تفسير سورة مريم

تفسير النسائي

تفسير سورة سورة مريم من كتاب تفسير النسائي
لمؤلفه النسائي . المتوفي سنة 303 هـ

قوله تعالى: ﴿ يٰأُخْتَ هَارُونَ ﴾ [٢٨]٣٣٥- أنا محمد بن يحيى بن أيُّوب، نا ابن إِدريس، قال: حدثني أبي، عن سماك، عن علقمة بن وائلٍ، عن المُغيرة بن شعبة، قال:" كنت بأرض نجران، فسألوني فقالوا: أرأيتم شيئاً تقرأُونه: ﴿ يٰأُخْتَ هَارُونَ ﴾ وبين موسى وعيسى ما قد علمتم من السنين؟ قال: فلم أدر ما أُجيبهم به، فلما قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكرت ذلك له، فقال: " ألا أخبرتهم أنهم كانوا يُسمَّون بأَنْبيائهم والصَّالحينَ؟ " ".
قوله تعالى: ﴿ وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ ٱلْحَسْرَةِ ﴾ [٣٩]٣٣٦- أنا هَنَّادُ بنُ السَّريِّ، عن محمدٍ، عن الأعمشِ، عن أبي صالحٍ، عن أبي سعيد، قال: قال رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم:" إذا دخل أهلُ النَّارِ النَّارَ، وأُدخل أهلُ الجنَّةِ الجنَّة، يُجاءُ بالموتِ، كأنه كبش أملحُ، فينادي مُنادي: يا أهل الجنةِ تعرفون هذا؟ [قال] فَيشرئِبُّونَ وينظرونَ وكل قد رأوه، فيقولون: نعم، هذا الموت، ثم ينادي: يا أهل النارِ، تعرفون هذا؟ فيشرئِبُّون وينظرون، وكُلُّهم قد رأوه فيقولون: نعم هذا الموتُ. فيؤخذ فيذبح، ثم ينادي: يا أهل الجنةِ خلودٌ ولا موت، ويا أهل النارِ، خلودٌ ولا موت، فذلك قوله: ﴿ وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ ٱلْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ ٱلأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ ﴾ قال:/ أهلُ الدُّنيا في غقلةٍ ". ٣٣٧- أنا محمد بن عبيد بن محمد، نا أسباطُ، عن الأعمش، عن أبي صالحٍ، عن أبي هُريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الآيةِ" ﴿ وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ ٱلْحَسْرَةِ ﴾ قال: " ينادي: يا أهل الجنة فيشرئِبُّون فينظرون، ويُنادي: يا أهل النار، فيشرئِبُّون فينظرون، فيقال: هل تعرفون الموت؟ فيقولون: نعم، فيجاء بالموت في صورة كبش أملح، فيقال: هذا الموت فيقدم فيذبح قال: يا أهل الجنة خلودٌ لا موت، ويقال: يا أهل النار خلودٌ لا موت " قال: ثم قرأ: ﴿ وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ ٱلْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ ٱلأَمْرُ ﴾ ".
قوله تعالى: ﴿ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيّاً ﴾ [٥٢]٣٣٨- أنا عُبيد الله بن فضالة بن إبراهيم، أنا موسى بن إسماعيل، نا حمادُ بنُ سلمة عن حُميدٍ، عن الحسن، عن جُندبٍ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" لَقِي آدمُ موسى، فقال موسى: يا آدمُ أنت الذي خلقك الله بيده وأسجد لك ملائكتهُ وأسكنك جنته ونفخ فيك من روحه؟ قال آدمُ: يا موسى أنت الذي اصطفاك اللهُ برسالاتِهِ وآتاك التوراة، وكلمك وقربك نجيّاً؟ فأنا أقدمُ أم الذكر. قال النبي صلى الله عليه وسلم: " فحجَّ آدمُ موسى، فحجَّ آدمُ موسى " ".
قوله تعالى: ﴿ وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلاَّ بِأَمْرِ رَبِّكَ ﴾ [٦٤]٣٣٩- أنا محمد بن إسماعيل بن إبراهيم، عن أبي عامرٍ، قال: حدَّثنا عمرُ، قال: نا أبي وأنا إبراهيم بن الحسن، عن حجاج بن محمدٍ، عن عمر بن ذرٍّ، عن أبيه، عن سعيد بن جُبيرٍ، عن ابن عبَّاسٍ - قال محمد: إن النبي صلى الله عليه وسلم. وقال إبراهيم: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم - قال لجبريل:" ما يمنعك أن تزُورَنا أكثر مما تزورُنا، فنزلت: ﴿ وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلاَّ بِأَمْرِ رَبِّكَ ﴾ "- قال مُحمَّدٌ: الآيةُ.
قوله تعالى: ﴿ وَإِن مِّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا ﴾ [٧١]٣٤٠- أخبرنا محمد بن عبد الله بن يزيد، عن سفيان، عن الزُّهري، عن سعيد، عن أبي هُريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم/ قال:" ما أحدٌ يموتُ له ثلاثةٌ من الولد فيلج النار إلاَّ تحلَّةَ القسمِ ".
قوله تعالى: ﴿ وَّنَذَرُ ٱلظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيّاً ﴾ [٧٢]٣٤١- أنا الحسن بن محمدٍ، عن حجاج، عن ابن جُريج. وأخبرني هارون بن عبد الله، نا حجاجٌ قال: قال ابن جُريج: أخبرني أبو الزبير، أنه سمع جابراً يقولُ: أخبرتني أُمُّ مُبشرٍ أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول عند حفصة رضي الله عنها:" " لا يدخل النار إن شاء الله من أصحاب الشجرة أحدٌ. الذين بايعوا تحتها " قالت: بلى يا رسول الله. فانتهرها. قالت حفصة: ﴿ وَإِن مِّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا ﴾ [مريم: ٧١] قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: " فقد قال اللهُ: ﴿ ثُمَّ نُنَجِّي ٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ وَّنَذَرُ ٱلظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيّاً ﴾ " ".
قوله تعالى: ﴿ أَفَرَأَيْتَ ٱلَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا ﴾ [٧٧]٣٤٢- أنا محمد بن العلاءِ، نا أبو معاوية، عن الأعمش، عن مسلم، عن مسروق، عن خباب قال: كُنت رجلاً قيناً، وكان لي على العاصي بن وائلٍ دينٌ، فأتيتُهُ أتقاضاه، فقال: والله لا أقضيك حتى تكفر بمحمدٍ - صلى الله عليه وسلم - فقلتُ: لا والله لا أكفر بمحمد حتى تموت، ثم تُبعثَ، قال: فإني إذا مِتُّ ثم بُعثتُ جئتني ولي ثم مالٌ وولدٌ، فأُعطيك فأنزل اللهُ عز وجل: ﴿ أَفَرَأَيْتَ ٱلَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا ﴾ إلى قوله: ﴿ وَيَأْتِينَا فَرْداً ﴾ [٨٠].
٣٤٣- أنا هنادُ بن السَّريِّ، عن أبي معاوية، عن الأعمش، عن سعيد بن جبير، عن أبي عبد الرحمن، عن أبي موسى، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" لا أحد أصبرُ على أذىً يسمعُهُ من الله، إنهُ يشرك به، ويُجعلُ له ندٌّ، وهو يعافيهم ويرزقهم، ويدفع عنهم ".
سورة مريم
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

أشارت فاتحةُ سورةِ (مَرْيَمَ) إلى عظمةِ هذا الكتاب، ونبَّهتْ بعد ذلك على مِحوَرِ السُّورةِ؛ وهو رحمةُ الله عزَّ وجلَّ بأنبيائه؛ فقد بدأت بذِكْرِ رحمة الله عز وجل بزكريَّا ويحيى عليهما السلام، ثم رحمتِه تعالى بمَرْيَمَ وعيسى عليه السلام، ثم رحمتِهِ تعالى بإبراهيمَ عليه السلام، ثم رحمتِه تعالى بموسى وهارونَ عليهما السلام، ثمَّ رحمتِه تعالى بإسماعيلَ وإدريسَ عليهما السلام، وجُلُّ رحمةِ الله بعباده المؤمنين ستكون يومَ القيامة عندما يُنجِّي اللهُ الذين اتَّقَوْا من النَّار، ويذَرُ الظالمين فيها جِثِيًّا.

ترتيبها المصحفي
19
نوعها
مكية
ألفاظها
972
ترتيب نزولها
44
العد المدني الأول
98
العد المدني الأخير
99
العد البصري
98
العد الكوفي
98
العد الشامي
98

 * قوله تعالى: {وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَۖ لَهُۥ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا} [مريم: 64]:

عن عبدِ اللهِ بن عباسٍ رضي الله عنهما، قال: قال رسولُ اللهِ ﷺ لجِبْريلَ: «ألَا تَزُورُنا أكثَرَ ممَّا تَزُورُنا؟»، قال: فنزَلتْ: {وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَۖ لَهُۥ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا} [مريم: 64] الآيةَ. أخرجه البخاري (٣٢١٨).

* قوله تعالى: {أَفَرَءَيْتَ اْلَّذِي كَفَرَ بِـَٔايَٰتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالٗا وَوَلَدًا} [مريم: 77]:

عن خَبَّابِ بن الأَرَتِّ رضي الله عنه، قال: «كنتُ رجُلًا قَيْنًا، وكان لي على العاصِ بنِ وائلٍ دَيْنٌ، فأتَيْتُه أتقاضاه، فقال لي: لا أَقضِيك حتى تكفُرَ بمُحمَّدٍ، قال: قلتُ: لن أكفُرَ به حتى تموتَ، ثم تُبعَثَ، قال: وإنِّي لمبعوثٌ مِن بعدِ الموتِ؟! فسوف أَقضِيك إذا رجَعْتُ إلى مالٍ وولَدٍ، قال: فنزَلتْ: {أَفَرَءَيْتَ اْلَّذِي كَفَرَ بِـَٔايَٰتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالٗا وَوَلَدًا ٧٧ أَطَّلَعَ اْلْغَيْبَ أَمِ اْتَّخَذَ عِندَ اْلرَّحْمَٰنِ عَهْدٗا ٧٨ كَلَّاۚ سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُۥ مِنَ اْلْعَذَابِ مَدّٗا ٧٩ وَنَرِثُهُۥ مَا يَقُولُ وَيَأْتِينَا فَرْدٗا} [مريم: 77-80]». أخرجه البخاري (٤٧٣٥).

* سورة (مَرْيَمَ):

وجهُ تسميةِ سورة (مَرْيَمَ) بهذا الاسم: أنَّها بُسِطتْ فيها قصةُ (مَرْيَمَ)، وابنِها، وأهلِها.

* جاء في فضلِ سورة (مَرْيَمَ): أنها من قديم ما تعلَّمَه الصحابةُ من النبي صلى الله عليه وسلم:

عن عبد الرَّحمنِ بن يَزيدَ بن جابرٍ، قال: «سَمِعْتُ ابنَ مسعودٍ يقولُ في (بَنِي إسرائِيلَ)، و(الكَهْفِ)، و(مَرْيَمَ)، و(طه)، و(الأنبياءِ): إنَّهُنَّ مِن العِتَاقِ الأُوَلِ، وهُنَّ مِن تِلادي». أخرجه البخاري (٤٩٩٤).

قال أبو عُبَيدٍ: «قولُه: «مِن تِلَادي»: يعني: مِن قديمِ ما أخَذْتُ مِن القرآنِ؛ وذلك أنَّ هذه السُّوَرَ نزَلتْ بمكَّةَ». "فضائل القرآن" للقاسم بن سلام (ص247).


اشتملت سورةُ (مَرْيَمَ) على الموضوعات الآتية:

1. رحمته تعالى بزكريا ويحيى عليهما السلام (١-١٥).

2. رحمته تعالى بمَرْيَمَ وعيسى عليه السلام (١٦- ٤٠).

3. رحمته تعالى بإبراهيمَ عليه السلام (٤١ -٥٠).

4. رحمته تعالى بموسى وهارونَ عليهما السلام (٥١ -٥٣).

5. رحمته تعالى بإسماعيلَ وإدريسَ عليهما السلام (٥٤-٥٨).

6. طريق النجاة (٥٩-٦٥).

7. جَوْلات مع شُبَه الكافرين وأباطيلهم (٦٦-٩٥).

8. محبته تعالى لأوليائه، مهمة القرآن (٩٦-٩٨).

ينظر: "التفسير الموضوعي للقرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (4 /414).

مقصدُ السورةِ الأعظَمُ هو بيانُ اتِّصافه سبحانه بشمول الرحمة؛ بإضافةِ جميع النِّعَم على جميع خَلْقه، المستلزِم للدَّلالة على اتصافِه بجميع صفات الكمال، المستلزِم لشمول القدرة على إبداعِ المستغرَب، المستلزِم لتمام العلم، المُوجِب للقدرة على البعث، والتنزُّه عن الولد؛ لأنه لا يكون إلا لمحتاجٍ، ولا يكون إلا مثل الوالد، ولا سَمِيَّ له سبحانه، فضلًا عن مثيلٍ له سبحانه وتعالى.

ينظر: "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور" للبقاعي (2 /256).