تفسير سورة الفرقان

أحكام القرآن

تفسير سورة سورة الفرقان من كتاب أحكام القرآن
لمؤلفه ابن الفرس . المتوفي سنة 595 هـ
اختلف فيها هل مكية أو مدنية، فقيل هي مكية، وهو وقول الجمهور، وقيل هي مدنية وفيها آيات مكية قوله تعالى :﴿ والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ﴾ [ الفرقان : ٦٨ ] وهو قول الضحاك ١. وفيها مواضع من الأحكام والنسخ ٢.
١ وقال القرطبي: وقال ابن عباس وقتادة إلا ثلاث آيات منها نزلت بالمدينة وهي: ﴿والذين لا يدعون مع الله إلها آخر﴾ إلى قوله: ﴿وكان الله غفورا رحيما﴾. راجع الجامع لأحكام القرآن ١٣/١..
٢ أوصلها ابن الفرس إلى ثمان آيات..

قوله تعالى :﴿ وقال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا ( ٣٠ ) ﴾ :
يحتمل ﴿ مهجورا ﴾ أن يكون من الهَجر، يريد مبعدا مُقصى، وهو قول ابن زيد. ويحتمل أن يريد ١ مقولا فيه هُجر إشارة إلى قولهم شعر وكهانة وسحر، وهو قول مجاهد والنخعي. وفي قول ابن زيد تنبيه على تعاهد المصحف وأن لا يطرح في البيوت ٢ ولا يقرأ فيه. وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يعضده : قال : " من علق مصحفا ولم يتعاهده جاء يوم القيامة متعلقا به يقول هذا اتخذني مهجورا اقض يا رب بيني وبينه " ٣.
١ "يريد مبعدا مقصى وهو قول ابن زيد ويحتمل أن يريد" كلام ساقط في (د)، (هـ)..
٢ "شعر وكهانة وسحر... إلى: في البيوت" كلام ساقط في (أ)، (ز)..
٣ والحديث ذكره ابن عطية في المحرر الوجيز ١٢/ ٢٢..
– قوله تعالى :﴿ وأنزلنا من السماء ماء طهورا ﴾ :
الطهور بناء مبالغة في الطاهر وهو مقتضى عند أكثر الفقهاء الطهارة والتطهير خلافا لمن لا يرى أنه لا يقتضي إلا الطهارة خاصة. وقد تقدم الكلام على هذا المعنى ١.
١ "قوله تعالى: ﴿وأنزلنا من السماء ماء طهورا﴾... إلى: هذا المعنى" كلام ساقط في (أ)، (ز). راجع ذلك بأكثر تفصيلا عند الجصاص في أحكام القرآن ٥/ ٢٠١ – ٢١٢. وفي أحكام القرآن للكيا الهراسي ٤/ ٣٢٩، ٣٣٠، وفي الجامع لأحكام القرآن ١٣/ ٣٩ – ٥٦..
– قوله تعالى :﴿ وعباد الرحمان الذين يمشون على الأرض هونا ﴾ إلى قوله :﴿ وإذا خاطبهم ﴾ :
مدح الله تعالى عباده بالمشي هونا. فمن الناس من رد الهون إلى أخلاق الماشي١ ومنه من رده إلى المشي. ومن رده إلى الأخلاق اختلفوا في العبارات عن تفسيره والمعنى واحد. فقال مجاهد بالحلم والوقار. وقال ابن عباس بالطاعة والعفاف والتواضع. وقال الحسن : حلماء إن جهل عليهم لم يجهلوا. ومن رده إلى المشي قال : مشيا هونا أي رويدا. وروي عن الزهري أنه قال سرعة المشي يذهب بهاء الوجه. وهذا ضعيف إذ رب ماش هذه المشية وهو خداع مكار. قال بعضهم :
كلهم يمشي رويدا *** كلهم يطلب صيدا٢
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يتكفا في مشيه كأنه يمشي في صبب. وقال زيد بن أسلم : كنت أسأل عن هذه الآية فما وجدت في ذلك شفاء فرأيت في النوم من جاءني فقال : هم الذين لا يريدون أن يفسدوا في الأرض ٣ فهذا التفسير راجع إلى الخلق.
قوله تعالى :﴿ وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما ﴾ :
الجاهلون عام في الكفار وغيرهم من جاهلي المؤمنين. واختلفوا في معنى سلاما. فقيل معناه تسلما ٤ أي براءة ٥ وقيل معناه أن يقال لهم قولا ٦ سدادا أي كلاما برفق ولين ٧. وقيل إنه يحتمل أن يراد به التحية، قاله بعض شيوخنا المتأخرين. وهذا القول في حق الجاهلين من المؤمنين محكم غير منسوخ لأن حمل جفاء المسلم حسن ما لم يعد بمضرة. ولا بأس أن يسلم عليه بالتحية ويقابل بالقول الحسن. قال بعض شيوخنا وكذلك هي في حق الذمي الآية محكمة لأن الله تعالى قد أذن في ملاينته وبره لا في احتمال جفائه فإن ذلك لا يجوز لمسلم بحال. وأما الحربيون فالآية منسوخة في حقهم باتفاق وهذا من باب تخصيص العموم، والمفسرون يسمونه نسخا وقد اختلف المفسرون ٨ في ذلك. والذي اعتمد عليه المفسرون أنها منسوخة في الكفار بآية السيف لأنها اقتضت الموادعة والمسالمة. وقد ذكر سيبويه ٩ النسخ في هذه الآية في كتابه، وما تكلم على نسخ سواه، ورجحه بأن المؤمنين لم يؤمروا بالسلام على الكفار. وقال المبرد ١٠ كان ينبغي أن يقول : لم يؤمر المسلمون يومئذ بحربهم ثم أمروا بحربهم.
وجاء في بعض التواريخ أن إبراهيم بن المهدي ١١ وكان من المائلين على علي بن أبي طالب قال يوما بمحضر المأمون ١٢ وعنده جماعة : كنت رأيت عليا بن أبي طالب في النوم فقلت له : إنما تدعي هذا الأمر بامرأة ونحن أحق به منك. فما رأيت له في الجواب بلاغة كما يذكر عنه. قال المأمون وبماذا جاوبك ؟ قال : كان يقول لي سلاما سلاما. قال الراوي وكان إبراهيم بن المهدي لا يحفظ الآية أو ذهبت عنه في ذلك الوقت فنبه المأمون على الآية من حضره وقال : هو والله يا عم علي بن أبي طالب وقد جاوبك بأبلغ جواب. فخزي إبراهيم واستحيى ١٣.
١ ذكره نحوه ابن عطية في المحرر الوجيز ١٢/ ٣٧..
٢ هذا من كلام أبي جعفر المنصور الخليفة في مدح عمرو بن عبيد الزاهد المشهور وتمامه: غير عمرو بن عبيد. ذكره معلق الجامع لأحكام القرآن ١٣/ ٥٠..
٣ راجع المحرر الوجيز ١٢/ ٣٧، والجامع لأحكام القرآن ١٣/ ٦٩..
٤ في (د)، (هـ): "تسليما"..
٥ نسبه القرطبي إلى النحاس. راجع الجامع لأحكام القرآن ١٣/ ٦٩..
٦ "قولا" كلمة ساقطة في (ح)..
٧ نسبه ابن عطية إلى مجاهد. راجع المحرر الوجيز ١٢/ ٣٨..
٨ في (أ)، (ز): "الأصوليون"..
٩ سيبويه: هو عمرو بن عثمان بن قمبر الحارثي الملقب بسيبويه. عالم في النحو واللغة. توفي سنة ١٨٠ هـ/ ٨١٠م. انظر الأعلام ٥/ ٨١..
١٠ المبرد: هو محمد بن يزيد بن عبد الأكبر الأسدي المعروف بالمبرد، أبو العباس، شيخ أهل النقل وحافظ علم العربية. له مؤلفات عديدة منها: الكامل، إعراب القرآن. توفي سنة ٢٨٦ هـ/ ٩١٦م. انظر الأعلام ٧/ ١٤٤..
١١ إبراهيم بن المهدي: هو إبراهيم بن المهدي بن المنصور الهاشمي أخو هارون الرشيد، اشتهر بالغناء واللهو. توفي سنة ٢٢٤هـ/ ٨٤٠م. انظر وفيات الأعيان لابن خلكان ١/ ٣٩..
١٢ المأمون: هو أبو محمد بن الشريف العباسي، أحمد بن العباس بن علي بن محمد بن يعقوب بن الحسين. أمير المؤمنين. انظر التكملة آخر الجزء الخامس..
١٣ راجع القصة في المحرر الوجيز ٢/ ٣٨، ٣٩، وفي الجامع لأحكام القرآن ١٣/ ٧٠، ٧١..
– قوله تعالى :﴿ والذين يبيتون لربهم سجدا وقياما ( ٦٤ ) ﴾ :
في هذه الآية تحريض على قيام الليل للصلاة. وقال بعض الناس من صلى العشاء الأخيرة وشفع وأوتر فهو داخل في هذه الآية ١.
١ قال القرطبي: قال ابن عباس: من صلى ركعتين أو أكثر بعد العشاء فقد بات لله ساجدا وقائما. راجع الجامع لأحكام القرآن ١٣/٧٢..
– قوله تعالى :﴿ والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما٦٧ ﴾ :
اختلف في تأويل الآية فقال بعض المفسرين : الذي لا يسرف هو المنفق في الطاعة وإن أسرف والمسرف هو المنفق في المعصية وإن قل إنفاقه، والمقتر هو الذي يمنع حقا عليه، وهو قول ابن عباس وغيره ١. وقيل الإسراف أن تنفق مال غيرك، والإقتار التقصير فيما يجب عليك ٢ والقوام النفقة بالعدل والاستقامة. والأحسن أن يقال إن هذا كله في نفقة الطاعات وفي المباحات، فأراد تعالى أن لا يفرط الإنسان حتى يضيع حق آخر أو عيالا ونحو هذا وأن لا يضيق ولا يقتر حتى يجيع العيال ونحو ذلك، وأن يجري في ذلك إلى القوام أي المعتدل وذلك في كل أحد بحسب حاله. وإنما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر يتصدق٣ بجميع ماله لأن ذلك له قوام بحسب جلده وصبره في الدين ومنع غيره منه لأنه كان له قواما بحسب جلده وصبره. وإلى نحو هذا ذهب النخعي ٤ وغيره وقد تقدم الكلام على كثير من أحكامه.
١ وأضاف ابن عطية مجاهد وابن زيد. راجع المحرر الوجيز ١٢/ ٤٠..
٢ نسبه ابن عطية إلى عون بن عبد الله. راجع م. س. ، ن. ص..
٣ "في ذلك إلى القوام... إلى: يتصدق" كلام ساقط في (أ)، (ز)..
٤ قال القرطبي: ونعم ما قال إبراهيم النخعي: هو الذي لا يجيع ولا يعرى ولا ينفق نفقة يقول الناس قد أسرف. راجع الجامع لأحكام القرآن ١٣/ ٧٣..
– قوله تعالى :﴿ والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ﴾ إلى قوله :﴿ إلا من تاب ﴾ :
قد تقدم الكلام على أحكام هذه الآية.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٦٨:– قوله تعالى :﴿ والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ﴾ إلى قوله :﴿ إلا من تاب ﴾ :
قد تقدم الكلام على أحكام هذه الآية.

– قوله تعالى :﴿ والذين لا يشهدون الزور وإذا مروا باللغو مروا كراما ( ٧٢ ) ﴾ :
الزور كل باطل، فأعظمه الشرك وبه فسر الضحاك وابن زيد. ومنه الغناء وبه فسر مجاهد. ومنه الكذب وبه فسر ابن جريج ١. ويشهدون على القولين الأولين من المشاهدة، وعلى القول الثالث من الشهادة لا من المشاهدة. فالمراد الشهادة بالزور، وهو قول علي بن أبي طالب وغيره ٢.
وقوله :﴿ وإذا مروا باللغو مروا كراما ﴾ :
اللغو كل ما يسقط من قول أو فعل، ويدخل فيه الغناء وجميع اللهو وغير ذلك مما قارنه. ويدخل فيه سفه المشركين وأذاهم للمؤمنين وذكر النساء وغيره من المنكر. وكراما معناه معرضين مستحيين يتجافون عن ذلك ويصبرون على الإذن فيه. روي أن عبد الله بن مسعود سمع غناء فأسرع في مشيه وذهب فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال : " لقد أصبح ابن أم عبدا كريما " وقرأ الآية ٣ وأما إذا مر المسلم بمنكر فكرهه أن يغيره، وحدود التغيير تختلف باختلاف الأحوال.
١ ابن جريج: هو أبو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج القرشي الفقيه. توفي سنة ١٤٩هـ/ ٧٦٦م. وقيل غير ذلك. انظر طبقات الفقهاء للشيرازي ص ٧١، ووفيات الأعيان ١/ ٢٨٦..
٢ راجع المحرر الوجيز ١٢/ ٤٣، ٤٤..
٣ والحديث ذكره ابن عطية ورواه ابن أبي حاتم وابن كثير. راجع المحرر الوجيز ١٢/ ٤٤..
سورة الفرقان
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورةُ (الفُرْقان) من السُّوَر المكِّية التي تحدَّثتْ عن معجزةِ النبي صلى الله عليه وسلم، وما أيَّده اللهُ به؛ وهو هذا القرآنُ الكريم، ودلَّلت السورة على أن هذا الكتابَ جاء فُرْقانًا بين الحق والباطل؛ فلم يترُكْ خيرًا إلا دلَّ عليه، ولم يترُكْ شرًّا إلا حذَّر منه، وقد جاءت هذه السورة بشُبهاتِ الكفار والمعانِدين، ورَدَّتْها بما يؤيد صِدْقَ رسالته صلى الله عليه وسلم، وقد أقامت الحُجَّةَ على كلِّ مَن ترك الحقَّ ومال إلى الباطل؛ لأن اللهَ أوضَحَ طريقَ الحق، وأبانه أيَّما بيانٍ؛ فللهِ الحُجَّةُ البالغة!

ترتيبها المصحفي
25
نوعها
مكية
ألفاظها
897
ترتيب نزولها
42
العد المدني الأول
77
العد المدني الأخير
77
العد البصري
77
العد الكوفي
77
العد الشامي
77

* قوله تعالى: {وَاْلَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اْللَّهِ إِلَٰهًا ءَاخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ اْلنَّفْسَ اْلَّتِي حَرَّمَ اْللَّهُ إِلَّا بِاْلْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَۚ} [الفرقان: 68]:

عن عبدِ اللهِ بن مسعودٍ رضي الله عنه، قال: «سألتُ أو سُئِلَ رسولُ اللهِ ﷺ: أيُّ الذَّنْبِ عند اللهِ أكبَرُ؟ قال: «أن تَجعَلَ للهِ نِدًّا وهو خلَقَك»، قلتُ: ثم أيٌّ؟ قال: «ثم أن تقتُلَ ولَدَك خشيةَ أن يَطعَمَ معك»، قلتُ: ثم أيٌّ؟ قال: أن تُزَانِيَ بحَلِيلةِ جارِك»، قال: ونزَلتْ هذه الآيةُ تصديقًا لقولِ رسولِ اللهِ ﷺ: {وَاْلَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اْللَّهِ إِلَٰهًا ءَاخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ اْلنَّفْسَ اْلَّتِي حَرَّمَ اْللَّهُ إِلَّا بِاْلْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَۚ} [الفرقان: 68]». أخرجه البخاري (٤٧٦١).

وفيها سببٌ آخَرُ:

عن عبدِ اللهِ بن عباسٍ رضي الله عنهما: «أنَّ ناسًا مِن أهلِ الشِّرْكِ كانوا قد قتَلوا وأكثَروا، وزَنَوْا وأكثَروا، فأتَوْا مُحمَّدًا صلى الله عليه وسلم، فقالوا: إنَّ الذي تقولُ وتدعو إليه لَحسَنٌ، لو تُخبِرُنا أنَّ لِما عَمِلْنا كفَّارةً؛ فنزَلَ: {وَاْلَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اْللَّهِ إِلَٰهًا ءَاخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ اْلنَّفْسَ اْلَّتِي حَرَّمَ اْللَّهُ إِلَّا بِاْلْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَۚ} [الفرقان: 68]، ونزَلتْ: {قُلْ ‌يَٰعِبَادِيَ ‌اْلَّذِينَ ‌أَسْرَفُواْ عَلَىٰٓ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ اْللَّهِۚ} [الزمر: 53]». أخرجه البخاري (٤٨١٠).

* قوله تعالى: {إِلَّا ‌مَن ‌تَابَ ‌وَءَامَنَ ‌وَعَمِلَ ‌عَمَلٗا ‌صَٰلِحٗا فَأُوْلَٰٓئِكَ يُبَدِّلُ اْللَّهُ سَيِّـَٔاتِهِمْ حَسَنَٰتٖۗ وَكَانَ اْللَّهُ غَفُورٗا رَّحِيمٗا} [الفرقان: 70]:

عن سعيدِ بن جُبَيرٍ رحمه الله، قال: «قال ابنُ أَبْزَى: سَلِ ابنَ عباسٍ عن قولِه تعالى: {وَمَن ‌يَقْتُلْ مُؤْمِنٗا مُّتَعَمِّدٗا فَجَزَآؤُهُۥ جَهَنَّمُ خَٰلِدٗا فِيهَا} [النساء: 93]، وقولِه: {وَلَا ‌يَقْتُلُونَ ‌اْلنَّفْسَ ‌اْلَّتِي حَرَّمَ اْللَّهُ إِلَّا بِاْلْحَقِّ} [الفرقان: 68] حتى بلَغَ: {إِلَّا مَن تَابَ وَءَامَنَ} [الفرقان: 70]،  فسألْتُه، فقال: لمَّا نزَلتْ، قال أهلُ مكَّةَ: فقد عدَلْنا باللهِ، وقد قتَلْنا النَّفْسَ التي حرَّمَ اللهُ إلا بالحقِّ، وأتَيْنا الفواحشَ؛ فأنزَلَ اللهُ: {إِلَّا مَن تَابَ وَءَامَنَ وَعَمِلَ عَمَلٗا صَٰلِحٗا} إلى قولِه: {غَفُورٗا رَّحِيمٗا} [الفرقان: 70]». أخرجه البخاري (٤٧٦٥).

* سورة (الفُرْقان):

سُمِّيت سورةُ (الفُرْقان) بهذا الاسم؛ لذِكْرِ (الفُرْقان) في افتتاحها، وهو اسمٌ من أسماء القرآن الكريم.

تضمَّنتْ سورةُ (الفُرْقان) عِدَّة موضوعات؛ جاءت على النحو الآتي:

1. صفات الإلهِ الحقِّ، وعَجْزُ الآلهة المزيَّفة (١-٣).

2. شُبهاتهم حول القرآن، وردُّها (٤-٦).

3. شُبهاتهم حول الرسول، وردُّها (٧-١٠).

4. الدوافع الحقيقية وراء تكذيبهم (١١-١٩).

5. سُنَّة الله في اختيار المرسَلين، وعادة المكذِّبين (٢٠-٢٩).

6. شكوى الرسول من قومه، وتَسْليتُه (٣٠-٤٠).

7. الاستهزاء والسُّخْريَّة سلاح العاجز (٤١-٤٤).

8. الحقائق الكونية في القرآن من دلائل النُّبوة (٤٥-٥٥).

9. مهمة الرسول ونهجُه في دعوة المعانِدين (٥٦-٦٢).

10. ثمرات الرسالة الربانية (٦٣-٧٧).

ينظر: "التفسير الموضوعي للقرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (5 /270).

مقصدُ السُّورة الأعظم: إظهارُ شَرَفِ الداعي صلى الله عليه وسلم؛ بإنذارِ المكلَّفين عامةً بما له سبحانه من القدرة الشاملة، المستلزم للعلم التامِّ، المدلول عليه بهذا القرآنِ المبين، المستلزم لأنه لا موجودَ على الحقيقة سِوى مَن أنزله؛ فهو الحقُّ، وما سِواه باطلٌ.

وتسميتُها بـ(الفُرْقان) واضحُ الدَّلالة على ذلك؛ فإن الكتابَ ما نزل إلا للتفرقة بين الملتبِسات، وتمييزِ الحقِّ من الباطل؛ ليَهلِكَ مَن هلَك عن بيِّنة، ويَحيَى مَن حَيَّ عن بيِّنة؛ فلا يكون لأحدٍ على الله حُجَّةٌ، وللهِ الحُجَّة البالغة!

ينظر: "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور" للبقاعي (2 /317).