تفسير سورة مريم

جهود القرافي في التفسير

تفسير سورة سورة مريم من كتاب جهود القرافي في التفسير
لمؤلفه القرافي . المتوفي سنة 684 هـ

٨٢٨- أما النبوة فكثير من الناس من يعتقد أنها عبارة عن مجرد الوحي من الله تعالى للنبي، وليس كذلك، بل قد يحصل الوحي من الله تعالى لبعض الخلق من غير نبوة، كما كان الوحي يأتي مريم ابنة عمران رضي الله عنها في قصة عيسى عليه السلام، وقال جبريل عليه السلام :﴿ إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاما زكيا ﴾ وقال في موضع آخر :﴿ إن الله يبشرك ﴾١ مع أن مريم رضي الله عنها ليست نبية على الصحيح. ( الإحكام في تمييز الفتاوى عن الأحكام : ١٠٣-١٠٤ ).
١ - سورة آل عمران: ٤٥..
٨٢٩- المخاض : وجع الطلق، ومنه قوله تعالى :﴿ فأجاءها المخاض إلى جذع النخلة ﴾. ( الذخيرة : ٣/٩٦ و١٢٣ ).
٨٣٠- قال عياض : " الصيام في اللغة : الإمساك، قال الله تعالى :﴿ إني نذرت للرحمن صوما ﴾ أي : إمساكا ". قال النابغة١.
خيل صيام وخيل صائمة*** تحت العجاج وأخرى تعلك اللجما
وقال الجوهري : " الصوم : الإمساك عن الطعام، وصام الفرس، أي : أقام على غير علف. وهو البيت المتقدم عنده، وفسره عياض بمطلق الإمساك.
والصوم : ذرق النعامة. والصوم : شجرة في لغة هذيل " ٢.
وهو في الشرع : " الإمساك عن شهوتي الفم والفرج. أو ما يقوم مقامها، مخالفة للهوى في طاعة المولى في جميع أجزاء النهار بنية قبل الفجر أو معه إن أمكن فيما عدا زمن الحيض والنفاس وأيام الأعياد ". ( نفسه : ٢/٤٨٥ ).
١ - هو أبو أمامة، زياد بن معاوية بن ضباب الذبياني، الغطفاني، المضري (ت: ١٨ ق-هج) شاعر جاهلي. ن: طبقات ابن سلام: ١/٥٦. الشعر والشعراء: ١/٩٢..
٢ - الصحاح: ٥/١٩٧٠ بتصرف..
٨٣١- قال اليهود والنصارى : مما يستدرك على المسلمين في كتابهم من جعل مريم- رضي الله عنها- أخت هارون– صلوات الله عليه- وبينهما ست مائة سنة فلا تكون أخته، فكيف يخبر كتابهم بأنها أخته ؟
والجواب من وجهين :
أحدهما : أنه روي انه كان في زمانها عابد يسمى هارون، وكانت رضي الله عنها في غاية العبادة، فلما جاءت بعيسى عليه السلام من غير زواج، واتهمها –رضي الله عنها- بنو إسرائيل بالزنا، قيل لها :﴿ يا أخت هارون ﴾ أي : في العبادة، ﴿ ما كان أبوك امرأ سوء وما كانت أمك بغيا ﴾ متعجبين كيف يصدر القبيح من غير محله. وأصل الأخوة التساوي في الصفة. ومنه قوله تعالى :﴿ كلما دخلت أمة لعنت أختها ﴾١ أي : مساويتها في الكفر، ﴿ وما نريهم من آية إلا هي أكبر من أختها ﴾٢ أي : مساويتها في الدلالة. وتقول العرب : هذه العروة أخت هذه العروة. وهذه الواقعة أخت تلك الواقعة. وهذه النعل أخت تلك النعل. ومنه مواخاة الفواصل في السجع وغيره، وأصل ذلك كله المساواة، وسمي أخو النسب أخا لمساواته أخاه في الخروج من تلك البطن لأمهما، أو ذلك الظهر لأبيهما، ولما اجتمعت المساواة في الصفتين للشقيق قويت الأخوة فيه، فسمي شقيقا كالعصا إذا شقت بنصفين فإن المساواة بينهما في غاية القوة، وقيل لآخر : أخر لأب، وللآخر أخ لأم، إشارة للجهة التي وقعت فيها المساواة، فلما حصلت المساواة بين مريم- رضي الله عنها- وبين ذلك العبد، سمت أخته على القاعدة.
وقيل : كان في ذلك الزمان فاسق يسمى هارون، فلما اعتقدوا فيها التهمة جعلوها أخته، أي في ذلك الفعل القبيح.
وثانيهما : قيل : إنها من ذرية موسى عليه السلام، وهو أخو هارون، فقيل لها أخت هارون، كما جاء في التوراة في الفصل الحادي عشر في السفر الخامس٣ : أن الله تعالى قال : " إني سأقيم لبني إسرائيل نبيا من إخوتهم مثلك أجعل كلامي على فيه " وإخوة بني إسرائيل بجملتهم هم بنو إسماعيل فجعل بني أخي أبيهم إخوته، فكذلك سميت مريم رضي الله عنها أخت هارون عليه السلام. ( الأجوبة الفاخرة : ٢٠٩-٢١٠ ).
١ - سورة الأعراف ٣٨..
٢ - سورة الزخرف: ٤٨..
٣ - الصواب أن النص في اللفظ الثامن عشر من سفر الثتنية. "ثتنية: ٨/١٥-١٨"..
٨٣٢- ترك الصلاة حتى يخرج وقتها من الكبائر لقوله تعالى :﴿ فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا ﴾. ( الذخيرة : ٢/٢٤ ).
٦ :﴿ لا يسمعون فيها لغوا إلا سلاما ﴾ ٦٢.
٨٣٣- قيل : اللغو هو الذي لا فائدة فيه. والسلام فيه فائدة. ليس من جنس اللغو فيكون– الاستثناء- منقطعا.
وقيل : السلام في الدنيا : دعاء بالسلامة، وفي الآخرة : جعل الأمان لأهل الجنة، فيتعذر الدعاء بالسلامة، فسار السلام لغوا لبطلان معناه المقصود.
وقيل : على هذا التقدير لم يبطل أيضا، بل هو في الدنيا الدعاء والتحية والإكرام بطل أحد معنييه، وهو الدعاء، وبقيت المكارمة والتعظيم فليس لغوا لحصول هذه الفوائد منه. ( العقد المنظوم : ٢/٢٩٦ ).
٨٣٤- استثناء من الأسباب تقديره : " ما نتنزل بسبب من الأسباب إلا بأمر ربك " أي : هو السبب الذي يوجب نزولنا. ( الاستغناء : ٥١٢ ).
٨٣٥- قرئ : " أيهم أشد " بنصب " أي ". ( العقد المنظوم : ١/٥٠٦ ).
٨٣٦- في التنبيهات : " الإلداد واللداد : الخصومة، قال الله تعالى :﴿ وتنذر به قوما لدا ﴾ من لديدي الوادي، وهما جانباه، كأنه يرجع من جانب على جانب لما كان يرجع من حجة على حجة " وقيل : من لديدي الفم، وهما جانباه لإعمالهما في الكلام في الخصومة، أو من التلدد وهو التحير، لأنه يحير صاحبه بحجته. ( الذخيرة : ٨/٢٠٥ ).
سورة مريم
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

أشارت فاتحةُ سورةِ (مَرْيَمَ) إلى عظمةِ هذا الكتاب، ونبَّهتْ بعد ذلك على مِحوَرِ السُّورةِ؛ وهو رحمةُ الله عزَّ وجلَّ بأنبيائه؛ فقد بدأت بذِكْرِ رحمة الله عز وجل بزكريَّا ويحيى عليهما السلام، ثم رحمتِه تعالى بمَرْيَمَ وعيسى عليه السلام، ثم رحمتِهِ تعالى بإبراهيمَ عليه السلام، ثم رحمتِه تعالى بموسى وهارونَ عليهما السلام، ثمَّ رحمتِه تعالى بإسماعيلَ وإدريسَ عليهما السلام، وجُلُّ رحمةِ الله بعباده المؤمنين ستكون يومَ القيامة عندما يُنجِّي اللهُ الذين اتَّقَوْا من النَّار، ويذَرُ الظالمين فيها جِثِيًّا.

ترتيبها المصحفي
19
نوعها
مكية
ألفاظها
972
ترتيب نزولها
44
العد المدني الأول
98
العد المدني الأخير
99
العد البصري
98
العد الكوفي
98
العد الشامي
98

 * قوله تعالى: {وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَۖ لَهُۥ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا} [مريم: 64]:

عن عبدِ اللهِ بن عباسٍ رضي الله عنهما، قال: قال رسولُ اللهِ ﷺ لجِبْريلَ: «ألَا تَزُورُنا أكثَرَ ممَّا تَزُورُنا؟»، قال: فنزَلتْ: {وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَۖ لَهُۥ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا} [مريم: 64] الآيةَ. أخرجه البخاري (٣٢١٨).

* قوله تعالى: {أَفَرَءَيْتَ اْلَّذِي كَفَرَ بِـَٔايَٰتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالٗا وَوَلَدًا} [مريم: 77]:

عن خَبَّابِ بن الأَرَتِّ رضي الله عنه، قال: «كنتُ رجُلًا قَيْنًا، وكان لي على العاصِ بنِ وائلٍ دَيْنٌ، فأتَيْتُه أتقاضاه، فقال لي: لا أَقضِيك حتى تكفُرَ بمُحمَّدٍ، قال: قلتُ: لن أكفُرَ به حتى تموتَ، ثم تُبعَثَ، قال: وإنِّي لمبعوثٌ مِن بعدِ الموتِ؟! فسوف أَقضِيك إذا رجَعْتُ إلى مالٍ وولَدٍ، قال: فنزَلتْ: {أَفَرَءَيْتَ اْلَّذِي كَفَرَ بِـَٔايَٰتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالٗا وَوَلَدًا ٧٧ أَطَّلَعَ اْلْغَيْبَ أَمِ اْتَّخَذَ عِندَ اْلرَّحْمَٰنِ عَهْدٗا ٧٨ كَلَّاۚ سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُۥ مِنَ اْلْعَذَابِ مَدّٗا ٧٩ وَنَرِثُهُۥ مَا يَقُولُ وَيَأْتِينَا فَرْدٗا} [مريم: 77-80]». أخرجه البخاري (٤٧٣٥).

* سورة (مَرْيَمَ):

وجهُ تسميةِ سورة (مَرْيَمَ) بهذا الاسم: أنَّها بُسِطتْ فيها قصةُ (مَرْيَمَ)، وابنِها، وأهلِها.

* جاء في فضلِ سورة (مَرْيَمَ): أنها من قديم ما تعلَّمَه الصحابةُ من النبي صلى الله عليه وسلم:

عن عبد الرَّحمنِ بن يَزيدَ بن جابرٍ، قال: «سَمِعْتُ ابنَ مسعودٍ يقولُ في (بَنِي إسرائِيلَ)، و(الكَهْفِ)، و(مَرْيَمَ)، و(طه)، و(الأنبياءِ): إنَّهُنَّ مِن العِتَاقِ الأُوَلِ، وهُنَّ مِن تِلادي». أخرجه البخاري (٤٩٩٤).

قال أبو عُبَيدٍ: «قولُه: «مِن تِلَادي»: يعني: مِن قديمِ ما أخَذْتُ مِن القرآنِ؛ وذلك أنَّ هذه السُّوَرَ نزَلتْ بمكَّةَ». "فضائل القرآن" للقاسم بن سلام (ص247).


اشتملت سورةُ (مَرْيَمَ) على الموضوعات الآتية:

1. رحمته تعالى بزكريا ويحيى عليهما السلام (١-١٥).

2. رحمته تعالى بمَرْيَمَ وعيسى عليه السلام (١٦- ٤٠).

3. رحمته تعالى بإبراهيمَ عليه السلام (٤١ -٥٠).

4. رحمته تعالى بموسى وهارونَ عليهما السلام (٥١ -٥٣).

5. رحمته تعالى بإسماعيلَ وإدريسَ عليهما السلام (٥٤-٥٨).

6. طريق النجاة (٥٩-٦٥).

7. جَوْلات مع شُبَه الكافرين وأباطيلهم (٦٦-٩٥).

8. محبته تعالى لأوليائه، مهمة القرآن (٩٦-٩٨).

ينظر: "التفسير الموضوعي للقرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (4 /414).

مقصدُ السورةِ الأعظَمُ هو بيانُ اتِّصافه سبحانه بشمول الرحمة؛ بإضافةِ جميع النِّعَم على جميع خَلْقه، المستلزِم للدَّلالة على اتصافِه بجميع صفات الكمال، المستلزِم لشمول القدرة على إبداعِ المستغرَب، المستلزِم لتمام العلم، المُوجِب للقدرة على البعث، والتنزُّه عن الولد؛ لأنه لا يكون إلا لمحتاجٍ، ولا يكون إلا مثل الوالد، ولا سَمِيَّ له سبحانه، فضلًا عن مثيلٍ له سبحانه وتعالى.

ينظر: "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور" للبقاعي (2 /256).