوة ﴿صبيا﴾ بن ثلاث سنين
١ -
﴿وَحَنَانًا﴾ رَحْمَة لِلنَّاسِ ﴿مِنْ لَدُنَّا﴾ مِنْ عِنْدنَا ﴿وَزَكَاة﴾ صَدَقَة عَلَيْهِمْ ﴿وَكَانَ تَقِيًّا﴾ رُوِيَ أَنَّهُ لَمْ يَعْمَل خَطِيئَة وَلَمْ يَهِمّ بِهَا
١ -
﴿وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ﴾ أَيْ مُحْسِنًا إلَيْهِمَا ﴿وَلَمْ يَكُنْ جَبَّارًا﴾ مُتَكَبِّرًا ﴿عَصِيًّا﴾ عَاصِيًا لِرَبِّهِ
١ -
﴿وَسَلَام﴾ مِنَّا ﴿عَلَيْهِ يَوْم وُلِدَ وَيَوْم يَمُوت وَيَوْم يُبْعَث حَيًّا﴾ أَيْ فِي هَذِهِ الْأَيَّام الْمَخُوفَة الَّتِي يَرَى مَا لَمْ يَرَهُ قَبْلَهَا فَهُوَ آمِن فِيهَا
397
١ -
398
﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَاب﴾ الْقُرْآن ﴿مَرْيَم﴾ أَيْ خَبَرهَا ﴿إذْ﴾ حِين ﴿انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا﴾ أَيْ اعْتَزَلَتْ فِي مَكَان نَحْو الشَّرْق مِنْ الدار
١ -
﴿فَاِتَّخَذَتْ مِنْ دُونهمْ حِجَابًا﴾ أَرْسَلَتْ سِتْرًا تَسْتَتِر بِهِ لِتُفَلِّي رَأْسهَا أَوْ ثِيَابهَا أَوْ تَغْتَسِل مِنْ حَيْضهَا ﴿فَأَرْسَلْنَا إلَيْهَا رُوحنَا﴾ جِبْرِيل ﴿فَتَمَثَّلَ لَهَا﴾ بَعْد لُبْسهَا ثِيَابهَا ﴿بَشَرًا سَوِيًّا﴾ تَامّ الخلق
١ -
﴿قَالَتْ إنِّي أَعُوذ بِالرَّحْمَنِ مِنْك إنْ كُنْت تقيا﴾ فتنتهي عني بتعوذي
١ -
قال ﴿قال إنما أنا رسول ربك ليهب لَك غُلَامًا زَكِيًّا﴾ بِالنُّبُوَّةِ
٢ -
﴿قَالَتْ أَنَّى يَكُون لِي غُلَام وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَر﴾ بِتَزَوُّجٍ ﴿وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا﴾ زَانِيَة
٢ -
﴿قَالَ﴾ الْأَمْر ﴿كَذَلِكَ﴾ مِنْ خَلْق غُلَام مِنْك مِنْ غَيْر أَب ﴿قَالَ رَبّك هُوَ عَلَيَّ هَيِّن﴾ أَيْ بِأَنْ يَنْفُخ بِأَمْرِي جِبْرِيل فِيك فَتَحْمِلِي بِهِ وَلِكَوْنِ مَا ذُكِرَ فِي مَعْنَى الْعِلَّة عَطَفَ عَلَيْهِ ﴿وَلِنَجْعَلهُ آيَة لِلنَّاسِ﴾ عَلَى قُدْرَتنَا ﴿وَرَحْمَة مِنَّا﴾ لِمَنْ آمَنَ بِهِ ﴿وَكَانَ﴾ خَلْقه ﴿أَمْرًا مَقْضِيًّا﴾ بِهِ فِي عِلْمِي فَنَفَخَ جِبْرِيل فِي جَيْب دِرْعهَا فَأَحَسَّتْ بِالْحَمْلِ فِي بطنها مصورا
٢ -
﴿فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ﴾ تَنَحَّتْ ﴿بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا﴾ بَعِيدًا من أهلها
٢ -
﴿فَأَجَاءَهَا﴾ جَاءَ بِهَا ﴿الْمَخَاض﴾ وَجَع الْوِلَادَة ﴿إلَى جِذْع النَّخْلَة﴾ لِتَعْتَمِد عَلَيْهِ فَوَلَدَتْ وَالْحَمْل وَالتَّصْوِير وَالْوِلَادَة فِي سَاعَة ﴿قَالَتْ يَا﴾ لِلتَّنْبِيهِ ﴿لَيْتَنِي مِتُّ قَبْل هَذَا﴾ الْأَمْر ﴿وَكُنْت نَسْيًا مَنْسِيًّا﴾ شَيْئًا مَتْرُوكًا لَا يُعْرَف وَلَا يُذْكَر
٢ -
﴿فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتهَا﴾ أَيْ جِبْرِيل وَكَانَ أَسْفَل مِنْهَا ﴿أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبّك تَحْتك سَرِيًّا﴾ نَهْر مَاء كَانَ قَدْ انْقَطَعَ
٢ -
﴿وَهُزِّي إلَيْك بِجِذْعِ النَّخْلَة﴾ كَانَتْ يَابِسَة وَالْبَاء زَائِدَة ﴿تُسَاقِط﴾ أَصْله بِتَاءَيْنِ قُلِبَتْ الثَّانِيَة سِينًا وأدغمت في السين وفي قراءة تركها ﴿عَلَيْك رُطَبًا﴾ تَمْيِيز ﴿جَنِيًّا﴾ صِفَته
398
٢ -
399
﴿فَكُلِي﴾ مِنْ الرُّطَب ﴿وَاشْرَبِي﴾ مِنْ السَّرِيّ ﴿وَقَرِّي عَيْنًا﴾ بِالْوَلَدِ تَمْيِيز مُحَوَّل مِنْ الْفَاعِل أَيْ لِتَقَرّ عَيْنك بِهِ أَيْ تَسْكُن فَلَا تَطْمَح إلَى غَيْره ﴿فَإِمَّا﴾ فِيهِ إدْغَام نُون إنْ الشَّرْطِيَّة فِي مَا الزَّائِدَة ﴿تَرَيِنَّ﴾ حُذِفَتْ مِنْهُ لَام الْفِعْل وَعَيْنه وَأُلْقِيَتْ حَرَكَتهَا عَلَى الرَّاء وَكُسِرَتْ يَاء الضَّمِير لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ ﴿مِنْ الْبَشَر أَحَدًا﴾ فَيَسْأَلك عَنْ وَلَدك ﴿فَقُولِي إنِّي نَذَرْت لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا﴾ أَيْ إمْسَاكًا عَنْ الْكَلَام فِي شَأْنه وَغَيْره مِنْ الْأَنَاسِيّ بِدَلِيلِ ﴿فَلَنْ أُكَلِّم الْيَوْم إنْسِيًّا﴾ أَيْ بَعْد ذَلِكَ
٢ -
﴿فَأَتَتْ بِهِ قَوْمهَا تَحْمِلهُ﴾ حَال فَرَأَوْهُ ﴿قَالُوا يَا مَرْيَم لَقَدْ جِئْت شَيْئًا فَرِيًّا﴾ عَظِيمًا حَيْثُ أَتَيْت بِوَلَدٍ مِنْ غَيْر أَب
٢ -
﴿يَا أُخْت هَارُون﴾ هُوَ رَجُل صَالِح أَيْ يَا شَبِيهَته فِي الْعِفَّة ﴿مَا كَانَ أَبُوك امْرَأَ سَوْء﴾ أَيْ زَانِيًا ﴿وَمَا كَانَتْ أُمّك بَغِيًّا﴾ أَيْ زَانِيَة فَمِنْ أَيْنَ لَك هَذَا الولد
٢ -
﴿فَأَشَارَتْ﴾ لَهُمْ ﴿إلَيْهِ﴾ أَنْ كَلِّمُوهُ ﴿قَالُوا كَيْفَ نكلم من كان﴾ أي وجد ﴿في المهد صبيا﴾
٣ -
﴿قَالَ إنِّي عَبْد اللَّه آتَانِي الْكِتَاب﴾ أَيْ الإنجيل ﴿وجعلني نبيا﴾
٣ -
﴿وجعلني مباركا أينما كُنْت﴾ أَيْ نَفَّاعًا لِلنَّاسِ إخْبَار بِمَا كُتِبَ له ﴿وأوصاني بالصلاة والزكاة﴾ أمرني بهما ﴿ما دمت حيا﴾
٣ -
﴿وبرا بوالدتي﴾ منصوب يجعلني مقدرا ﴿وَلَمْ يَجْعَلنِي جَبَّارًا﴾ مُتَعَاظِمًا ﴿شَقِيًّا﴾ عَاصِيًا لِرَبِّهِ
٣ -
﴿وَالسَّلَام﴾ مِنْ اللَّه ﴿عَلَيَّ يَوْم وُلِدْت وَيَوْم أَمُوت وَيَوْم أُبْعَث حَيًّا﴾ يُقَال فِيهِ مَا تقدم في السيد يحيى قال تعالى
٣ -
﴿ذلك عيسى بن مَرْيَم قَوْل الْحَقّ﴾ بِالرَّفْعِ خَبَر مُبْتَدَأ مُقَدَّر أي قول بن مَرْيَم وَبِالنَّصْبِ بِتَقْدِيرِ قُلْت وَالْمَعْنَى الْقَوْل الْحَقّ ﴿الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ﴾ مِنْ الْمِرْيَة أَيْ يَشُكُّونَ وهم النصارى قالوا إن عيسى بن الله كذبوا
٣ -
﴿مَا كَانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذ مِنْ وَلَد سُبْحَانه﴾ تَنْزِيهًا لَهُ عَنْ ذَلِكَ ﴿إذَا قَضَى أَمْرًا﴾ أَيْ أَرَادَ أَنْ يُحْدِثهُ ﴿فَإِنَّمَا يَقُول لَهُ كُنْ فَيَكُون﴾ بِالرَّفْعِ بِتَقْدِيرِ هُوَ وَبِالنَّصْبِ بِتَقْدِيرِ أَنْ وَمِنْ ذَلِكَ خَلْق عِيسَى مِنْ غير أب
٣ -
﴿وَإِنَّ اللَّه رَبِّي وَرَبّكُمْ فَاعْبُدُوهُ﴾ بِفَتْحِ أَنَّ بِتَقْدِيرِ اُذْكُرْ وَبِكَسْرِهَا بِتَقْدِيرِ قُلْ بِدَلِيلِ ﴿مَا قُلْت لَهُمْ إلَّا مَا أَمَرْتنِي بِهِ أَنْ اُعْبُدُوا اللَّه رَبِّي وَرَبّكُمْ﴾ ﴿هَذَا﴾ الْمَذْكُور ﴿صِرَاط﴾ طَرِيق ﴿مُسْتَقِيم﴾ مُؤَدٍّ إلَى الْجَنَّة
399
٣ -
400
﴿فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَاب مِنْ بَيْنهمْ﴾ أَيْ النَّصَارَى فِي عيسى أهو بن اللَّه أَوْ إلَه مَعَهُ أَوْ ثَالِث ثَلَاثَة ﴿فَوَيْل﴾ فَشِدَّة عَذَاب ﴿لِلَّذِينَ كَفَرُوا﴾ بِمَا ذُكِرَ وَغَيْره ﴿مِنْ مَشْهَد يَوْم عَظِيم﴾ أَيْ حُضُور يَوْم الْقِيَامَة وَأَهْوَاله
٣ -
﴿أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ﴾ بِهِمْ صِيغَتَا تَعَجُّب بِمَعْنَى مَا أَسْمَعهمْ وَمَا أَبْصَرهمْ ﴿يَوْم يَأْتُونَنَا﴾ فِي الْآخِرَة ﴿لَكِنْ الظَّالِمُونَ﴾ مِنْ إقَامَة الظَّاهِر مَقَام الْمُضْمَر ﴿الْيَوْم﴾ أَيْ فِي الدُّنْيَا ﴿فِي ضَلَال مُبِين﴾ أَيْ بَيِّن بِهِ صُمُّوا عَنْ سَمَاع الْحَقّ وَعَمُوا عَنْ إبْصَاره أَيْ اعْجَبْ مِنْهُمْ يَا مُخَاطَب فِي سَمْعهمْ وَإِبْصَارهمْ فِي الْآخِرَة بَعْد أَنْ كَانُوا فِي الدُّنْيَا صُمًّا عُمْيًا
٣ -
﴿وَأَنْذِرْهُمْ﴾ خَوِّفْ يَا مُحَمَّد كُفَّار مَكَّة ﴿يَوْم الْحَسْرَة﴾ هُوَ يَوْم الْقِيَامَة يَتَحَسَّر فِيهِ الْمُسِيء عَلَى تَرْك الْإِحْسَان فِي الدُّنْيَا ﴿إذْ قُضِيَ الْأَمْر﴾ لَهُمْ فِيهِ بِالْعَذَابِ ﴿وَهُمْ﴾ فِي الدُّنْيَا ﴿فِي غَفْلَة﴾ عَنْهُ ﴿وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ﴾ بِهِ
٤ -
﴿إنَّا نَحْنُ﴾ تَأْكِيد ﴿نَرِث الْأَرْض وَمَنْ عَلَيْهَا﴾ مِنْ الْعُقَلَاء وَغَيْرهمْ بِإِهْلَاكِهِمْ ﴿وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ﴾ فِيهِ للجزاء
٤ -
﴿وَاذْكُرْ﴾ لَهُمْ ﴿فِي الْكِتَاب إبْرَاهِيم﴾ أَيْ خَبَره ﴿إنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا﴾ مُبَالِغًا فِي الصِّدْق ﴿نَبِيًّا﴾ وَيُبْدَل مِنْ خَبَره
٤ -
﴿إذْ قَالَ لِأَبِيهِ﴾ آزَر ﴿يَا أَبَتِ﴾ التَّاء عِوَض عَنْ يَاء الْإِضَافَة وَلَا يُجْمَع بَيْنهمَا وَكَانَ يُعْبَد الْأَصْنَام ﴿لِمَ تَعْبُد مَا لَا يَسْمَع وَلَا يُبْصِر وَلَا يُغْنِي عَنْك﴾ لَا يَكْفِيك ﴿شَيْئًا﴾ مِنْ نَفْع أَوْ ضُرّ
٤ -
﴿يَا أَبَتِ إنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنْ الْعِلْم مَا لَمْ يَأْتِك فَاتَّبِعْنِي أَهْدِك صِرَاطًا﴾ طَرِيقًا ﴿سويا﴾ مستقيما
٤ -
﴿يَا أَبَتِ لَا تَعْبُد الشَّيْطَان﴾ بِطَاعَتِك إيَّاهُ فِي عِبَادَة الْأَصْنَام ﴿إنَّ الشَّيْطَان كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا﴾ كَثِير الْعِصْيَان
٤ -
﴿يَا أَبَتِ إنِّي أَخَاف أَنْ يَمَسّك عَذَاب مِنْ الرَّحْمَن﴾ إنْ لَمْ تَتُبْ ﴿فَتَكُون لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا﴾ نَاصِرًا وَقَرِينًا فِي النَّار
٤ -
﴿قَالَ أَرَاغِب أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إبْرَاهِيم﴾ فَتَعِيبهَا ﴿لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ﴾ عَنْ التَّعَرُّض لَهَا ﴿لَأَرْجُمَنك﴾ بِالْحِجَارَةِ أَوْ بِالْكَلَامِ الْقَبِيح فَاحْذَرْنِي ﴿وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا﴾ دَهْرًا طَوِيلًا
400
٤ -
401
﴿قَالَ سَلَام عَلَيْك﴾ مِنِّي أَيْ لَا أُصِيبك بِمَكْرُوهٍ ﴿سَأَسْتَغْفِرُ لَك رَبِّي إنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا﴾ مِنْ حَفِيَ أَيْ بَارًّا فَيُجِيب دُعَائِي وَقَدْ أَوْفَى بِوَعْدِهِ الْمَذْكُور فِي الشُّعَرَاء وَاغْفِرْ لِأَبِي وَهَذَا قَبْل أَنْ يَتَبَيَّن لَهُ أَنَّهُ عَدُوّ اللَّه كَمَا ذَكَرَهُ فِي بَرَاءَة
٤ -
﴿وَأَعْتَزِلكُمْ وَمَا تَدْعُونَ﴾ تَعْبُدُونَ ﴿مِنْ دُون اللَّه وأدعوا﴾ أعبد ﴿ربي عسى أ﴾ ن ﴿لَا أَكُون بِدُعَاءِ رَبِّي﴾ بِعِبَادَتِهِ ﴿شَقِيًّا﴾ كَمَا شَقِيتُمْ بِعِبَادَةِ الْأَصْنَام
٤ -
﴿فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُون اللَّه﴾ بِأَنْ ذَهَبَ إلَى الْأَرْض الْمُقَدَّسَة ﴿وَهَبْنَا لَهُ﴾ ابْنَيْنِ يَأْنَس بِهِمَا ﴿إسْحَاق وَيَعْقُوب وَكُلًّا﴾ مِنْهُمَا ﴿جعلنا نبيا﴾
٥ -
﴿ووهبنا لهم﴾ الثلاثة ﴿مِنْ رَحْمَتنَا﴾ الْمَال وَالْوَلَد ﴿وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَان صِدْق عَلِيًّا﴾ رَفِيعًا هُوَ الثَّنَاء الْحَسَن فِي جَمِيع أَهْل الْأَدْيَان
٥ -
﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَاب مُوسَى إنَّهُ كَانَ مُخْلَصًا﴾ بِكَسْرِ اللَّام وَفَتْحهَا مِنْ أَخْلَصَ فِي عِبَادَته وخلصه الله من الدنس ﴿وكان رسولا نبيا﴾
٥ -
﴿وَنَادَيْنَاهُ﴾ بِقَوْلِ يَا مُوسَى إنِّي أَنَا اللَّه ﴿مِنْ جَانِب الطُّور﴾ اسْم جَبَل ﴿الْأَيْمَن﴾ أَيْ الَّذِي يَلِي يَمِين مُوسَى حِين أَقْبَلَ مِنْ مَدْيَنَ ﴿وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا﴾ مُنَاجِيًا بِأَنْ أَسْمَعَهُ اللَّه تعالى كلامه
٥ -
﴿وَوَهَبْنَا لَهُ مِنْ رَحْمَتنَا﴾ نِعْمَتنَا ﴿أَخَاهُ هَارُون﴾ بَدَل أَوْ عَطْف بَيَان ﴿نَبِيًّا﴾ حَال هِيَ الْمَقْصُودَة بِالْهِبَةِ إجَابَة لِسُؤَالِهِ أَنْ يُرْسِل أَخَاهُ مَعَهُ وَكَانَ أَسَنّ مِنْهُ
٥ -
﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَاب إسْمَاعِيل إنَّهُ كَانَ صَادِق الْوَعْد﴾ لَمْ يَعِد شَيْئًا إلَّا وَفَّى بِهِ وَانْتَظَرَ مَنْ وَعَدَهُ ثَلَاثَة أَيَّام أَوْ حَوْلًا حَتَّى رَجَعَ إلَيْهِ فِي مَكَانه ﴿وَكَانَ رَسُولًا﴾ إلى جرهم ﴿نبيا﴾
٥ -
﴿وَكَانَ يَأْمُر أَهْله﴾ أَيْ قَوْمه ﴿بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاة وكان عند ربه مرضيا﴾ أصله مرضوو قلبت الْوَاوَانِ يَاءَيْنِ وَالضَّمَّة كَسْرَة
٥ -
﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَاب إدْرِيس﴾ هُوَ جَدّ أَبِي نوح {إنه كان صديقا نبيا
401
٥ -
402
﴿وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا﴾ هُوَ حَيّ فِي السَّمَاء الرَّابِعَة أَوْ السَّادِسَة أَوْ السَّابِعَة أَوْ فِي الْجَنَّة أُدْخِلَهَا بَعْد أَنْ أُذِيقَ الْمَوْت وَأُحْيِيَ وَلَمْ يَخْرُجْ مِنْهَا
٥ -
﴿أُولَئِكَ﴾ مُبْتَدَأ ﴿الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّه عَلَيْهِمْ﴾ صِفَة لَهُ ﴿مِنْ النَّبِيِّينَ﴾ بَيَان لَهُ وَهُوَ فِي مَعْنَى الصِّفَة وَمَا بَعْده إلَى جُمْلَة الشَّرْط صِفَة لِلنَّبِيِّينَ فَقَوْله ﴿مِنْ ذُرِّيَّة آدَم﴾ أَيْ إدْرِيس ﴿وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوح﴾ فِي السَّفِينَة أي إبراهيم بن ابْنه سَام ﴿وَمِنْ ذُرِّيَّة إبْرَاهِيم﴾ أَيْ إسْمَاعِيل وَإِسْحَاق وَيَعْقُوب ﴿و﴾ مِنْ ذُرِّيَّة ﴿إسْرَائِيل﴾ هُوَ يَعْقُوب أَيْ مُوسَى وَهَارُون وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى ﴿وممن هدينا واجتبينا﴾ أي من جملتهم وخبر أُولَئِكَ ﴿إذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَات الرَّحْمَن خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا﴾ جَمْع سَاجِد وَبَاكٍ أَيْ فَكُونُوا مِثْلهمْ وَأَصْل بَكِيّ بُكُوي قُلِبَتْ الْوَاو يَاء والضمة كسرة
٥ -
﴿فَخَلَفَ مِنْ بَعْدهمْ خَلْف أَضَاعُوا الصَّلَاة﴾ بِتَرْكِهَا كَالْيَهُودِ وَالنَّصَارَى ﴿وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَات﴾ مِنْ الْمَعَاصِي ﴿فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا﴾ هُوَ وَادٍ فِي جَهَنَّم أَيْ يقعون فيه
٦ -
﴿إلَّا﴾ لَكِنْ ﴿مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّة وَلَا يُظْلَمُونَ﴾ يَنْقُصُونَ ﴿شَيْئًا﴾ من ثوابهم
٦ -
﴿جَنَّات عَدْن﴾ إقَامَة بَدَل مِنْ الْجَنَّة ﴿الَّتِي وعد الرحمن عباده بالغيب﴾ حال أَيْ غَائِبِينَ عَنْهَا ﴿إنَّهُ كَانَ وَعْده﴾ أَيْ مَوْعُوده ﴿مَأْتِيًّا﴾ بِمَعْنَى آتِيًا وَأَصْله مَأْتُوي أَوْ مَوْعُوده هُنَا الْجَنَّة يَأْتِيه أَهْله
٦ -
﴿لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا﴾ مِنْ الْكَلَام ﴿إلَّا﴾ لَكِنْ يَسْمَعُونَ ﴿سَلَامًا﴾ مِنْ الْمَلَائِكَة عَلَيْهِمْ أَوْ مِنْ بَعْضهمْ عَلَى بَعْض ﴿وَلَهُمْ رِزْقهمْ فِيهَا بُكْرَة وَعَشِيًّا﴾ أَيْ عَلَى قَدْرهمَا فِي الدُّنْيَا وَلَيْسَ فِي الْجَنَّة نَهَار وَلَا لَيْل بَلْ ضَوْء وَنُور أَبَدًا
٦ -
﴿تِلْكَ الْجَنَّة الَّتِي نُورِث﴾ نُعْطِي وَنُنْزِل ﴿مِنْ عِبَادنَا مَنْ كَانَ تَقِيًّا﴾ بِطَاعَتِهِ وَنَزَلَ لَمَّا تَأَخَّرَ الْوَحْي أَيَّامًا وَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِجِبْرِيل مَا يَمْنَعك أَنْ تَزُورنَا أَكْثَر مِمَّا تَزُورنَا
402
٦ -
403
﴿وَمَا نَتَنَزَّل إلَّا بِأَمْرِ رَبّك لَهُ مَا بَيْن أَيْدِينَا﴾ أَيْ أَمَامنَا مِنْ أُمُور الْآخِرَة ﴿وَمَا خَلْفنَا﴾ مِنْ أُمُور الدُّنْيَا ﴿وَمَا بَيْن ذَلِكَ﴾ أَيْ مَا يَكُون فِي هَذَا الْوَقْت إلَى قِيَام السَّاعَة أَيْ لَهُ عِلْم ذَلِكَ جَمِيعه ﴿وَمَا كَانَ رَبّك نَسِيًّا﴾ بِمَعْنَى نَاسِيًا أَيْ تَارِكًا لَك بِتَأْخِيرِ الْوَحْي عَنْك
٦ -
هو ﴿رب﴾ مالك ﴿السماوات وَالْأَرْض وَمَا بَيْنهمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ﴾ أَيْ اصْبِرْ عَلَيْهَا ﴿هَلْ تَعْلَم لَهُ سَمِيًّا﴾ مُسَمًّى بذلك لا
٦ -
﴿ويقول الإنسان﴾ المنكر للبعث أبي بن خَلَف أَوْ الْوَلِيد بْن الْمُغِيرَة النَّازِل فِيهِ الْآيَة ﴿أَئِذَا﴾ بِتَحْقِيقِ الْهَمْزَة الثَّانِيَة وَتَسْهِيلهَا وَإِدْخَال أَلِف بَيْنهَا بِوَجْهَيْهَا وَبَيْن الْأُخْرَى ﴿مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَج حَيًّا﴾ مِنْ الْقَبْر كَمَا يَقُول مُحَمَّد فَالِاسْتِفْهَام بِمَعْنَى النَّفْي أَيْ لَا أَحْيَا بَعْد الْمَوْت وَمَا زَائِدَة لِلتَّأْكِيدِ وَكَذَا اللَّام ورد عليه بقوله تعالى
٦ -
﴿أو لا يَذْكُر الْإِنْسَان﴾ أَصْله يَتَذَكَّر أُبْدِلَتْ التَّاء ذَالًا وَأُدْغِمَتْ فِي الذَّال وَفِي قِرَاءَة تَرْكهَا وَسُكُون الذَّال وَضَمّ الْكَاف ﴿أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْل وَلَمْ يَكُ شَيْئًا﴾ فَيُسْتَدَلّ بِالِابْتِدَاءِ عَلَى الْإِعَادَة
٦ -
﴿فَوَرَبِّك لَنَحْشُرَنَّهُمْ﴾ أَيْ الْمُنْكِرِينَ لِلْبَعْثِ ﴿وَالشَّيَاطِين﴾ أَيْ نَجْمَع كُلًّا مِنْهُمْ وَشَيْطَانه فِي سِلْسِلَة ﴿ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْل جَهَنَّم﴾ مِنْ خَارِجهَا ﴿جِثِيًّا﴾ عَلَى الرَّكْب جَمْع جَاثٍ وَأَصْله جُثُوو أَوْ جُثُوي مِنْ جَثَا يَجْثُو أَوْ يَجْثِي لُغَتَانِ
٦ -
﴿ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلّ شِيعَة﴾ فِرْقَة مِنْهُمْ ﴿أَيّهمْ أَشَدّ عَلَى الرَّحْمَن عِتِيًّا﴾ جَرَاءَة
٧ -
﴿ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَم بِاَلَّذِينَ هُمْ أَوْلَى بِهَا﴾ أَحَقّ بِجَهَنَّم الْأَشَدّ وَغَيْره مِنْهُمْ ﴿صِلِيًّا﴾ دُخُولًا وَاحْتِرَاقًا فَنَبْدَأ بِهِمْ وَأَصْله صُلُوي مِنْ صَلِيَ بِكَسْرِ اللَّام وَفَتْحهَا
٧ -
﴿وَإِنْ﴾ أَيْ مَا ﴿مِنْكُمْ﴾ أَحَد ﴿إلَّا وَارِدهَا﴾ أَيْ دَاخِل جَهَنَّم ﴿كَانَ عَلَى رَبّك حَتْمًا مَقْضِيًّا﴾ حَتَمَهُ وَقَضَى بِهِ لَا يَتْرُكهُ
٧ -
﴿ثُمَّ نُنَجِّي﴾ مُشَدَّدًا وَمُخَفَّفًا ﴿الَّذِينَ اتَّقَوْا﴾ الشِّرْك وَالْكُفْر مِنْهَا ﴿وَنَذَر الظَّالِمِينَ﴾ بِالشِّرْكِ وَالْكُفْر ﴿فِيهَا جِثِيًّا﴾ عَلَى الرُّكَب
403
٧ -
404
﴿وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ﴾ أَيْ الْمُؤْمِنِينَ وَالْكَافِرِينَ ﴿آيَاتنَا﴾ مِنْ الْقُرْآن ﴿بَيِّنَات﴾ وَاضِحَات حَال ﴿قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَيّ الْفَرِيقَيْنِ﴾ نَحْنُ وَأَنْتُمْ ﴿خَيْر مَقَامًا﴾ مَنْزِلًا وَمَسْكَنًا بِالْفَتْحِ مِنْ قَامَ وَبِالضَّمِّ مِنْ أَقَامَ ﴿وَأَحْسَن نَدِيًّا﴾ بِمَعْنَى النَّادِي وَهُوَ مُجْتَمَع الْقَوْم يَتَحَدَّثُونَ فِيهِ يَعْنُونَ نَحْنُ فنكون خيرا منكم قال تعالى
٧ -
﴿وَكَمْ﴾ أَيْ كَثِيرًا ﴿أَهْلَكْنَا قَبْلهمْ مِنْ قَرْن﴾ أَيْ أُمَّة مِنْ الْأُمَم الْمَاضِيَة ﴿هُمْ أَحْسَن أثاثا﴾ مالا ومتاعا ﴿ورءيا﴾ مَنْظَرًا مِنْ الرُّؤْيَة فَكَمَا أَهْلَكْنَاهُمْ لِكُفْرِهِمْ نُهْلِك هؤلاء
٧ -
﴿قُلْ مَنْ كَانَ فِي الضَّلَالَة﴾ شَرْط جَوَابه ﴿فَلْيَمْدُدْ﴾ بِمَعْنَى الْخَبَر أَيْ يَمُدّ ﴿لَهُ الرَّحْمَن مَدًّا﴾ فِي الدُّنْيَا يَسْتَدْرِجهُ ﴿حَتَّى إذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ إمَّا الْعَذَاب﴾ كَالْقَتْلِ وَالْأَسْر ﴿وَإِمَّا السَّاعَة﴾ الْمُشْتَمِلَة عَلَى جَهَنَّم فَيَدْخُلُونَهَا ﴿فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرّ مَكَانًا وَأَضْعَف جُنْدًا﴾ أَعْوَانًا أَهُمْ أَمْ الْمُؤْمِنُونَ وَجُنْدهمْ الشَّيَاطِين وَجُنْد الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِمْ الملائكة
٧ -
﴿وَيَزِيد اللَّه الَّذِينَ اهْتَدَوْا﴾ بِالْإِيمَانِ ﴿هُدًى﴾ بِمَا يَنْزِل عَلَيْهِمْ مِنْ الْآيَات ﴿وَالْبَاقِيَات الصَّالِحَات﴾ هِيَ الطَّاعَة تَبْقَى لِصَاحِبِهَا ﴿خَيْر عِنْد رَبّك ثَوَابًا وَخَيْر مَرَدًّا﴾ أَيْ مَا يُرَدّ إلَيْهِ وَيَرْجِع بِخِلَافِ أَعْمَال الْكُفَّار وَالْخَيْرِيَّة هُنَا فِي مُقَابَلَة قَوْلهمْ أَيّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْر مَقَامًا
٧ -
﴿أَفَرَأَيْت الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا﴾ الْعَاصِي بْن وَائِل ﴿وَقَالَ﴾ لِخَبَّابِ بْنِ الْأَرَتّ الْقَائِل لَهُ تُبْعَث بَعْد الْمَوْت وَالْمُطَالِب لَهُ بِمَالٍ ﴿لَأُوتَيَنَّ﴾ عَلَى تقدير البعث ﴿مالا وولدا﴾ فأقضيك قال تعالى
٧ -
﴿أَطَّلَعَ الْغَيْب﴾ أَيْ أَعَلِمَهُ وَأَنْ يُؤْتَى مَا قَالَهُ وَاسْتُغْنِيَ بِهَمْزَةِ الِاسْتِفْهَام عَنْ هَمْزَة الْوَصْل فَحُذِفَتْ ﴿أَمْ اتَّخَذَ عِنْد الرَّحْمَن عَهْدًا﴾ بِأَنْ يُؤْتَى مَا قَالَهُ
٧ -
﴿كَلَّا﴾ أَيْ لَا يُؤْتَى ذَلِكَ ﴿سَنَكْتُبُ﴾ نَأْمُر بِكَتْبِ ﴿مَا يَقُول وَنَمُدّ لَهُ مِنْ الْعَذَاب مَدًّا﴾ نَزِيدهُ بِذَلِكَ عَذَابًا فَوْق عَذَاب كُفْره
٨ -
﴿وَنَرِثهُ مَا يَقُول﴾ مِنْ الْمَال وَالْوَلَد ﴿وَيَأْتِينَا﴾ يَوْم الْقِيَامَة ﴿فَرْدًا﴾ لَا مَال لَهُ وَلَا ولد
٨ -
﴿وَاِتَّخَذُوا﴾ أَيْ كُفَّار مَكَّة ﴿مِنْ دُون اللَّه﴾ الْأَوْثَان ﴿آلِهَة﴾ يَعْبُدُونَهُمْ ﴿لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا﴾ شُفَعَاء عِنْد اللَّه بِأَنْ لَا يُعَذَّبُوا
٨ -
﴿كَلَّا﴾ أَيْ لَا مَانِع مِنْ عَذَابهمْ ﴿سَيَكْفُرُونَ﴾ أَيْ الْآلِهَة ﴿بِعِبَادَتِهِمْ﴾ أَيْ يَنْفُونَهَا كَمَا فِي آيَة أُخْرَى ﴿مَا كَانُوا إيَّانَا يَعْبُدُونَ﴾ ﴿وَيَكُونُونَ عليهم ضدا﴾ أعوانا وأعداء
٨ -
﴿ألم تر أنا أرسلنا الشياطين﴾ سلطانهم ﴿على الكافرين تؤزهم﴾ تهيجهم إلى المعاصي ﴿أزا﴾
٨ -
﴿فَلَا تَعْجَل عَلَيْهِمْ﴾ بِطَلَبِ الْعَذَاب
404
﴿إنَّمَا نَعُدّ لَهُمْ﴾ الْأَيَّام وَاللَّيَالِي أَوْ الْأَنْفَاس ﴿عَدًّا﴾ إلَى وَقْت عَذَابهمْ
٨ -
405
اُذْكُرْ ﴿يَوْم نَحْشُر الْمُتَّقِينَ﴾ بِإِيمَانِهِمْ ﴿إلَى الرَّحْمَن وَفْدًا﴾ جَمْع وَافِد بِمَعْنَى رَاكِب
٨ -
﴿وَنَسُوق الْمُجْرِمِينَ﴾ بِكُفْرِهِمْ ﴿إلَى جَهَنَّم وِرْدًا﴾ جَمْع وَارِد بِمَعْنَى مَاشٍ عَطْشَان
٨ -
﴿لَا يَمْلِكُونَ﴾ أَيْ النَّاس ﴿الشَّفَاعَة إلَّا مَنْ اتَّخَذَ عِنْد الرَّحْمَن عَهْدًا﴾ أَيْ شَهَادَة أَنْ لَا إلَه إلَّا اللَّه وَلَا حَوْل وَلَا قُوَّة إلَّا بِاَللَّهِ
٨ -
﴿وَقَالُوا﴾ أَيْ الْيَهُود وَالنَّصَارَى وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ الْمَلَائِكَة بَنَات الله ﴿اتخذ الرحمن ولدا﴾ قال تعالى لهم
٨ -
﴿لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إدًّا﴾ أَيْ مُنْكَرًا عَظِيمًا
٩ -
﴿تكاد﴾ بالتاء والياء ﴿السماوات يَتَفَطَّرْنَ﴾ بِالتَّاءِ وَتَشْدِيد الطَّاء بِالِانْشِقَاقِ وَفِي قِرَاءَة بِالنُّونِ ﴿مِنْهُ وَتَنْشَقّ الْأَرْض وَتَخِرّ الْجِبَال هَدًّا﴾ أَيْ تَنْطَبِق عَلَيْهِمْ مِنْ أَجْل
٩ -
﴿أن دعوا للرحمن ولدا﴾ قال تعالى
٩ -
﴿وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذ وَلَدًا﴾ أَيْ مَا يَلِيق بِهِ ذَلِكَ
٩ -
﴿إن﴾ أي ما ﴿كل من في السماوات وَالْأَرْض إلَّا آتِي الرَّحْمَن عَبْدًا﴾ ذَلِيلًا خَاضِعًا يَوْم الْقِيَامَة مِنْهُمْ عُزَيْر وَعِيسَى
٩ -
﴿لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا﴾ فَلَا يَخْفَى عَلَيْهِ مَبْلَغُ جَمِيعِهِمْ وَلَا وَاحِدٌ مِنْهُمْ
٩ -
﴿وَكُلّهمْ آتِيه يَوْم الْقِيَامَة فَرْدًا﴾ بِلَا مَال ولا نصير يمنعه
٩ -
﴿إنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَات سَيَجْعَلُ لَهُمْ الرَّحْمَن وُدًّا﴾ فِيمَا بَيْنهمْ يَتَوَادُّونَ وَيَتَحَابُّونَ وَيُحِبّهُمْ الله تعالى
٩ -
﴿فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ﴾ أَيْ الْقُرْآن ﴿بِلِسَانِك﴾ الْعَرَبِيّ ﴿لِتُبَشِّر بِهِ الْمُتَّقِينَ﴾ الْفَائِزِينَ بِالْإِيمَانِ ﴿وَتُنْذِر﴾ تُخَوِّف ﴿بِهِ قَوْمًا لُدًّا﴾ جَمْع أَلَدّ أَيْ جَدِل بِالْبَاطِلِ وَهُمْ كُفَّار مَكَّة
405
٩ -
406
﴿وَكَمْ﴾ أَيْ كَثِيرًا ﴿أَهْلَكْنَا قَبْلهمْ مِنْ قَرْن﴾ أَيْ أُمَّة مِنْ الْأُمَم الْمَاضِيَة بِتَكْذِيبِهِمْ الرُّسُل ﴿هَلْ تُحِسّ﴾ تَجِد ﴿مِنْهُمْ مِنْ أَحَد أَوْ تَسْمَع لَهُمْ رِكْزًا﴾ صَوْتًا خَفِيًّا لَا فَكَمَا أَهْلَكْنَا أُولَئِكَ نُهْلِك هَؤُلَاءِ = ٢٠ سُورَة طَه
مَكِّيَّة إلَّا آيَتَيْ ١٢ و ١٢١ فَمَدَنِيَّتَانِ وَآيَاتهَا ١٣٥ أَوْ أرعون أو اثنتان نزلت بعد مريم بسم الله الرحمن الرحيم
سورة مريم
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

أشارت فاتحةُ سورةِ (مَرْيَمَ) إلى عظمةِ هذا الكتاب، ونبَّهتْ بعد ذلك على مِحوَرِ السُّورةِ؛ وهو رحمةُ الله عزَّ وجلَّ بأنبيائه؛ فقد بدأت بذِكْرِ رحمة الله عز وجل بزكريَّا ويحيى عليهما السلام، ثم رحمتِه تعالى بمَرْيَمَ وعيسى عليه السلام، ثم رحمتِهِ تعالى بإبراهيمَ عليه السلام، ثم رحمتِه تعالى بموسى وهارونَ عليهما السلام، ثمَّ رحمتِه تعالى بإسماعيلَ وإدريسَ عليهما السلام، وجُلُّ رحمةِ الله بعباده المؤمنين ستكون يومَ القيامة عندما يُنجِّي اللهُ الذين اتَّقَوْا من النَّار، ويذَرُ الظالمين فيها جِثِيًّا.

ترتيبها المصحفي
19
نوعها
مكية
ألفاظها
972
ترتيب نزولها
44
العد المدني الأول
98
العد المدني الأخير
99
العد البصري
98
العد الكوفي
98
العد الشامي
98

 * قوله تعالى: {وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَۖ لَهُۥ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا} [مريم: 64]:

عن عبدِ اللهِ بن عباسٍ رضي الله عنهما، قال: قال رسولُ اللهِ ﷺ لجِبْريلَ: «ألَا تَزُورُنا أكثَرَ ممَّا تَزُورُنا؟»، قال: فنزَلتْ: {وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَۖ لَهُۥ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا} [مريم: 64] الآيةَ. أخرجه البخاري (٣٢١٨).

* قوله تعالى: {أَفَرَءَيْتَ اْلَّذِي كَفَرَ بِـَٔايَٰتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالٗا وَوَلَدًا} [مريم: 77]:

عن خَبَّابِ بن الأَرَتِّ رضي الله عنه، قال: «كنتُ رجُلًا قَيْنًا، وكان لي على العاصِ بنِ وائلٍ دَيْنٌ، فأتَيْتُه أتقاضاه، فقال لي: لا أَقضِيك حتى تكفُرَ بمُحمَّدٍ، قال: قلتُ: لن أكفُرَ به حتى تموتَ، ثم تُبعَثَ، قال: وإنِّي لمبعوثٌ مِن بعدِ الموتِ؟! فسوف أَقضِيك إذا رجَعْتُ إلى مالٍ وولَدٍ، قال: فنزَلتْ: {أَفَرَءَيْتَ اْلَّذِي كَفَرَ بِـَٔايَٰتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالٗا وَوَلَدًا ٧٧ أَطَّلَعَ اْلْغَيْبَ أَمِ اْتَّخَذَ عِندَ اْلرَّحْمَٰنِ عَهْدٗا ٧٨ كَلَّاۚ سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُۥ مِنَ اْلْعَذَابِ مَدّٗا ٧٩ وَنَرِثُهُۥ مَا يَقُولُ وَيَأْتِينَا فَرْدٗا} [مريم: 77-80]». أخرجه البخاري (٤٧٣٥).

* سورة (مَرْيَمَ):

وجهُ تسميةِ سورة (مَرْيَمَ) بهذا الاسم: أنَّها بُسِطتْ فيها قصةُ (مَرْيَمَ)، وابنِها، وأهلِها.

* جاء في فضلِ سورة (مَرْيَمَ): أنها من قديم ما تعلَّمَه الصحابةُ من النبي صلى الله عليه وسلم:

عن عبد الرَّحمنِ بن يَزيدَ بن جابرٍ، قال: «سَمِعْتُ ابنَ مسعودٍ يقولُ في (بَنِي إسرائِيلَ)، و(الكَهْفِ)، و(مَرْيَمَ)، و(طه)، و(الأنبياءِ): إنَّهُنَّ مِن العِتَاقِ الأُوَلِ، وهُنَّ مِن تِلادي». أخرجه البخاري (٤٩٩٤).

قال أبو عُبَيدٍ: «قولُه: «مِن تِلَادي»: يعني: مِن قديمِ ما أخَذْتُ مِن القرآنِ؛ وذلك أنَّ هذه السُّوَرَ نزَلتْ بمكَّةَ». "فضائل القرآن" للقاسم بن سلام (ص247).


اشتملت سورةُ (مَرْيَمَ) على الموضوعات الآتية:

1. رحمته تعالى بزكريا ويحيى عليهما السلام (١-١٥).

2. رحمته تعالى بمَرْيَمَ وعيسى عليه السلام (١٦- ٤٠).

3. رحمته تعالى بإبراهيمَ عليه السلام (٤١ -٥٠).

4. رحمته تعالى بموسى وهارونَ عليهما السلام (٥١ -٥٣).

5. رحمته تعالى بإسماعيلَ وإدريسَ عليهما السلام (٥٤-٥٨).

6. طريق النجاة (٥٩-٦٥).

7. جَوْلات مع شُبَه الكافرين وأباطيلهم (٦٦-٩٥).

8. محبته تعالى لأوليائه، مهمة القرآن (٩٦-٩٨).

ينظر: "التفسير الموضوعي للقرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (4 /414).

مقصدُ السورةِ الأعظَمُ هو بيانُ اتِّصافه سبحانه بشمول الرحمة؛ بإضافةِ جميع النِّعَم على جميع خَلْقه، المستلزِم للدَّلالة على اتصافِه بجميع صفات الكمال، المستلزِم لشمول القدرة على إبداعِ المستغرَب، المستلزِم لتمام العلم، المُوجِب للقدرة على البعث، والتنزُّه عن الولد؛ لأنه لا يكون إلا لمحتاجٍ، ولا يكون إلا مثل الوالد، ولا سَمِيَّ له سبحانه، فضلًا عن مثيلٍ له سبحانه وتعالى.

ينظر: "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور" للبقاعي (2 /256).