تفسير سورة مريم

جهود الإمام الغزالي في التفسير

تفسير سورة سورة مريم من كتاب جهود الإمام الغزالي في التفسير
لمؤلفه أبو حامد الغزالي . المتوفي سنة 505 هـ

﴿ ولم أكن بدعائك رب شقيا ﴾.
٦٧٨- ترد الباء بمعنى في، كقوله تعالى :﴿ بدعائك ﴾ وقيل معناه : لأجل دعائك، وقيل معناه : لسبب دعائك. [ المنخول : ٨٢ ]
﴿ يا يحيى خذ الكتاب بقوة وآتيناه الحكم صبيا ﴾.
٦٧٩- قيل في تفسير ﴿ يا يحيى خذ الكتاب بقوة ﴾ أي بجد واجتهاد، وأخذه بالجد أن يكون متجردا له عند قراءته منصرف الهمة إليه من غيره. [ الإحياء : ١/٣٣٢ ].
٦٨٠- قال ابن عباس رضي الله عنهما : ما أتى الله عز وجل عبدا علما إلا شابا، والخير كله في الشباب، ثم تلا قوله تعالى :﴿ قالوا سمعنا فتى يذكرهم يقال له إبراهيم ﴾١ وقوله تعالى :﴿ إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى ﴾٢ وقوله تعالى :﴿ وآتيناه الحكم صبيا ﴾. [ نفسه : ١/١٦٩ ].
١ - الأنبياء: ٦٠..
٢ - الكهف : ١٣..
﴿ وسلام عليه ﴾.
٦٨١- يحيى بن زكرياء عليه السلام فإنه أقيم مقام الهيبة والحياء، فلم ينطق حتى أثنى عليه خالقه، فقال :﴿ وسلام عليه ﴾ [ نفسه : ٤/٣٦١ ].
﴿ وهزي إليك بجذع النخلة تسقط عليك رطبا جنيا ﴾.
٦٨٢- قد كان الله قادرا على تحصيل الرطب لمريم من غير هز، كما قال في النظم البديع :
ألم ترى أن الله قال لمريم وهز إليك الجذع يسّاقط الرطب
ولو شاء أجنى الجذع من غير هزها ولكنما الأشياء تجري لها سبب.
[ سر العالمين وكشف ما في الدارين ضمن المجموعة : رقم ٦ ص : ٢٧ ].
﴿ والسلام علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا ﴾.
٦٨٣- كان عيسى عليه السلام من المفضلين، ولإدلاله سلم على نفسه، فقال :﴿ والسلام علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا ﴾ وهذا انبساط منه لما شاهد من اللطف في مقام الأنس. [ الإحياء : ٤/٣٦١ ].
﴿ يا أبت إني قد جاءني من العلم ما لم يأتك فاتبعني أهدك صراطا سويا ﴾.
٦٨٤- الولد وإن كان فرعا فلربما صار بمزيد العلم أصلا، لذلك قال إبراهيم عليه الصلاة والسلام :﴿ يا أبت إني قد جاءني من العلم ما لم يأتك فاتبعني أهدك صراطا سويا ﴾ [ نصيحة من الإمام الغزالي : ٣٨ ].
﴿ إنه كان صادق الوعد ﴾.
٦٨٥- قد أثنى الله تعالى على نبيه إسماعيل عليه السلام في كتابه العزيز فقال :﴿ إنه كان صادق الوعد ﴾ قيل : إنه وعد إنسانا في موضع فلم يرجع إليه ذلك الإنسان بل نسي، فبقي إسماعيل اثنين وعشرين يوما في انتظاره. [ الإحياء : ٣/١٤١[.
﴿ ثم لننزعن من كل شيعة أيهم أشد على الرحمان عتيا ﴾.
٦٨٦- أخبر أن أشد أهل النار عذابا أشدهم عتيا على الله تعالى فقال :﴿ ثم لننزعن من كل شيعة أيهم أشد على الرحمان عتيا ﴾ [ نفسه : ٣/٣٦٤ ].
﴿ وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتما مقضيا ثم ننجي الذين اتقوا ﴾.
٦٨٧ قال صلى الله عليه وسلم :( يقول الله تعالى لآدم عليه السلام يوم القيامة : يا آدم ابعث من ذريتك بعث النار، فيقول : يا رب من كم ؟ فيقول : من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين )١.
هذا الحديث صحيح، ولكن ليس المعنى به أنهم كفار مخلدون، بل أنهم يدخلون النار يعرضون عليها ويتركون فيها بقدر معاصيهم، والمعصوم من المعاصي لا يكون في الألف إلا واحدا، وكذلك قال الله تعالى :﴿ وإن منكم إلا واردها ﴾. [ فيصل التفرقة بين الإسلام والزندقة ضمن المجموعة رقم ٣ ص : ١٤٣ ].
٦٨٨- ﴿ ثم ننجي الذين اتقوا ﴾، أي الذين كان قربهم إلى الصراط المستقيم أكثر من بعدهم عنه. [ الإحياء : ٣/٦٩ ].
١ - رواه البخاري. ن. كتاب الأنبياء حديث رقم: ٣٣٤٨..
﴿ أفرأيت الذي كفر بآيتنا وقال لأوتين مالا وولدا ﴾.
٦٨٩- روي عن خباب بن الأرث١ لأنه قال :( كان لي علي العاص بن وائل٢ دين فجئت أتقضاه، فلم يقض لي، فقلت : إني آخذه في الآخرة، فقال لي : إذا صرت إلى الآخرة فإن لي هناك مالا وولدا أقضيك منه، فأنزل الله تعالى :﴿ أفرأيت الذي كفر بآياتنا وقال لأوتين مالا وولدا ﴾ " ٣ [ نفسه : ٣/٤٠٤ ].
١ - هو خباب بن الأرث ابن جندلة بن مسعد بن خزيمة بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم التميمي ويقال الخزاعي أبو عبد الله، أسلم قديما وكان من المستضعفين، عذب عذابا شديدا لإظهار إسلامه، روى عن النبي صلى الله عيه وسلم وروى عنه أبو أمامة وابنه عبد الله بن خباب وآخرون. ت ٣٧هـ بالكوفة. ن الإصابة ٢/١٠١ رقم ٢٢٠٢ وسير أعلام النبلاء ٢/٣٢٣..
٢ - هو ابن هشام السهمي والد عمرو بن العاص، أحد الحكام في الجاهلية، أدرك الإسلام وضل على الشرك يعد من المستهزئين والزنادقة الذين ماتوا على الكفر. ت ٣ ق هـ. ن الكامل لابن الأثير ٢/٤٩ والأعلام للزركلي ٣/٢٤٧..
٣ - أخرجه البخاري في صحيحه. ن كتاب التفسير باب قوله تعالى: ﴿أفرأيت الذي كفر بآياتنا وقال لأوتين مالا وولدا﴾ ٥/٢٣٧ح: رقم ٤٧٣٢..
﴿ إنما نعد لهم عدا ﴾.
٦٩٠- كان الحسن البصري يقول في موعظته : المبادرة فإنما هي الأنفاس، لو حبست انقطعت عنكم أعمالكم التي تتقربون بها إلى الله عز وجل، رحم الله امرء نظر إلى نفسه وبكى على عدد ذنوبه ! ثم قرأ هذه الآية :﴿ إنما نعد لهم عدا ﴾ [ الإحياء : ٤/٤٨٨ ].
﴿ إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمان ودا ﴾.
٦٩١- قرأ الحسن :﴿ إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمان ودا ﴾، قال : يحببهم إلى المؤمنين. [ منهاج العابدين : ٢٩٥ ]
سورة مريم
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

أشارت فاتحةُ سورةِ (مَرْيَمَ) إلى عظمةِ هذا الكتاب، ونبَّهتْ بعد ذلك على مِحوَرِ السُّورةِ؛ وهو رحمةُ الله عزَّ وجلَّ بأنبيائه؛ فقد بدأت بذِكْرِ رحمة الله عز وجل بزكريَّا ويحيى عليهما السلام، ثم رحمتِه تعالى بمَرْيَمَ وعيسى عليه السلام، ثم رحمتِهِ تعالى بإبراهيمَ عليه السلام، ثم رحمتِه تعالى بموسى وهارونَ عليهما السلام، ثمَّ رحمتِه تعالى بإسماعيلَ وإدريسَ عليهما السلام، وجُلُّ رحمةِ الله بعباده المؤمنين ستكون يومَ القيامة عندما يُنجِّي اللهُ الذين اتَّقَوْا من النَّار، ويذَرُ الظالمين فيها جِثِيًّا.

ترتيبها المصحفي
19
نوعها
مكية
ألفاظها
972
ترتيب نزولها
44
العد المدني الأول
98
العد المدني الأخير
99
العد البصري
98
العد الكوفي
98
العد الشامي
98

 * قوله تعالى: {وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَۖ لَهُۥ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا} [مريم: 64]:

عن عبدِ اللهِ بن عباسٍ رضي الله عنهما، قال: قال رسولُ اللهِ ﷺ لجِبْريلَ: «ألَا تَزُورُنا أكثَرَ ممَّا تَزُورُنا؟»، قال: فنزَلتْ: {وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَۖ لَهُۥ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا} [مريم: 64] الآيةَ. أخرجه البخاري (٣٢١٨).

* قوله تعالى: {أَفَرَءَيْتَ اْلَّذِي كَفَرَ بِـَٔايَٰتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالٗا وَوَلَدًا} [مريم: 77]:

عن خَبَّابِ بن الأَرَتِّ رضي الله عنه، قال: «كنتُ رجُلًا قَيْنًا، وكان لي على العاصِ بنِ وائلٍ دَيْنٌ، فأتَيْتُه أتقاضاه، فقال لي: لا أَقضِيك حتى تكفُرَ بمُحمَّدٍ، قال: قلتُ: لن أكفُرَ به حتى تموتَ، ثم تُبعَثَ، قال: وإنِّي لمبعوثٌ مِن بعدِ الموتِ؟! فسوف أَقضِيك إذا رجَعْتُ إلى مالٍ وولَدٍ، قال: فنزَلتْ: {أَفَرَءَيْتَ اْلَّذِي كَفَرَ بِـَٔايَٰتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالٗا وَوَلَدًا ٧٧ أَطَّلَعَ اْلْغَيْبَ أَمِ اْتَّخَذَ عِندَ اْلرَّحْمَٰنِ عَهْدٗا ٧٨ كَلَّاۚ سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُۥ مِنَ اْلْعَذَابِ مَدّٗا ٧٩ وَنَرِثُهُۥ مَا يَقُولُ وَيَأْتِينَا فَرْدٗا} [مريم: 77-80]». أخرجه البخاري (٤٧٣٥).

* سورة (مَرْيَمَ):

وجهُ تسميةِ سورة (مَرْيَمَ) بهذا الاسم: أنَّها بُسِطتْ فيها قصةُ (مَرْيَمَ)، وابنِها، وأهلِها.

* جاء في فضلِ سورة (مَرْيَمَ): أنها من قديم ما تعلَّمَه الصحابةُ من النبي صلى الله عليه وسلم:

عن عبد الرَّحمنِ بن يَزيدَ بن جابرٍ، قال: «سَمِعْتُ ابنَ مسعودٍ يقولُ في (بَنِي إسرائِيلَ)، و(الكَهْفِ)، و(مَرْيَمَ)، و(طه)، و(الأنبياءِ): إنَّهُنَّ مِن العِتَاقِ الأُوَلِ، وهُنَّ مِن تِلادي». أخرجه البخاري (٤٩٩٤).

قال أبو عُبَيدٍ: «قولُه: «مِن تِلَادي»: يعني: مِن قديمِ ما أخَذْتُ مِن القرآنِ؛ وذلك أنَّ هذه السُّوَرَ نزَلتْ بمكَّةَ». "فضائل القرآن" للقاسم بن سلام (ص247).


اشتملت سورةُ (مَرْيَمَ) على الموضوعات الآتية:

1. رحمته تعالى بزكريا ويحيى عليهما السلام (١-١٥).

2. رحمته تعالى بمَرْيَمَ وعيسى عليه السلام (١٦- ٤٠).

3. رحمته تعالى بإبراهيمَ عليه السلام (٤١ -٥٠).

4. رحمته تعالى بموسى وهارونَ عليهما السلام (٥١ -٥٣).

5. رحمته تعالى بإسماعيلَ وإدريسَ عليهما السلام (٥٤-٥٨).

6. طريق النجاة (٥٩-٦٥).

7. جَوْلات مع شُبَه الكافرين وأباطيلهم (٦٦-٩٥).

8. محبته تعالى لأوليائه، مهمة القرآن (٩٦-٩٨).

ينظر: "التفسير الموضوعي للقرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (4 /414).

مقصدُ السورةِ الأعظَمُ هو بيانُ اتِّصافه سبحانه بشمول الرحمة؛ بإضافةِ جميع النِّعَم على جميع خَلْقه، المستلزِم للدَّلالة على اتصافِه بجميع صفات الكمال، المستلزِم لشمول القدرة على إبداعِ المستغرَب، المستلزِم لتمام العلم، المُوجِب للقدرة على البعث، والتنزُّه عن الولد؛ لأنه لا يكون إلا لمحتاجٍ، ولا يكون إلا مثل الوالد، ولا سَمِيَّ له سبحانه، فضلًا عن مثيلٍ له سبحانه وتعالى.

ينظر: "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور" للبقاعي (2 /256).