تفسير سورة الصف

تفسير السمعاني

تفسير سورة سورة الصف من كتاب تفسير السمعاني المعروف بـتفسير السمعاني.
لمؤلفه أبو المظفر السمعاني . المتوفي سنة 489 هـ

بسم الله الرحمن الرحيم

تفسير سورة الصف وهي مدنية.

قَوْله تَعَالَى: ﴿سبح لله مَا فِي السَّمَوَات وَمَا فِي الأَرْض﴾ قد بَينا معنى هَذِه الْآيَة. وَفِي بعض الْأَخْبَار: أَن أحب الْكَلَام إِلَى الله تَعَالَى سُبْحَانَ الله، ولحبه هَذِه الْكَلِمَة ألهمها أهل السَّمَوَات وَالْأَرْض.
وَقَوله: ﴿وَهُوَ الْعَزِيز الْحَكِيم﴾ قد بَينا.
قَوْله تَعَالَى: ﴿يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لم تَقولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ﴾ قَالَ ابْن عَبَّاس: اجْتمع أَصْحَاب رَسُول الله وتذاكروا الْبَعْث وَأمر الْآخِرَة ثمَّ قَالُوا: لَو علمنَا مَا يُحِبهُ الله فَفَعَلْنَا وَلَو نبذل نفوسنا. وَفِي رِوَايَة: أَن عبد الله بن رَوَاحَة كَانَ يَقُول لمن يلقاه: تعال نؤمن سَاعَة، وَنَذْكُر الله تَعَالَى، وَيَقُول: وددت أَن لَو عرفت مَا يُحِبهُ الله فأفعله؛ فَلَمَّا فرض الله الْجِهَاد وَأمرهمْ ببذل النَّفس وَالْمَال، وَكتب عَلَيْهِم الْقِتَال أَحبُّوا الْحَيَاة وكرهوا الْقِتَال، فَأنْزل الله تَعَالَى قَوْله: ﴿يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لم تَقولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ﴾ وَعَن قَتَادَة: أَن أَصْحَاب رَسُول الله لما فروا يَوْم أحد إِلَّا نَفرا يَسِيرا مِنْهُم أنزل الله تَعَالَى هَذِه الْآيَة. وَالْآيَة وَإِن كَانَت عَامَّة فَإِنَّهَا فِي بعض الصَّحَابَة دون الْبَعْض، فَإِن الله تَعَالَى قَالَ فِي مَوضِع آخر: ﴿من الْمُؤمنِينَ رجال صدقُوا وَمَا عَاهَدُوا الله عَلَيْهِ فَمنهمْ من قضى نحبه وَمِنْهُم من ينْتَظر وَمَا بدلُوا تبديلا﴾ وَهَذَا دَلِيل ظَاهر على أَن الْآيَة فِي هَذِه السُّورَة لم ترد فِي حق جَمِيعهم على الْعُمُوم. وَفِي التَّفْسِير: أَن عبد الله بن رَوَاحَة قَالَ: لما نزلت آيَة الْجِهَاد حبست نَفسِي فِي سَبِيل الله، ثمَّ إِنَّه لما خرج إِلَى غَزْوَة مُؤْتَة، " وَكَانَ النَّبِي أَمر زيد بن حَارِثَة، فَإِن
424
﴿يحب الَّذين يُقَاتلُون فِي سَبيله صفا كَأَنَّهُمْ بُنيان مرصوص (٤) وَإِذ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قوم لم تؤذونني وَقد تعلمُونَ أَنِّي رَسُول الله إِلَيْكُم فَلَمَّا زاغوا أزاغ الله قُلُوبهم وَالله لَا يهدي الْقَوْم الْفَاسِقين (٥) وَإِذ قَالَ عِيسَى ابْن مَرْيَم يَا بني إِسْرَائِيل إِنِّي رَسُول الله﴾ اسْتشْهد فجعفر بن أبي طَالب، فَإِن اسْتشْهد فعبد الله بن رَوَاحَة [قَالَ: فاستشهد زيد] بن حَارِثَة، ثمَّ أَخذ الرَّايَة جَعْفَر فاستشهد، ثمَّ أَخذ الرَّايَة عبد الله بن رَوَاحَة فاستشهد، ثمَّ إِنَّه أَخذ الرَّايَة خَالِد بن الْوَلِيد وَقَاتل حَتَّى رَجَعَ بِالْمُسْلِمين ".
425
وَقَوله: ﴿كبر مقتا عِنْد الله﴾ أَي: بغضا ﴿أَن تَقولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ﴾ وَالْمعْنَى: أَن الله تَعَالَى يبغض من يَقُول شَيْئا وَلَا يفعل.
قَوْله تَعَالَى: ﴿إِن الله يحب الَّذين يُقَاتلُون فِي سَبيله صفا كَأَنَّهُمْ بُنيان مرصوص﴾ أَي: ملزق بعضه بِبَعْض. وَقيل: يثبتون فِي الْحَرْب مَعَ الْكفَّار ثبات الْبُنيان الَّذِي وضع بعضه على بعض وسد بالرصاص. وَالْعرب إِذا بنت الْبناء بِالْحِجَارَةِ يرصون الْحِجَارَة ثمَّ يجعلونه فِي خلال الْبناء، ويسمونه الْبناء المرصوص.
قَوْله تَعَالَى: ﴿وَإِذ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قوم لم تؤذونني﴾ قد بَينا مَا كَانَ يُؤْذونَ بِهِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام فِي سُورَة الْأَحْزَاب.
وَقَوله: ﴿وَقد تعلمُونَ أَنِّي رَسُول الله إِلَيْكُم﴾ أَي: وتعلمون، " وَقد " صلَة.
وَقَوله: ﴿فَلَمَّا زاغوا أزاغ الله قُلُوبهم﴾ أَي: مالوا عَن الْحق [فأمال] الله قُلُوبهم، أَي: زادهم ميلًا عَن الْحق.
وَقَوله: ﴿وَالله لَا يهدي الْقَوْم الْفَاسِقين﴾ أَي: الْكَافرين.
قَوْله تَعَالَى: ﴿وَإِذ قَالَ عِيسَى ابْن مَرْيَم يَا بني إِسْرَائِيل إِنِّي رَسُول الله إِلَيْكُم مُصدقا لما بَين يَدي من التَّوْرَاة وَمُبشرا برَسُول يَأْتِي من بعد اسْمه أَحْمد﴾ وَقد ثَبت
425
﴿إِلَيْكُم مُصدقا لما بَين يَدي من التَّوْرَاة وَمُبشرا برَسُول يَأْتِي من بعدِي اسْمه أَحْمد فَلَمَّا جَاءَهُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سحر مُبين (٦) وَمن أظلم مِمَّن افترى على الله الْكَذِب وَهُوَ يدعى إِلَى الْإِسْلَام وَالله لَا يهدي الْقَوْم الظَّالِمين (٧) يُرِيدُونَ ليطفئوا نور الله﴾ بِرِوَايَة مُحَمَّد بن جُبَير بن مطعم، عَن أَبِيه، عَن النَّبِي قَالَ: " لي خَمْسَة أَسمَاء: أَنا مُحَمَّد، وَأَنا أَحْمد، وَأَنا الماحي يمحو الله بِي الْكفْر، وَأَنا الحاشر الَّذِي يحْشر النَّاس على قدمي، وَأَنا العاقب الَّذِي لَا نَبِي بعدِي ". قَالَ رَضِي الله عَنهُ: أخبرنَا بِهَذَا الحَدِيث أَبُو عَليّ الشَّافِعِي، أخبرنَا [ابْن] فراس، أخبرنَا أَبُو جَعْفَر الديبلي، أخبرنَا سعيد بن (جُبَير) عبد الرَّحْمَن المَخْزُومِي، عَن سُفْيَان، عَن الزُّهْرِيّ، عَن مُحَمَّد بن جُبَير بن مطعم، عَن أَبِيه.. الحَدِيث.
وَقَوله: ﴿فَلَمَّا جَاءَهُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سحر مُبين﴾ أَي: ظَاهر. وَفِي تَفْسِير النقاش: أَن اسْم الرَّسُول فِي الْإِنْجِيل فار قليطا، وَبشر عِيسَى بِهِ بِمَا أَخذ عَلَيْهِ من الْعَهْد، والعهد الْمَأْخُوذ هُوَ فِي قَوْله تَعَالَى: ﴿وَإِذ أَخذ الله مِيثَاق النبين لما آتيتكم من كتاب وَحِكْمَة ثمَّ جَاءَكُم رَسُول مُصدق لما مَعكُمْ لتؤمنن بِهِ ولتنصرنه﴾ الْآيَة وَأما معنى اسْمه أَحْمد على وَجْهَيْن: أَحدهمَا: لِأَنَّهُ كَانَ يحمد الله كثيرا.
وَالثَّانِي: لِأَن النَّاس حمدوه فِي فعاله.
426
قَوْله تَعَالَى: {وَمن أظلم مِمَّن افترى على الله الْكَذِب وَهُوَ يدعى إِلَى الْإِسْلَام وَالله
426
﴿بأفواههم وَالله متم نوره وَلَو كره الْكَافِرُونَ (٨) هُوَ الَّذِي أرسل رَسُوله بِالْهدى وَدين الْحق لِيظْهرهُ على الدّين كُله وَلَو كره الْمُشْركُونَ (٩) يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا هَل أدلكم على تِجَارَة تنجيكم من عَذَاب أَلِيم (١٠) تؤمنون بِاللَّه وَرَسُوله وتجاهدون فِي سَبِيل الله بأموالكم وَأَنْفُسكُمْ ذَلِكُم خير لكم إِن كُنْتُم تعلمُونَ (١١) يغْفر لكم ذنوبكم ويدخلكم جنَّات تجْرِي من تحتهَا الْأَنْهَار ومساكن طيبَة فِي جنَّات عدن ذَلِك الْفَوْز﴾ لَا يهدي الْقَوْم الظَّالِمين) قد بَينا من قبل.
427
قَوْله تَعَالَى: ﴿يُرِيدُونَ ليطفئوا نور الله بأفواههم﴾ يُقَال: هُوَ الْقُرْآن. وَيُقَال: هُوَ مُحَمَّد.
وَقَوله: ﴿وَالله متم نوره وَلَو كره الْكَافِرُونَ﴾ أَي: يتم أَمر نوره وَلَو كره الْكَافِرُونَ.
قَوْله تَعَالَى: ﴿هُوَ الَّذِي أرسل رَسُوله بِالْهدى وَدين الْحق لِيظْهرهُ على الدّين كُله وَلَو كره الْمُشْركُونَ﴾ أَي: على جَمِيع الْأَدْيَان شرقا وغربا، ومصداق هَذِه الْآيَة على الْكَمَال إِنَّمَا يكون عِنْد نزُول عِيسَى ابْن مَرْيَم حَيْثُ لَا يبْقى إِلَّا دين الْإِسْلَام.
قَوْله تَعَالَى: ﴿يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا هَل أدلكم على تِجَارَة تنجيكم من عَذَاب أَلِيم﴾ وَالتِّجَارَة أَن تبذل شَيْئا وَتَأْخُذ شَيْئا، فَكَأَنَّهُ جعل بذل النَّفس وَالْمَال وَأخذ الثَّوَاب تِجَارَة، وَهُوَ على طَرِيق الْمجَاز.
قَوْله تَعَالَى: ﴿تؤمنون بِاللَّه وَرَسُوله﴾ فِي قِرَاءَة ابْن مَسْعُود: " آمنُوا بِاللَّه وَرَسُوله " وَهُوَ معنى الْقِرَاءَة الْمَعْرُوفَة، وَجَوَابه: يغْفر لكم ذنوبكم.
وَقَوله: ﴿وتجاهدون فِي سَبِيل الله بأموالكم وَأَنْفُسكُمْ ذَلِكُم خير لكم إِن كُنْتُم تعلمُونَ﴾ ظَاهر الْمَعْنى.
قَوْله: ﴿يغْفر لكم ذنوبكم ويدخلكم جنَّات تجْرِي من تحتهَا الْأَنْهَار﴾ أَي: بساتين، والأنهار هِيَ الْأَنْهَار الْأَرْبَعَة تجْرِي من غير أخدُود.
وَقَوله: ﴿ومساكن طيبَة فِي جنَّات عدن﴾ أَي: يسطيبونها، والعدن مَوضِع الْإِقَامَة، قَالَ ابْن مَسْعُود: هُوَ بطْنَان الْجنَّة. وَفِي بعض الْأَخْبَار: أَن الله غرس جنَّة عدن
427
﴿الْعَظِيم (١٢) وَأُخْرَى تحبونها نصر من الله وَفتح قريب وَبشر الْمُؤمنِينَ (١٣) يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا كونُوا أنصار الله كَمَا قَالَ عِيسَى ابْن مَرْيَم للحواريين من أَنْصَارِي إِلَى الله﴾ بِيَدِهِ.
وَقَوله: ﴿ذَلِك هُوَ الْفَوْز الْعَظِيم﴾ أَي: النجَاة الْعَظِيمَة.
428
قَوْله تَعَالَى: ﴿وَأُخْرَى تحبونها﴾ أَي: تودونها.
وَقَوله تَعَالَى: ﴿وَأُخْرَى﴾ أَي: خصْلَة أُخْرَى. وَقيل: تِجَارَة آخرى.
وَقَوله: ﴿نصر من الله وَفتح قريب﴾ هُوَ فتح مَكَّة. وَقيل: هُوَ فتح فَارس وَالروم.
وَقَوله: ﴿وَبشر الْمُؤمنِينَ﴾ أَي: بالنصر فِي الدُّنْيَا، وبالجنة فِي الْآخِرَة.
قَوْله: ﴿يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا كونُوا انصار الله﴾ وَقُرِئَ: " أنصارا لله ".
وَقَوله: ﴿كَمَا قَالَ عِيسَى ابْن مَرْيَم للحواريين﴾ الحواريون صفوة الْأَنْبِيَاء وخالصتهم، وَمِنْه قَول النَّبِي للزبير: " هُوَ ابْن عَمَّتي وحواري من أمتِي ". وَمِنْه الْخبز الْحوَاري لبياضه ونفائه. وَالْعرب تسمي نسَاء الْأَمْصَار الحواريات، قَالَ الشَّاعِر:
(فَقل للحواريات يبْكين غَيرنَا وَلَا تبكنا إِلَّا الْكلاب النوابح)
وَفِي الْقِصَّة: أَن عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام جمع الحواريين فِي بَيت وهم اثْنَا عشر رجلا وَقَالَ: إِن أحدكُم يكفر بِي الْيَوْم اثْنَتَيْ عشر مرّة، فَكَانَ كَمَا قَالَ: وَقَالَ: من يخْتَار مِنْكُم أَن يلقِي عَلَيْهِ شبهي فَيقْتل ويصلب؟ فَقَامَ شَاب مِنْهُم وَقَالَ: أَنا. فَقَالَ: اقعد. ثمَّ قَالَ ذَلِك ثَلَاث مَرَّات، وَفِي الْجَمِيع يقوم ذَلِك الشَّاب، فَقَالَ عِيسَى: أَنْت هُوَ. ثمَّ إِن الله تَعَالَى رَفعه من الروزنة إِلَى السَّمَاء، وَدخل الْيَهُود وَألقى الله تَعَالَى شبه عِيسَى على ذَلِك الرجل فَقَتَلُوهُ وصلبوه.
428
﴿قَالَ الحواريون نَحن أنصار الله فآمنت طَائِفَة من بني إِسْرَائِيل وكفرت طَائِفَة فأيدنا الَّذين آمنُوا على عدوهم فَأَصْبحُوا ظَاهِرين (١٤).﴾
وَقَوله: ﴿من أَنْصَارِي إِلَى الله﴾ أَي: مَعَ الله. وَقيل مَعْنَاهُ: من أَنْصَارِي ينصر مِنْهُ إِلَى: نصر أَي: مضموم إِلَيْهِ.
وَقَوله: ﴿قَالَ الحواريون نَحن أنصار الله﴾ ظَاهر الْمَعْنى.
وَقَوله: ﴿فآمنت طَائِفَة من بني إِسْرَائِيل وكفرت طَائِفَة﴾ فِي التَّفْسِير: أَن عِيسَى صلوَات الله عَلَيْهِ لما رَفعه الله تَعَالَى إِلَى السَّمَاء اخْتلف أَصْحَابه؛ فَقَالَ بَعضهم: كَانَ هُوَ الله فَنزل إِلَى الأَرْض ثمَّ رَفعه إِلَى السَّمَاء، وهم النسطورية. وَقَالَ بَعضهم: كَانَ هُوَ ابْن الله أنزلهُ إِلَى الأَرْض فَفعل مَا شَاءَ ثمَّ إرتفع إِلَى السَّمَاء، وهم اليعقوبية. وَقَالَ بَعضهم: هُوَ ثَالِث ثَلَاثَة، وَثَلَاثَة هُوَ أَب وَابْن وَزوج، وَقَالُوا: ثَلَاثَة قدما أقانيم، وَعِيسَى أحد الثَّلَاثَة، وهم الملكانية؛ وَعَلِيهِ أَكثر النَّصَارَى. وَقَالَ قوم: هُوَ عبد الله وَرَسُوله فَغلبَتْ الطَّائِفَة الثَّلَاثَة هَذ الطَّائِفَة قبل النَّبِي فَلَمَّا بعث عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام غلبت الطَّائِفَة المؤمنة الطوائف الثَّلَاث، فَهُوَ معنى قَوْله تَعَالَى: ﴿فأيدنا الَّذين آمنُوا على عدوهم﴾ أَي: نصرنَا وقوينا.
وَقَوله: ﴿فَأَصْبحُوا ظَاهِرين﴾ أَي: غَالِبين. وَالله أعلم.
429

بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم

﴿يسبح لله مَا فِي السَّمَوَات وَمَا فِي الأَرْض الْملك القدوس الْعَزِيز الْحَكِيم (١) هُوَ﴾
تَفْسِير سُورَة الْجُمُعَة
مَدَنِيَّة فِي قَول الْجَمِيع، وَذكر بَعضهم: أَنَّهَا مَكِّيَّة، وَلَيْسَ بِصَحِيح.
430
سورة الصف
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (الصَّفِّ) من السُّوَر المدنية، وهي من (المسبِّحات) التي تبدأ بـ{سَبَّحَ}، نزلت بعد سورة (التغابُنِ)، وقد طالبت المؤمنين بأن يكونوا على قلبِ رجلٍ واحد، متَّحِدِين بالتمسك بهذا الكتاب، وواقفين صفًّا واحدًا في الجهاد، والمحافظة على الجماعة ما أمكن، وهو مقصدٌ عظيم من مقاصد هذا الدِّين، ومصدر من مصادر قوة أتباعه.

ترتيبها المصحفي
61
نوعها
مدنية
ألفاظها
226
ترتيب نزولها
109
العد المدني الأول
14
العد المدني الأخير
14
العد البصري
14
العد الكوفي
14
العد الشامي
14

* قوله تعالى: {سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي اْلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي اْلْأَرْضِۖ وَهُوَ اْلْعَزِيزُ اْلْحَكِيمُ ١ يَٰٓأَيُّهَا اْلَّذِينَ ءَامَنُواْ لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ} [الصف: 1-2]:

عن عبدِ اللهِ بن سَلَامٍ رضي الله عنه، قال: «جلَسْتُ في نَفَرٍ مِن أصحابِ رسولِ اللهِ ﷺ، فقلتُ: أيُّكم يأتي رسولَ اللهِ ﷺ فيَسألَه: أيُّ الأعمالِ أحَبُّ إلى اللهِ؟ قال: فهِبْنا أن يَسألَه منَّا أحدٌ، قال: فأرسَلَ إلينا رسولُ اللهِ ﷺ يُفرِدُنا رجُلًا رجُلًا يَتخطَّى غيرَنا، فلمَّا اجتمَعْنا عنده، أومأَ بعضُنا إلى بعضٍ: لِأيِّ شيءٍ أرسَلَ إلينا؟ ففَزِعْنا أن يكونَ نزَلَ فينا، قال: فقرَأَ علينا رسولُ اللهِ ﷺ: {سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي اْلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي اْلْأَرْضِۖ وَهُوَ اْلْعَزِيزُ اْلْحَكِيمُ ١ يَٰٓأَيُّهَا اْلَّذِينَ ءَامَنُواْ لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ} [الصف: 1-2]، قال: فقرَأَ مِن فاتحتِها إلى خاتمتِها»، ثم قرَأَ يحيى مِن فاتحتِها إلى خاتمتِها، ثم قرَأَ الأَوْزاعيُّ مِن فاتحتِها إلى خاتمتِها، وقرَأَها الوليدُ مِن فاتحتِها إلى خاتمتِها. أخرجه ابن حبان (٤٥٩٤).

* سورة (الصَّف):

وجهُ تسمية سورة (الصَّفِّ) بهذا الاسم: هو وقوعُ كلمةِ {صَفّٗا} فيها؛ قال تعالى: {إِنَّ اْللَّهَ يُحِبُّ اْلَّذِينَ يُقَٰتِلُونَ فِي سَبِيلِهِۦ صَفّٗا كَأَنَّهُم بُنْيَٰنٞ مَّرْصُوصٞ} [الصف: 4].

* سورة (الحَوَاريِّين):

ووجهُ تسميتِها بهذا الاسم: هو ورود لفظ {اْلْحَوَارِيُّونَ} فيها مرتين في قوله تعالى: {يَٰٓأَيُّهَا اْلَّذِينَ ءَامَنُواْ كُونُوٓاْ أَنصَارَ اْللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى اْبْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّـۧنَ مَنْ أَنصَارِيٓ إِلَى اْللَّهِۖ قَالَ اْلْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اْللَّهِۖ} [الصف: 14].

1. مطابقة القول والعمل في شأن الجهاد (١-٤).

2. موقف الكفار من دعوة الأنبياء (٥- ٩).

3. التِّجارة الرابحة (١٠-١٤).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (8 /127).

مقصدُ سورة (الصَّفِّ) بيِّنٌ في اسمها؛ وهو الاجتماعُ، والوَحْدة، والتمسك بحبلِ الله المتين؛ ليكونَ المؤمنون صفًّا واحدًا في قلوبهم وأبدانهم.

وفي ذلك يقول البِقاعيُّ: «مقصودها: الحثُّ على الاجتهاد التام، والاجتماعِ على قلبٍ واحد، في جهادِ مَن دعت (الممتحنةُ) إلى البراءة منهم؛ بحَمْلِهم على الدِّين الحق، أو مَحْقِهم عن جديد الأرض؛ تنزيهًا للملكِ الأعلى عن الشرك، وصيانةً لجَنابه الأقدس عن الإفك، ودلالةً على الصِّدق في البراءة منهم، والعداوة لهم.

وأدلُّ ما فيها على هذا المقصدِ: الصفُّ؛ بتأمُّل آيته، وتدبُّر ما له من جليلِ النفع في أوله وأثنائه وغايته». "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور" للبقاعي (3 /81).