تفسير سورة الفرقان

مجاز القرآن

تفسير سورة سورة الفرقان من كتاب مجاز القرآن
لمؤلفه أبو عبيدة . المتوفي سنة 210 هـ

﴿ وَلاَ حَيَاةً ولا نُشُوراً ﴾ مصدر نشر الميت نشوراً وهو أن يبعث ويحيا بعد الموت، قال الأعشى :
حتى يقول الناسُ مما رأوا يا عَجَبا للميَّت الناشرِ
﴿ إنْ هذَا إلاَّ إِنْكٌ افْتراهُ ﴾ الإفك البهتان وأسوأ الكذب، افتراه أي اختلقه واخترعه من عنده.
﴿ فَهِيَ تُمْلَي عَلَيْهِ ﴾ أي تقرأ عليه وهي من أمليته عليه، وهي في موضع أخر أمللت عليه.
﴿ وَأَعْتَدْنَا لَمِنْ كَذَّبَ بالسَّاعَةِ سَعِيراً ﴾ ثم جاء بعده ﴿ إذَا رَأَنْهُمُ مِنْ مَكاَنٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظاً وَزَفِيراً ﴾ والسعير مذكر وهو ما تسعر من سعار النار، ثم جاء بعده فعل مؤنثه مجازها أنها النار، والعرب تفعل ذلك تظهر مذكراً من سبب مؤنثةٍ ثم يؤنثون ما بعد المذكر على معنى مؤنثة.
قال المخيس :
إن تميما خُلقت ملموما ***
فتميم رجل ثم ذهب بفعله إلى القبيلة فأنثه فقال : خلقت، ثم رجع إلى تميم فذكر فعله فقال ﴿ ملموماً ﴾ ثم عاد إلى الجماعة فقال : قوماً ترى واحدهم صهميماً ثم عاد إليه فقال :
لا راحِمَ الناس ولا مرحوما ***
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١١:﴿ وَأَعْتَدْنَا لَمِنْ كَذَّبَ بالسَّاعَةِ سَعِيراً ﴾ ثم جاء بعده ﴿ إذَا رَأَنْهُمُ مِنْ مَكاَنٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظاً وَزَفِيراً ﴾ والسعير مذكر وهو ما تسعر من سعار النار، ثم جاء بعده فعل مؤنثه مجازها أنها النار، والعرب تفعل ذلك تظهر مذكراً من سبب مؤنثةٍ ثم يؤنثون ما بعد المذكر على معنى مؤنثة.

قال المخيس :

إن تميما خُلقت ملموما ***
فتميم رجل ثم ذهب بفعله إلى القبيلة فأنثه فقال : خلقت، ثم رجع إلى تميم فذكر فعله فقال ﴿ ملموماً ﴾ ثم عاد إلى الجماعة فقال : قوماً ترى واحدهم صهميماً ثم عاد إليه فقال :
لا راحِمَ الناس ولا مرحوما ***

﴿ دَعَوْا هُنَالِكَ ثبُوراً ﴾ أي هلكة وهومصدر ثبر الرجل أي هلك، قال :
إذْ أُجاري الشيطانَ في سَنِنِ الغَ يّ وَمن مال مَيَلهَ مثبورُ
﴿ مَا كاَنَ يَنْبَغِي لَنَا ﴾ مجازه ما يكون لنا و ﴿ كان ﴾ من حروف الزوائد هاهنا قال ابن أحمر :
ما أُمُّ غُفْر على دَعْجاء ذي عَلَق ***ينفي القرَامِيَد عنها الأعصَمُ الوَقَلُ
في رأس خلقاء من عَنقاء مُشْرِفة لا ينبغي دونها سَهلٌ ولا جَبَلُ
وَقْلٌ ووَقَلَ ونَدْس ونَدَس وحَدْث وحَدَث وفرْد وفرد، والغفر ولد الوعل الصغير، والدعجاء : اسم هضبة وذو علق جبلٌ، والقراميد أولاد الوعول واحدها قرمود، والقراهيد الصغار أيضاً : الأعصم الذي بإحدى يديه بياض. والوقل المتوقل في الجبال والخلقاء الملساء والعنقاء الطويلة قال أبو عبيدة : أي لا يكون سهل ولا جبل مثلها.
﴿ ولَكِن متَّعَّتْهَمُ ْوآبَاءَهُمْ ﴾ أي أنسأتهم وأخرتهم ومددت لهم.
﴿ وَكاَنُوا قَوْماً بُوراً ﴾ واحدهم بائر أي هالك ومنه قولهم : نعوذ بالله من بوار الأيم، وبار الطعام وبارت السوق أي هلكت وقال عبد الله ابن الزبعري :
يا رسولَ المليك إنّ لساني راتِقٌ ما فتقتُ إذ أنا بورُ
وقال بعضهم : رجل بور ورجلان بور ورجال بور وقوم بور، وكذلك الواحدة والثنتان والجميع من المؤنثة.
﴿ وَقَالَ الذَّيِنَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ﴾ مجازه لا يخافون ولا يخشون. وقال أبو ذؤيب :
إذا لسعْته الدبُر لم يَرْجُ لَسْعَها وحَالفها في بيتُ نوب عوامِلِ
ويروى خالفها بالخاء.
﴿ وَيَقُولُونَ حِجْراً مَحْجُوراً ﴾ أي حراما محرماً، قال المتلمس :
حنَّت إِلى النَّخلة القُصْوَى فقلت لها حِجْرٌ حرامٌ أَلا تلك الدَّهارِيسُ
وفي آية أخرى ﴿ لِذِي حِجْرٍ ﴾ أي لذي عقل ولب، ومن الحرام سمي حجر الكعبة، والأنثى من الخيل يقال لها حجرٌ.
﴿ وَقَدِمْنَا إلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ ﴾ مجازه وعمدنا إلى ما عملوا، قال :
فقدَم الخوارج الضُّلاّلُ إلى عِباد رَبِّهم فقالوا
إنّ دِماءكم لنا حَلالُ ***
مثل الغبار إذا طلعت فيه الشمس وليس له مسٌ ولا يرى في الظل.
﴿ يَوْماً عَلَى الْكاَفِريَن عَسِيراً ﴾ أي شديدياً صعباً.
﴿ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً ﴾ أي سبباً ووصلةً قال جرير :
أفبَعْدَ مَقْتَلكم خليلَ محمدٍ ترجو القُيونُ مع الرسول سبيلا
﴿ وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ ﴾ وقال هاهنا في موضع " يقول " والعرب تفعل ذلك قال الشاعر :
مِثْلُ العَصَافير أحلاماً ومَقْدرَة لو يُوزَنون بزِفِّ الرِّيش ماوزَنوا
وهي في موضع آخر لم يزنوا لأنهم لم يفعلوا بعد وقال :
إن يسمعوا ريبة طاروا بها فَرّحاً مِني وما يسمعوا من صالحٍ دَفَنوا
أي يطيروا ويدفنوا.
﴿ لِثُبَتِّ به فُؤَادَكَ ﴾ مجازه لنطيب به نفسك ونشجعك.
﴿ أَصْحَابُ الرَّسِّ ﴾ أي المعدن قال النابغة الجعدي :
سَبَقتُ إلى فَرَطٍ ناهل تَنابلةً يَحفِرون الرِّساسا
والرساس المعادن.
﴿ وَكُلاً تَبَّرْنَا تَتْبيراً ﴾ أي أهلكنا واستأصلنا.
﴿ إنْ كاَدَ لَيُضِلنَا عَنْ آلِهَتِنَا ﴾ كاد هاهنا في موضع المقاربة وقد فرغنا فوق هذا مو مواضع ﴿ كاد ﴾.
﴿ تَكونُ عَلَيْهِ وَكِيلا ﴾ أي حفيظاً.
﴿ كيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِناً ثمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلاً ﴾ فالظل ما أصبح ونسخته الشمس، ولو شاء الله لم تنسخه الشمس فتركه تماماً ممدوداً لم تنقصه الشمس، ولكنه جعل الشمس دليلاً عليه، أي على الظل حيث نسخته، والشمس مؤنثة وجاءت صفتها على تقدير صفة المذكر، والعرب قد تفعل ذلك وإنما يريدون به البدل كقولهم : هي عديلى أي التي تعادلني ووصى ونحو ذلك. قال الأعشى :
هي الصاحبُ الأدنى وبيني وبينها مُجوفٌ عِلافِيٌ وَقِطْع وَنْمُرقُ
رجل عَلاِفيٌ مجوفٌ ضخم الجوف، قال :
وصاحبي ذاتُ هِبابٍ دَمْشَقُ ***
وقالت :
قامتْ تُبكيِّه عَلَى قبرِه مَن لِيَ مِن بَعدك يا عامرُ
تركتنَيِ في الدار ذا غُربةٍ قد ذَل منَ ليس له ناصرُ
والفَيء ما نَسَخ الشمسَ من الظل : وهو بالعشى وإذا استدارت الشمس.
﴿ أَرْسَلَ الرِّيَاحَ نَشْراً ﴾ أي حياة وهو من " نَشَر ".
﴿ بَلْدةً مَيْتاً ﴾ مخففة بمنزلة تخفيف هين ولين وضيق : هين ولين وضيق ولم تدخل الهاء فيها، والبلدة مؤنثة فتكون ميتة لأن المعنى وقع على المكان والعرب تفعل ذلك قال :
إن تَميماً خُلقت ملموما
فذهب بتذكيره إلى تميم وقال آخرون : بل الأرض التي ليس فيها نبات ميت بلا هاء، والروحانية إذا ماتت فهي ميتة بالهاء.
﴿ وَهَوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرينِ ﴾ إذا تركت الشيء وخليته فقد مرجته، ومنه قولهم مرج الأمير الناس أي خلاهم بعضهم على بعض مرجت دابتك أي تركتها في أمر مريج أي مختلط، وإذا رعيت الدابة فقد أمرجتها قال العجاج :
رعى بها مَرْج رَبيعٍ ممرَجَا
وفي الحديث مرجت عهودهم وأماناتهم أي اختلطت وفسدت.
﴿ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ ﴾ أي شديد العذوبة.
﴿ أُجَاجٌ ﴾ والأجاج أملح الملوحة وما بين ذلك المسوس والزعاق الذي يحرق كل شيء من ملوحته قال ذو الإصبع :
لو كنتَ ماءً كنتَ لا عذبَ المَذاق ولا مسَوُسا
﴿ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخاً ﴾ كل ما بين شيئين برزخ وما بين الدنيا والآخرة برزخ.
﴿ وَهُوَ الذَّي خَلَقَ مِن الْمَاءِ بَشَراً ﴾ مجازه خلق من النطف البشر وفي آية أخرى ﴿ مِن مَّاءٍ دَافِقٍ ﴾ أي نطفة.
﴿ وَكَانَ الْكافِرُ عَلَى رَبِّه ظَهِيراً ﴾ أي مظهوراً به أي هيناً ومنه ظهرت به فلم التفت إليه.
وفي موضع آخر مجازه معيناً عدوه.
﴿ قَلْ مَا أَسْئَلْكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلاَّ مَنْ شَاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إلىَ رَبِّهِ سَبِيلاً ﴾ والعرب قد تستثني الشيء من الشيء وليس منه على الاختصار، وفيه ضمير تقديره قل ما أسألكم عليه من أجر إلا أنه من شاء أن يتخذ إلى ربه سبيلاً فليتخذه، قال ابو خراس :
نجَا سالمٌ والنَّفسُ منه بِشِدْقِه ولم يَنْجُ الاجَفْنَ سيفٍ ومِئزَرا
فاستثنى الجَفن والمئزر وليسا من سالم إنما هو على الاختصار وقال :
وبَلَدٍ ليس به أَنيسُ إلاّ اليعَافيرُ وإلاّ العِيسُ
يعني الإبل فاستثنى اليعافير، والعيس من الناس كأنه قال : إلا أن بها يعافير وعيساً، واليعافير الظباء واحدها يعفور، وفي آية أخرى :} فَإنهُمْ عَدُوٌ لِيَ إِلاَّ رَبَّ الْعَالَمِينَ } وقال :
فدَيتُ بنفسِه نفسي ومالي وما آلوكَ إلا ما أُطِيقُ
وقال :
يا بن رُفَيْع هل لَها من غَبَقِ ما شربت بعد رَكيِّ العرَقِ
من قطرة غير النجاء الدَّفَقِ ***
﴿ الَّذي خَلَق السَّمَوَاتِ والأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا ﴾ والسموات جميع فجاءت على تقدير الواحد والعرب إذا جمعوا جميع موات ثم أشركوا بينه وبين واحد جعلوا خبر جميع الجميع المشرك بالواحد على تقدير خبر الواحد قال :
إن المَنيَّة والحُتوفَ كِلاهِما تُوفِى المَخارِم تَرْقبانِ سَوادِي
وكذلك الجميع مع الجميع قال القطامي :
ألم يحزنك أن حِبال قيس وتَغْلبَ قد تباينتا انقطاعا
أي وحبال تغلب.
﴿ وَجَعَلَ فيهَا سِراجاً ﴾ أي شمساً وضياء.
﴿ جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً ﴾ أي يجيء الليل بعد النهار ويجيء النهار بعد الليل يخلف منه وجعلهما خلفة وهما اثنان لأن الخلفة مصدر فلفظه من الواحد والاثنين والجميع من المذكر والمؤنث واحد وقال الشاعر :
ولها بالماطِرون إذا أكل النَّملُ الذي جَمعا
خلفةً حتى إذا ارتبعت سكنت من جِلَّقٍ بِيَعَا
وقال :
بها العِينُ والآرامُ يمشينِ خِلْفةً وأطلاؤهما ينهض في كلَ مَجْثَمِ
﴿ إنَّ عَذَابَها كَانَ غَرَاماً ﴾ أي هلاكاً ولزاماً لهم ومنه رجل مغرم بالحب حب النساء من الغرم والدين قال الأعشى :
فَرْعُ نَيْعٍ يَهتزُّ في غُصن المج د غَزير النَّدى شديد المِحالِ
إن يعاقِب يكن غراماً وإن يع ط جزيلا فإنه لا يبالي
وقال بشر بن أبي خازم :
ويومَ النِسار ويوم الجِفا ***ر كانوا عذاباً وكانوا غراما
أي هلكة.
﴿ سَاءَتْ مُسْتَقَراً وَمُقاماً ﴾ أي قراراً وأقامة لأنه من أقام أي مخلداً ومنزلاً، وقال جرير :
حيّوا المُقامَ وحَيّوا ساكن الدارِ ***
وقال سلامة بن جندل :
يومان يومُ مُقاماتٍ وأنْدية ويوم سَير إلى الأعداء تأويب
وإذا فتحوا أوله فهو من قمت وفي آية أخرى } وَمَقَامٍ كَرِيمٍ } أي مجلس وقال عباس بن مرداس :
فأيِّ ما وأيُّك كان شرّاً فَقيدَ إلى المقامة لا يراها
يدعو عليه بالعمى، أي إلى المجلس.
﴿ يَلْقَ أَثَاماً ﴾ أي عقوبة.
﴿ يُضَعَّفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ﴾ أي يلق عقوبة وعقاباً كما وصف ﴿ يضعف له العذاب ﴾ وقال بلعاء بن قيس الكناني :
جَزَى الله ابن عُروة حيث أَمْسَى ***عقوقاً والعقوق له أثامُ
أي عقاباً.
﴿ اللَّغْو ﴾ كل كلامٍ ليس بحسنٍ وهو في اليمين لا والله وبلى والله.
﴿ لَمْ يَحِزُّوا عَلَيْهَا صُماًّ وعُمْيَاناً ﴾ مجازه لميقيموا عليها تاركين لها لم يقبلوها.
﴿ قُلْ مَا يَعْبَأَ بِكُمْ رَبِّي ﴾ ومنه قولهم ما عبأت بك شيئاً أي ما عددتك شيئاً.
﴿ فَسَوْفَ يكُونُ لِزَاماً ﴾ أي جزاء وهو الفيصل قال الهذلي :
فإما ينجوا مِن حَتفِ يومٍ ***فقد لَقِيَا حُتوفَهما لِزاما
يلزم كل عامل ما عمل من خير أو شر وله موضع آخر فسوف يكون هلاكا قال أبو ذؤيب :
ففاجئه بعاديةٍ لزامٍ كام يتفجَّر الحوضُ اللقيفُ
الحوض اللقيف الذي قد تهدمت حجارته سقط بعضها على بعض ؛ لزام أي كثيرة بعضها في إثر بعض.
سورة الفرقان
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورةُ (الفُرْقان) من السُّوَر المكِّية التي تحدَّثتْ عن معجزةِ النبي صلى الله عليه وسلم، وما أيَّده اللهُ به؛ وهو هذا القرآنُ الكريم، ودلَّلت السورة على أن هذا الكتابَ جاء فُرْقانًا بين الحق والباطل؛ فلم يترُكْ خيرًا إلا دلَّ عليه، ولم يترُكْ شرًّا إلا حذَّر منه، وقد جاءت هذه السورة بشُبهاتِ الكفار والمعانِدين، ورَدَّتْها بما يؤيد صِدْقَ رسالته صلى الله عليه وسلم، وقد أقامت الحُجَّةَ على كلِّ مَن ترك الحقَّ ومال إلى الباطل؛ لأن اللهَ أوضَحَ طريقَ الحق، وأبانه أيَّما بيانٍ؛ فللهِ الحُجَّةُ البالغة!

ترتيبها المصحفي
25
نوعها
مكية
ألفاظها
897
ترتيب نزولها
42
العد المدني الأول
77
العد المدني الأخير
77
العد البصري
77
العد الكوفي
77
العد الشامي
77

* قوله تعالى: {وَاْلَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اْللَّهِ إِلَٰهًا ءَاخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ اْلنَّفْسَ اْلَّتِي حَرَّمَ اْللَّهُ إِلَّا بِاْلْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَۚ} [الفرقان: 68]:

عن عبدِ اللهِ بن مسعودٍ رضي الله عنه، قال: «سألتُ أو سُئِلَ رسولُ اللهِ ﷺ: أيُّ الذَّنْبِ عند اللهِ أكبَرُ؟ قال: «أن تَجعَلَ للهِ نِدًّا وهو خلَقَك»، قلتُ: ثم أيٌّ؟ قال: «ثم أن تقتُلَ ولَدَك خشيةَ أن يَطعَمَ معك»، قلتُ: ثم أيٌّ؟ قال: أن تُزَانِيَ بحَلِيلةِ جارِك»، قال: ونزَلتْ هذه الآيةُ تصديقًا لقولِ رسولِ اللهِ ﷺ: {وَاْلَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اْللَّهِ إِلَٰهًا ءَاخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ اْلنَّفْسَ اْلَّتِي حَرَّمَ اْللَّهُ إِلَّا بِاْلْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَۚ} [الفرقان: 68]». أخرجه البخاري (٤٧٦١).

وفيها سببٌ آخَرُ:

عن عبدِ اللهِ بن عباسٍ رضي الله عنهما: «أنَّ ناسًا مِن أهلِ الشِّرْكِ كانوا قد قتَلوا وأكثَروا، وزَنَوْا وأكثَروا، فأتَوْا مُحمَّدًا صلى الله عليه وسلم، فقالوا: إنَّ الذي تقولُ وتدعو إليه لَحسَنٌ، لو تُخبِرُنا أنَّ لِما عَمِلْنا كفَّارةً؛ فنزَلَ: {وَاْلَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اْللَّهِ إِلَٰهًا ءَاخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ اْلنَّفْسَ اْلَّتِي حَرَّمَ اْللَّهُ إِلَّا بِاْلْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَۚ} [الفرقان: 68]، ونزَلتْ: {قُلْ ‌يَٰعِبَادِيَ ‌اْلَّذِينَ ‌أَسْرَفُواْ عَلَىٰٓ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ اْللَّهِۚ} [الزمر: 53]». أخرجه البخاري (٤٨١٠).

* قوله تعالى: {إِلَّا ‌مَن ‌تَابَ ‌وَءَامَنَ ‌وَعَمِلَ ‌عَمَلٗا ‌صَٰلِحٗا فَأُوْلَٰٓئِكَ يُبَدِّلُ اْللَّهُ سَيِّـَٔاتِهِمْ حَسَنَٰتٖۗ وَكَانَ اْللَّهُ غَفُورٗا رَّحِيمٗا} [الفرقان: 70]:

عن سعيدِ بن جُبَيرٍ رحمه الله، قال: «قال ابنُ أَبْزَى: سَلِ ابنَ عباسٍ عن قولِه تعالى: {وَمَن ‌يَقْتُلْ مُؤْمِنٗا مُّتَعَمِّدٗا فَجَزَآؤُهُۥ جَهَنَّمُ خَٰلِدٗا فِيهَا} [النساء: 93]، وقولِه: {وَلَا ‌يَقْتُلُونَ ‌اْلنَّفْسَ ‌اْلَّتِي حَرَّمَ اْللَّهُ إِلَّا بِاْلْحَقِّ} [الفرقان: 68] حتى بلَغَ: {إِلَّا مَن تَابَ وَءَامَنَ} [الفرقان: 70]،  فسألْتُه، فقال: لمَّا نزَلتْ، قال أهلُ مكَّةَ: فقد عدَلْنا باللهِ، وقد قتَلْنا النَّفْسَ التي حرَّمَ اللهُ إلا بالحقِّ، وأتَيْنا الفواحشَ؛ فأنزَلَ اللهُ: {إِلَّا مَن تَابَ وَءَامَنَ وَعَمِلَ عَمَلٗا صَٰلِحٗا} إلى قولِه: {غَفُورٗا رَّحِيمٗا} [الفرقان: 70]». أخرجه البخاري (٤٧٦٥).

* سورة (الفُرْقان):

سُمِّيت سورةُ (الفُرْقان) بهذا الاسم؛ لذِكْرِ (الفُرْقان) في افتتاحها، وهو اسمٌ من أسماء القرآن الكريم.

تضمَّنتْ سورةُ (الفُرْقان) عِدَّة موضوعات؛ جاءت على النحو الآتي:

1. صفات الإلهِ الحقِّ، وعَجْزُ الآلهة المزيَّفة (١-٣).

2. شُبهاتهم حول القرآن، وردُّها (٤-٦).

3. شُبهاتهم حول الرسول، وردُّها (٧-١٠).

4. الدوافع الحقيقية وراء تكذيبهم (١١-١٩).

5. سُنَّة الله في اختيار المرسَلين، وعادة المكذِّبين (٢٠-٢٩).

6. شكوى الرسول من قومه، وتَسْليتُه (٣٠-٤٠).

7. الاستهزاء والسُّخْريَّة سلاح العاجز (٤١-٤٤).

8. الحقائق الكونية في القرآن من دلائل النُّبوة (٤٥-٥٥).

9. مهمة الرسول ونهجُه في دعوة المعانِدين (٥٦-٦٢).

10. ثمرات الرسالة الربانية (٦٣-٧٧).

ينظر: "التفسير الموضوعي للقرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (5 /270).

مقصدُ السُّورة الأعظم: إظهارُ شَرَفِ الداعي صلى الله عليه وسلم؛ بإنذارِ المكلَّفين عامةً بما له سبحانه من القدرة الشاملة، المستلزم للعلم التامِّ، المدلول عليه بهذا القرآنِ المبين، المستلزم لأنه لا موجودَ على الحقيقة سِوى مَن أنزله؛ فهو الحقُّ، وما سِواه باطلٌ.

وتسميتُها بـ(الفُرْقان) واضحُ الدَّلالة على ذلك؛ فإن الكتابَ ما نزل إلا للتفرقة بين الملتبِسات، وتمييزِ الحقِّ من الباطل؛ ليَهلِكَ مَن هلَك عن بيِّنة، ويَحيَى مَن حَيَّ عن بيِّنة؛ فلا يكون لأحدٍ على الله حُجَّةٌ، وللهِ الحُجَّة البالغة!

ينظر: "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور" للبقاعي (2 /317).