تفسير سورة الفرقان

كتاب نزهة القلوب

تفسير سورة سورة الفرقان من كتاب كتاب نزهة القلوب
لمؤلفه أبى بكر السجستاني .

﴿ تَبَارَكَ ﴾: تفاعل من البركة وهي الزيادة والنماء والكثرة والاتساع: أي البركة تكتسب وتنال بذكرك، ويقال: تبارك: تقدس؛ والقدس: الطهارة؛ ويقال: تبارك: تعاظم الذي بيده الملك.
﴿ نُشُوراً ﴾ أي حياة بعد الموت.
﴿ إِفْكٌ ﴾: أسوأ الكذب ﴿ ٱفْتَرَاهُ ﴾: افتعله واختلقه.
(أصيل): ما بين العصر إلى الليل، وجمعه أصل، ثم آصال، ثم أصائل جمع جمع الجمع.
﴿ تَغَيُّظاً وَزَفِيراً ﴾ التغيظ: الصوت الذي يهمهم به المغتاظ. والزفير: صوت من الصدر. وانظر ١٠٦ من هود.
﴿ ثُبُوراً ﴾ أي هلاكا، وقوله عز وجل؛ ﴿ دَعَوْاْ هُنَالِكَ ثُبُوراً ﴾ أي صاحوا: واهلاكاه.
﴿ بُوراً ﴾: هلكى.
﴿ صَرْفاً وَلاَ نَصْراً ﴾ أي حيلة ولا نصرة. ويقال: صرفا: أي لا يستطيعون أن يصرفوا عن أنفسهم عذاب الله، ولا نصرا أي ولا انتصارا من الله عز وجل.
﴿ بُشْرَىٰ ﴾ وبشارة: إخبار بما يسر ﴿ حِجْراً ﴾: على ستة أوجه: حجر: حرام، قال الله عز وجل:﴿ وَحَرْثٌ حِجْرٌ ﴾[الأنعام: ١٣٨]، وقال تعالى: ﴿ وَيَقُولُونَ حِجْراً مَّحْجُوراً ﴾ أي حراما محرما عليكم الجنة. والحجر ديار ثمود، كقوله عز وجل﴿ وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحَابُ ٱلحِجْرِ ٱلْمُرْسَلِينَ ﴾[الحجر: ٨٠].
والحجر: العقل، كقوله عز وجل:﴿ هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِّذِى حِجْرٍ ﴾[الفجر: ٥].
والحجر: حجر الكعبة. والحجر: الفرس الأنثى، وحجر القميص وحجره لغتان، والفتح أفصح.
﴿ هَبَآءً مَّنثُوراً ﴾ يعني ما يدخل إلى البيت من الكوة مثل الغبار إذا طلعت فيها الشمس، وليس له مس ولا يرى في الظل.
﴿ وَأَحْسَنُ مَقِيلاً ﴾: من القائلة، وهي الاستسكانان في وقت انتصاف النهار. وجاء في التفسير أنه لا ينتصف النهار يوم القيامة حتى يستقر أهل الجنة في الجنة وأهل النار في النار فتحين القائلة وقد فرغ من الأمر فيقيل أهل الجنة في الجنة وأهل النار في النار.
﴿ مَهْجُوراً ﴾ أي متروكا لا يسمعونه. ويقال مهجورا: جعله بمنزلة الهجر؛ أي الهذيان.
﴿ ٱلرَّسِّ ﴾: أي المعدن، وكل ركية لم تطو فهي رس.
﴿ تَبَّرْنَا ﴾ أي أهلكنا.
﴿ أَرَأَيْتَ مَنِ ٱتَّخَذَ إِلَـٰهَهُ هَوَاهُ ﴾ أي ما تميل إليه نفسه.
﴿ مَدَّ ٱلظِّلَّ ﴾ أي من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس. ﴿ وَلَوْ شَآءَ لَجَعَلَهُ سَاكِناً ﴾ أي دائما لا يتغير، يعني لا شمس معه.
﴿ طَهُوراً ﴾ أي ماء نظيفا يطهر من توضأ به واغتسل من جنابة.
﴿ أَنَاسِيَّ كَثِيراً ﴾ أناسي جمع إنسي وهو واحد الإنس، جمعه على لفظه مثل كرسي وكراسي. والإنس جمع الجنس، يكون مطرح ياء النسبة مثل رومي وروم. ويجوز أن يكون أناسي جمع إنسان وتكون الياء بدلا من النون لأن الأصل أناسين بالنون مثل سراحين جمع سرحان فلما ألقيت النون من آخره عوضت الياء بدلا منها.
﴿ مَرَجَ ٱلْبَحْرَيْنِ ﴾ أي خلى بينهما؛ كما تقول مرجت الدابة إذا خليتها ترعى. ويقال مرج البحرين: خلطهما ﴿ فُرَاتٌ ﴾ أي أعذب العذوبة ﴿ أُجَاجٌ ﴾: أي ملح مر شديد الملوحة ﴿ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخاً ﴾ أي حاجزا.
﴿ صِهْراً ﴾: قرابة النكاح.
﴿ خِلْفَةً ﴾ أي يخلف هذا هذا، كقوله عز وجل: ﴿ جَعَلَ ٱلَّيلَ وَٱلنَّهَارَ خِلْفَةً ﴾ أي إذا ذهب هذا جاء هذا كأنه يخلفه. ويقال: جعل الليل والنهار خلفة، أي يخالف أحدهما صاحبه وقتا ولونا.
﴿ هَوْناً ﴾ أي مشيا رويدا: يعني بالسكينة والوقار. والهون أيضا: الرفق والدعة.
﴿ غَرَاماً ﴾ أي هلاكا. ويقال: عذابا لازما. ومنه فلان مغرم بالنساء إذا كان يحبهن ويلازمهن. ومنه الغريم الذي عليه الدين لأن الدين لازم له. والغريم أيضا: الذي له الدين لأنه يلزم الذي عليه الدين به. وقال الحسن في قوله عز وجل ﴿ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً ﴾: كل غريم مفارق غريمه إلا النار.
﴿ أَثَاماً ﴾ عقوبة والأثام: الإثم أيضا.
﴿ يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي ﴾ أي يبالي بكم.﴿ لِزَاماً ﴾ أي فيصلا، وهو من الأضداد؛ قال: لا زلت محتملا على صنيعة. حتى الممات تكون منك لزاما.
سورة الفرقان
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورةُ (الفُرْقان) من السُّوَر المكِّية التي تحدَّثتْ عن معجزةِ النبي صلى الله عليه وسلم، وما أيَّده اللهُ به؛ وهو هذا القرآنُ الكريم، ودلَّلت السورة على أن هذا الكتابَ جاء فُرْقانًا بين الحق والباطل؛ فلم يترُكْ خيرًا إلا دلَّ عليه، ولم يترُكْ شرًّا إلا حذَّر منه، وقد جاءت هذه السورة بشُبهاتِ الكفار والمعانِدين، ورَدَّتْها بما يؤيد صِدْقَ رسالته صلى الله عليه وسلم، وقد أقامت الحُجَّةَ على كلِّ مَن ترك الحقَّ ومال إلى الباطل؛ لأن اللهَ أوضَحَ طريقَ الحق، وأبانه أيَّما بيانٍ؛ فللهِ الحُجَّةُ البالغة!

ترتيبها المصحفي
25
نوعها
مكية
ألفاظها
897
ترتيب نزولها
42
العد المدني الأول
77
العد المدني الأخير
77
العد البصري
77
العد الكوفي
77
العد الشامي
77

* قوله تعالى: {وَاْلَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اْللَّهِ إِلَٰهًا ءَاخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ اْلنَّفْسَ اْلَّتِي حَرَّمَ اْللَّهُ إِلَّا بِاْلْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَۚ} [الفرقان: 68]:

عن عبدِ اللهِ بن مسعودٍ رضي الله عنه، قال: «سألتُ أو سُئِلَ رسولُ اللهِ ﷺ: أيُّ الذَّنْبِ عند اللهِ أكبَرُ؟ قال: «أن تَجعَلَ للهِ نِدًّا وهو خلَقَك»، قلتُ: ثم أيٌّ؟ قال: «ثم أن تقتُلَ ولَدَك خشيةَ أن يَطعَمَ معك»، قلتُ: ثم أيٌّ؟ قال: أن تُزَانِيَ بحَلِيلةِ جارِك»، قال: ونزَلتْ هذه الآيةُ تصديقًا لقولِ رسولِ اللهِ ﷺ: {وَاْلَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اْللَّهِ إِلَٰهًا ءَاخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ اْلنَّفْسَ اْلَّتِي حَرَّمَ اْللَّهُ إِلَّا بِاْلْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَۚ} [الفرقان: 68]». أخرجه البخاري (٤٧٦١).

وفيها سببٌ آخَرُ:

عن عبدِ اللهِ بن عباسٍ رضي الله عنهما: «أنَّ ناسًا مِن أهلِ الشِّرْكِ كانوا قد قتَلوا وأكثَروا، وزَنَوْا وأكثَروا، فأتَوْا مُحمَّدًا صلى الله عليه وسلم، فقالوا: إنَّ الذي تقولُ وتدعو إليه لَحسَنٌ، لو تُخبِرُنا أنَّ لِما عَمِلْنا كفَّارةً؛ فنزَلَ: {وَاْلَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اْللَّهِ إِلَٰهًا ءَاخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ اْلنَّفْسَ اْلَّتِي حَرَّمَ اْللَّهُ إِلَّا بِاْلْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَۚ} [الفرقان: 68]، ونزَلتْ: {قُلْ ‌يَٰعِبَادِيَ ‌اْلَّذِينَ ‌أَسْرَفُواْ عَلَىٰٓ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ اْللَّهِۚ} [الزمر: 53]». أخرجه البخاري (٤٨١٠).

* قوله تعالى: {إِلَّا ‌مَن ‌تَابَ ‌وَءَامَنَ ‌وَعَمِلَ ‌عَمَلٗا ‌صَٰلِحٗا فَأُوْلَٰٓئِكَ يُبَدِّلُ اْللَّهُ سَيِّـَٔاتِهِمْ حَسَنَٰتٖۗ وَكَانَ اْللَّهُ غَفُورٗا رَّحِيمٗا} [الفرقان: 70]:

عن سعيدِ بن جُبَيرٍ رحمه الله، قال: «قال ابنُ أَبْزَى: سَلِ ابنَ عباسٍ عن قولِه تعالى: {وَمَن ‌يَقْتُلْ مُؤْمِنٗا مُّتَعَمِّدٗا فَجَزَآؤُهُۥ جَهَنَّمُ خَٰلِدٗا فِيهَا} [النساء: 93]، وقولِه: {وَلَا ‌يَقْتُلُونَ ‌اْلنَّفْسَ ‌اْلَّتِي حَرَّمَ اْللَّهُ إِلَّا بِاْلْحَقِّ} [الفرقان: 68] حتى بلَغَ: {إِلَّا مَن تَابَ وَءَامَنَ} [الفرقان: 70]،  فسألْتُه، فقال: لمَّا نزَلتْ، قال أهلُ مكَّةَ: فقد عدَلْنا باللهِ، وقد قتَلْنا النَّفْسَ التي حرَّمَ اللهُ إلا بالحقِّ، وأتَيْنا الفواحشَ؛ فأنزَلَ اللهُ: {إِلَّا مَن تَابَ وَءَامَنَ وَعَمِلَ عَمَلٗا صَٰلِحٗا} إلى قولِه: {غَفُورٗا رَّحِيمٗا} [الفرقان: 70]». أخرجه البخاري (٤٧٦٥).

* سورة (الفُرْقان):

سُمِّيت سورةُ (الفُرْقان) بهذا الاسم؛ لذِكْرِ (الفُرْقان) في افتتاحها، وهو اسمٌ من أسماء القرآن الكريم.

تضمَّنتْ سورةُ (الفُرْقان) عِدَّة موضوعات؛ جاءت على النحو الآتي:

1. صفات الإلهِ الحقِّ، وعَجْزُ الآلهة المزيَّفة (١-٣).

2. شُبهاتهم حول القرآن، وردُّها (٤-٦).

3. شُبهاتهم حول الرسول، وردُّها (٧-١٠).

4. الدوافع الحقيقية وراء تكذيبهم (١١-١٩).

5. سُنَّة الله في اختيار المرسَلين، وعادة المكذِّبين (٢٠-٢٩).

6. شكوى الرسول من قومه، وتَسْليتُه (٣٠-٤٠).

7. الاستهزاء والسُّخْريَّة سلاح العاجز (٤١-٤٤).

8. الحقائق الكونية في القرآن من دلائل النُّبوة (٤٥-٥٥).

9. مهمة الرسول ونهجُه في دعوة المعانِدين (٥٦-٦٢).

10. ثمرات الرسالة الربانية (٦٣-٧٧).

ينظر: "التفسير الموضوعي للقرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (5 /270).

مقصدُ السُّورة الأعظم: إظهارُ شَرَفِ الداعي صلى الله عليه وسلم؛ بإنذارِ المكلَّفين عامةً بما له سبحانه من القدرة الشاملة، المستلزم للعلم التامِّ، المدلول عليه بهذا القرآنِ المبين، المستلزم لأنه لا موجودَ على الحقيقة سِوى مَن أنزله؛ فهو الحقُّ، وما سِواه باطلٌ.

وتسميتُها بـ(الفُرْقان) واضحُ الدَّلالة على ذلك؛ فإن الكتابَ ما نزل إلا للتفرقة بين الملتبِسات، وتمييزِ الحقِّ من الباطل؛ ليَهلِكَ مَن هلَك عن بيِّنة، ويَحيَى مَن حَيَّ عن بيِّنة؛ فلا يكون لأحدٍ على الله حُجَّةٌ، وللهِ الحُجَّة البالغة!

ينظر: "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور" للبقاعي (2 /317).