بسم الله الرحمن الرحيم
تفسير سورة الفرقانوهي مكية، قال الضحاك : هي مدنية.
ﰡ
وَقَوله: ﴿الذى نزل الْفرْقَان﴾ أَي: الْقُرْآن، وسمى الْقُرْآن فرقانا لمعنيين: احدهما: لِأَنَّهُ يفرق بَين الْحق وَالْبَاطِل، والأخر: أَن فِيهِ بَيَان الْحَلَال وَالْحرَام.
وَقَوله تَعَالَى: ﴿على عَبده﴾ أَي: مُحَمَّد.
وَقَوله: ﴿ليَكُون للْعَالمين نذيرا﴾ أَي: الْجِنّ والأنس، قَالَ أهل الْعلم: وَلم يبْعَث نَبِي إِلَى جَمِيع الْعَالمين غير نوح وَمُحَمّد عَلَيْهِمَا الصَّلَاة وَالسَّلَام.
وَقَوله: ﴿وَلم يكن لَهُ شريك فِي الْملك﴾ أَي: كَمَا قَالَه عَبدة الْأَصْنَام وَغَيرهم.
وَقَوله: ﴿وَخلق كل شَيْء﴾ أَي: مِمَّا يصلح أَن يكون مخلوقا.
قَوْله: (فقدره تَقْديرا) أَي: سواهُ تَسْوِيَة على مايصلح لِلْأَمْرِ الذى أُرِيد لَهُ، وَيُقَال: بَين مقادير الْأَشْيَاء ومنافعها، وَمِقْدَار لبثها وَوقت فنائها.
وَقَوله: ﴿لَا يخلقون شَيْئا وهم يخلقون﴾ ظَاهر الْمَعْنى.
وَقَوله: ﴿وَلَا يملكُونَ لأَنْفُسِهِمْ ضرا وَلَا نفعا﴾ أَي: دفع ضرا وجلب نفع، وَهَذَا يَقع فِي الْأَصْنَام الَّتِى عَبدهَا الْمُشْركُونَ.
وَقَوله: ﴿وَلَا يملكُونَ موتا وَلَا حَيَاة﴾ أَي: إماتة (وَلَا إحْيَاء).
وَقَوله: ﴿وَلَا نشورا﴾ أَي: بعثا بعد الْمَوْت.
وَقَوله: ﴿وأعانه عَلَيْهِ قوم آخَرُونَ﴾ يعْنى: جبر، ويسار، وعداس، و (أَبُو) فكيهة، وَهَؤُلَاء عبيد كَانُوا بِمَكَّة من أهل الْكتاب، وَكَانُوا يَجْلِسُونَ إِلَى النَّبِي يسمعُونَ مِنْهُ، فَزعم الْمُشْركُونَ أَن مُحَمَّدًا يَأْخُذ مِنْهُم.
وَقَوله: ﴿فقد جَاءُوا ظلما وزورا﴾ أَي: بظُلْم وزور، فَلَمَّا حذف الْبَاء انتصب.
وَقَوله: ﴿اكتتبها﴾ أَي: طلب أَن تكْتب لَهُ؛ لِأَنَّهُ كَانَ لَا يكْتب.
وَقَوله: ﴿فَهِيَ تملى عَلَيْهِ﴾ أَي: تقْرَأ عَلَيْهِ، إِذْ كَانَ لَا يكْتب حَتَّى تملى عَلَيْهِ ليكتب.
وَقَوله: ﴿بكرَة وَأَصِيلا﴾ أَي: غدْوَة وعشيا.
وَقَوله: ﴿لَوْلَا أنزل إِلَيْهِ ملك﴾ قَالُوا هَذَا لأَنهم زَعَمُوا أَن الرَّسُول إِن لم يكن ملكا، فَيَنْبَغِي أَن يكون لَهُ شريك من الْمَلَائِكَة، هَذَا أَيْضا فَاسد؛ لِأَنَّهُ مُجَرّد تحكم، وَيجوز أَن يتفرد الْآدَمِيّ بِالنُّبُوَّةِ وَلَا يكون مَعَه ملك، وَلِأَن يكون النَّبِي آدَمِيًّا أولى من أَن يكون ملكا؛ ليفهموا عَنهُ، ويستأنسوا بِهِ.
وَقَوله: ﴿فَيكون مَعَه نذيرا﴾ أَي: شَرِيكا.
وَقَوله: ﴿أَو تكون لَهُ جنَّة يَأْكُل مِنْهَا﴾ قَالُوا: هلا جعل الله لَك بستانا تعيش بِهِ، أوكنزا يَدْفَعهُ إِلَيْك،: فتستغني بِهِ عَن التعيش والتكسب والتبذل فِي الْأُمُور، وَهَذَا أَيْضا فَاسد؛ لِأَن كَسبه وتعيشه لم يكن منافيا نبوته.
وَقَوله: ﴿وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِن تتبعون إِلَّا رجلا مسحورا﴾ أَي: مخدوعا، وَقيل مصروفا عَن الْحق، وَقيل: مُعَللا بِالطَّعَامِ وَالشرَاب.
وَقَوله: ﴿فضلوا﴾ أَي: أخطئوا وَيُقَال: تناقضوا، فَإِنَّهُم كَانُوا يَقُولُونَ مرّة: هُوَ مفتر أَي: قَالَه من قبل نَفسه، وَمرَّة يَقُولُونَ: إِنَّه تعلمه من غَيره.
وَقَوله: ﴿فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلا﴾ أَي: طَرِيق الْحق، وَقيل: طَاعَة الله.
وَقَوله: ﴿جنَّات تجرى من تحتهَا الْأَنْهَار﴾ أَي: بساتين تجرى من تَحت أشجارها الْأَنْهَار.
وَقَوله: ﴿وَيجْعَل لَك قصورا﴾ أَي: بُيُوتًا مشيدة، وَالْعرب تسمى كل بَيت مشيد
قصرا، وروى حبيب بن أَبى ثَابت عَن خَيْثَمَة " أَن الله تَعَالَى عرض مَفَاتِيح خَزَائِن الأَرْض على مُحَمَّد فَلم يخترها "، وفى بعض الْأَخْبَار: " عرض على بطحاء مَكَّة ذَهَبا فاخترت أَن أكون عبدا نَبيا ".
وَقَوله: ﴿وأعتدنا لمن كذب بالساعة سعيرا﴾ أَي: نَارا مستعرة، والمستعرة المتوقدة.
وَقَالَ بَعضهم: إِذا رأتهم أَي: رَأَتْ زبانيتها إيَّاهُم.
وَقَوله: ﴿سمعُوا لَهَا تغيظا﴾ فَإِن قيل: كَيفَ يسمع التغيظ، إِنَّمَا يعلم التغيظ؟ وَالْجَوَاب عَنهُ: قُلْنَا مَعْنَاهُ: سمعُوا غليان التغيظ، (وَقَبله) : سمعُوا لَهَا زفيرا أَي: علمُوا لَهَا تغيظا، قَالَ الشَّاعِر:
(رَأَيْت زَوجك فِي الوغى... مُتَقَلِّدًا سَيْفا ورمحا)
أَي: مُتَقَلِّدًا سَيْفا وحاملا رمحا، وَقَالَ آخر:
(علفتها تبنا وَمَاء بَارِدًا... )
أَي: علفتها تبنا وسقيتها مَاء بَارِدًا. وَقد ذكرنَا معنى الزَّفِير، وَعَن عبيد بن عُمَيْر أَنه قَالَ: تزفر جَهَنَّم يَوْم الْقِيَامَة زفرَة، فَلَا يبْقى ملك وَلَا نَبِي مُرْسل إِلَّا خر بِوَجْهِهِ، حَتَّى إِن إِبْرَاهِيم يجثو على رُكْبَتَيْهِ، وَيَقُول: نَفسِي نَفسِي، وَلَا أُرِيد غَيرهَا.
وَقَوله: ﴿من مَكَان بعيد﴾ قيل فِي بعض التفاسير: من مسيرَة مائَة سنة.
وَقَوله: ﴿مُقرنين﴾ أَي: مصفدين، وَقيل: مغللين، كَأَنَّهُ غلل أَيْديهم إِلَى أَعْنَاقهم، وقرنوا مَعَ الشَّيَاطِين، وَقد بَينا أَن كل كَافِر يقرن مَعَ شَيْطَان فِي سلسلة.
وَقَوله: ﴿دعوا هُنَالك ثبورا﴾ أَي: هَلَاكًا، وَهُوَ قَوْلهم: وأهلاكاه، وَفِي بعض الْأَخْبَار: أَن أول من يكسى حلَّة من نَار إِبْلِيس، فيسحبها إِلَى جَهَنَّم، ويتبعه ذُريَّته.
(إِذْ أجارى الشَّيْطَان فِي سنَن الغي | وَمن مَال ميله مثبور) |
خير، أصلا، فَكيف يَسْتَقِيم قَوْله: ﴿أذلك خير أم جنَّة الْخلد﴾ ؟ وَالْجَوَاب عَنهُ: قُلْنَا: الْعَرَب قد تذكر مثل هَذَا، وَإِن لم يكن فِي أَحدهمَا خير أصلا، يُقَال: الرُّجُوع إِلَى الْحق خير من التَّمَادِي فِي الْبَاطِل، وَقَالَ الْأَزْهَرِي: إِنَّمَا ذكر لفظ " الْخَيْر " هَاهُنَا لِاسْتِوَاء المكانين فِي الْمنزل، على معنى أَنَّهُمَا منزلان ينزل فيهمَا الْخلق، فاستقام أَن يُقَال: هَذَا الْمنزل خير من ذَلِك الْمنزل لوُجُود الاسْتوَاء فِي صفة.
وَقَوله: ﴿كَانَت لَهُم جَزَاء ومصيرا﴾ أَي: مجازاة ومرجعا.
وَقَوله: ﴿كَانَ على رَبك وَعدا مسئولا﴾ أَي: مَطْلُوبا، وَهُوَ طلب الْمُؤمنِينَ فِي قَوْله: ﴿رَبنَا وآتنا مَا وعدتنا على رسلك﴾ أَي: على أَلْسِنَة رسلك، وَيُقَال: الطّلب من الْمَلَائِكَة للْمُؤْمِنين، وَذَلِكَ فِي قَوْله تَعَالَى: ﴿رَبنَا وأدخلهم جنَّات عدن الَّتِي وعدتهم﴾ الْآيَة.
وَقَوله: ﴿فَيَقُول﴾ أَي: يَقُول الله: ﴿أأنتم أضللتم عبَادي هَؤُلَاءِ أم هم ضلوا السَّبِيل﴾ أَي: هم أخطأوا الطَّرِيق.
وَقَوله: ﴿وَلَكِن متعتهم وآباءهم﴾ أَي: بِكَثْرَة الْأَمْوَال وَالْأَوْلَاد، وَيُقَال: بطول الْعُمر، وَيُقَال: بنيل المُرَاد.
وَقَوله: ﴿حَتَّى نسوا الذّكر﴾ أَي: نسوا ذكرك وغفلوا عَنْك، وَيُقَال: تركُوا الْحق الَّذِي أنزلت. وَقَوله: ﴿وَكَانُوا قوما بورا﴾ أَي: هلكى، يُقَال: رجل بائر أَي: هَالك، وسلعة بائرة أَي: كاسدة، وَفِي الْخَبَر: " أَن النَّبِي كَانَ يتَعَوَّذ من بوار [الأيم]
قَالَ الشَّاعِر وَهُوَ ابْن الزِّبَعْرَى:
(يَا رَسُول المليك إِن لساني | راتق مَا فتقت إِذْ أَنا بور) |
وَقَوله: ﴿فَمَا تَسْتَطِيعُونَ صرفا وَلَا نصرا﴾ أَي: صرف الْعَذَاب عَن أنفسهم، وَقيل: صرفك عَن الْحق.
وَقَوله: ﴿وَلَا نصرا﴾ أَي: لَا يستطعيون منع الْعَذَاب عَن أنفسهم.
وَقَوله: ﴿وَمن يظلم مِنْكُم نذقه عذَابا كَبِيرا﴾ أَي: عَظِيما.
وَقَوله: ﴿وَجَعَلنَا بَعْضكُم لبَعض فتْنَة﴾. فِيهِ قَولَانِ: أَحدهمَا: أَن معنى ﴿فتْنَة﴾ للْفَقِير، فَيَقُول الْفَقِير: مَالِي لم أكن غَنِيا مثله؟ وَالصَّحِيح فتْنَة للْمَرِيض، فَيَقُول: مَالِي لم أكن صَحِيحا؟ وَمثل الشريف فتْنَة للوضيع، فَيَقُول: مَالِي لم أكن شريفا مثله؟.
وَالْقَوْل الثَّانِي: أَن الْآيَة نزلت فِي رُءُوس الْمُشْركين مَعَ فُقَرَاء الْمُؤمنِينَ، وفقراء الْمُؤمنِينَ مثل: عمار، وَابْن مَسْعُود، وبلال، وصهيب، وخباب، وسلمان وَغَيرهم، وَكَانَ الْمُشرك إِذا أَرَادَ أَن يسلم، فكر فِي نَفسه، فَيَقُول: هَذَا دين سبقني إِلَيْهِ هَؤُلَاءِ الأرذال، فَلَا أكون تبعا لَهُم، فَيمْتَنع من الْإِسْلَام.
وَقَوله: ﴿أَتَصْبِرُونَ﴾ أَي: فَاصْبِرُوا.
وَفِي الْخَبَر أَن النَّبِي قَالَ: " فَإِن فِي الصَّبْر على مَا تكره خيرا كثيرا "، وَهُوَ خبر طَوِيل.
وَيُقَال إِن معنى الْآيَة: أَتَصْبِرُونَ أَو لَا تصبرون؟ وَعَن بَعضهم أَنه رأى بعض الْأَغْنِيَاء وَقد مر عَلَيْهِ فِي موكبه، فَوقف وَقَرَأَ قَوْله تَعَالَى: ﴿وَجَعَلنَا بَعْضكُم لبَعض فتْنَة أَتَصْبِرُونَ﴾ ثمَّ قَالَ: بلَى نصبر رَبنَا، بلَى نصبر رَبنَا، بلَى نصبر رَبنَا، ثَلَاث مَرَّات. وَأورد بَعضهم هَذِه الْحِكَايَة للمزني مَعَ الرّبيع بن سُلَيْمَان الْمرَادِي، وَعَن دَاوُد الطَّائِي أَنه
وَقَوله: ﴿وَكَانَ رَبك بَصيرًا﴾ أَي: بَصيرًا بأعمالكم.
(لَا ترتجي حِين تلاقى الذائذا | أسبعة لاقت مَعًا أم وَاحِدًا) |
وَقَوله: ﴿لَوْلَا أنزل علينا الْمَلَائِكَة أَو نرى رَبنَا﴾ " مَعْنَاهُ: هلا أنزل علينا الْمَلَائِكَة أَو نرى رَبنَا ".
وَقَوله: ﴿لقد استكبروا فِي أنفسهم﴾ أَي: تعظموا فِي أنفسهم، واستكبارهم هُوَ أَنهم امْتَنعُوا عَن الْإِيمَان، وطلبوا آيَة لم تطلبها أمة قبلهم.
وَقَوله: ﴿وعتوا عتوا كَبِيرا﴾. أَي: علو علوا عَظِيما، والعتو هُوَ الْمُجَاوزَة فِي الظُّلم إِلَى أبلغ حَده، وعتوهم هَاهُنَا طَلَبهمْ رُؤْيَة الله حَتَّى يُؤمنُوا.
﴿يَوْم يرَوْنَ الْمَلَائِكَة لَا بشرى يَوْمئِذٍ للمجرمين وَيَقُولُونَ حجرا مَحْجُورا (٢٢) وَقدمنَا إِلَى مَا عمِلُوا من عمل فجعلناه هباء منثورا (٢٣) أَصْحَاب الْجنَّة يَوْمئِذٍ خير مُسْتَقرًّا وَأحسن مقيلا﴾
وَقَوله: ﴿وَيَقُولُونَ حجرا مَحْجُورا﴾ أَي: حَرَامًا محرما، قَالَ ابْن عَبَّاس: حرَام محرم الْجنَّة على من لم يقل لَا إِلَه إِلَّا الله، قَالَ الشَّاعِر:
(حنت إِلَى النَّخْلَة القصوى فَقلت لَهَا | حجر حرَام أَلا إِلَى تِلْكَ الدهاريس) |
وَقَوله: ﴿فجعلناه هباء منثورا﴾ قَالَ على - رضى الله عَنهُ -: الهباء المنثور هُوَ مَا يرى فِي الكوة إِذا وَقع شُعَاع الشَّمْس فِيهَا. وَقَالَ غَيره: الهباء المنثور هُوَ مَا يسطع من سنابك الْخَيل عِنْد شدَّة السّير.
وَعَن يعلى بن عبيد قَالَ: هُوَ الرماد، وَفرق بَعضهم بَين الهباء المنثور وَبَين الهباء المنبث، فَقَالَ: الهباء المنثور مَا يرى فِي الكوة، والهباء المنبث مَا يطيره الرِّيَاح من سنابك الْخَيل.
وَالْأَكْثَرُونَ على أَن السَّمَاء تَنْشَق على غمام أَبيض ينزل فِيهِ الْمَلَائِكَة، وروى أَن السَّمَاء الدُّنْيَا تَنْشَق، فَينزل من الْخلق عَنْهَا أَكثر من عدد الْجِنّ وَالْإِنْس، ثمَّ تَنْشَق السَّمَاء الثَّانِيَة، فَينزل من الْخلق عَنْهَا أَكثر من خلق سَمَاء الدُّنْيَا وَمن الْجِنّ وَالْإِنْس، وَهَكَذَا فِي السَّمَاء الثَّالِثَة، وَالرَّابِعَة إِلَى السَّابِعَة، ثمَّ ينزل الكروبيون، ثمَّ ينزل حَملَة الْعَرْش، وَقد بَينا من قبل قَوْله: ﴿فَهَل ينظرُونَ إِلَّا أَن يَأْتِيهم الله فِي ظلل من الْغَمَام وَالْمَلَائِكَة﴾.
وَقَوله: ﴿وَنزل الْمَلَائِكَة تَنْزِيلا﴾ أَي: وَأنزل الْمَلَائِكَة تَنْزِيلا.
﴿وَكَانَ يَوْمًا على الْكَافرين عسيرا﴾ أى: شَدِيدا، وَمن شدته أَن الله يطول عَلَيْهِم ذَلِك الْيَوْم كَمَا يقصره على الْمُؤمنِينَ على مَا بَينا.
وَفِي بعض الْأَخْبَار: أَن جَهَنَّم تَفُور يَوْم الْقِيَامَة، فيتبدد النَّاس ويتفرقون، فَكلما وصلوا إِلَى قطر من الأقطار، وجدوا سَبْعَة من صُفُوف الْمَلَائِكَة أدخلُوا أجنحتهم بَعضهم فِي بعض، ثمَّ قَرَأَ: ﴿وَكَانَ يَوْمًا على الْكَافرين عسيرا﴾.
وَقَوله: ﴿يعَض الظَّالِم على يَدَيْهِ﴾ أَي: يَأْكُل يَدَيْهِ ندما، وَفِي بعض التفاسير: أَنه يَأْكُل يَدَيْهِ حَتَّى يبلغ مرفقيه، ثمَّ تنْبت ثمَّ يَأْكُل، ثمَّ تنْبت هَكَذَا.
فَقَوله: ﴿يَا لَيْتَني اتَّخذت مَعَ الرَّسُول سَبِيلا﴾ أَي: أخذت طَرِيقه.
وَقَوله: ﴿وَكَانَ الشَّيْطَان للْإنْسَان خذولا﴾ أَي: تَارِكًا، وَمن الْمَعْرُوف فِي الْمَغَازِي أَن عقبَة بن أبي معيط أسر يَوْم بدر، فَقتله النَّبِي صبرا، فَقَالَ: أأقتل من بَين هَؤُلَاءِ يَا مُحَمَّد؟ قَالَ: نعم، قَالَ: من للصبية؟ قَالَ: النَّار ". وَاخْتلفُوا فِي قَاتله، فَقَالَ بَعضهم: تولى قَتله عَليّ - رَضِي الله عَنهُ - وَقَالَ بَعضهم: عَاصِم بن أبي الْأَفْلَح حمى الدبر، وَلم يقتل من الأسراء يَوْم بدر غير عقبَة وَالنضْر بن الْحَارِث.
وَقَوله: ﴿لكل نَبِي عدوا من الْمُجْرمين﴾ أَي: أَعدَاء من الْمُجْرمين، وَعَن ابْن عَبَّاس فِي رِوَايَة: أَنه أَبُو جهل خَاصَّة، وَهُوَ أَبُو الحكم عَمْرو بن هِشَام بن الْمُغيرَة عَلَيْهِ لعنة الله.
وَقَوله: ﴿وَكفى بِرَبِّك هاديا ونصيرا﴾ ظَاهر الْمَعْنى.
وَقَوله: ﴿كَذَلِك لنثبت بِهِ فُؤَادك﴾ أَي: أَنزَلْنَاهُ مفرقا كَالَّذي أنزلنَا لنثبت بِهِ فُؤَادك أَي: لنقوي بِهِ فُؤَادك، وَقيل: لتزداد بَصِيرَة فِي فُؤَادك، كَأَنَّهُ كلما نزل جِبْرِيل بِالْوَحْي ازْدَادَ هُوَ بَصِيرَة وَقُوَّة، وَقد أنزل الله تَعَالَى الْقُرْآن فِي ثَلَاث وَعشْرين سنة، فحين أكمل الله تَعَالَى مَا أَرَادَ إنزاله عَلَيْهِ من الْوَحْي أَدْرَكته الْوَفَاة.
وَقَوله: ﴿ورتلناه ترتيلا﴾. أَي: فصلناه تَفْصِيلًا، وَقيل: بَيناهُ تبيينا.
والقرآءة على الترتيل سنة، وَيكرهُ أَن يقْرَأ كحدو الشّعْر ونثر الدقل.
وَقَوله: ﴿وَأحسن تَفْسِيرا﴾ التَّفْسِير تفعيل من الفسر، والفسر: كشف مَا قد غطى.
وَقد ثَبت الْخَبَر عَن النَّبِي بِرِوَايَة شَيبَان، عَن قَتَادَة، عَن أنس أَن رَسُول الله قيل لَهُ: كَيفَ يحْشر النَّاس على وُجُوههم؟ فَقَالَ: " إِن الَّذِي أَمْشَاهُم على أَرجُلهم قَادِرًا على أَن يُمشيهمْ على وُجُوههم ".
قَالَ رَضِي الله عَنهُ: أخبرنَا بِهَذَا الْمَكِّيّ بن عبد الرَّزَّاق، أخبرنَا جدي، أخبرنَا الفربرى، أخبرنَا البُخَارِيّ، أخبرنَا عبد الله بن مُحَمَّد المسندي، عَن يُونُس بن مُحَمَّد، عَن شَيبَان... الْخَبَر.
وَقَوله: ﴿أُولَئِكَ شَرّ مَكَانا﴾ أَي: شَرّ مكانة ومنزلة.
وَقَوله: ﴿وأضل سَبِيلا﴾ أَي: أَخطَأ طَرِيقا.
وَقَوله: ﴿فدمرناهم تدميرا﴾ أَي: أهلكناهم إهلاكا.
وَقَوله: ﴿أغرقناهم وجعلناهم للنَّاس آيَة﴾. نزل المَاء من السَّمَاء أَرْبَعِينَ يَوْمًا، ونبع من الأَرْض أَرْبَعِينَ يَوْمًا، حَتَّى صَارَت الدُّنْيَا كلهَا بحرا.
وَقَوله: (وأعتدنا للظالمين عذَابا أَلِيمًا) أَي: مؤلما.
وَقَوله: ﴿وَأَصْحَاب الرس﴾. الْأَكْثَرُونَ على أَن الرس بِئْر، فروى أَنه لما جَاءَهُم نَبِيّهم جَعَلُوهُ فِي الْبِئْر، وألقوا عَلَيْهِ مَا أهلكه.
وَقَالَ الْكَلْبِيّ: بعث الله إِلَيْهِم نَبيا فطبخوه وأكلوه.
وَعَن ابْن عَبَّاس فِي بعض الرِّوَايَات: أَن أَصْحَاب الرس هم قوم حبيب النجار، ألقوه فِي الْبِئْر حَتَّى هلك، وَهُوَ بأنطاكية.
وَقَوله: ﴿وقرونا بَين ذَلِك كثيرا﴾ قد بَينا معنى الْقُرُون من قبل، وروى عَن الرّبيع ابْن خثيم أَنه مرض، فَقيل لَهُ: أَلا ندعوا لَك طَبِيبا؟ فَقَالَ: أنظروني، ثمَّ تفكر فِي نَفسه، ثمَّ قَالَ: قَالَ الله تَعَالَى: ﴿وعادا وَثَمُود وَأَصْحَاب الرس وقرونا بَين ذَلِك كثيرا﴾ قد كَانَ فيهم مرضى وأطباء، فَمَا بقى المداوي وَلَا المداوي، وَلَا الْمَرِيض وَلَا الطَّبِيب، وَلَا أُرِيد أَن تدعوا لي طَبِيبا.
﴿وكلا تبرنا تتبيرا﴾ أَي: دمرنا تدميرا، وَقيل: أهلكنا إهلاكا.
وَقَوله: ﴿أفلم يَكُونُوا يرونها﴾ ذكر هَذَا لِأَن مَدَائِن لوط كَانَت على طريقهم عِنْد ممرهم إِلَى الشَّام ورجوعهم مِنْهَا.
وَقَوله: ﴿بل كَانُوا لَا يرجون نشورا﴾ أَي: لَا يخَافُونَ نشورا، وَيُقَال: يرجون على حَقِيقَته أَي: لَا يرجون الْمصير إِلَى الله تَعَالَى.
وَقَوله: ﴿أَهَذا الَّذِي بعث الله رَسُولا﴾ قَالُوا هَذَا على طَرِيق الِاسْتِهْزَاء.
قَالَ الشَّاعِر:
(هَمَمْت وَلم أفعل وكدت وليتني | تركت على عُثْمَان تبْكي حلائله) |
وَقَوله: ﴿فَسَوف يعلمُونَ حِين يرَوْنَ الْعَذَاب من أضلّ سَبِيلا﴾ أَي: أَخطَأ سَبِيلا.
وَقَوله: ﴿أفأنت تكون عَلَيْهِ وَكيلا﴾. أَي: حَافِظًا، وَقيل: كَفِيلا.
وَفِي بعض الْآثَار: مَا من معبود فِي السَّمَاء وَالْأَرْض أعظم من الْهوى، وَعَن بَعضهم قَالَ: هُوَ الطاغوت الْأَكْبَر.
وَقَوله: ﴿إِن هم إِلَّا كالأنعام﴾. أَي: مَا هم إِلَّا كالأنعام، جعلهم كالأنعام؛ لأَنهم لم يدركوا طَرِيق الْحق، وَلم ينتفعوا بِمَا ميزهم الله بِهِ عَن الْبَهَائِم من عُقُولهمْ وأسماعهم وأبصارهم.
وَقَوله: ﴿بل هم أضلّ سَبِيلا﴾ أَي: أَخطَأ طَرِيقا، وَجعل الْكفَّار أضلّ من الْأَنْعَام؛ لِأَن الْأَنْعَام تسْجد وتسبح لله تَعَالَى، وَالْكفَّار لَا يَسْجُدُونَ وَلَا يسبحون؛ وَلِأَن الْبَهَائِم لم يعرفوا، وَلم يَكُونُوا أعْطوا آله الْمعرفَة. وَأما الْكفَّار لم يعرفوا وَقد أعْطوا آله الْمعرفَة، فهم أضلّ؛ وَلِأَن الْبَهَائِم لم تفْسد مَا لَهَا من المعارف؛ فَإِن الله تَعَالَى أَعْطَاهَا قدرا من المعارف وهم يستعملونها، وَأما الْكفَّار فقد أفسدوا مَا لَهُم من المعارف، فهم أضلّ وَأَقل من الْبَهَائِم.
(أريني جوادا مَاتَ هزلا لعلني | أرى مَا تَرين أَو بَخِيلًا مخلدا) |
وَقَوله: ﴿وَلَو شَاءَ لجعله سَاكِنا﴾ أَي: دَائِما.
وَقَوله: ﴿ثمَّ جَعَلْنَاهُ الشَّمْس عَلَيْهِ دَلِيلا﴾ أَي: ثمَّ جعلنَا الشَّمْس دَلِيلا على الظل، فَإِن الظل يعرف بالشمس، والنور يعرف بالظلمة، وَاللَّيْل بِالنَّهَارِ، وَكَذَلِكَ كل الْأَشْيَاء تعرف بأضدادها.
وَقيل: جعلنَا الشَّمْس عَلَيْهِ دَلِيلا أَي: تتلوه وتتبعه فتنسخه.
الْقَبْض: جمع المنبسط من الشَّيْء، وَمَعْنَاهُ: أَن الظل يعم الأَرْض مثل طُلُوع الشَّمْس، فَإِذا طلعت الشَّمْس قبض الظل بالشمس جُزْءا فجزءا، فَيُقَال: وَقت قبض الظل عِنْد الاسْتوَاء، حَتَّى لَا يبْقى ظلّ فِي الْعَالم إِلَّا على مَوضِع لَا تكون الشَّمْس مستوية عَلَيْهِ.
وَقَوله: ﴿يَسِيرا﴾ أَي: هينا. وَقَالَ مُجَاهِد: خفِيا، وَهُوَ أصح الْقَوْلَيْنِ..
وَقَوله: ﴿وَالنَّوْم سباتا﴾ أَي: رَاحَة، والسبت: الْقطع، والنائم مسبوت؛ لِأَنَّهُ انْقَطع عمله مَعَ بَقَاء الرّوح فِيهِ.
وَقَوله: ﴿وَجعل النَّهَار نشورا﴾ أَي: زَمَانا ينشرون فِيهِ.
وروى عَن النَّبِي أَنه كَانَ يَقُول إِذا هبت الرّيح: " اللَّهُمَّ أجعلها رياحا، وَلَا تجعلها ريحًا ".
قَالُوا: وَإِنَّمَا ذكر هَكَذَا؛ لِأَن الْبشَارَة فِي ثَلَاث من الرِّيَاح: الصِّبَا، وَالشمَال، والجنوب، وَأما الدبور فَلَيْسَ فِيهَا بِشَارَة؛ لِأَنَّهَا الرّيح الْعَقِيم. وَعَن مُجَاهِد قَالَ: إِن الرّيح لَهُ جَنَاحَانِ وذنب. وَعَن ابْن عَبَّاس أَنه قَالَ: الرّيح وَالْمَاء جند الله الْأَعْظَم.
وَقَوله: ﴿بَين يَدي رَحمته﴾ أَي: الْمَطَر.
وَقَوله: ﴿وأنزلنا من السَّمَاء مَاء طهُورا﴾ قَالَ ثَعْلَب: الطّهُور هُوَ الطَّاهِر فِي نَفسه المطهر لغيره، فالماء طهُور؛ لِأَنَّهُ يطهر النَّاس من الْأَحْدَاث، ويطهر الأَرْض من الجدوبة والقحط.
﴿ونسقيه مِمَّا خلقنَا أنعاما وأناسي كثيرا﴾ أَي: نسقى بِالْمَاءِ أنعاما وأناسي كثيرا. والأناسي جمع إنسي وَقيل: جمع إِنْسَان، وَكَانَ أَصله أناسين، مثل بُسْتَان وبساتين، ثمَّ حذفت النُّون، وشددت الْيَاء.
وَمعنى الْآيَة: أَنا نسقى بِالْمَاءِ الْحَيَوَان وَغير الْحَيَوَان، ننمي بِهِ كل مَا يقبل النَّمَاء.
قَالَ ابْن عَبَّاس: " مَا عَام بِأَمْطَر من عَام، وَلَكِن الله يقسمهُ بَين عباده على مَا يَشَاء. وَمثله عَن ابْن مَسْعُود.
وروى عَن النَّبِي أَنه قَالَ: " مَا من سَاعَة تمْضِي إِلَّا والسحاب يمطر فِيهَا، إِلَّا أَن الله تَعَالَى يصرفهُ عَن قوم، وَيُعْطِيه قوما " وَالْخَبَر غَرِيب.
وَقَوله: ﴿لِيذكرُوا﴾ أَي: ليتذكروا، وَيُقَال: إِن الْهَاء فِي قَوْله: ﴿صرفناه﴾ تَنْصَرِف إِلَى الْفرْقَان الْمَذْكُور فِي أول السُّورَة، وَهُوَ قَول بعيد.
وَقَوله: ﴿فَأبى اكثر النَّاس إِلَّا كفورا﴾ أَي: كفرانا، وكفرانهم هُوَ أَنهم إِذا أمطروا، يَقُولُونَ: مُطِرْنَا بِنَوْء كَذَا، وَهُوَ فِي معنى قَوْله تَعَالَى فِي سُورَة الْوَاقِعَة: ﴿وتجعلون رزقكم أَنكُمْ تكذبون﴾. وَقد ثَبت عَن النَّبِي أَنه قَالَ يَوْمًا، وَقد مُطِرُوا فِي ليلته: " يَقُول الله تَعَالَى: أصبح النَّاس فريقين، مُؤمن بِي وَكَافِر بالكوكب، وَمُؤمن بالكوكب وَكَافِر بِي، فَمن قَالَ: مُطِرْنَا برحمة الله تَعَالَى وفضله، فَهُوَ مُؤمن بِي كَافِر بالكوكب، وَمن قَالَ: مُطِرْنَا بِنَوْء كَذَا، فَهُوَ كَافِر بِي مُؤمن بالكوكب ".
وَقَوله: ﴿وجاهدهم بِهِ جهادا كَبِيرا﴾ أَي: بِالْحَقِّ، وَقيل: بِالْقُرْآنِ.
وَقَوله: ﴿كَبِيرا﴾ مَعْنَاهُ: شَدِيدا.
وَأما البحران فَيُقَال: إِنَّه بَحر فَارس وَالروم، وَيُقَال: بَحر السَّمَاء وَالْأَرْض، وَيُقَال: البحران هُوَ الْملح والعذب.
وَقَوله: ﴿هَذَا عَذَاب فرات﴾ العذب يُسمى كل مَاء عذب فراتا، وَيُسمى كل مَاء ملح بحرا.
وَقَوله: ﴿وَهَذَا ملح أجاج﴾ أَي: شَدِيد الملوحة، وَقيل: مر.
وَقَوله: ﴿وَجعل بَينهمَا برزخا﴾ يُقَال: باليبس بَين الْبَحْرين، وَقيل: بالهواء بَين بَحر السَّمَاء وبحر الأَرْض، وَقيل: بِالْقُدْرَةِ بَين الْملح والعذب، فَلَا يخْتَلط الْملح بالعذب، وَلَا العذب بالملح، وَهَذَا فِي مَوضِع مَخْصُوص بخليج مصر، والبرزخ هُوَ الحاجز.
وَقَوله: ﴿وحجرا مَحْجُورا﴾ أَي: مَانِعا مَمْنُوعًا، قَالَ الشَّاعِر:
(فَرب ذِي سرادق مَحْجُور | سرت إِلَيْهِ من أعالي السُّور) |
(تَمِيم بن [زيد] لَا تكونن حَاجَتي | بِظهْر فَلَا يعيا على جوابها) |
(هلا سَأَلت الْخَيل يَا ابْنة مَالك | إِن كنت سَائِلَة بِمَا لم تعلمي﴾ |
وَيُقَال: فاسأل سؤالك إِيَّاه للخبير يَعْنِي: سلني وَلَا تسْأَل غَيْرِي، وَيُقَال: إِن الْخطاب للرسول، وَالْمرَاد مِنْهُ الْأمة، فَإِنَّهُ كَانَ عَالما بِهَذَا، ومصدقا بِهِ.
وَحَقِيقَة الْمَعْنى: أَنَّك أَيهَا الْإِنْسَان لَا ترجع فِي طلب الْعلم بِهَذَا إِلَى غَيْرِي، قَالَه الزّجاج.
قَالَ أهل التَّفْسِير: إِنَّمَا قَالُوا هَذَا؛ لأَنهم كَانُوا لَا يعْرفُونَ اسْم الرَّحْمَن فِي كَلَامهم، فسألوا عَن " الرَّحْمَن " لهَذَا.
وروى أَن رَسُول الله لما دعاهم إِلَى " الرَّحْمَن "، وَيُقَال: إِن أَبَا جهل قَالَ لَهُ: يَا مُحَمَّد، من يعلمك الْقُرْآن؟ فَأنْزل الله تَعَالَى: ﴿الرَّحْمَن علم الْقُرْآن﴾ قَالَ أَبُو جهل وَغَيره: لَا نَعْرِف الرَّحْمَن إِلَّا مُسَيْلمَة بِالْيَمَامَةِ، وَكَانَ يُسمى: رحمان الْيَمَامَة.
وَقَوله: ﴿أنسجد لما تَأْمُرنَا﴾ يَعْنِي: الرَّحْمَن الَّذِي تَأْمُرنَا بِالسُّجُود لَهُ.
وَقَوله: ﴿وَزَادَهُمْ نفورا﴾ أَي: تباعدا.
وَقَوله: ﴿وَجعل فِيهَا سِرَاجًا﴾ أَي: الشَّمْس، وَقُرِئَ: " سرجا " على الْجمع، وعَلى هَذِه الْقِرَاءَة قد دخل الْقَمَر فِي السرج، إِلَّا أَنه خصّه بِالذكر لنَوْع فَضِيلَة لَهُ، وَهَذَا مثل قَوْله تَعَالَى: ﴿فِيهَا فَاكِهَة ونخل ورمان﴾.
وَقَوله: {منيرا﴾ أَي: مضيئا.
(بهَا الْعين والآرام يَمْشين خلفة | واطلاؤها ينهضن من كل مجثم) |
وَقَوله: ﴿لمن أَرَادَ أَن يذكر﴾ أَي: يتَذَكَّر.
﴿أَو أَرَادَ شكُورًا﴾ أَي: شكرا.
وَمَعْنَاهُ: من أَرَادَ ذكرا أَو شكرا، فالليل وَالنَّهَار زَمَانا الذّكر وَالشُّكْر.
وَقَوله: ﴿الَّذين يَمْشُونَ على الأَرْض هونا﴾. أَي: بِالسَّكِينَةِ وَالْوَقار. قَالَ الْحسن: عُلَمَاء حكماء، لَا يجهلون إِذا جهل عَلَيْهِم. وَقَالَ ثَعْلَب: هونا رفقا.
وَعَن بَعضهم: متواضعين لَا يتكبرون.
وَقَوله: ﴿وَإِذا خاطبهم الجاهلون قَالُوا سَلاما﴾ قَالَ الضَّحَّاك: إِذا أوذوا صفحوا، وَقَالَ بَعضهم: قَالُوا قولا يسلمُونَ مِنْهُ، وَعَن بَعضهم: قَالُوا سَلاما أَي: متاركة لَا خير
وَالْآيَة مَكِّيَّة، وَكَانَ الْمُسلمُونَ قد أمروا قبل الْهِجْرَة بالصفح والإعراض، وَألا يقابلوا أَذَى الْمُشْركين بالمجازاة، ثمَّ نسخ حِين هَاجرُوا بِآيَة السَّيْف.
قَالَ الشَّاعِر:
(فبتنا قيَاما عِنْد رَأس جوادنا | يزاولنا عَن نَفسه ونزاوله) |
أَي: سجدا على وُجُوههم، وقياما على أَرجُلهم.
وَعَن ابْن عَبَّاس أَنه قَالَ: من صلى بعد الْعشَاء الْآخِرَة رَكْعَتَيْنِ أَو أَكثر من ذَلِك، فَهُوَ من الَّذين يبيتُونَ لرَبهم سجدا وقياما.
وَقَوله: ﴿إِن عَذَابهَا كَانَ غراما﴾.
أَي: ملحا دَائِما، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: هَلَاكًا، وَيُقَال: فلَان مغرم بِالنسَاء أَي: لَا صَبر لَهُ عَنْهُن، وَمِنْه الْغَرِيم لِأَنَّهُ يلازم. وَقيل غراما أَي: شَدِيدا، قَالَ الْأَعْشَى:
(إِن يُعَاقب يكن غراما وَإِن يُعْط | جزيلا فَإِنَّهُ لَا يُبَالِي) |
وَعَن الْحسن قَالَ: كل غَرِيم يُفَارق غَرِيمه غير جَهَنَّم، فَإِنَّهَا لَا تفارق غرماءها أبدا.
وَعَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ قَالَ: لم يُسْرِفُوا أَي: لم يجاوزوا الْحَد فِي الْإِنْفَاق، وَذَلِكَ بالإكثار فِي النَّفَقَة على وَجه التبذير.
وَقَوله: ﴿وَلم يقترُوا﴾ أَي: لم يقلوا فِي الْإِنْفَاق حَتَّى يعروا أَو يجيعوا من يجب عَلَيْهِم الْإِنْفَاق عَلَيْهِم.
وَقَالَ بَعضهم: لم يُسْرِفُوا أَي: لم ينفقوا فِي غير الْحق، وَلم يقترُوا أَي: لم يمنعوا من الْحق، وَهَذَا القَوْل قريب من القَوْل الأول.
قَالَ النَّضر بن شُمَيْل: وَكَانَ بَين ذَلِك قواما: حَسَنَة بَين سيئتين، وَحكى ثَعْلَب أَن عبد الْملك بن مَرْوَان قَالَ لعمر بن عبد الْعَزِيز - وَكَانَ قد زوج ابْنَته فَاطِمَة مِنْهُ -: كَيفَ نَفَقَتك يَا عمر؟ فَقَالَ: حَسَنَة بَين سيئتين.
وَعَن وهب بن مُنَبّه أَنه قَالَ: إِذا أخذت بِوَاحِد من طرفِي الْعود مَال، فَإِذا أخذت بوسطه اعتدل.
وَقَوله: ﴿قواما﴾. أَي: عدلا، وَهُوَ معنى مَا قُلْنَاهُ، والقوام بِالْفَتْح من الاسْتقَامَة، والقوام بِالْكَسْرِ مَا يُقيم الْأَمر بِهِ، كَأَنَّهُ ملاكه.
وَقَوله: ﴿وَلَا يقتلُون النَّفس الَّتِي حرم الله إِلَّا بِالْحَقِّ﴾. الْحق هُوَ مَا ثَبت عَن النَّبِي أَنه قَالَ: " لَا يحل دم امْرِئ مُسلم إِلَّا بِإِحْدَى ثَلَاث... " وَقد بَينا.
وَقَوله: {وَلَا يزنون﴾ الزِّنَا فعل مَعْلُوم، وَأما اللواط: هَل هُوَ زنا أَو لَيْسَ بزنا؟ فَالْأَمْر فِيهِ على مَا عرف فِي الْفِقْه، وَكَذَلِكَ إتْيَان الْبَهِيمَة.
وَقد ثَبت بِرِوَايَة عَمْرو بن شُرَحْبِيل، عَن عبد الله بن مَسْعُود أَنه قَالَ: قلت: يَا رَسُول الله، أَي الذَّنب أعظم؟ فَقَالَ: " أَن تجْعَل لله ندا وَهُوَ خلقك. قلت: يارسول الله، ثمَّ أَي؟ قَالَ: أَن تقتل ولدك خشيَة أَن يَأْكُل مَعَك. قلت: ثمَّ أَي يَا رَسُول الله؟ قَالَ: أَن تزنى بحلية جَارك، ثمَّ قَرَأَ قَوْله: ﴿وَالَّذين لَا يدعونَ مَعَ الله إِلَهًا آخر﴾
الْآيَة ".
قَالَ رَضِي الله عَنهُ: أخبرنَا بِهَذَا الحَدِيث أَبُو الْعَبَّاس الْأَزْهَرِي، [أخبرنَا أَبُو الْحُسَيْن] أَحْمد بن مُحَمَّد الْخفاف، أخبرنَا أَبُو الْعَبَّاس السراج، أخبرنَا إِسْحَاق الْحَنْظَلِي، أخبرنَا جرير، عَن مَنْصُور، عَن أبي وَائِل، عَن عَمْرو بن شُرَحْبِيل.. الْخَبَر.
وَذكر الْكَلْبِيّ: " أَن وحشيا أرسل إِلَى النَّبِي يطْلب مِنْهُ تَوْبَة لنَفسِهِ، فَبعث إِلَيْهِ بِهَذِهِ الْآيَة، فَقَالَ وَحشِي: إِنِّي قد أشركت، وَقتلت وزنيت، وَلَا أَدْرِي كَيفَ تَوْبَتِي؟ فَأُرِيد آيَة أوسع من هَذِه، فَأنْزل الله تَعَالَى: ﴿إِن الله لَا يفغر أَن يُشْرك بِهِ وَيغْفر مَا دون ذَلِك لمن يَشَاء﴾ فَبعث بِالْآيَةِ إِلَى وَحشِي، فَقَالَ: لَا أَدْرِي، أَأدْخل فِي الْمَشِيئَة أَولا؟ أُرِيد آيَة أوسع من هَذِه الْآيَة، فَأنْزل الله تَعَالَى ﴿يَا عبَادي الَّذين أَسْرفُوا على أنفسهم لَا تقنطوا من رَحْمَة الله﴾ فَبعث إِلَيْهِ بِالْآيَةِ، فَأسلم ".
قَالَ أهل الْعلم: وَهَذَا مستبعد جدا؛ لِأَن هَذِه الْآيَة مَكِّيَّة، وَوَحْشِي إِنَّمَا أسلم بعد غَزْوَة حنين والطائف فِي آخر عهد النَّبِي، وكل هَذِه الْآيَات إِنَّمَا نزلت (من اسلامه عدَّة﴾.
وَفِي بعض التفاسير: إِن هَذِه الْآيَة نزلت بِمَكَّة إِلَى قَوْله: ﴿إِلَّا من تَابَ﴾ وَمكث النَّاس سنتَيْن، ثمَّ نزل قَوْله تَعَالَى: ﴿إِلَّا من تَابَ﴾. إِلَى آخر الْآيَة بعد ذَلِك.
وَعَن سعيد بن جُبَير، عَن ابْن عَبَّاس أَن قَوْله: ﴿إِلَّا من تَابَ﴾ ينْصَرف إِلَى الشّرك وَالزِّنَا، فَأَما قتل النَّفس فقد أنزل الله تَعَالَى فِيهِ: ﴿وَمن يقتل مُؤمنا مُتَعَمدا..﴾ الْآيَة قَالَ ابْن عَبَّاس: وَهَذِه الْآيَة مَدَنِيَّة، وَقَوله: ﴿إِلَّا من تَابَ﴾ مَكِّيَّة، فَالْحكم فِي الْقَتْل على هَذِه الْآيَة، وَلَا تَوْبَة لقَاتل النَّفس.
وَأما عِنْد غَيره من أهل الْعلم: فالتوبة من الْكل مَقْبُولَة، وَقد بَينا هَذَا من قبل، وَظَاهر هَذِه الْآيَة وَهُوَ قَوْله: ﴿إِلَّا من تَابَ﴾ يدل على هَذَا؛ لِأَنَّهُ قد سبق قتل النَّفس.
وَقَوله: ﴿وَمن يفعل ذَلِك يلق أثاما﴾ أَي: جَزَاء الْإِثْم، وَيُقَال: أثاما وَاد فِي جَهَنَّم، قَالَ الشَّاعِر:
﴿جزى الله ابْن عُرْوَة حَيْثُ أَمْسَى | عقوقا والعقوق لَهُ أثام﴾ |
(لقِيت المهالك فِي حربنا | وَبعد المهالك تلقى أثاما) |
(تولى عِنْد حاجتنا أنيس | وَلم اجزع من الْمَوْت اللزام) |
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
{طسم (١) تِلْكَ آيَات الْكتاب الْمُبين (٢) لَعَلَّك باخع نَفسك أَلا يَكُونُوا مُؤمنين (٣) إِن نَشأ ننزل عَلَيْهِم من السَّمَاء آيَة فظلت أَعْنَاقهم لَهَا خاضعينتَفْسِير سُورَة الشُّعَرَاء
وَهِي مَكِّيَّة إِلَّا أَربع آيَات فِي آخر السُّورَة.
سورة الفرقان
سورةُ (الفُرْقان) من السُّوَر المكِّية التي تحدَّثتْ عن معجزةِ النبي صلى الله عليه وسلم، وما أيَّده اللهُ به؛ وهو هذا القرآنُ الكريم، ودلَّلت السورة على أن هذا الكتابَ جاء فُرْقانًا بين الحق والباطل؛ فلم يترُكْ خيرًا إلا دلَّ عليه، ولم يترُكْ شرًّا إلا حذَّر منه، وقد جاءت هذه السورة بشُبهاتِ الكفار والمعانِدين، ورَدَّتْها بما يؤيد صِدْقَ رسالته صلى الله عليه وسلم، وقد أقامت الحُجَّةَ على كلِّ مَن ترك الحقَّ ومال إلى الباطل؛ لأن اللهَ أوضَحَ طريقَ الحق، وأبانه أيَّما بيانٍ؛ فللهِ الحُجَّةُ البالغة!
ترتيبها المصحفي
25نوعها
مكيةألفاظها
897ترتيب نزولها
42العد المدني الأول
77العد المدني الأخير
77العد البصري
77العد الكوفي
77العد الشامي
77* قوله تعالى: {وَاْلَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اْللَّهِ إِلَٰهًا ءَاخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ اْلنَّفْسَ اْلَّتِي حَرَّمَ اْللَّهُ إِلَّا بِاْلْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَۚ} [الفرقان: 68]:
عن عبدِ اللهِ بن مسعودٍ رضي الله عنه، قال: «سألتُ أو سُئِلَ رسولُ اللهِ ﷺ: أيُّ الذَّنْبِ عند اللهِ أكبَرُ؟ قال: «أن تَجعَلَ للهِ نِدًّا وهو خلَقَك»، قلتُ: ثم أيٌّ؟ قال: «ثم أن تقتُلَ ولَدَك خشيةَ أن يَطعَمَ معك»، قلتُ: ثم أيٌّ؟ قال: أن تُزَانِيَ بحَلِيلةِ جارِك»، قال: ونزَلتْ هذه الآيةُ تصديقًا لقولِ رسولِ اللهِ ﷺ: {وَاْلَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اْللَّهِ إِلَٰهًا ءَاخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ اْلنَّفْسَ اْلَّتِي حَرَّمَ اْللَّهُ إِلَّا بِاْلْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَۚ} [الفرقان: 68]». أخرجه البخاري (٤٧٦١).
وفيها سببٌ آخَرُ:
عن عبدِ اللهِ بن عباسٍ رضي الله عنهما: «أنَّ ناسًا مِن أهلِ الشِّرْكِ كانوا قد قتَلوا وأكثَروا، وزَنَوْا وأكثَروا، فأتَوْا مُحمَّدًا صلى الله عليه وسلم، فقالوا: إنَّ الذي تقولُ وتدعو إليه لَحسَنٌ، لو تُخبِرُنا أنَّ لِما عَمِلْنا كفَّارةً؛ فنزَلَ: {وَاْلَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اْللَّهِ إِلَٰهًا ءَاخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ اْلنَّفْسَ اْلَّتِي حَرَّمَ اْللَّهُ إِلَّا بِاْلْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَۚ} [الفرقان: 68]، ونزَلتْ: {قُلْ يَٰعِبَادِيَ اْلَّذِينَ أَسْرَفُواْ عَلَىٰٓ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ اْللَّهِۚ} [الزمر: 53]». أخرجه البخاري (٤٨١٠).
* قوله تعالى: {إِلَّا مَن تَابَ وَءَامَنَ وَعَمِلَ عَمَلٗا صَٰلِحٗا فَأُوْلَٰٓئِكَ يُبَدِّلُ اْللَّهُ سَيِّـَٔاتِهِمْ حَسَنَٰتٖۗ وَكَانَ اْللَّهُ غَفُورٗا رَّحِيمٗا} [الفرقان: 70]:
عن سعيدِ بن جُبَيرٍ رحمه الله، قال: «قال ابنُ أَبْزَى: سَلِ ابنَ عباسٍ عن قولِه تعالى: {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنٗا مُّتَعَمِّدٗا فَجَزَآؤُهُۥ جَهَنَّمُ خَٰلِدٗا فِيهَا} [النساء: 93]، وقولِه: {وَلَا يَقْتُلُونَ اْلنَّفْسَ اْلَّتِي حَرَّمَ اْللَّهُ إِلَّا بِاْلْحَقِّ} [الفرقان: 68] حتى بلَغَ: {إِلَّا مَن تَابَ وَءَامَنَ} [الفرقان: 70]، فسألْتُه، فقال: لمَّا نزَلتْ، قال أهلُ مكَّةَ: فقد عدَلْنا باللهِ، وقد قتَلْنا النَّفْسَ التي حرَّمَ اللهُ إلا بالحقِّ، وأتَيْنا الفواحشَ؛ فأنزَلَ اللهُ: {إِلَّا مَن تَابَ وَءَامَنَ وَعَمِلَ عَمَلٗا صَٰلِحٗا} إلى قولِه: {غَفُورٗا رَّحِيمٗا} [الفرقان: 70]». أخرجه البخاري (٤٧٦٥).
* سورة (الفُرْقان):
سُمِّيت سورةُ (الفُرْقان) بهذا الاسم؛ لذِكْرِ (الفُرْقان) في افتتاحها، وهو اسمٌ من أسماء القرآن الكريم.
تضمَّنتْ سورةُ (الفُرْقان) عِدَّة موضوعات؛ جاءت على النحو الآتي:
1. صفات الإلهِ الحقِّ، وعَجْزُ الآلهة المزيَّفة (١-٣).
2. شُبهاتهم حول القرآن، وردُّها (٤-٦).
3. شُبهاتهم حول الرسول، وردُّها (٧-١٠).
4. الدوافع الحقيقية وراء تكذيبهم (١١-١٩).
5. سُنَّة الله في اختيار المرسَلين، وعادة المكذِّبين (٢٠-٢٩).
6. شكوى الرسول من قومه، وتَسْليتُه (٣٠-٤٠).
7. الاستهزاء والسُّخْريَّة سلاح العاجز (٤١-٤٤).
8. الحقائق الكونية في القرآن من دلائل النُّبوة (٤٥-٥٥).
9. مهمة الرسول ونهجُه في دعوة المعانِدين (٥٦-٦٢).
10. ثمرات الرسالة الربانية (٦٣-٧٧).
ينظر: "التفسير الموضوعي للقرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (5 /270).
مقصدُ السُّورة الأعظم: إظهارُ شَرَفِ الداعي صلى الله عليه وسلم؛ بإنذارِ المكلَّفين عامةً بما له سبحانه من القدرة الشاملة، المستلزم للعلم التامِّ، المدلول عليه بهذا القرآنِ المبين، المستلزم لأنه لا موجودَ على الحقيقة سِوى مَن أنزله؛ فهو الحقُّ، وما سِواه باطلٌ.
وتسميتُها بـ(الفُرْقان) واضحُ الدَّلالة على ذلك؛ فإن الكتابَ ما نزل إلا للتفرقة بين الملتبِسات، وتمييزِ الحقِّ من الباطل؛ ليَهلِكَ مَن هلَك عن بيِّنة، ويَحيَى مَن حَيَّ عن بيِّنة؛ فلا يكون لأحدٍ على الله حُجَّةٌ، وللهِ الحُجَّة البالغة!
ينظر: "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور" للبقاعي (2 /317).