تفسير سورة الصف

فتح الرحمن بكشف ما يلتبس في القرآن

تفسير سورة سورة الصف من كتاب فتح الرحمن بكشف ما يلتبس في القرآن
لمؤلفه زكريا الأنصاري . المتوفي سنة 926 هـ

قوله تعالى :﴿ يا قوم لم تؤذونني وقد تعلمون أني رسول الله إليكم ﴾ [ الصف : ٥ ].
فائدة ذكر " قد " التأكيد أو التكثير، كما تكون للتقليل( ١ ).
١ - الأصل أنّ "قد" إذا دخلت على الماضي تفيد التحقيق مثل ﴿قد جاءكم من الله نور﴾ وإذا دخلت على المضارع تفيد التقليل، كقولهم: قد يجود البخيل، وقد ينزل المطر، ولكنها في القرآن الكريم تفيد التأكيد والتحقيق، سواء دخلت على الماضي أو المضارع كقوله: ﴿قد يعلم الله﴾ وقوله: ﴿قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين﴾..
قوله تعالى :﴿ ومبشّرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد ﴾ [ الصف : ٦ ].
إن قلتَ : كيف خصّ عيسى " أحمد " بالذكر دون " محمد " مع أنه أشهر أسماء النبي صلى الله عليه وسلم ؟
قلتُ : خصّه بالذكر لأنه في الإنجيل مسمّى بهذا الاسم، ولأن اسمه في السماء أحمد( ١ ) فذكر باسمه السماوي، لأنه أحمد الناس لربه، لأن حمده لربه، بما يفتحه الله عليه يوم القيامة من المحامد، قبل شفاعته لأمته، سابق على حمدهم له تعالى، على طلبه الشفاعة من نبيه صلى الله عليه وسلم.
١ - أخرج البخاري ومسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لي خمسة أسماء: أنا محمد، وأنا أحمد، وأنا الحاشر الذي يُحشر الناس على قدمي، وأنا الماحي الذي يمحو الله بي الكفر، وأنا العاقب) أي الذي لا نبي بعده..
قوله تعالى :﴿ ومن أظلم ممن افترى على الله الكذب وهو يُدعى إلى الإسلام ﴾ [ الصف : ٧ ].
قاله هنا بتعريف الكذب، إشارة إلى قول اليهود ﴿ هذا سحر مبين ﴾ [ الصف : ٦ ].
وقاله في مواضع بتنكيره( ١ )، جريا على الأكثر، من استعمال المصدر مُنكَّراً.
١ - كقوله تعالى: ﴿ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بآياته... ﴾..
قوله تعالى :﴿ يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم... ﴾ [ الصف : ٨ ] اللام زائدة للتأكيد في مفعول " يريد " وأصله يريدون أن يطفئوا، كما في براءة( ١ )، أو تعليلية والمفعول محذوف تقديره : يريدون إبطال القرآن ليطفئوا.
١ - في براءة: ﴿يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم﴾..
قوله تعالى :﴿ يغفر لكم ذنوبكم ويدخلكم جنات... ﴾ [ الصف : ١٢ ]. مجزوم جوابا للأمر المأخوذ من " تؤمنون " أو جوابا للاستفهام في قوله تعالى :﴿ هل أدلّكم على تجارة ﴾ ؟ [ الصف : ١٠ ] أو مجزوم بشرط مقدّر أي إن تؤمنوا يغفر لكم.
قوله تعالى :﴿ يا أيها الذين آمنوا كونوا أنصار الله كما قال عيسى ابن مريم ﴾ الآية [ الصف : ١٤ ].
إن قلتَ : ظاهره تشبيه كونهم أنصار الله، بقول عيسى عليه السلام :﴿ من أنصاري إلى الله ﴾ [ الصف : ١٤ ] وليس مراداً ؟   !
قلتُ : التشبيه محمول على المعنى، تقديره : كونوا أنصار الله كما كان الحواريون أنصارا لعيسى حين قال لهم : من أنصاري إلى الله ؟
سورة الصف
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (الصَّفِّ) من السُّوَر المدنية، وهي من (المسبِّحات) التي تبدأ بـ{سَبَّحَ}، نزلت بعد سورة (التغابُنِ)، وقد طالبت المؤمنين بأن يكونوا على قلبِ رجلٍ واحد، متَّحِدِين بالتمسك بهذا الكتاب، وواقفين صفًّا واحدًا في الجهاد، والمحافظة على الجماعة ما أمكن، وهو مقصدٌ عظيم من مقاصد هذا الدِّين، ومصدر من مصادر قوة أتباعه.

ترتيبها المصحفي
61
نوعها
مدنية
ألفاظها
226
ترتيب نزولها
109
العد المدني الأول
14
العد المدني الأخير
14
العد البصري
14
العد الكوفي
14
العد الشامي
14

* قوله تعالى: {سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي اْلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي اْلْأَرْضِۖ وَهُوَ اْلْعَزِيزُ اْلْحَكِيمُ ١ يَٰٓأَيُّهَا اْلَّذِينَ ءَامَنُواْ لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ} [الصف: 1-2]:

عن عبدِ اللهِ بن سَلَامٍ رضي الله عنه، قال: «جلَسْتُ في نَفَرٍ مِن أصحابِ رسولِ اللهِ ﷺ، فقلتُ: أيُّكم يأتي رسولَ اللهِ ﷺ فيَسألَه: أيُّ الأعمالِ أحَبُّ إلى اللهِ؟ قال: فهِبْنا أن يَسألَه منَّا أحدٌ، قال: فأرسَلَ إلينا رسولُ اللهِ ﷺ يُفرِدُنا رجُلًا رجُلًا يَتخطَّى غيرَنا، فلمَّا اجتمَعْنا عنده، أومأَ بعضُنا إلى بعضٍ: لِأيِّ شيءٍ أرسَلَ إلينا؟ ففَزِعْنا أن يكونَ نزَلَ فينا، قال: فقرَأَ علينا رسولُ اللهِ ﷺ: {سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي اْلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي اْلْأَرْضِۖ وَهُوَ اْلْعَزِيزُ اْلْحَكِيمُ ١ يَٰٓأَيُّهَا اْلَّذِينَ ءَامَنُواْ لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ} [الصف: 1-2]، قال: فقرَأَ مِن فاتحتِها إلى خاتمتِها»، ثم قرَأَ يحيى مِن فاتحتِها إلى خاتمتِها، ثم قرَأَ الأَوْزاعيُّ مِن فاتحتِها إلى خاتمتِها، وقرَأَها الوليدُ مِن فاتحتِها إلى خاتمتِها. أخرجه ابن حبان (٤٥٩٤).

* سورة (الصَّف):

وجهُ تسمية سورة (الصَّفِّ) بهذا الاسم: هو وقوعُ كلمةِ {صَفّٗا} فيها؛ قال تعالى: {إِنَّ اْللَّهَ يُحِبُّ اْلَّذِينَ يُقَٰتِلُونَ فِي سَبِيلِهِۦ صَفّٗا كَأَنَّهُم بُنْيَٰنٞ مَّرْصُوصٞ} [الصف: 4].

* سورة (الحَوَاريِّين):

ووجهُ تسميتِها بهذا الاسم: هو ورود لفظ {اْلْحَوَارِيُّونَ} فيها مرتين في قوله تعالى: {يَٰٓأَيُّهَا اْلَّذِينَ ءَامَنُواْ كُونُوٓاْ أَنصَارَ اْللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى اْبْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّـۧنَ مَنْ أَنصَارِيٓ إِلَى اْللَّهِۖ قَالَ اْلْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اْللَّهِۖ} [الصف: 14].

1. مطابقة القول والعمل في شأن الجهاد (١-٤).

2. موقف الكفار من دعوة الأنبياء (٥- ٩).

3. التِّجارة الرابحة (١٠-١٤).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (8 /127).

مقصدُ سورة (الصَّفِّ) بيِّنٌ في اسمها؛ وهو الاجتماعُ، والوَحْدة، والتمسك بحبلِ الله المتين؛ ليكونَ المؤمنون صفًّا واحدًا في قلوبهم وأبدانهم.

وفي ذلك يقول البِقاعيُّ: «مقصودها: الحثُّ على الاجتهاد التام، والاجتماعِ على قلبٍ واحد، في جهادِ مَن دعت (الممتحنةُ) إلى البراءة منهم؛ بحَمْلِهم على الدِّين الحق، أو مَحْقِهم عن جديد الأرض؛ تنزيهًا للملكِ الأعلى عن الشرك، وصيانةً لجَنابه الأقدس عن الإفك، ودلالةً على الصِّدق في البراءة منهم، والعداوة لهم.

وأدلُّ ما فيها على هذا المقصدِ: الصفُّ؛ بتأمُّل آيته، وتدبُّر ما له من جليلِ النفع في أوله وأثنائه وغايته». "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور" للبقاعي (3 /81).