تفسير سورة الفرقان

جهود ابن عبد البر في التفسير

تفسير سورة سورة الفرقان من كتاب جهود ابن عبد البر في التفسير
لمؤلفه ابن عبد البر . المتوفي سنة 463 هـ

٣٦٧- قال أبو عمر : الدليل على أن الماء لا يفسد إلا بما ظهر فيه من النجاسة، أن الله- عز وجل- سماه طهورا، فقال :﴿ وأنزلنا من السماء ماء طهورا ﴾، وفي " طهور " معنيان : أحدهما أن يكون طهورا ؛ بمعنى طاهر، مثل صبور وصابر، وشكور وشاكر، وما كان مثله. والآخر أن يكون بمعنى فعول، مثل قتول وضروب، فيكون فيه معنى التعدي، والتكثير يدل على ذلك قوله- عز وجل :﴿ وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به ويذهب عنكم ﴾١.
وقد أجمعت الأمة أن الماء مطهر للنجاسات، وأنه ليس في ذلك كسائر المائعات الطاهرات. فثبت بذلك هذا التأويل. وما كان طاهرا مطهرا، استحال أن تلحقه النجاسة، لأنه لو لحقته النجاسة، لم يكن مطهرا أبدا ؛ لأنه لا يطهرها إلا بممازجته إياها، واختلاطه بها. فلو أفسدته النجاسة من غير أن تغلب عليه، وكان حكمه حكم سائر المائعات التي تنجس بمماسة النجاسة لها، ولم تحصل لأحد طهارة، ولا استنجى أبدا.
والسنن شاهدة لما قلنا، بمثل ما شهد به النظر، من كتاب الله- عز وجل- فمن ذلك أمر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أن يصب على بول الأعرابي دلو من ماء، أو ذنوب من ماء، وهو أصح حديث يروى في الماء، عن النبي- صلى الله عليه وسلم٢. ( ت : ١/٣٣٠ )
١ سورة الأنفال: ١١. وتمام الآية: ﴿ويذهب عنكم رجز الشيطان وليربط على قلوبكم ويثبت به الأقدام﴾..
٢ أخرج الإمام مالك، عن يحيى بن سعيد، أنه قال: دخل أعرابي المسجد، فكشف عن فرجه ليبول، فصاح الناس به، حتى علا الصوت. فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: (اتركوه فتركوه فبال ثم أمر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بذنوب من ماء، فصب على ذلك المكان. الموطأ: كتاب الطهارة، باب ما جاء في البول قائما وغيره: ٤٣..
٣٦٨- معنى غرم هلك في قوله تعالى :﴿ إن عذابها كان غراما ﴾. ( الدرر في اختصار المغازي والسير : ١٤١ )
٣٦٩- قرىء قوله – عز وجل- :﴿ لم يسرفوا ولم يقتروا ﴾، على الثلاثة الأوجه : يقتروا من الرباعي، ويقتروا من الثلاثي، ويقتروا منه أيضا١. ( ت : ٢٢/٢٢٦ )
١ قال ابن جريرك اختلف القراء في قراءة قوله : ﴿ولم يقتروا﴾. فقرأته قراء المدينة ﴿ولم يقتروا﴾ بضم الياء وكسر التاء من أقتر يقتر. وقرأته عامة قراء الكوفيين ﴿ولم يقتروا﴾بفتح الياء وضم التاء من قتر يقتر، وقرأته عامة قراء البصرة ﴿ولم يقتروا﴾ بفتح الياء وكسر التاء من قتر يقتر، والصواب من القول في ذلك، أن كل هذه القراءات على اختلاف ألفاظها لغات مشهورات في العرب. وقراءات مستفيضات في قراء الأمصار بمعنى واحد، فبأيتها قرأ القارئ فمصيب. جامع البيان: ١٩/٤٠..
٣٧٠- قال قتادة في قول الله عز وجل :﴿ لا يشهدون الزور ﴾، قال : الكذب، ﴿ وإذا مروا باللغو مروا كراما ﴾، قال : لا يساعدون أهل الباطل على باطلهم، ولا يمالؤنهم عليه، وقال أبو عبيدة : اللغو : كل شيء من الكلام ليس بحسن، والفحش أشد من اللغو، واللغو والهجر في القول سواء، واللغو واللغا لغتان، يقال من اللغا : لغيت تلغى مثل لقيت تلقى، وهو التكلم بما لا ينبغي. وبما لا نفع فيه. وقال الأخفش : اللغو : الكلام الذي لا أصل له من الباطل وشبهه. قال العجاج١ : عن اللغا ورفث التكلم٢ ( ت : ١٩/٣٢. وانظر س : ٥/٤٣ )
١ هو عبد الله بن رؤية، من بني مالك بن سعد بن زيد مناة بن تميم، وكان يكنى أبا الشعناء؛ والشعناء ابنته. وكان لقي أبا هريرة وسمع منه أحاديث. وإنما سمي العجاج بقوله:
حتى يعج ثخنا من عجعجا ويودي المودي وينجو من نجا.
انظر الشعر والشعراء: ٢/٥٩١-٥٩٣. واللسان. مادة "عجج": ٢/٣٢٠..

٢ ذكره في اللسان مادة "لغا": ١٥/٢٥٠. والبيت بشطريه هو :
ورب أسراب حجيج كطم عن اللغا ورفث التكلم.

٣٧١- حدثنا عبد الوارث، قال : حدثنا قاسم، قال : حدثنا أحمد بن زهير، قال : حدثنا الحكم بن موسى، قال : حدثنا يحيى بن حمزة، عن عبد الرحمان بن يزيد بن جابر، عن مكحول في قول الله- عز وجل- :﴿ واجعلنا للمتقين إماما ﴾، قال : أئمة في التقوى تقتدي بنا المتقون. ( جامع بيان العلم وفضله : ٢/١٠ )
سورة الفرقان
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورةُ (الفُرْقان) من السُّوَر المكِّية التي تحدَّثتْ عن معجزةِ النبي صلى الله عليه وسلم، وما أيَّده اللهُ به؛ وهو هذا القرآنُ الكريم، ودلَّلت السورة على أن هذا الكتابَ جاء فُرْقانًا بين الحق والباطل؛ فلم يترُكْ خيرًا إلا دلَّ عليه، ولم يترُكْ شرًّا إلا حذَّر منه، وقد جاءت هذه السورة بشُبهاتِ الكفار والمعانِدين، ورَدَّتْها بما يؤيد صِدْقَ رسالته صلى الله عليه وسلم، وقد أقامت الحُجَّةَ على كلِّ مَن ترك الحقَّ ومال إلى الباطل؛ لأن اللهَ أوضَحَ طريقَ الحق، وأبانه أيَّما بيانٍ؛ فللهِ الحُجَّةُ البالغة!

ترتيبها المصحفي
25
نوعها
مكية
ألفاظها
897
ترتيب نزولها
42
العد المدني الأول
77
العد المدني الأخير
77
العد البصري
77
العد الكوفي
77
العد الشامي
77

* قوله تعالى: {وَاْلَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اْللَّهِ إِلَٰهًا ءَاخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ اْلنَّفْسَ اْلَّتِي حَرَّمَ اْللَّهُ إِلَّا بِاْلْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَۚ} [الفرقان: 68]:

عن عبدِ اللهِ بن مسعودٍ رضي الله عنه، قال: «سألتُ أو سُئِلَ رسولُ اللهِ ﷺ: أيُّ الذَّنْبِ عند اللهِ أكبَرُ؟ قال: «أن تَجعَلَ للهِ نِدًّا وهو خلَقَك»، قلتُ: ثم أيٌّ؟ قال: «ثم أن تقتُلَ ولَدَك خشيةَ أن يَطعَمَ معك»، قلتُ: ثم أيٌّ؟ قال: أن تُزَانِيَ بحَلِيلةِ جارِك»، قال: ونزَلتْ هذه الآيةُ تصديقًا لقولِ رسولِ اللهِ ﷺ: {وَاْلَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اْللَّهِ إِلَٰهًا ءَاخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ اْلنَّفْسَ اْلَّتِي حَرَّمَ اْللَّهُ إِلَّا بِاْلْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَۚ} [الفرقان: 68]». أخرجه البخاري (٤٧٦١).

وفيها سببٌ آخَرُ:

عن عبدِ اللهِ بن عباسٍ رضي الله عنهما: «أنَّ ناسًا مِن أهلِ الشِّرْكِ كانوا قد قتَلوا وأكثَروا، وزَنَوْا وأكثَروا، فأتَوْا مُحمَّدًا صلى الله عليه وسلم، فقالوا: إنَّ الذي تقولُ وتدعو إليه لَحسَنٌ، لو تُخبِرُنا أنَّ لِما عَمِلْنا كفَّارةً؛ فنزَلَ: {وَاْلَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اْللَّهِ إِلَٰهًا ءَاخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ اْلنَّفْسَ اْلَّتِي حَرَّمَ اْللَّهُ إِلَّا بِاْلْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَۚ} [الفرقان: 68]، ونزَلتْ: {قُلْ ‌يَٰعِبَادِيَ ‌اْلَّذِينَ ‌أَسْرَفُواْ عَلَىٰٓ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ اْللَّهِۚ} [الزمر: 53]». أخرجه البخاري (٤٨١٠).

* قوله تعالى: {إِلَّا ‌مَن ‌تَابَ ‌وَءَامَنَ ‌وَعَمِلَ ‌عَمَلٗا ‌صَٰلِحٗا فَأُوْلَٰٓئِكَ يُبَدِّلُ اْللَّهُ سَيِّـَٔاتِهِمْ حَسَنَٰتٖۗ وَكَانَ اْللَّهُ غَفُورٗا رَّحِيمٗا} [الفرقان: 70]:

عن سعيدِ بن جُبَيرٍ رحمه الله، قال: «قال ابنُ أَبْزَى: سَلِ ابنَ عباسٍ عن قولِه تعالى: {وَمَن ‌يَقْتُلْ مُؤْمِنٗا مُّتَعَمِّدٗا فَجَزَآؤُهُۥ جَهَنَّمُ خَٰلِدٗا فِيهَا} [النساء: 93]، وقولِه: {وَلَا ‌يَقْتُلُونَ ‌اْلنَّفْسَ ‌اْلَّتِي حَرَّمَ اْللَّهُ إِلَّا بِاْلْحَقِّ} [الفرقان: 68] حتى بلَغَ: {إِلَّا مَن تَابَ وَءَامَنَ} [الفرقان: 70]،  فسألْتُه، فقال: لمَّا نزَلتْ، قال أهلُ مكَّةَ: فقد عدَلْنا باللهِ، وقد قتَلْنا النَّفْسَ التي حرَّمَ اللهُ إلا بالحقِّ، وأتَيْنا الفواحشَ؛ فأنزَلَ اللهُ: {إِلَّا مَن تَابَ وَءَامَنَ وَعَمِلَ عَمَلٗا صَٰلِحٗا} إلى قولِه: {غَفُورٗا رَّحِيمٗا} [الفرقان: 70]». أخرجه البخاري (٤٧٦٥).

* سورة (الفُرْقان):

سُمِّيت سورةُ (الفُرْقان) بهذا الاسم؛ لذِكْرِ (الفُرْقان) في افتتاحها، وهو اسمٌ من أسماء القرآن الكريم.

تضمَّنتْ سورةُ (الفُرْقان) عِدَّة موضوعات؛ جاءت على النحو الآتي:

1. صفات الإلهِ الحقِّ، وعَجْزُ الآلهة المزيَّفة (١-٣).

2. شُبهاتهم حول القرآن، وردُّها (٤-٦).

3. شُبهاتهم حول الرسول، وردُّها (٧-١٠).

4. الدوافع الحقيقية وراء تكذيبهم (١١-١٩).

5. سُنَّة الله في اختيار المرسَلين، وعادة المكذِّبين (٢٠-٢٩).

6. شكوى الرسول من قومه، وتَسْليتُه (٣٠-٤٠).

7. الاستهزاء والسُّخْريَّة سلاح العاجز (٤١-٤٤).

8. الحقائق الكونية في القرآن من دلائل النُّبوة (٤٥-٥٥).

9. مهمة الرسول ونهجُه في دعوة المعانِدين (٥٦-٦٢).

10. ثمرات الرسالة الربانية (٦٣-٧٧).

ينظر: "التفسير الموضوعي للقرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (5 /270).

مقصدُ السُّورة الأعظم: إظهارُ شَرَفِ الداعي صلى الله عليه وسلم؛ بإنذارِ المكلَّفين عامةً بما له سبحانه من القدرة الشاملة، المستلزم للعلم التامِّ، المدلول عليه بهذا القرآنِ المبين، المستلزم لأنه لا موجودَ على الحقيقة سِوى مَن أنزله؛ فهو الحقُّ، وما سِواه باطلٌ.

وتسميتُها بـ(الفُرْقان) واضحُ الدَّلالة على ذلك؛ فإن الكتابَ ما نزل إلا للتفرقة بين الملتبِسات، وتمييزِ الحقِّ من الباطل؛ ليَهلِكَ مَن هلَك عن بيِّنة، ويَحيَى مَن حَيَّ عن بيِّنة؛ فلا يكون لأحدٍ على الله حُجَّةٌ، وللهِ الحُجَّة البالغة!

ينظر: "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور" للبقاعي (2 /317).