ﰡ
وَعلة التسكين أَنه حرف من حُرُوف التهجي، وَعند الْعَرَب أَن هَذَا يكون سَاكِنا، وَأما قِرَاءَة الْحسن فَمَعْنَاه: صَاد الْقُرْآن بعملك أَي: عَارضه بعملك، واما قِرَاءَة الْفَتْح فَمَعْنَاه: إِنَّك صَاد.
وَأما معنى " ص ": روى عَن ابْن عَبَّاس أَنه قَالَ: صدق مُحَمَّد، وَعَن الضَّحَّاك: صدق الله، وَقَالَ مُجَاهِد: هَذَا من فواتح السُّور، وَقَالَ قَتَادَة: اسْم من أَسمَاء الْقُرْآن، وَهُوَ قسم، وَذكر الْكَلْبِيّ أَن مَعْنَاهُ: والصادق الْمَعْنى على الْقسم.
وَقَوله: ﴿وَالْقُرْآن ذِي الذّكر﴾ أَي: ذِي الشّرف، وَقد قَالَ فِي مَوضِع آخر: ﴿لقد أنزلنَا إِلَيْكُم كتابا فِيهِ ذكركُمْ﴾ أَي: شرفكم.
وَقَوله: ﴿فِي عزة﴾ أَي: فِي حمية، قَالَ قَتَادَة: معنى قَوْله: ﴿عزة﴾ أَي: نفروا عَن قبُول الْحق، وتكبروا عَن الانقياد، وَأما الْقِرَاءَة بالغين فَهُوَ من الْغرُور والغفلة، وَقَوله: ﴿وشقاق﴾ أَي: عَدَاوَة وَاخْتِلَاف.
وَالْقَوْل الثَّالِث: أَن جَوَاب الْقسم مَحْذُوف، وَمَعْنَاهُ: صَاد وَالْقُرْآن ذِي الذّكر، لَيْسَ الْأَمر على مَا زَعَمُوا يَعْنِي: الْكفَّار.
وَقَوله: ﴿كم أهلكنا من قبلهم من قرن﴾ كم للتكثير، والقرن قد بَينا من قبل.
وَقَوله: ﴿فَنَادوا﴾ أَي: اسْتَغَاثُوا عِنْد الْهَلَاك، وَقَوله: ﴿ولات حِين مناص﴾ أَي: لَيْسَ حِين (فرار)، وَقيل: لَيْسَ حِين (مغاب)، وَيُقَال: نادوا وَلَيْسَ حِين نِدَاء.
" ولات " بِمَعْنى لَيْسَ لُغَة يَمَانِية، وَقيل: ضمت " التَّاء " إِلَى " لَا " للتَّأْكِيد، كَمَا يُقَال: ربت وثمت بِمَعْنى رب وَثمّ، وَقَالَ أهل اللُّغَة: ناص ينوص إِذا تَأَخّر، وباص يبوص إِذا تقدم، قَالَ الشَّاعِر:
(أَمن ذكر سلمى إِن نتك تنوص | فتقصر عَنْهَا خطْوَة حِين وتبوص) |
(طلبُوا صلحنا ولات أَوَان | فأجبنا أَن لَيْسَ حِين بَقَاء) |
(تذكر حب ليلى لات حينا | ويضحي الشيب قد قطع القرينا) |
(وَلَقَد غنوا فِيهَا بأنعم عيشة | فِي ظلّ ملك ثَابت الْأَوْتَاد) |
وَالْقَوْل الثَّالِث: أَن الْأَوْتَاد هِيَ الملاعب بالأرسان المشدودة بالأوتاد، وَقد كَانَ
وَقَوله: ﴿وَأَصْحَاب الأيكة﴾ أَي: الغيضة، وَقَوله: ﴿أُولَئِكَ الْأَحْزَاب﴾ يَعْنِي: الَّذين تحزبوا على الْأَنْبِيَاء.
وَقَوله: ﴿قبل يَوْم الْحساب﴾ ظَاهر، وَإِنَّمَا قَالُوا تَكْذِيبًا واستهزاء.
وَقَوله: ﴿وَاذْكُر عَبدنَا دَاوُد﴾ هُوَ دَاوُد بن إيشا، وَقد بَينا، قَوْله: ﴿ذَا الأيد﴾ أَي: ذَا الْقُوَّة، فَيُقَال: ذَا الْقُوَّة فِي الْعِبَادَة، وَيُقَال: ذَا الْقُوَّة فِي الْملك.
وَأما قَوْله فِي الْعِبَادَة؛ فقد كَانَ يَصُوم يَوْمًا وَيفْطر يَوْمًا، وَكَانَ يقوم سدس اللَّيْل وينام نصفه، وَيقوم ثلثه، وَقد ثَبت عَن النَّبِي أَنه قَالَ: " أحب الصّيام إِلَى الله تَعَالَى صِيَام دَاوُد، وَأحب الْقيام إِلَى الله قيام دَاوُد "، وَقَوله: ﴿إِنَّه أواب﴾ أَي: تواب، وَقيل: رجاع، فَقَالَ: آب يئوب إِذا رَجَعَ، قَالَ الشَّاعِر:
(وكل ذِي غيبَة يئوب | وغائب الْمَوْت لَا يئوب) |
وَقَوله: ﴿وَالْإِشْرَاق﴾ هُوَ وَقت الضُّحَى، وَعَن ابْن عَبَّاس قَالَ: مَا كنت أعرف معنى الْإِشْرَاق حَتَّى أَخْبَرتنِي أم هَانِئ رَضِي الله عَنْهَا أَن النَّبِي صلى صَلَاة الضُّحَى
وَالْقَوْل الثَّانِي: كل لَهُ أواب أَي: لداود يَعْنِي: أواب مَعَه.
والأواب هَا هُنَا هُوَ المسبح، وَالتَّسْبِيح هُوَ عبَادَة أهل السَّمَوَات وَالْأَرْض.
وَقَوله تَعَالَى: ﴿وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَة﴾ أَي: النُّبُوَّة، وَقيل: الْفِقْه فِي الدّين، وَيُقَال: الْفَهم فِي الْقَضَاء.
وَقَوله: ﴿وَفصل الْخطاب﴾ فِيهِ أَقْوَال:
أَحدهَا: الْبَيِّنَة على الْمُدَّعِي، وَالْيَمِين على من أنكر، وَهُوَ فصل الْخطاب، وَهَذَا قَول مَشْهُور ومعروف.
وَالْقَوْل الثَّانِي: أَن فصل الْخطاب هُوَ الْبَيَان الْفَاصِل بَين الْحق وَالْبَاطِل.
وَالْقَوْل الثَّالِث: أَن مَعْنَاهُ: أما بعد، ذكره الشّعبِيّ، وَإِنَّمَا سمي: أما بعد فصل الْخطاب؛ لِأَن الْإِنْسَان يذكر الله وَيَحْمَدهُ، فَإِذا شرع فِي كَلَام آخر قَالَ: أما بعد، فقد كَانَ كَذَا، وَكَانَ كَذَا.
وَقد ورد فِي الْقِصَّة: أَن رجلا أَتَى دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام وَادّعى أَن فلَانا اغتصب مِنْهُ بقرًا، فَدَعَا الْمُدَّعِي عَلَيْهِ، فَجحد؛ فَرَأى فِي الْمَنَام أَنه أَمر بقتل الْمُدعى عَلَيْهِ فَلم يفعل فَرَأى ثَانِيًا وثالثا وأنذر بِالْعَذَابِ إِن لم يفعل فَدَعَا الْمُدعى عَلَيْهِ وَأخْبرهُ أَن الله تَعَالَى أمره بقتْله؛ فَقَالَ: أَو حق هُوَ؟ قَالَ: نعم.
فَقَالَ: أتقتلني بِغَيْر حجَّة؟ فَقَالَ لَهُ: وَالله لأنفذن أَمر الله فِيك.
فَقَالَ: إِنِّي لم أقتل بِهَذَا، وَلَكِنِّي كنت اغتلت أَبَا هَذَا الرجل وقتلته، وَأقر بِهِ، فَقتله دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام فَلَمَّا رَأَتْ بَنو إِسْرَائِيل ذَلِك هابوه أَشد الهيبة، فَهِيَ معنى قَوْله ﴿وشددنا ملكه﴾.
(إِنِّي أرقت فَلم أغمض جاري | جزعا من النبأ الْعَظِيم السار) |
وَقَوله: ﴿إِذْ تسوروا الْمِحْرَاب﴾ أَي صعدوا وعلوا، وَالْمعْنَى: أَنهم دخلُوا من جَانب سور الْمِحْرَاب لَا من مدْخل الَّذِي يدْخل النَّاس.
واتفقت عَامَّة الْمُفَسّرين على أَن الَّذين دخلُوا كَانُوا ملكَيْنِ، وَقيل: إِنَّه كَانَ أَحدهمَا جِبْرِيل وَالْآخر مِيكَائِيل، وَذكر تسوروا بِلَفْظ الْجمع؛ لِأَن الْجمع يتَنَاوَل الِاثْنَيْنِ فَصَاعِدا.
وَقَوله: ﴿قَالُوا لَا تخف﴾ يَعْنِي: فَلَا تخف ﴿خصمان بغى بَعضهم على بعض﴾ فَإِن قيل: كَيفَ قَالَ: ﴿خصمان بغى بَعْضنَا على بعض﴾ وَلم يكن من الْملكَيْنِ من بغى أَحدهمَا على الآخر؟
وَالْجَوَاب عَنهُ أَن مَعْنَاهُ: أَرَأَيْت خصمين بغى أَحدهمَا على الآخر، فَهَذَا من معاريض الْكَلَام، وَلَيْسَ على معنى تَحْقِيق بغي أَحدهمَا على الآخر.
وَقيل مَعْنَاهُ: قَالَا: مَا قَوْلك فِي خصمين بغى أَحدهمَا على الآخر؟ وَهَذَا قريب من الأول، وَقَوله: ﴿فاحكم بَيْننَا بِالْحَقِّ﴾ أَي: بِالْعَدْلِ.
وَقَوله: ﴿وَلَا تشطط﴾ يُقَال: أشط يشط إِذا جَار، وشطا يشط إِذا أبعد، قَالَ الشَّاعِر:
(شطت مَزَار العاشقين، فَأَصْبَحت... عسرا عَليّ طلابك ابْنة مخرم) وَقَالَ عمر بن أبي ربيعَة:
﴿تشط غَدا دَار جيراننا | وللدار بعد غَد أبعد﴾ |
قَوْله تَعَالَى: ﴿إِن هَذَا أخي لَهُ تسع وَتسْعُونَ نعجة﴾ ذكر أهل التَّفْسِير أَن سَبَب ابتلاء دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام أَنه فتن بِامْرَأَة أوريا بن حنان، وَسبب ذَلِك أَن دَاوُد صلوَات الله عَلَيْهِ كَانَ قسم أَيَّامه، فَكَانَ يَخْلُو يَوْمًا لِلْعِبَادَةِ، ويخلو يَوْمًا لنسائه، وَيجْلس للْقَضَاء يَوْمًا مَعَ بني إِسْرَائِيل فيذاكرهم ويذاكرونه، فَجَلَسَ يَوْمًا مَعَ بني إِسْرَائِيل يذاكرهم، فذاكروا فتْنَة النِّسَاء، فأضمر دَاوُد فِي نَفسه أَنه إِن ابْتُلِيَ اعْتصمَ.
وَفِي بعض الْقَصَص: أَن الله تَعَالَى حذره يَوْمًا، وَقَالَ: هُوَ يَوْم فتنتك، وَفِي بَعْضهَا: أَنه سمع بني إِسْرَائِيل يَقُولُونَ فِي دعواتهم: يَا إِلَه إِبْرَاهِيم وَإِسْحَاق وَيَعْقُوب، فَأحب أَن يذكر مَعَهم، فَذكر ذَلِك لله تَعَالَى فِي مناجاته، فَقَالَ: يَا دَاوُد إِنِّي ابتليتهم فصبروا. فَقَالَ: لَو ابتليتني صبرت، فَقَالَ: يَا دَاوُد إِنِّي مبتليك يَوْم كَذَا، فَلَمَّا كَانَ ذَلِك الْيَوْم دخل فِي متعبده، وتخلى لِلْعِبَادَةِ، وَهَذَا الْوَجْه الثَّالِث غَرِيب، وَالْمَشْهُور مَا ذكرنَا من قبل، قَالُوا: وَلما كَانَ فِي ذَلِك الْيَوْم وتخلى لِلْعِبَادَةِ وَجعل يُصَلِّي وَيقْرَأ التَّوْرَاة وَالزَّبُور ويكب على قراءتهما، فَبَيْنَمَا هُوَ خلال ذَلِك؛ إِذْ سقط طير من ذهب قَرِيبا مِنْهُ، وَيُقَال: إِنَّه إِبْلِيس تصور فِي صُورَة طير، وَكَانَ جناحاه من الدّرّ والزبرجد، فأعجبه حسن الطير، فقصد أَن يَأْخُذهُ فتباعد مِنْهُ، وَجعل هُوَ يتبعهُ إِلَى أَن أسرف فِي اتِّبَاعه إِلَى دَار من دور جِيرَانه، فَرَأى امْرَأَة تَغْتَسِل، فأعجبه حسنها وخلقها، وَفتن بهَا، فَلَمَّا أحست الْمَرْأَة بِمن ينظر إِلَيْهَا؛ حللت شعرهَا، فغشاها شعرهَا؛ فازداد دَاوُد فتْنَة، وَرجع وَسَأَلَ عَن الْمَرْأَة؛ فَقيل: إِنَّهَا امْرَأَة أوريا بن حنان، فَكَانَ فِي ذَلِك الْوَقْت توجه غازيا إِلَى بعض الثغور، فَأحب أَن يقتل ويتزوج بامرأته، فَذكر بَعضهم أَن ذَنبه كَانَ هَذَا الْقدر.
وَذكر بَعضهم: انه كتب إِلَى أَمِير الْجَيْش أَن يَجْعَل أوريا قُدَّام التابوت، وَكَانَ من جعل قُدَّام التابوت فإمَّا أَن يقتل أَو يفتح الله على يَدَيْهِ، فَلَمَّا جعل قُدَّام التابوت قتل، فَتزَوج دَاوُد الْمَرْأَة بَعْدَمَا انْقَضتْ عدتهَا.
وروى مَسْرُوق عَن ابْن مَسْعُود، وَسَعِيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس أَنَّهُمَا قَالَا: كَانَ ذَنْب دَاوُد انه التمس من الرجل أَن ينزل عَن امْرَأَته، هَذَا قَول ابْن مَسْعُود، وَأما لفظ ابْن عَبَّاس: التمس أَن يتَحَوَّل لَهُ عَنْهَا.
قَالَ أهل التَّفْسِير: وَقد كَانَ ذَلِك مُبَاحا لَهُم غير أَن الله تَعَالَى لم يرض لَهُ بذلك، لِأَنَّهُ كَانَ ذَلِك رَغْبَة فِي الدُّنْيَا، وازدياد من النِّسَاء، وَقد أغناه الله تَعَالَى عَنْهَا بِمَا أعطَاهُ من غَيرهَا.
وَذكر بَعضهم: أَن ذَنبه كَانَ هُوَ أَنه خطب امْرَأَة، وَقد خطبهَا غَيره، فَدخل على خطْبَة غَيره، وَكَانَ ذَلِك مَنْهِيّا فِي شريعتهم، كَمَا هُوَ مَنْهِيّ فِي شريعتنا.
(فرميت غَفلَة عينه عَن شاته | فَأَصَبْت حَبَّة قلبه وطحالها) |
وَقد رُوِيَ عَن النَّبِي أَنه قَالَ: " مَا أبقت الْفَرَائِض فَلأولى رجل ذكر " فَقَوله: " ذكر " مَذْكُور على وَجه التَّأْكِيد.
وَقيل: يجوز أَن يُقَال: تِسْعَة وَتسْعُونَ نعجة، وَإِن كَانَ فِي خلالها ذكر، فَلَمَّا قَالَ: تِسْعَة وَتسْعُونَ نعجة أُنْثَى، عرف قطعا أَنه لَيْسَ فِي خلالها ذكر.
وَقَوله: ﴿ولي نعجة وَاحِدَة﴾ فِي التَّفْسِير: أَنه كَانَ لأوريا امْرَأَة وَاحِدَة، ولداود تِسْعَة وَتسْعُونَ امْرَأَة، فَهَذَا هُوَ المعني بالنعاج والنعجة.
وَقَوله: ﴿فَقَالَ أكفلنيها﴾ أَي: ضمهَا إِلَيّ: وَقيل: انْزِلْ لي عَنْهَا، وَقيل: اجْعَلنِي قيمها وكفيلا بأمرها.
وَقَوله: ﴿وعزني فِي الْخطاب﴾ أَي: غلبني فِي الْخطاب، وقهرني فِي الْخطاب أَي:
وَحَقِيقَة الْمَعْنى: أَن الْغَلَبَة كَانَت لَهُ لضعفي فِي يَده، وَإِن كَانَ الْحق معي، وَعَن مُجَاهِد قَالَ: تحدث بَنو إِسْرَائِيل عِنْد دَاوُد أَنه لَا يمْضِي على ابْن آدم يَوْمًا إِلَّا ويذنب فِيهِ ذَنبا، واعتقد دَاوُد صلوَات الله عَلَيْهِ أَنه يحفظ نَفسه من الذَّنب، وَعين يَوْمًا، فَلَمَّا كَانَ ذَلِك الْيَوْم تخلى فِي متعبده، وَجعل يُصَلِّي ويسبح، وَيقْرَأ التَّوْرَاة وَالزَّبُور، فابتلي بِمَا ابْتُلِيَ بِهِ على مَا ذكرنَا.
وَعَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ: من زعم أَن دَاوُد ارْتكب محرما من تِلْكَ الْمَرْأَة جلدته مائَة وَسِتِّينَ جلدَة، يَعْنِي ضعف مَا يجلد الْإِنْسَان فِي غَيره.
الْجَواب عَنهُ: أَن يحْتَمل لقد ظلمك بِمُجَرَّد قَوْله، وَلم يكن صَاحبه أقرّ بذلك، وَيحْتَمل أَنه قَالَ: إِن كَانَ الْأَمر على مَا ذكرت فقد ظلمك بسؤاله نعجتك إِلَى نعاجه، وَفِي الْآيَة حذف، والمحذوف بسؤاله أَن تضم نعجتك إِلَى نعاجه، وَقد ثَبت عَن ابْن عَبَّاس أَنه كَانَ سَأَلَ زوج الْمَرْأَة أَن ينزل لَهُ عَن امْرَأَته، رَوَاهُ سعيد بن جُبَير عَنهُ.
وَقَوله: ﴿وَإِن كثيرا من الخلطاء﴾ أَي: من الشُّرَكَاء، يُقَال: هَذَا خليطي أَي: شَرِيكي، وَقَوله: ﴿ليبغي بَعضهم على بعض﴾ أَي: يظلم بَعضهم بَعْضًا.
وَقَوله: ﴿إِلَّا الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات﴾ يَعْنِي: أَنهم لَا يظلم بَعضهم بَعْضًا، وَقَوله: ﴿وَقَلِيل مَا هم﴾ أَي: وَقيل هم، و " مَا " صلَة.
وَقَوله: ﴿وَظن دَاوُد أَنما فتناه﴾ أَي: وأيقن دَاوُد أَنما فتناه أَي: ابتليناه، وأوقعناه فِي الْفِتْنَة، وَقُرِئَ: " إِنَّمَا فتناه " بِالتَّخْفِيفِ، يَعْنِي: أَن الْملكَيْنِ فتناه.
وَقَوله: ﴿وأناب﴾ أَي: رَجَعَ وَتَابَ، قَالَ مُجَاهِد: مكث دَاوُد سَاجِدا أَرْبَعِينَ يَوْمًا لَا يرفع رَأسه. وَيُقَال: مكث فِي السُّجُود وَبكى حَتَّى نبت العشب حول رَأسه.
وَذكر النقاش فِي تَفْسِيره: أَن الله تَعَالَى بعث إِلَيْهِ ملكا بعد أَرْبَعِينَ يَوْمًا أَن أرفع رَأسك، فَلم يرفع، فَقَالَ لَهُ الْملك: أَيهَا العَبْد، أول أَمرك ذَنْب وَآخره مَعْصِيّة، ارْفَعْ رَأسك حِين أَمرك رَبك.
وَذكر وهب بن مُنَبّه: أَن دَاوُد صلوَات الله عَلَيْهِ لم يشرب بعد ذَلِك مَاء، إِلَّا وَقد مزجه بدموعه، وَلم يَأْكُل طَعَاما إِلَّا وَقد بله بدموعه، وَلم ينم على فرَاش إِلَّا وَقد غرقه بدموعه.
وَأم حكم السُّجُود فِي هَذِه الْآيَة، فَذكر بَعضهم: أَنَّهَا سَجْدَة شكر، وَذكر بَعضهم: أَنَّهَا سَجْدَة عَزِيمَة، وَقد روى الشَّافِعِي رَحمَه الله بِإِسْنَادِهِ عَن عبد الله بن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ أَنه كَانَ لَا يسْجد فِي " سُورَة ص " وَيَقُول: إِنَّهَا تَوْبَة نَبِي.
وَفِي بعض التفاسير: أَن دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام لما قَالَ مَا قَالَ ضحك أحد الْملكَيْنِ إِلَى صَاحبه، ثمَّ ارتفعا إِلَى السَّمَاء، فَعلم دَاوُد أَنَّهُمَا أراداه بذلك القَوْل وأنهما ملكان مبعوثان من قبل الله تَعَالَى فَحِينَئِذٍ وَقع على الأَرْض سَاجِدا.
وَفِي الْقِصَّة: أَن الوحوش والطيور كَانَ تستمع إِلَى قراءاته وتصغي إِلَيْهَا، فَلَمَّا فعل مَا فعل، [كَانَ] يقْرَأ الزبُور بعد ذَلِك، وَلَا تصغي الطُّيُور وَلَا الوحوش إِلَى ذَلِك،
وَقَوله: ﴿وَإِن لَهُ عندنَا لزلفى﴾ أَي: قربى ﴿وَحسن مآب﴾ أَي: حسن مرجع ومنقلب، وَفِي بعض التفاسير: أَن دَاوُد صلوَات الله عَلَيْهِ يحْشر وخطيئته منقوشة فِي كَفه، فحين يَرَاهَا؛ يَقُول: يَا رب، مَا أرى خطيئتي إِلَّا مهلكي، فَيَقُول الله تَعَالَى لَهُ: إِلَيّ يَا دَاوُد، فَهُوَ معنى قَوْله تَعَالَى: ﴿وَإِن لَهُ عندنَا لزلفى وَحسن مآب﴾ وأنشدوا فِي الرُّكُوع بِمَعْنى السُّجُود على مَا بَينا شعرًا:
(فَخر على وَجهه رَاكِعا | وَتَابَ إِلَى الله من كل ذَنْب) |
(ألف الصفون فَمَا يزَال كَأَنَّهُ | مِمَّا يقوم على الثَّلَاث كسيرا) |
وروى أَن زيد الْخَيل الطَّائِي وَفد إِلَى النَّبِي فَقَالَ لَهُ النَّبِي: " من أَنْت؟ فَقَالَ: أَنا زيد الْخَيل. فَقَالَ: أَنْت زيد الْخَيْر ".
وَالْقَوْل الثَّانِي: أَن الْخَيْر هَا هُنَا هُوَ الدُّنْيَا أَي: آثرت الدُّنْيَا على ذكر رَبِّي أَي: صَلَاة الْعَصْر.
قَوْله: ﴿حَتَّى تَوَارَتْ بالحجاب﴾ أَي: تَوَارَتْ الشَّمْس بالحجاب، فكنى عَن الشَّمْس وَإِن لم يجر لَهَا ذكر، وَقد بَينا مِثَال هَذَا، وَيُقَال: قد سبق مَا يدل على ذكر الشَّمْس، فاستقامت الْكِنَايَة عَنْهَا، وَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: ﴿إِذْ عرض عَلَيْهِ بالْعَشي﴾ والعشي لَا يعرف إِلَّا بالشمس.
وَأما الْحجاب، فَيُقَال: إِنَّه جبل قَاف، وَالشَّمْس تغرب من وَرَائه، وَيُقَال: إِنَّه جبل من ياقوت أَخْضَر، وخضرة السَّمَاء مِنْهُ.
قَالَ الْحسن: كسف عراقيبها وَضرب أعناقها، قَالَ الزّجاج: وَيجوز أَن يكون الله تَعَالَى أَبَاحَ لَهُ فِي ذَلِك الْوَقْت وَحرم فِي هَذَا الْوَقْت علينا وَلم يكن ليقدم نَبِي الله تَعَالَى على ذَلِك، وَهُوَ محرم عَلَيْهِ، وَكَيف يسْتَغْفر من ذَنْب بذنب؟ !.
وَعَن ابْن عَبَّاس فِي بعض الرِّوَايَات: أَن سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام جعل يمسح عراقيبها وأعناقها بِيَدِهِ وثوبه؛ شَفَقَة عَلَيْهَا، وَهَذَا قَول ضَعِيف، وَلَا يَلِيق هَذَا الْفِعْل بِمَا سبق، وَالْمَشْهُور هُوَ القَوْل الأول.
وَذكر الْكَلْبِيّ: أَن الْخَيل كَانَت ألفا، فَقتل مِنْهَا تِسْعمائَة وَبقيت مائَة، فَهِيَ أصل الْخَيل الْعتاق الَّتِي بقيت فِي أَيدي النَّاس.
وَيُقَال: إِنَّهَا كَانَت خيلا أَخذهَا من العمالقة، وَكَانَت تعرض عَلَيْهِ؛ فَغَفَلَ عَن صَلَاة الْعَصْر حَتَّى غربت الشَّمْس، فَأمر بردهَا عَلَيْهِ، وَقطع عراقيبها، وَضرب أعناقها؛ لِأَنَّهَا ألهته عَن ذكر الله، وَيُقَال: ذَبحهَا ذبحا وَتصدق بِلُحُومِهَا، وَكَانَ الذّبْح حَلَالا فِي شَرِيعَته على ذَلِك الْوَجْه.
وَقَوله: ﴿وألقينا على كرسيه جسدا ثمَّ أناب﴾ ذهب أَكثر الْمُفَسّرين إِلَى أَن الْجَسَد الَّذِي ألقِي على كرْسِي سُلَيْمَان هُوَ صَخْر الجني.
قَالَ السّديّ: كَانَ اسْمه حبقيق، وَعَن بَعضهم: ان اسْمه كَانَ آصف، وَالْمَعْرُوف هُوَ الأول، وَقد رُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا.
وَأما قصَّته: فزعموا أَن صخرا كَانَ شَيْطَانا ماردا لَا يقوى عَلَيْهِ أحد، فَابْتلى الله تَعَالَى سُلَيْمَان بِهِ، وسلبه ملكه، وَقعد هَذَا الشَّيْطَان على كرسيه يقْضِي بَين النَّاس، وَكَانَ سَبَب ذَلِك فِيمَا زَعَمُوا أَن ملك سُلَيْمَان كَانَ فِي خَاتمه، قَالَ وهب: وَكَانَ ذَلِك الْخَاتم فَمَا ألبسهُ الله تَعَالَى آدم عَلَيْهِ السَّلَام فِي الْجنَّة، وَكَانَ يضيء كضوء الشَّمْس، فَلَمَّا أكل آدم من الشَّجَرَة، وَعصى الله تَعَالَى سلب الْخَاتم.
ثمَّ إِن الله تَعَالَى أنزلهُ على سُلَيْمَان، وَعقد بِهِ ملكه، قَالُوا: وَكَانَ الْخَاتم مربعًا لَهُ أَرْبَعَة أَرْكَان، فِي ركن مِنْهُ مَكْتُوب: أَنا الله لم أزل، وَفِي الرُّكْن الثَّانِي مَكْتُوب: أَنا الله الْحَيّ القيوم، وَفِي الرُّكْن الثَّالِث مَكْتُوب: أَنا الْعَزِيز لَا عَزِيز غَيْرِي، وَفِي الرُّكْن الرَّابِع مَكْتُوب: مُحَمَّد رَسُول الله.
وَيُقَال: كَانَ الْمَكْتُوب عَلَيْهِ آيَة الْكُرْسِيّ، قَالُوا: وَكَانَ سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام إِذا دخل مغتسله سلم الْخَاتم إِلَى جَارِيَة لَهُ، فَدخل مرّة وَسلم الْخَاتم إِلَى الْجَارِيَة، فجَاء صَخْر فِي صُورَة سُلَيْمَان فَأخذ الْخَاتم من الْجَارِيَة، وَخرج سُلَيْمَان يطْلب الْخَاتم، فَقَالَت: قد أخذت مني الْخَاتم مرّة، فَعلم [سُلَيْمَان] أَن الله تَعَالَى سلبه ملكه.
وَذهب سُلَيْمَان يسيح فِي الأَرْض، وَلم يعرفهُ أحد بصورته، وَكَانَ يستطعم النَّاس
وَيُقَال: إِنَّه كَانَ على شط الْبَحْر، فَجَاءَت موجة وحملت الكسرة، فَدخل هُوَ الْبَحْر فِي إثْرهَا حَتَّى خَافَ الْغَرق فَرجع وَرجعت الكسرة ثمَّ إِنَّه طمع فِيهَا وَذهب ليأخذها، فَذَهَبت الكسرة، هَكَذَا مَرَّات؛ فَبكى سُلَيْمَان وتضرع إِلَى الله تَعَالَى فرحمه الله تَعَالَى ورد إِلَيْهِ ملكه.
وَكَانَ سَبَب رد ملكه إِلَيْهِ أَنه مر على قوم صيادين؛ فَسَأَلَهُمْ شَيْئا ليأكله فَأَعْطوهُ سَمَكَة ميتَة، فشق جوفها، فَوجدَ خَاتِمَة فِيهَا، فَجعله فِي إصبعه، وَعَاد إِلَيْهِ ملكه، وعكفت الطير فِي الْوَقْت على رَأسه، وَاجْتمعَ إِلَيْهِ الْإِنْس وَالْجِنّ وَالشَّيَاطِين.
وَأما مُدَّة ذهَاب ملكه كَانَ [أَرْبَعِينَ] يَوْمًا، وَأما حَدِيث صَخْر الجني فَإِنَّهُ لما أَخذ الْخَاتم، وَقد تحول فِي صُورَة سُلَيْمَان، ذهب وَقعد على كرسيه، وَجعل ينفذ مَا كَانَ ينفذهُ سُلَيْمَان إِلَّا أَن الله تَعَالَى مَنعه نسَاء سُلَيْمَان، هَكَذَا رُوِيَ عَن الْحسن.
وَقد ذكر غَيره أَنه كَانَ يُصِيب من نسَاء سُلَيْمَان فِي الْحيض، وَذكر أَنه يُصِيب فِي الْحيض وَغير الْحيض، وَالله أعلم.
وَاخْتلف القَوْل فِي أَنه هَل بَقِي مَعَه الْخَاتم أَولا؟ فأحد الْقَوْلَيْنِ: أَنه ذهب وَطرح الْخَاتم فِي الْبَحْر.
وَالْقَوْل الآخر: أَنه كَانَ مَعَه، وَالْقَوْل الْأَشْهر أولى وَأعرف.
وَذكر النقاش فِي تَفْسِيره: أَن بني إِسْرَائِيل أَنْكَرُوا أَمر صَخْر الجني؛ لِأَنَّهُ كَانَ يقْضِي بِغَيْر الْحق؛ فَذَهَبُوا إِلَى نسَاء سُلَيْمَان، وَقَالُوا لَهُنَّ: تنكرون من أَمر سُلَيْمَان شَيْئا، فَقُلْنَ: نعم؛ فَحِينَئِذٍ وَقع فِي قلبهم أَن سُلَيْمَان قد ابْتُلِيَ، وَأَن الله تَعَالَى سلبه ملكه، وَأَن الشَّخْص الَّذِي على الْكُرْسِيّ شَيْطَان.
وَفِي التَّفْسِير: أَن الله تَعَالَى لما رد على سُلَيْمَان ملكه، أَمر الشَّيَاطِين يطْلب صَخْر، فوجدوه وَحَمَلُوهُ إِلَى سُلَيْمَان؛ فصفده بالحديد، وَجعله فِي صندوق، وألقاه فِي الْبَحْر، فَهُوَ فِي الْبَحْر إِلَى يَوْم الْقِيَامَة.
وَأما السَّبَب [الَّذِي] ابْتُلِيَ الله لأَجله سُلَيْمَان، فَفِيهِ أَقْوَال كَثِيرَة:
أَحدهَا: أَن الله تَعَالَى كَانَ أمره أَلا يتَزَوَّج امْرَأَة من غير بني إِسْرَائِيل، فَخَالف وَتزَوج امْرَأَة من غَيرهم، فابتلاه الله تَعَالَى بِمَا ذكرنَا.
وَالْقَوْل الثَّانِي: أَنه تزوج بِامْرَأَة؛ فعبدت الْمَرْأَة صنما فِي دَاره من غير أَن يشْعر سُلَيْمَان بذلك، فابتلاه الله تَعَالَى لِغَفْلَتِه، وَهَذَا قَول مَشْهُور.
وَالْقَوْل الثَّالِث: أَنه كَانَت عِنْده امْرَأَة، وَكَانَ يُحِبهَا حبا شَدِيدا، فخاصم أَخُوهَا إِلَى سُلَيْمَان فِي شَيْء مَعَ إِنْسَان، فطلبت الْمَرْأَة من سُلَيْمَان أَن يقْضِي لأَخِيهَا؛ فَقَالَ لَهَا: نعم، وَلم يفعل ذَلِك، فابتلاه الله تَعَالَى.
وَالْقَوْل الرَّابِع: أَنه احتجب من النَّاس ثَلَاثَة أَيَّام، وَلم ياذن لأحد، ذكره شهر بن حَوْشَب، وابتلاه الله تَعَالَى بِمَا ذكرنَا، وَأوحى الله تَعَالَى يَا سُلَيْمَان، إِنِّي إِنَّمَا بَعَثْتُك وأعطيتك هَذَا الْملك؛ لتنصف المظلومين، وَتَكون عونا للضعفاء على الأقوياء، وَلم أعطك لتحتجب عَن النَّاس.
وَالْقَوْل الْخَامِس: أَنه قَالَ مرّة: وَالله لأطوفن اللَّيْلَة على نسَائِي، وَكَانَ لَهُ ثلثمِائة امْرَأَة، وَسَبْعمائة سَرِيَّة، ولتحملن كل امْرَأَة مِنْهُنَّ، وتلد غُلَاما يُقَاتل فِي سَبِيل الله، فَقَالَ لَهُ الْملك: قل إِن شَاءَ الله، فَلم يقل، فَلم تحمل امْرَأَة مِنْهُنَّ إِلَّا امْرَأَة وَاحِدَة حملت، فَولدت نصف إِنْسَان، وابتلاه الله تَعَالَى.
وَالْقَوْل السَّادِس: مَا رُوِيَ عَن الْحسن قَالَ: إِنَّه كَانَ أصَاب من بعض نِسَائِهِ فِي حَالَة الْحيض، فابتلاه الله تَعَالَى بِمَا ذكرنَا، وَالله أعلم بِمَا كَانَ، وَلَا شكّ أَن الْآيَة تدل على أَن الله تَعَالَى قد أقعد على كرسيه غَيره، وسلبه شَيْئا كَانَ لَهُ.
وَقَوله: ﴿ثمَّ أناب﴾ أَي: رَجَعَ إِلَى ملكه.
وَالْجَوَاب: أَن معنى قَوْله: ﴿لَا يَنْبَغِي لأحد من بعدِي﴾ أَي: لَا يكون لأحد من بعدِي على معنى انك تسلبه وتعطيه غَيره، كَمَا سلبت من قبل ملكي وَأعْطيت صخرا.. الْخَبَر.
وَيُقَال: إِنَّمَا طلب ذَلِك لتظهر كرامته وخصوصيته عِنْد الله تَعَالَى وَقد ثَبت بِرِوَايَة أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي أَنه قَالَ: " عرض لي اللَّيْلَة شَيْطَان، وَأَرَادَ أَن يفْسد عَليّ صَلَاتي؛ فأمكنني الله تَعَالَى مِنْهُ، فَأَخَذته وَأَرَدْت أَن أربطه حَتَّى تصبحوا فتنظروا إِلَيْهِ، ثمَّ ذكرت قَول أخي سُلَيْمَان ﴿رب هَب لي ملكا لَا يَنْبَغِي لأحد من بعدِي﴾ فتركته، ورده الله خائبا خاسئا ".
وَقَوله: ﴿إِنَّك أَنْت الْوَهَّاب﴾ أَي: الْمُعْطِي.
وَقَوله: ﴿حَيْثُ أصَاب﴾ مَعْنَاهُ: حَيْثُ أَرَادَ، وَيُقَال: إِنَّه كَانَ يَغْدُو بإيلياء، ويقيل بقزوين، ويبيت بِبَابِل، وَالْعرب تَقول: أصَاب الصَّوَاب فاخطأ الْجَواب أَي: أَرَادَ الصَّوَاب فَأَخْطَأَ الْجَواب وَقَالَ الشَّاعِر:
(وَغَيرهَا مَا غير النَّاس قبلهَا | فناءت وحاجات الْفُؤَاد تصيبها) |
وَقَوله: ﴿أَو امسك﴾ أَي: امْنَعْ من شِئْت ﴿بِغَيْر حِسَاب﴾ أَي: بِغَيْر حرج.
وَالْقَوْل الثَّانِي: ﴿هَذَا عطاؤنا﴾ أَي: تسخير الشَّيَاطِين.
وَقَوله: ﴿فَامْنُنْ أَو أمسك﴾ أَي: أرسل من شِئْت، واحبس من شِئْت.
وَالْقَوْل الثَّالِث: ﴿هَذَا عطاؤنا﴾ أَي: النسْوَة عطاؤنا. وَقَوله: ﴿فَامْنُنْ أَو أمسك﴾ أَي: طلق من شِئْت، واحبس من شِئْت ﴿بِغَيْر حِسَاب﴾ أَي: بِغَيْر حرج،
وَقد بَينا قصَّة أَيُّوب من قبل وَمَا أَصَابَهُ من الْبلَاء، وَذكرنَا مُدَّة بلائه، وَيُقَال: إِنَّه مكث فِي الْبلَاء سبع سِنِين وَسَبْعَة أشهر وَسَبْعَة أَيَّام، وَكَانَت الدَّوَابّ تجْرِي فِي جسده، وَقد ألْقى على مزبلة، وتأذى مِنْهُ قومه غَايَة الْأَذَى.
وَقَوله: ﴿وَمثلهمْ مَعَهم﴾ يُقَال: [إِنَّهُم كَانُوا سَبْعَة] بَنِينَ، وَثَلَاث بَنَات فَأعْطَاهُ الله تَعَالَى مثل عَددهمْ، وردهم الله بأعيانهم.
وَقَوله: ﴿رَحْمَة منا وذكرى لأولي الْأَلْبَاب﴾ أَي: لأولي الْعُقُول.
قَوْله: ﴿فَاضْرب بِهِ وَلَا تَحنث﴾ يَعْنِي: فَاضْرب بِهِ امْرَأَتك، وَلَا تَحنث فِي يَمِينك، وَكَانَ سَبَب يَمِينه أَن الْمَرْأَة أَتَتْهُ بِطَعَام يَوْمًا أَكثر مِمَّا كَانَت تَأتيه كل يَوْم؛ فاتهمها بخيانة فِي نَفسهَا، وَكَانَت بريئة، فَحلف ليضربنها [مائَة] سَوط إِذا برأَ من مَرضه.
وَيُقَال: إِن إِبْلِيس قعد على طَرِيق الْمَرْأَة طَبِيبا يداوي النَّاس، فمرت بِهِ الْمَرْأَة، وَقَالَت: إِن لي مَرِيضا وَأحب أَن تداويه، فَقَالَ لَهَا: أَنا أداويه، فَلَا أُرِيد شَيْئا سوى أَن يَقُول إِذا شفيته: أَنْت شفيتني، فَجَاءَت إِلَى أَيُّوب وَذكرت لَهُ ذَلِك، فَعرف أَنه كَانَ إِبْلِيس اللعين، فَغَضب وَحلف على مَا ذكرنَا.
وَيُقَال: إِنَّهَا باعت ذؤابتيها بِرَغِيفَيْنِ لطعامه، فَلَمَّا رأى ذَلِك أَيُّوب عَلَيْهِ السَّلَام غضب وَحلف، وَهَذَا قَول غَرِيب.
وَقَوله: ﴿فَاضْرب بِهِ وَلَا تَحنث﴾ يَعْنِي: فَاضْرب بالضغث الَّذِي يشْتَمل على مائَة عود صغَار ﴿وَلَا تَحنث﴾ أَي: وَلَا تدع الضَّرْب فتحنث، قَالَ مُجَاهِد: هَذَا لأيوب خَاصَّة، وَقَالَ عَطاء: لَهُ وَلِلنَّاسِ عَامَّة.
وَقَوله: ﴿إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نعم العَبْد إِنَّه أواب﴾ أَي: رجاع إِلَى طَاعَة الله. وَفِي الْقِصَّة: أَن أَيُّوب قيل لَهُ: مَا أَشد مَا مر عَلَيْك فِي بلائك؟ فَقَالَ: شماتة الْأَعْدَاء.
وَقَوله: ﴿أولي الْأَيْدِي والأبصار﴾ مَعْنَاهُ: أولي الْقُوَّة فِي الطَّاعَة، وأولي الْأَبْصَار
وَقيل: إِن ذكرى الدَّار بدل عَن قَوْله: ﴿خَالِصَة﴾ على هَذِه الْقِرَاءَة، وَأما الْقِرَاءَة بِالْإِضَافَة، [فمعناها] : أخلصناهم بِأَفْضَل مَا فِي الْآخِرَة، حكى هَذَا عَن أبي زيد، وَقَالَ مُجَاهِد: أخلصناهم مَا ذكرنَا بِالْجنَّةِ لَهُم.
وَعَن مَالك بن دِينَار قَالَ ابْن عَبَّاس: أزلنا عَن قُلُوبهم حب الدُّنْيَا وَذكرهَا وأخلصناهم بحب الْآخِرَة وَذكرهَا، وَعَن بَعضهم: وأخلصناهم عَن الْآفَات والعاهات، وجعلناهم يذكرُونَ الدَّار الْآخِرَة، وَالْأولَى فِي قَوْله: ﴿أخلصناهم﴾ أَي: جعلناهم مُخلصين بِمَا أخبرنَا عَنْهُم،
(من القاصرات الطّرف لَو دق محول | من الذَّر فَوق الإتب مِنْهَا لأثرا) |
(لما اكتست من ضرب كل شكل | حمرا وخضرا كاخضرار البقل) |
فأحد الْقَوْلَيْنِ: الفوج الأول هم بَنو إِسْرَائِيل، والفوج الثَّانِي هم بَنو آدم، وَيُقَال: الفوج الأول هم الرؤساء والقادة، والفوج الثَّانِي هم الأتباع.
وَقَوله: ﴿لَا مرْحَبًا بهم﴾ الرحب هُوَ السعَة، وَقَول الْقَائِل: لَا مرْحَبًا بفلان أَي: لَا رَحبَتْ أَي: لَا اتسعت عَلَيْهِ، قَالَ الشَّاعِر:
(إِذا جِئْت بوابا لَهُ قَالَ مرْحَبًا | أَلا مرْحَبًا ناديك غير مضيق) |