ﰡ
(ومولى قد دفعت الضيم عنه | وقد أمسى بمنزلةِ المُضيمِ) |
أحدهما : أنه رحمه بإجابته له.
الثاني : أنه إجابة لرحمته له.
أحدهما : قاله ابن جريج، سراً لا رياء فيه. قال قتادة إن الله يعلم القلب النقي ويسمع الصوت الخفي فأخفى زكريا نداءه لئلا ينسب إلى الرياء فيه.
الثاني : قاله مقاتل، إنما أخفى لئلا يهزأ الناس به، فيقولون انظروا إلى هذا الشيخ يسأل الولد.
ويحتمل ثالثاً : أن إخفاء الدعاء أخلص للدعاء وأرجى للإِجابة للسنة الواردة فيه : إن الذي تدعونه ليس بأصم.
أحدهما : أنه لما وهن العظم الذي هو أقوى كان وهن اللحم والجلد أولى.
الثاني : أنه اشتكى ضعف البطش، والبطش إنما يكون بالعظم دون اللحم.
﴿ وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً ﴾ هذا من أحسن الاستعارة لأنه قد ينشر فيه الشيب كما ينشر في الحطب شعاع النار.
﴿ وَلَمْ أَكُنْ بدعائك رَبِّ شَقِيّاً ﴾ أي خائباً، أي كنت لا تخيبني إذا دعوتك ولا تحرمني إذا سألتك.
أحدها : العصبة، قاله مجاهد وأبو صالح.
الثاني : الكلالة، قاله ابن عباس.
الثالث : الأولياء أن يرثوا علمي دون من كان من نسلي قال لبيد :
ومولى قد دفعت الضيم عنه | وقد أمسى بمنزلةِ المُضيمِ |
وسموا موالي لأنهم يلونه في النسب لعدم الصلب.
وفيما خافهم عليه قولان :
أحدهما : أنه خافهم على الفساد في الأرض.
الثاني : أنه خافهم على نفسه في حياته وعلى أشيائه بعد موته.
ويجوز أن يكون خافهم على تبديل الدين وتغييره. روى كثير ابن كلثمة أنه سمع علي بن الحسين عليهما السلام يقرأ :﴿ وَإِنِّي خِفْتُ ﴾ بالتشديد بمعنى قلّت.
وفي قوله :﴿ مِن وراءي ﴾ وجهان :
أحدهما : من قدامي وهو قول الأخفش.
الثاني : بعد موتي، قاله مقاتل.
أحدها : يرثني مالي ويرث من آل يعقوب النبوة، قاله أبو صالح.
الثاني : يرثني ويرث من آل يعقوب العلم والنبوة، قاله الحسن.
الثالث : يرثني النبوة ويرث من آل يعقوب الأخلاق، قاله عطاء.
الرابع : يرثني العلم ويرث من آل يعقوب الملك، قاله ابن عباس، فأجابه الله إلى وراثة العلم ويرث من آل يعقوب الملك، قاله ابن عباس. فأجابه الله إلى وراثة العلم ولم يجبه إلى وراثة الملك. قال الكلبي : وكان آل يعقوب أخواله وهو يعقوب بن ماثان وكان فيهم الملك، وكان زكريا من ولد هارون بن عمران أخي موسى. قال مقاتل ويعقوب بن ماثان هو أخو عمران أبي مريم لأن يعقوب وعمران إِبنا ماثان، فروى قتادة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" يَرْحَمُ اللَّهُ زَكَرِيّا مَا كَانَ عَلَيهِ مِن وَرثَتِهِ ".
﴿ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيّاً ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : مرضياً في أخلاقه وأفعاله.
الثاني : راضياً بقضائك وقدرك.
ويحتمل ثالثاً : أن يريد نبياً.
(إنما يعذر الوليد ولا يعذر | من كان في الزمان عتياً) |
(كأن أخا اليهود يخط وحياً | بكافٍ من منازلها ولام) |
أحدهما : أنه مصلاة، قاله ابن زيد.
الثاني : أنه الشخص المنصوب للتوجه إليه في الصلاة.
وفي تسميته محراباً وجهان :
أحدهما : أنه للتوجه إليه في صلاته كالمُحَارِب للشيطان صلاته.
الثاني : أنه مأخوذ من منزل الأشراف الذي يحارب دونه ذباً عن أهله فكأن الملائكة تحارب عن المصلي ذباً عنه ومنعاً منه.
﴿ فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَن سَبِّحُواْ بُكْرَةً وَعَشيّاً ﴾ فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : أوصى إليهم، قاله ابن قتيبة.
الثاني : أشار إليهم بيده، قاله الكلبي.
الثالث : كتب على الأرض. والوحي في كلام العرب الكتابة ومنه قول جرير :
كأن أخا اليهود يخط وحياً | بكافٍ من منازلها ولام |
(أبا منذر أفنيت فاستبق بعضنا | حنانيكَ بعض الشر أهون من بعض) |
أحدها : رحمة من عندنا، قاله ابن عباس وقتادة، ومنه قول الشاعر١ :
أبا منذر أفنيت فاستبق بعضنا | حنانيكَ بعض الشر أهون من بعض |
الثاني : تعطفاً، قاله مجاهد.
الثالث : محبة، قاله عكرمة.
الرابع : بركة، قاله ابن جبير.
الخامس : تعظيماً.
السادس : يعني آتينا تحنناً على العباد.
ويحتمل سابعاً : أن يكون معناه رفقاً ليستعطف به القلوب وتسرع إليه الإِجابة ﴿ وَزَكَاةً ﴾ فيها هنا ثلاثة تأويلات :
أحدها : أنها العمل الصالح الزاكي، قاله ابن جريج.
الثاني : زكيناه بحسن الثناء٢ كما يزكي الشهود إنساناً.
الثالث : يعني صدقة به على والديه، قاله ابن قتيبة. ﴿ وَكَانَ تَقِيّاً ﴾ فيه وجهان :
أحدهما مطيعاً لله، قاله الكلبي. الثاني : باراً بوالديه، قاله مقاتل.
٢ الثناء: ساقطة من ك..
(فأهوى لها بالنفخ في جيب درعها | فألقت سويّ الخلق ليس بتوأم) |
أحدها : حجاباً من الجدران، قاله السدي.
الثاني : حجاباً من الشمس جعله الله ساتراً، قاله ابن عباس.
الثالث : حجاباً من الناس، وهو محتمل، وفيه وجهان :
أحدهما : أنها اتخذت مكاناً تنفرد فيه للعبادة.
الثاني : أنها اتخذت مكاناً تعتزل فيه أيام حيضها.
﴿ فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا ﴾ الآية. فيه قولان :
أحدهما : يعني الروح التي خلق منها المسيح حتى تمثل لها بشراً سوياً.
الثاني : أنه جبريل، قاله الحسن وقتادة، والسدي، وابن جريج، وابن منبه١.
وفي تسميته له روحاً وجهان :
أحدهما : لأنه روحاني لا يشوبه شيء غير الروح، وأضافه إليه بهذه الصفة تشريفاً له.
الثاني : لأنه تحيا به الأرواح.
واختلفوا في سبب حملها على قولين :
أحدهما : أن جبريل نفخ في جيب درعها وكُمِّهَا فَحَمَلَتْ، قاله ابن جريج، منه قول أميه بن أبي الصلت :
فأهوى لها بالنفخ في جيب درعها | فألقت سويّ الخلق ليس بتوأم |
واختلفوا في مدة حملها على أربعة أقاويل : أحدها : تسعة أشهر، قاله الكلبي. الثاني : ستة أشهر. حكى لي ذلك أبو القاسم٢ الصيمري.
الثالث : يوماً واحداً.
الرابع : ثمانية أشهر، وكان هذا آية عيسى فإنه لم يعش مولوداً لثمانية أشهر سواه.
٢ أبو القاسم الصيمري هو شيخ المؤلف بالبصرة، واسمه عبد الواحد بن الحسين توف بعد سنة ٣٨٦..
فإن قيل : فلم قالت :﴿ إن كُنتَ تَقِيّاً ﴾ والتقي مأمون وإنما يستعاذ من غير التقي ؟
ففيه وجهان :
أحدهما : أن معنى كلامها إن كنت تقياً لله فستمتنع من استعاذتي وتنزجر عني من خوفه، قاله أبو وائل١.
الثاني : أنه كان اسماً لرجل فاجر من بني إسرائيل مشهور بالعهر يُسَمَّى تقياً فخافت أن يكون الذي جاءها هو ذلك الرجل المسمى تقياً الذي لا يأتي إلا للفاحشة فقالت إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقياً، قاله بن عباس.
(إذ شددنا شدة صادقة | فأجأناكم إلى سفح الجبل) |
(وجارٍ سارَ معتمداً إلينا | أجاءته المخافة والرجاء.) |
٨٩ (كالنسي ملقى بالجهاد البسبس.} ٩
أحدهما : معناه ألجأها، قاله ابن عباس، ومجاهد، وقتادة، ومنه قول الشاعر١ :
إذ شددنا شدة صادقة *** فأجأناكم إلى سفح الجبل
الثاني : معناه فجأها المخاض كقول زهير :
وجارٍ سارَ معتمداً إلينا *** أجاءته المخافة والرجاء.
وفي قراءة ابن مسعود ﴿ فَأَوَاهَا ﴾
﴿ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا ﴾ فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : أنها خافت من الناس أن يظنوا بها سوءاً، قاله السدي.
الثاني : لئلا يأثم الناس بالمعصية في قذفها.
الثالث : لأنها لم تَرَ في قومها رشيداً ذا فراسة ينزهها من السوء، قاله جعفر٢ بن محمد رحمهما الله.
﴿ وَكُنتُ نَسْياً منسِيّاً ﴾ فيه خمسة تأويلات :
أحدها : لم أخلق ولم أكن شيئاً، قاله ابن عباس.
الثاني : لا أعرف ولا يدرى من أنا، قاله قتادة.
الثالث : النسي المنسي هو السقط، قاله الربيع، وأبو العالية.
الرابع : هو الحيضة الملقاة، قاله عكرمة، بمعنى خرق الحيض.
الخامس : معناه وكنت إذا ذكرت لم أطلب حكاه اليزيدي. والنسي عندهم في كلامهم ما أعقل من شيء حقير قال الراجز :
كالنسي ملقى بالجهاد البسبس٣. ***
٢ المقصود به: جعفر الصادق بن محمد الباقر..
٣ قائله دكين الفقيمي كما في اللسان ـ نسي. والشطر الأول هو:
بالدار وحي كاللقي المطرس كالنسي....
والجهاد: الأرض. والبسبس: البر المقفر الواسع..
(سهل الخليقة ماجد ذو نائلٍ | مثل السريّ تمده الأنهار) |
(فتصدعت صم الجبال لموته | وبكت عليه المرملات ملياً) |
أحدهما : أنه سلام توديع وهجر لمقامه على الكفر، قاله ابن بحر.
الثاني : وهو أظهر أنه سلام بر وإكرام، فقابل جفوة أبيه بالبر تأدية لحق الأبوة وشكراً لسالف التربية.
ثم قال :﴿ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي ﴾ وفيه وجهان :
أحدهما : سأستغفر لك إن تركت عبادة الأوثان.
الثاني : معناه سأدعوه لك بالهداية التي تقتضي الغفران. ﴿ إنَّهُ كَانَ بِي حَفِيّاً ﴾ فيه خمسة أوجه :
أحدها : مُقَرِّباً.
الثاني : مُكْرِماً.
الثالث : رحيماً، قاله مقاتل.
الرابع : عليماً، قاله الكلبي.
الخامس : متعهداً.
(أتتني لسان بني عامر | أحاديثهما بعد قول ونكر.) |
أحدهما : جعلنا لهم ذكراً جميلاً وثناءً حسناً، قاله ابن عباس، وذلك أن جمع الملك بحسن الثناء عليه.
الثاني : جعلناهم رسلاً لله كراماً على الله، ويكون اللسان بمعنى الرسالة قال الشاعر :
أتتني لسان بني عامر | أحاديثهما بعد قول ونكر. |
أحدهما : من يمين موسى. الثاني : من يمين الجبل، قاله مقاتل.
﴿ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيّاً ﴾ فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : أنه قربه من الموضع الذي شرفه وعظمه بسماع كلامه.
الثاني : أنه قربه من أعلى الحجب حتى سمع صريف القلم، قاله ابن عباس، وقال غيره : حتى سمع صرير القلم الذي كتب به التوراة.
الثالث : أنه قربه تقريب كرامة واصطفاء لا تقريب اجتذاب وإدناء لأنه لا يوصف بالحلول في مكان دون مكان فيقرب من بعد أو يبعد من قرب، قاله ابن بحر.
وفي قوله :﴿ نَجِيّاً ﴾ ثلاثة أوجه :
أحدها : أنه مأخوذ من النجوى، والنجوى لا تكون إلا في الخلوة، قاله قطرب.
الثاني : نجاه لصدقه مأخوذ من النجاة.
الثالث : رفعه بعد التقريب مأخوذ من النجوة وهو الارتفاع، قال الحسن لم يبلغ موسى من الكلام الذي ناجاه به شيئاً.
أحدهما : يأمر قومه فسماهم أهله.
الثاني : أنه بدأ بأهله قبل قومه. وفي الصلاة والزكاة ما قدمناه. وهو على قول الجمهور : إسماعيل بن إبراهيم. وزعم بعض المفسرين أنه ليس بإسماعيل بن إبراهيم لأن إسماعيل مات قبل إبراهيم، وإن هذا هو إسماعيل بن حزقيل بعثه الله إلى قومه فسلخوا جلدة رأسه، فخيره الله تعالى فيما شاء من عذابهم فاستعفاه ورضي بثوابه وفوض أمرهم إليه في عفوه أو عقوبته.
أحدهما : أن إدريس رفع إلى السماء الرابعة، وهذا قول أنس بن مالك في حديث مرفوع، وأبي سعيد الخدري وكعب ومجاهد.
الثاني : رفعه إلى السماء السادسة، قاله ابن عباس والضحاك وهو مرفوع في السماء.
واختلفوا في موته فيها على قولين :
أحدهما : أنه ميت فيها، قاله مقاتل وقيل أنه مات بين السماء الرابعة والخامسة.
الثاني : أنه حيّ فيها لم١ يمت مثل عيسى. روى ابن إسحاق أن إدريس أول من أُعْطِي النبوة من ولد آدم وأول من خط بالقلم، وهو أخنوخ بن يرد بن مهلائيل بن قينان بن آنوش٢ بن شيث بن آدم. وحكى ابن الأزهر عن وهب بن منبه أن إدريس أول من اتخذ السلاح وجاهد في سبيل الله وسبى، ولبس الثياب وإنما كانوا يلبسون الجلود، وأول من وضع الأوزان والكيول، وأقام علم النجوم، والله أعلم.
٢ هكذا في الأصول، وفي سيرة ابن هشام ١/٣ يانش، ومثله في القرطبي ١١/١١٧..
(ذهب الذين يعاش في أكنافهم | وبقيت في خلفٍ كجلد الأجْرب) |
(فمن يلق خيراً يحمد الناس أمره | ومن يغو لا يعدم على الغي لائماً) |
أحدهما : الكلام الفاسد.
الثاني : الخلف، قاله مقاتل.
﴿ إلاَّ سَلاَماً ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : إلا السلامة.
الثاني : تسليم الملائكة عليهم، قاله مقاتل.
﴿ وَلَهُمْ رَزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشيًّاً ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : أن العرب إذا أصابت الغداء والعشاء نعمت، فأخبرهم الله أن لهم في الجنة غداء وعشاء، وإن لم يكن في الجنة ليل ولا نهار.
الثاني : معناه مقدار البكرة ومقدار العشي من أيام الدنيا ؛ قاله ابن جريج. وقيل إنهم يعرفون مقدار الليل بإرخاء الحجب وغلق الأبواب، ومقدار النهار. برفع الحجب وفتح الأبواب.
ويحتمل أن تكون البكرة قبل تشاغلهم بلذاتهم، والعشي بعد فراغهم من لذاتهم، لأنه يتخللها فترات انتقال من حال إلى حال.
(أمّا المسمى فأنت منه مكثر | لكنه ما للخلود سبيلُ) |
أمّا المسمى فأنت منه مكثر | لكنه ما للخلود سبيلُ |
أحدهما : أن جهنم اسم من أسماء النار.
الثاني : أنه اسم لأعمق موضع في النار، كالفردوس الذي هو اسم لأعلى موضع في الجنة.
﴿ جِثِيّاً ﴾ فيه قولان :
أحدهما :[ جماعات ]، قاله الكلبي والأخفش.
الثاني : بُروكاً على الرُّكَب، قاله عطية.
وفي ﴿ ثُمَّ لَنَنزِعَنَّ ﴾ وجهان :
أحدهما : لننادين، قاله ابن جريج.
الثاني : لنستخرجن، قاله مقاتل.
﴿ عِتِيّاً ﴾ فيه خمسة أوجه :
أحدها : أهل الافتراء بلغة بني تميم، قاله بعض أهل اللغة.
الثاني : جرأة، قاله الكلبي.
الثالث : كفراً، قاله عطية.
الرابع : تمرداً.
الخامس : معصية.
أحدها : دخولاً، قاله الكلبي.
الثاني : لزوماً.
(ولما وردن الماء زُرْقاً جِمامُه | وضعن عِصيَّ الحاضر المتخيمِ) |
(ومقام ضيق فرجتهْ... بلساني وحسامي وجدل)
﴿وَأحْسَنُ نَدِيّاً﴾ فيه وجهان: أحدهما: أفضل مجلساً. الثاني: أوسع عيشاً. ويحتمل ثالثاً: أيهما خير مقاماً في موقف العرض، من قضى له بالثواب أو العقاب؟ ﴿وَأَحْسَنُ نَدِيّاً﴾ منزل إقامة في الجنة أو في النار، وقال ثعلب: المقام بضم الميم: الإِقامة، وبفتحها المجلس. قوله تعالى: ﴿أَثَاثاً وَرِءْيَاً﴾ فيه أربعة أوجه: أحدها: أن الأثاث: المتاع، والرئي: المنظر، قاله ابن عباس. قال الشاعر:
(أشاقت الظعائن يوم ولوا... بذي الرئي الجميل من الأثاث.)
الثاني: أن الأثاث ما كان جديداً من ثياب البيت، والرئي الارتواء من النعمة. الثالث: الأثاث ما لا يراه الناس. والرئي ما يراه الناس. الرابع: معناه أكثر أموالاً وأحسن صوراً. ويحتمل خامساً: أن الأثاث ما يعد للاستعمال، والرئي ما يعد للجمال.
أحدهما : يزيدهم هدى بالمعونة في طاعته والتوفيق لمرضاته.
الثاني : الإِيمان بالناسخ والمنسوخ، قاله الكلبي ومقاتل، فيكون معناه : ويزيد الله الذين اهتدوا بالمنسوخ هدى بالناسخ.
ويحتمل ثالثاً : ويزيد الله الذين اهتدوا إلى طاعته هدى إلى الجنة.
(ولقد رأيت معاشراً... قد ثمَّروا مالاً ووُلْدا)
والثاني: أن قيساً الوُلْد بالضم جميعاً، والولد بالفتح واحداً.
أحدهما : معناه أعلم الغيب أنه سيؤتيه على كفره مالاً وولداً.
الثاني : أعلم الغيب لما آتاه الله على كفره١.
﴿ أمِ أتَّخَذَ عِندَ الرَّحْمَن عَهْداً ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : يعني عملاً صالحاً قدمه، قاله قتادة.
الثاني : قولاً عهد به الله إليه، حكاه ابن عيسى.
أحدهما : أن الله يسلبه ما أعطاه في الدنيا من مال وولد.
الثاني : يحرمه ما تمناه في الآخرة من مال وولد.
﴿ وَيَأْتِينَا فَرْداً ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : بلا مال ولا ولد.
الثاني : بلا ولي ولا ناصر.
أحدهما : سيجحدون أن يكونوا عبدوها لما شاهدوا من سوء عاقبتها.
الثاني : سيكفرون بمعبوداتهم ويكذبونهم.
﴿ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدّاً ﴾ فيه خمسة أوجه :
أحدها : أعواناً في خصومتهم، قاله مجاهد.
الثاني : قرناء في النار يلعنونهم، قاله قتادة.
الثالث : يكونون لهم أعداء، قاله الضحاك.
الرابع : بلاء عليهم، قاله ابن زيد.
الخامس : أنهم يكذبون على ضد ما قدروه فيهم وأملوه منهم، قاله ابن بحر.
أحدها : تزعجهم إزعاجاً حتى توقعهم في المعاصي، قاله قتادة.
الثاني : تغويهم إغواء، قاله الضحاك.
الثالث : تغريهم إغراء بالشر : امض امض في هذا الأمر حتى توقعهم في النار، قاله ابن عباس.
أحدها : نعد أعمالهم عداً، قاله قطرب.
الثاني : نعد أيام حياتهم، قاله الكلبي.
الثالث : نعد مدة إنظارهم إلى وقت الانتقام منهم بالسيف والجهاد، قاله مقاتل.
إذا كان الأنفاس بالعدد، ولم يكن لها مدد، فما أسرع ما تنفد.
.
أحدها : مشاة، قاله الفراء.
الثاني : عطاشاً.
الثالث : أفراداً.
٨٩ (في لهث منه وحبك إدّ} ٩
أحدهما : منكراً، قاله ابن عباس.
الثاني : عظيماً، قاله مجاهد. قال الراجز :
في لهث منه وحبك إدّ
(بغوا لَدَدَي حَنقاً عليَّ كأنما | تغلي عداوة صدرهم في مِرجل) |
(أبيت نجياً للهموم كأنني | أخاصم أقواماً ذوي جدلٍ لُدّا) |
أحدها : فجّاراً، قاله مجاهد.
الثاني : أهل إلحاح في الخصومة، مأخوذ من اللدود في الأفواه، فلزومهم الخصومة بأفواههم كحصول اللدود في الأفواه، قاله ابن بحر.
قال الشاعر :
بغوا لَدَدَي حَنقاً عليَّ كأنما | تغلي عداوة صدرهم في مِرجل |
أبيت نجياً للهموم كأنني | أخاصم أقواماً ذوي جدلٍ لُدّا |
أحدها : صوتاً، قاله ابن عباس وقتادة والضحاك.
الثاني : حِسّاً، قاله ابن زيد.
الثالث : أنه ما لا يفهم من صوت أو حركة، قاله اليزيدي.
سورة مريم
أشارت فاتحةُ سورةِ (مَرْيَمَ) إلى عظمةِ هذا الكتاب، ونبَّهتْ بعد ذلك على مِحوَرِ السُّورةِ؛ وهو رحمةُ الله عزَّ وجلَّ بأنبيائه؛ فقد بدأت بذِكْرِ رحمة الله عز وجل بزكريَّا ويحيى عليهما السلام، ثم رحمتِه تعالى بمَرْيَمَ وعيسى عليه السلام، ثم رحمتِهِ تعالى بإبراهيمَ عليه السلام، ثم رحمتِه تعالى بموسى وهارونَ عليهما السلام، ثمَّ رحمتِه تعالى بإسماعيلَ وإدريسَ عليهما السلام، وجُلُّ رحمةِ الله بعباده المؤمنين ستكون يومَ القيامة عندما يُنجِّي اللهُ الذين اتَّقَوْا من النَّار، ويذَرُ الظالمين فيها جِثِيًّا.
ترتيبها المصحفي
19نوعها
مكيةألفاظها
972ترتيب نزولها
44العد المدني الأول
98العد المدني الأخير
99العد البصري
98العد الكوفي
98العد الشامي
98* قوله تعالى: {وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَۖ لَهُۥ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا} [مريم: 64]:
عن عبدِ اللهِ بن عباسٍ رضي الله عنهما، قال: قال رسولُ اللهِ ﷺ لجِبْريلَ: «ألَا تَزُورُنا أكثَرَ ممَّا تَزُورُنا؟»، قال: فنزَلتْ: {وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَۖ لَهُۥ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا} [مريم: 64] الآيةَ. أخرجه البخاري (٣٢١٨).
* قوله تعالى: {أَفَرَءَيْتَ اْلَّذِي كَفَرَ بِـَٔايَٰتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالٗا وَوَلَدًا} [مريم: 77]:
عن خَبَّابِ بن الأَرَتِّ رضي الله عنه، قال: «كنتُ رجُلًا قَيْنًا، وكان لي على العاصِ بنِ وائلٍ دَيْنٌ، فأتَيْتُه أتقاضاه، فقال لي: لا أَقضِيك حتى تكفُرَ بمُحمَّدٍ، قال: قلتُ: لن أكفُرَ به حتى تموتَ، ثم تُبعَثَ، قال: وإنِّي لمبعوثٌ مِن بعدِ الموتِ؟! فسوف أَقضِيك إذا رجَعْتُ إلى مالٍ وولَدٍ، قال: فنزَلتْ: {أَفَرَءَيْتَ اْلَّذِي كَفَرَ بِـَٔايَٰتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالٗا وَوَلَدًا ٧٧ أَطَّلَعَ اْلْغَيْبَ أَمِ اْتَّخَذَ عِندَ اْلرَّحْمَٰنِ عَهْدٗا ٧٨ كَلَّاۚ سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُۥ مِنَ اْلْعَذَابِ مَدّٗا ٧٩ وَنَرِثُهُۥ مَا يَقُولُ وَيَأْتِينَا فَرْدٗا} [مريم: 77-80]». أخرجه البخاري (٤٧٣٥).
* سورة (مَرْيَمَ):
وجهُ تسميةِ سورة (مَرْيَمَ) بهذا الاسم: أنَّها بُسِطتْ فيها قصةُ (مَرْيَمَ)، وابنِها، وأهلِها.
* جاء في فضلِ سورة (مَرْيَمَ): أنها من قديم ما تعلَّمَه الصحابةُ من النبي صلى الله عليه وسلم:
عن عبد الرَّحمنِ بن يَزيدَ بن جابرٍ، قال: «سَمِعْتُ ابنَ مسعودٍ يقولُ في (بَنِي إسرائِيلَ)، و(الكَهْفِ)، و(مَرْيَمَ)، و(طه)، و(الأنبياءِ): إنَّهُنَّ مِن العِتَاقِ الأُوَلِ، وهُنَّ مِن تِلادي». أخرجه البخاري (٤٩٩٤).
قال أبو عُبَيدٍ: «قولُه: «مِن تِلَادي»: يعني: مِن قديمِ ما أخَذْتُ مِن القرآنِ؛ وذلك أنَّ هذه السُّوَرَ نزَلتْ بمكَّةَ». "فضائل القرآن" للقاسم بن سلام (ص247).
اشتملت سورةُ (مَرْيَمَ) على الموضوعات الآتية:
1. رحمته تعالى بزكريا ويحيى عليهما السلام (١-١٥).
2. رحمته تعالى بمَرْيَمَ وعيسى عليه السلام (١٦- ٤٠).
3. رحمته تعالى بإبراهيمَ عليه السلام (٤١ -٥٠).
4. رحمته تعالى بموسى وهارونَ عليهما السلام (٥١ -٥٣).
5. رحمته تعالى بإسماعيلَ وإدريسَ عليهما السلام (٥٤-٥٨).
6. طريق النجاة (٥٩-٦٥).
7. جَوْلات مع شُبَه الكافرين وأباطيلهم (٦٦-٩٥).
8. محبته تعالى لأوليائه، مهمة القرآن (٩٦-٩٨).
ينظر: "التفسير الموضوعي للقرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (4 /414).
مقصدُ السورةِ الأعظَمُ هو بيانُ اتِّصافه سبحانه بشمول الرحمة؛ بإضافةِ جميع النِّعَم على جميع خَلْقه، المستلزِم للدَّلالة على اتصافِه بجميع صفات الكمال، المستلزِم لشمول القدرة على إبداعِ المستغرَب، المستلزِم لتمام العلم، المُوجِب للقدرة على البعث، والتنزُّه عن الولد؛ لأنه لا يكون إلا لمحتاجٍ، ولا يكون إلا مثل الوالد، ولا سَمِيَّ له سبحانه، فضلًا عن مثيلٍ له سبحانه وتعالى.
ينظر: "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور" للبقاعي (2 /256).