تفسير سورة الصف

البحر المحيط في التفسير

تفسير سورة سورة الصف من كتاب البحر المحيط في التفسير
لمؤلفه أبو حيان الأندلسي . المتوفي سنة 745 هـ
سورة الصف
هذه السورة مدنية في قول الجمهور، ابن عباس والحسن ومجاهد وعكرمة وقتادة. وقال ابن يسار : مكية، وروى ذلك أيضاً عن ابن عباس ومجاهد.
وسبب نزولها قول المنافقين للمؤمنين : نحن منكم ومعكم، ثم يظهر من أفعالهم خلاف ذلك ؛ أو قول شباب من المسلمين : فعلنا في الغزو كذا ولم يفعلوا ؛ أو قول ناس : وددنا أن نعرف أحب الأعمال إلى ربنا حتى نعنى فيه، ففرض الجهاد ؛ وأعلم تعالى بحب المجاهدين، فكرهه قوم وفر بعضهم يوم أحد، فنزلت، أقوال. الأول : لابن زيد، والثاني : لقتادة، والثالث : لابن عباس وأبي صالح.
ومناسبتها لآخر السورة قبلها، أن في آخر تلك :﴿ يأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ لاَ تَتَوَلَّوْاْ قوْماً غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ﴾
فاقتضى ذلك إثبات العداوة بينهم، فحض تعالى على الثبات إذا لقي المؤمنون في الحرب أعداءهم.

سورة الصّفّ
[سورة الصف (٦١) : الآيات ١ الى ١٤]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (١) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ (٢) كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ (٣) إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ (٤)
وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ فَلَمَّا زاغُوا أَزاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ (٥) وَإِذْ قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جاءَهُمْ بِالْبَيِّناتِ قالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ (٦) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعى إِلَى الْإِسْلامِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (٧) يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا نُورَ اللَّهِ بِأَفْواهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ (٨) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (٩)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ (١٠) تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (١١) يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَمَساكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (١٢) وَأُخْرى تُحِبُّونَها نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (١٣) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصارَ اللَّهِ كَما قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوارِيِّينَ مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللَّهِ قالَ الْحَوارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصارُ اللَّهِ فَآمَنَتْ طائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ وَكَفَرَتْ طائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظاهِرِينَ (١٤)
162
الْمَرْصُوصُ، قَالَ الْفَرَّاءُ وَالْقَاضِي مُنْذِرُ بْنُ سَعِيدٍ: هُوَ الْمَعْقُودُ بِالرَّصَاصِ. وَقَالَ الْمُبَرِّدُ: رَصَصْتُ الْبِنَاءَ: لَاءَمْتُ بَيْنَ أَجْزَائِهِ وَقَارَبْتُهُ حَتَّى يَصِيرَ كَقِطْعَةٍ وَاحِدَةٍ، قَالَ الرَّاعِي:
مَا لَقِيَ الْبِيضُ مِنَ الحرقوص بفتح باب المغلق الْمَرْصُوصِ
الْحُرْقُوصُ: دُوَيْبَّةٌ تُولَعُ بِالنِّسَاءِ الْأَبْكَارِ، وَقِيلَ: هُوَ من الترصيص، وهو انضمام الْأَسْنَانِ.
سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ، كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ، إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ، وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ فَلَمَّا زاغُوا أَزاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ، وَإِذْ قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جاءَهُمْ بِالْبَيِّناتِ قالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ، وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعى إِلَى الْإِسْلامِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ، يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا نُورَ اللَّهِ بِأَفْواهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ، هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ، تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ، يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَمَساكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ، وَأُخْرى تُحِبُّونَها نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصارَ اللَّهِ كَما قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوارِيِّينَ مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللَّهِ قالَ الْحَوارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصارُ اللَّهِ فَآمَنَتْ طائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ وَكَفَرَتْ طائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظاهِرِينَ.
هَذِهِ السُّورَةُ مَدَنِيَّةٌ فِي قَوْلُ الْجُمْهُورُ، ابْنُ عَبَّاسٍ وَالْحَسَنُ وَمُجَاهِدٌ وَعِكْرِمَةُ وَقَتَادَةُ.
وَقَالَ ابْنُ يَسَارٍ: مَكِّيَّةٌ، وَرُوِيَ ذَلِكَ أَيْضًا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٍ. وَسَبَبُ نُزُولِهَا قَوْلُ الْمُنَافِقِينَ لِلْمُؤْمِنِينَ: نَحْنُ مِنْكُمْ وَمَعَكُمْ، ثُمَّ يَظْهَرُ مِنْ أَفْعَالِهِمْ خِلَافُ ذَلِكَ أَوْ قَوْلُ شَبَابٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ: فَعَلْنَا فِي الْغَزْوِ كَذَا وَلَمْ يَفْعَلُوا أَوْ قَوْلُ نَاسٍ: وَدِدْنَا أَنْ نَعْرِفَ أَحَبَّ الْأَعْمَالِ
163
إِلَى رَبِّنَا حَتَّى نُعْنَى فِيهِ، فَفَرَضَ الْجِهَادَ وَأَعْلَمَ تَعَالَى بِحُبِّ الْمُجَاهِدِينَ، فَكَرِهَهُ قَوْمٌ وَفَرَّ بَعْضُهُمْ يَوْمَ أُحُدٍ، فَنَزَلَتْ، أَقْوَالٌ. الْأَوَّلُ: لِابْنِ زَيْدٍ، وَالثَّانِي: لِقَتَادَةَ، وَالثَّالِثُ: لِابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي صَالِحٍ.
وَمُنَاسَبَتُهَا لِآخِرِ السُّورَةِ قَبْلَهَا، أَنَّ فِي آخِرِ تلك: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ «١»، فَاقْتَضَى ذَلِكَ إِثْبَاتَ الْعَدَاوَةِ بَيْنَهُمْ، فَحَضَّ تَعَالَى عَلَى الثَّبَاتِ إِذَا لَقِيَ الْمُؤْمِنُونَ فِي الْحَرْبِ أَعْدَاءَهُمْ. وَالنِّدَاءُ بِ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا، إن كَانَ لِلْمُؤْمِنِينَ حَقِيقَةً، فَالِاسْتِفْهَامُ يُرَادُ بِهِ التَّلَطُّفُ فِي الْعَتْبِ، وَإِنْ كَانَ لِلْمُنَافِقِينَ، فَالْمَعْنَى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا: أَيْ بِأَلْسِنَتِهِمْ، وَالِاسْتِفْهَامُ يُرَادُ بِهِ الْإِنْكَارُ وَالتَّوْبِيخُ وَتَهَكُّمٌ بِهِمْ فِي إِسْنَادِ الْإِيمَانِ إِلَيْهِمْ، وَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِالْفِعْلِ وَحْدَهُ. وَوَقَفَ عَلَيْهِ بِالْهَاءِ أَوْ بِسُكُونِ الْمِيمِ، وَمَنْ سَكَّنَ فِي الْوَقْفِ فَلِإِجْرَائِهِ مُجْرَى الْوَقْفِ، وَالظَّاهِرُ انْتِصَابُ مَقْتاً عَلَى التَّمْيِيزِ، وَفَاعِلُ كَبُرَ: أَنْ تَقُولُوا، وَهُوَ مِنَ التَّمْيِيزِ الْمَنْقُولِ مِنَ الْفَاعِلِ، وَالتَّقْدِيرُ: كَبُرَ مَقْتُ قَوْلِكُمْ مَا لَا تَفْعَلُونَ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ بَابِ نِعْمَ وَبِئْسَ، فَيَكُونُ فِي كَبُرَ ضَمِيرٌ مُبْهَمٌ مُفَسَّرٌ بِالتَّمْيِيزِ، وَأَنْ تَقُولُوا هُوَ الْمَخْصُوصُ بِالذَّمِّ، أَيْ بِئْسَ مَقْتًا قَوْلُكُمْ كَذَا، وَالْخِلَافُ الْجَارِي فِي الْمَرْفُوعِ فِي: بِئْسَ رَجُلًا زَيْدٌ، جَارٍ فِي أَنْ تَقُولُوا هُنَا، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي كَبُرَ ضَمِيرٌ يَعُودُ عَلَى الْمَصْدَرِ الْمَفْهُومِ مِنْ قَوْلِهِ: لِمَ تَقُولُونَ، أَيْ كَبُرَ هُوَ، أَيِ الْقَوْلُ مَقْتًا، وَمِثْلُهُ كَبُرَتْ كَلِمَةً، أَيْ مَا أَكْبَرُهَا كَلِمَةً، وَأَنْ تَقُولُوا بَدَلٌ مِنَ الْمُضْمَرِ، أَوْ خَبَرُ ابْتِدَاءٍ مُضْمَرٍ. وَقِيلَ: هُوَ مِنْ أَبْنِيَةِ التَّعَجُّبِ، أَيْ مَا أَكْبَرَهُ مَقْتًا. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: قَصَدَ فِي كَبُرَ التَّعَجُّبَ مِنْ غَيْرِ لَفْظِهِ كَقَوْلِهِ:
غَلَّتْ نَابُ كُلَيْبٍ بَوَاؤُهَا وَمَعْنَى التَّعَجُّبِ: تَعْظِيمُ الْأَمْرِ فِي قُلُوبِ السَّامِعِينَ، لِأَنَّ التَّعَجُّبَ لَا يَكُونُ إِلَّا مِنْ شَيْءٍ خَارِجٍ عَنْ نُظَرَائِهِ وَأَشْكَالِهِ، وَأُسْنِدَ إِلَى أَنْ تَقُولُوا وَنُصِبَ مَقْتاً عَلَى تَفْسِيرِهِ، دَلَالَةً عَلَى أَنَّ قَوْلَهُمْ مَا لَا يَفْعَلُونَ مَقْتٌ خَالِصٌ لَا شَوْبَ فِيهِ لِفَرْطِ تَمَكُّنِ الْمَقْتِ مِنْهُ، وَاخْتِيرَ لَفْظُ الْمَقْتِ لِأَنَّهُ أَشَدُّ الْبُغْضِ، وَلَمْ يَقْتَصِرْ عَلَى أَنَّ جَعْلَ الْبُغْضِ كَثِيرًا حَتَّى جُعِلَ أَشَدَّهُ وَأَفْحَشَهُ، وَعِنْدَ اللَّهِ أَبْلَغُ مِنْ ذَلِكَ، لِأَنَّهُ إِذَا ثَبَتَ كَبُرَ مَقْتُهُ عِنْدَ اللَّهِ فَقَدْ تَمَّ كِبْرُهُ وَشِدَّتُهُ.
انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَالْمَقْتُ: الْبُغْضُ مِنْ أَجْلِ ذَنْبٍ أَوْ رِيبَةٍ أَوْ دَنَاءَةٍ يَصْنَعُهَا الْمَمْقُوتُ.
انْتَهَى. وَقَالَ الْمُبَرِّدُ: رَجُلٌ مَمْقُوتٌ وَمَقِيتٌ، إِذَا كَانَ يُبْغِضُهُ كُلُّ أَحَدٍ. انْتَهَى. وَقَرَأَ زَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ: يُقَاتِلُونَ بفتح التاء. وقيل: قرىء يَقْتُلُونَ، وَانْتَصَبَ صَفًّا عَلَى الْحَالِ، أي صافين
(١) سورة الممتحنة: ٦٠/ ١٣.
164
أَنْفُسَهُمْ أَوْ مَصْفُوفِينَ، كَأَنَّهُمْ فيء فِي تَرَاصِّهِمْ مِنْ غَيْرِ فُرْجَةٍ وَلَا خَلَلٍ، بُنْيَانٌ رُصَّ بَعْضُهُ إِلَى بَعْضٍ. وَالظَّاهِرُ تَشْبِيهُ الذَّوَاتِ فِي الْتِحَامِ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ بِالْبُنْيَانِ الْمَرْصُوصِ. وَقِيلَ: الْمُرَادُ اسْتِوَاءُ نِيَّاتِهِمْ فِي الثَّبَاتِ حَتَّى يَكُونُوا فِي اجْتِمَاعِ الْكَلِمَةِ كَالْبُنْيَانِ الْمَرْصُوصِ. قِيلَ: وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى فَضْلِ الْقِتَالِ رَاجِلًا، لِأَنَّ الْفُرْسَانَ لَا يَصْطَفُّونَ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ وَصْفًا وَكَأَنَّهُمْ، قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: حَالَانِ مُتَدَاخِلَانِ. وَقَالَ الْحَوْفِيُّ: كَأَنَّهُمْ فِي مَوْضِعِ النَّعْتِ لِصَفًّا. انْتَهَى.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَا حَالَيْنِ مِنْ ضَمِيرِ يُقَاتِلُونَ.
وَلَمَّا كَانَ فِي الْمُؤْمِنِينَ مَنْ يَقُولُ مَا لَا يَفْعَلُ، وَهُوَ رَاجِعٌ إِلَى الْكَذِبِ، فَإِنَّ ذَلِكَ فِي مَعْنَى الْإِذَايَةِ لِلرَّسُولِ عَلَيْهِ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ، إِذْ كَانَ فِي أَتْبَاعِهِ مَنْ عَانَى الْكَذِبَ، فَنَاسَبَ ذِكْرُ قِصَّةِ مُوسَى وَقَوْلُهُ لِقَوْمِهِ: لِمَ تُؤْذُونَنِي، وَإِذَايَتُهُمْ لَهُ كَانَ بِانْتِقَاصِهِ فِي نَفْسِهِ وَجُحُودِ آيَاتِ اللَّهِ تَعَالَى وَاقْتِرَاحَاتِهِمْ عَلَيْهِ مَا لَيْسَ لَهُمُ اقْتِرَاحُهُ، وَقَدْ تَعْلَمُونَ: جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ تَقْتَضِي تَعْظِيمَهُ وَتَكْرِيمَهُ، فَرَتَّبُوا عَلَى عِلْمِهِمْ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ مَا لَا يُنَاسِبُ الْعِلْمَ وَهُوَ الْإِذَايَةُ، وَقَدْ تَدُلُّ عَلَى التَّحَقُّقِ فِي الْمَاضِي وَالتَّوَقُّعِ فِي الْمُضَارِعِ، وَالْمُضَارِعُ هُنَا مَعْنَاهُ الْمُضِيُّ، أَيْ وَقَدْ عَلِمْتُمْ، كَقَوْلِهِ: قَدْ يَعْلَمُ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ «١»، أَيْ قَدْ عُلِمَ، قَدْ نَرى تَقَلُّبَ «٢». وَعُبِّرَ عَنْهُ بِالْمُضَارِعِ لِيَدُلَّ عَلَى اسْتِصْحَابِ الْفِعْلِ، فَلَمَّا زاغُوا عَنِ الْحَقِّ، أَزاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ. قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: بِأَنْ مَنَعَ أَلْطَافَهُ، وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ: لَا يَلْطُفُ بِهِمْ، لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا مِنْ أَهْلِ اللُّطْفِ. وَقَالَ غَيْرُهُ: أَسْنَدَ الزَّيْغَ إِلَيْهِمْ، ثُمَّ قَالَ: أَزاغَ اللَّهُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: نَسُوا اللَّهَ فَأَنْساهُمْ أَنْفُسَهُمْ «٣»، وَهُوَ مِنَ الْعُقُوبَةِ عَلَى الذَّنْبِ بِالذَّنْبِ، بِخِلَافِ قَوْلِهِ: ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا «٤».
وَلَمَّا ذَكَرَ شَيْئًا مِنْ قِصَّةَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ مَعَ بَنِي إِسْرَائِيلَ، ذَكَرَ أَيْضًا شَيْئًا مِنْ قِصَّةِ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ. وَهُنَاكَ قَالَ: يَا قَوْمِ لِأَنَّهُ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَهُنَا قَالَ عِيسَى:
يَا بَنِي إِسْرائِيلَ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ لَهُ فِيهِمْ أَبٌ، وَإِنْ كَانَتْ أُمُّهُ مِنْهُمْ. وَمُصَدِّقًا وَمُبَشِّرًا:
حَالَانِ، وَالْعَامِلُ رَسُولٌ، أَيْ مُرْسَلٌ، وَيَأْتِي وَاسْمُهُ جُمْلَتَانِ فِي مَوْضِعِ الصِّفَةِ لِرَسُولٍ أَخْبَرَ أَنَّهُ مُصَدِّقٌ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ كتب الله الإلهية، ولئن تَأَخَّرَ مِنَ النَّبِيِّ الْمَذْكُورِ، لِأَنَّ التَّبْشِيرَ بِأَنَّهُ رَسُولٌ تَصْدِيقٌ لِرِسَالَتِهِ.
وَرُوِيَ أَنَّ الْحَوَارِيِّينَ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ بَعْدَنَا مِنْ أُمَّةٍ؟ قَالَ:
«نَعَمْ، أُمَّةُ أَحْمَدَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حُكَمَاءُ عُلَمَاءُ أَبْرَارٌ أَتْقِيَاءُ، كَأَنَّهُمْ مِنَ الْفِقْهِ أَنْبِيَاءُ يَرْضَوْنَ مِنَ اللَّهِ
(١) سورة النور: ٢٤/ ٦٤.
(٢) سورة البقرة: ٢/ ١٤٤.
(٣) سورة الحشر: ٥٩/ ١٩.
(٤) سورة التوبة: ٩/ ١١٨.
165
بِالْيَسِيرِ مِنَ الرِّزْقِ، وَيَرْضَى اللَّهُ مِنْهُمْ بِالْقَلِيلِ مِنَ الْعَمَلِ».
وَأَحْمَدُ عَلَمٌ مَنْقُولٌ مِنَ الْمُضَارِعِ لِلْمُتَكَلِّمِ، أَوْ مِنْ أَحْمَدَ أَفْعَلِ التَّفْضِيلِ، وَقَالَ حَسَّانُ:
صَلَّى الْإِلَهُ وَمَنْ يَحِفُّ بِعَرْشِهِ وَالطَّيِّبُونَ عَلَى الْمُبَارَكِ أَحْمَدَ
وَقَالَ الْقُشَيْرِيُّ: بَشَّرَ كُلُّ نَبِيٍّ قَوْمَهُ بِنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَاللَّهُ أَفْرَدَ عِيسَى بِالذِّكْرِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ لِأَنَّهُ آخِرُ نَبِيٍّ قَبْلَ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَبَيَّنَ أَنَّ الْبِشَارَةَ بِهِ عَمَّتْ جَمِيعَ الْأَنْبِيَاءِ وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ حَتَّى انْتَهَتْ إِلَى عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الضَّمِيرَ الْمَرْفُوعَ فِي جاءَهُمْ يَعُودُ عَلَى عِيسَى لِأَنَّهُ الْمُحَدَّثُ عَنْهُ. وَقِيلَ: يَعُودُ عَلَى أَحْمَدَ. لَمَّا فَرَغَ مِنْ كَلَامِ عِيسَى، تَطَرَّقَ إِلَى الْإِخْبَارِ عَنْ أَحْمَدَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الْإِخْبَارِ لِلْمُؤْمِنِينَ، أَيْ فَلَمَّا جَاءَ الْمُبَشَّرُ بِهِ هَؤُلَاءِ الْكُفَّارُ بِالْمُعْجِزَاتِ الْوَاضِحَةِ قَالُوا: هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ. وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: سِحْرٌ، أَيْ مَا جَاءَ بِهِ مِنَ الْبَيِّنَاتِ. وَقَرَأَ عَبْدُ اللَّهِ وَطَلْحَةُ وَالْأَعْمَشُ وَابْنُ وَثَّابٍ: سَاحِرٌ، أَيْ هَذَا الْحَالُ سَاحِرٌ. وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: يَدَّعِي مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ وَطَلْحَةُ: يَدَّعِي مُضَارِعُ ادَّعَى مَبْنِيًّا لِلْفَاعِلِ، وَادَّعَى يَتَعَدَّى بِنَفْسِهِ إِلَى الْمَفْعُولِ بِهِ، لَكِنَّهُ لَمَّا ضَمِنَ مَعْنَى الِانْتِمَاءِ وَالِانْتِسَابِ عُدِّيَ بِإِلَى. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: أَيْضًا، وَقَرَأَ طَلْحَةُ بْنُ مُصَرِّفٍ: وَهُوَ يَدَّعِي بِشَدِّ الدَّالِ، بِمَعْنَى يَدَّعِي دَعَاهُ وَادَّعَاهُ، نَحْوُ لَمَسَهُ وَالْتَمَسَهُ.
يُرِيدُونَ الْآيَةَ: تَقَدَّمَ تَفْسِيرُ نَظِيرِهَا فِي سُورَةِ التَّوْبَةِ. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: أَصْلُهُ:
يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا «١»، كَمَا جَاءَ فِي سُورَةِ بَرَاءَةَ، وَكَأَنَّ هَذِهِ اللَّامَ زِيدَتْ مَعَ فِعْلِ الْإِرَادَةِ تَأْكِيدًا لَهُ لِمَا فِيهَا مِنْ مَعْنَى الْإِرَادَةِ فِي قَوْلِكَ: جِئْتُكَ لِأُكْرِمَكَ، كَمَا زِيدَتِ اللَّامُ فِي: لَا أَبَا لَكَ، تَأْكِيدًا لِمَعْنَى الْإِضَافَةِ فِي: لَا أَبَا لَكَ. انْتَهَى. وَقَالَ نَحْوَهُ ابْنُ عَطِيَّةَ، قَالَ: وَاللَّامُ في قوله: لِيُطْفِؤُا لَامٌ مُؤَكِّدَةٌ، دَخَلَتْ عَلَى الْمَفْعُولِ لِأَنَّ التَّقْدِيرَ: يُرِيدُونَ أن يطفؤا، وَأَكْثَرُ مَا تَلْزَمُ هَذِهِ اللَّامُ الْمَفْعُولَ إِذَا تَقَدَّمَ، تَقُولُ: لِزَيْدٍ ضَرَبْتُ، وَلِرُؤْيَتِكَ قَصَرْتُ. انْتَهَى. وَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَطِيَّةَ مِنْ أَنَّ هَذِهِ اللَّامَ أَكْثَرُ مَا تَلْزَمُ الْمَفْعُولَ إِذَا تَقَدَّمَ لَيْسَ بِأَكْثَرَ، بَلِ الْأَكْثَرُ: زَيْدًا ضَرَبْتُ، مِنْ: لِزَيْدٍ ضَرَبْتُ. وَأَمَّا قَوْلُهُمَا إِنَّ اللَّامَ لِلتَّأْكِيدِ، وَإِنَّ التَّقْدِيرَ أن يطفؤا، فَالْإِطْفَاءُ مَفْعُولُ يُرِيدُونَ، فَلَيْسَ بِمَذْهَبِ سِيبَوَيْهِ وَالْجُمْهُورِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ زيد: هُنَا يُرِيدُونَ إِبْطَالَ الْقُرْآنِ وَتَكْذِيبَهُ بِالْقَوْلِ. وَقَالَ السُّدِّيُّ: يُرِيدُونَ دَفْعَ الْإِسْلَامِ بِالْكَلَامِ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ: هَلَاكَ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْأَرَاجِيفِ. وَقَالَ ابْنُ بَحْرٍ: إِبْطَالَ حُجَجِ اللَّهِ بِتَكْذِيبِهِمْ.
(١) سورة التوبة: ٩/ ٣٢.
166
وَعَنِ ابْنُ عَبَّاسٍ: سَبَبُ نُزُولِهَا أَنَّ الْوَحْيَ أَبْطَأَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، فَقَالَ كَعْبُ بْنُ الْأَشْرَفِ:
يَا مَعْشَرَ يَهُودَ أَبْشِرُوا، أَطْفَأَ اللَّهُ نُورَ مُحَمَّدٍ فِيمَا كَانَ يَنْزِلُ عَلَيْهِ وَمَا كَانَ لِيُتِمَّ نُورَهُ، فَحَزِنَ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَنَزَلَتْ وَاتَّصَلَ الْوَحْيُ.
وَقَرَأَ الْعَرَبِيَّانِ وَنَافِعٌ وَأَبُو بَكْرٍ وَالْحَسَنُ وَطَلْحَةُ وَالْأَعْرَجُ وَابْنُ مُحَيْصِنٍ: مُتِمُّ بِالتَّنْوِينِ، نُورِهِ بِالنَّصْبِ وَبَاقِي السَّبْعَةِ وَالْأَعْمَشُ: بِالْإِضَافَةِ.
وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: تُنْجِيكُمْ مُخَفَّفًا وَالْحَسَنُ وَابْنُ أَبِي إِسْحَاقَ وَالْأَعْرَجُ وَابْنُ عَامِرٍ:
مُشَدَّدًا. وَالْجُمْهُورُ: تُؤْمِنُونَ، وَتُجاهِدُونَ وَعَبْدُ اللَّهِ: آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجَاهِدُوا أَمْرَيْنِ وَزَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ بِالتَّاءِ، فِيهِمَا مَحْذُوفَ النُّونِ فِيهِمَا. فَأَمَّا تَوْجِيهُ قِرَاءَةِ الْجُمْهُورِ، فَقَالَ الْمُبَرِّدُ: هُوَ بِمَعْنَى آمِنُوا عَلَى الْأَمْرِ، وَلِذَلِكَ جَاءَ يَغْفِرْ مَجْزُومًا. انْتَهَى، فَصُورَتُهُ صُورَةُ الْخَبَرِ، وَمَعْنَاهُ الْأَمْرُ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قِرَاءَةُ عَبْدِ اللَّهِ، وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ: اتَّقَى اللَّهَ امْرُؤٌ فَعَلَ خَيْرًا يُثَبْ عَلَيْهِ، أَيْ لِيَتَّقِ اللَّهَ، وَجِيءَ بِهِ عَلَى صُورَةِ الْخَبَرِ. قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: لِلْإِيذَانِ بِوُجُوبِ الِامْتِثَالِ وَكَأَنَّهُ امْتَثَلَ، فَهُوَ يُخْبِرُ عَنْ إِيمَانٍ وَجِهَادٍ مَوْجُودَيْنِ، وَنَظِيرُهُ قَوْلُ الدَّاعِي: غَفَرَ اللَّهُ لَكَ وَيَغْفِرُ اللَّهُ لَكَ، جُعِلَتِ الْمَغْفِرَةُ لِقُوَّةِ الرَّجَاءِ، كَأَنَّهَا كَانَتْ وَوُجِدَتْ. انْتَهَى. وَقَالَ الْأَخْفَشُ: هُوَ عَطْفُ بَيَانٍ عَلَى تِجَارَةٍ، وَهَذَا لَا يُتَخَيَّلُ إِلَّا عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ الْأَصْلُ أَنْ تُؤْمِنُوا حَتَّى يَتَقَدَّرَ بِمَصْدَرٍ، ثُمَّ حُذِفَ أَنْ فَارْتَفَعَ الْفِعْلُ كَقَوْلِهِ:
أَلَا أَيُّهَذَا الزَّاجِرِي أَحَضُرَ الوغا يُرِيدُ: أَنْ أَحْضُرَ، فَلَمَّا حذف أن ارتفع الفعل، فَكَانَ تَقْدِيرُ الْآيَةِ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ: إِيمَانٌ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٌ. وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: تُؤْمِنُونَ فِعْلٌ مَرْفُوعٌ تَقْدِيرُهُ ذَلِكَ أَنَّهُ تُؤْمِنُونَ. انْتَهَى، وَهَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ، لِأَنَّ فِيهِ حَذْفَ الْمُبْتَدَأِ وَحَذْفَ أَنَّهُ وَإِبْقَاءَ الْخَبَرِ، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وَتُؤْمِنُونَ اسْتِئْنَافٌ، كَأَنَّهُمْ قَالُوا: كَيْفَ نَعْمَلُ؟ فَقَالَ: تُؤْمِنُونَ، ثُمَّ اتَّبَعَ الْمُبَرِّدُ فَقَالَ: هُوَ خَبَرٌ فِي مَعْنَى الْأَمْرِ، وَبِهَذَا أُجِيبَ بِقَوْلِهِ: يَغْفِرْ لَكُمْ. انْتَهَى. وَأَمَّا قِرَاءَةُ عَبْدِ اللَّهِ فَظَاهِرَةُ الْمَعْنَى وَجَوَابُ الْأَمْرِ يَغْفِرْ، وَأَمَّا قِرَاءَةُ زَيْدٍ فَتَتَوَجَّهُ عَلَى حَذْفِ لَامِ الْأَمْرِ، التَّقْدِيرُ: لِتُؤْمِنُوا، كَقَوْلِ الشَّاعِرِ:
قُلْتُ لِبَوَّابٍ عَلَى بَابِهَا تَأْذَنْ لِي أَنِّي مِنْ أَحْمَائِهَا
يُرِيدُ: لِتَأْذَنْ، وَيَغْفِرْ مَجْزُومٌ عَلَى جَوَابِ الْأَمْرِ فِي قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ وَقِرَاءَةِ زَيْدٍ، وَعَلَى تَقْدِيرِ الْمُبَرِّدِ. وَقَالَ الْفَرَّاءُ: هُوَ مَجْزُومٌ عَلَى جَوَابِ الِاسْتِفْهَامِ، وَهُوَ قَوْلُهُ: هَلْ أَدُلُّكُمْ، وَاسْتُبْعِدَ هَذَا التَّخْرِيجُ. قَالَ الزَّجَّاجُ: لَيْسُوا إِذَا دَلَّهُمْ عَلَى مَا يَنْفَعُهُمْ يَغْفِرُ لَهُمْ، إِنَّمَا يَغْفِرُ لَهُمْ إِذَا آمَنُوا وَجَاهَدُوا. وَقَالَ الْمَهْدَوِيُّ: إِنَّمَا يَصِحُّ حَمْلًا عَلَى الْمَعْنَى، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ
167
تُؤْمِنُونَ وَتُجَاهِدُونَ عَطْفَ بَيَانٍ عَلَى قَوْلِهِ: هَلْ أَدُلُّكُمْ، كَأَنَّ التِّجَارَةَ لَمْ يُدْرَ مَا هِيَ، فَبُيِّنَتْ بِالْإِيمَانِ وَالْجِهَادِ، فَهِيَ هُمَا فِي الْمَعْنَى، فَكَأَنَّهُ قَالَ: هَلْ تُؤْمِنُونَ وَتُجَاهِدُونَ؟ قَالَ:
فَإِنْ لَمْ تُقَدَّرْ هَذَا التَّقْدِيرَ لَمْ يَصِحَّ، لِأَنَّهُ يَصِيرُ: إِنْ دُلِلْتُمْ يَغْفِرْ لَكُمْ، وَالْغُفْرَانُ إِنَّمَا يَجِبُ بِالْقَبُولِ وَالْإِيمَانِ لَا بِالدِّلَالَةِ. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ نَحْوَهُ، قَالَ: وَجْهُهُ أَنَّ مُتَعَلَّقَ الدِّلَالَةِ هُوَ التِّجَارَةُ، وَالتِّجَارَةُ مُفَسَّرَةٌ بِالْإِيمَانِ وَالْجِهَادِ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: هَلْ تتحرون بِالْإِيمَانِ وَالْجِهَادِ يُغْفَرْ لَكُمْ؟ انْتَهَى، وَتَقَدَّمَ شَرْحُ بَقِيَّةُ الْآيَةِ.
وَلَمَّا ذَكَرَ تَعَالَى مَا يَمْنَعُهُمْ مِنَ الثَّوَابِ فِي الْآخِرَةِ، ذَكَرَ مَا يَسُرُّهُمْ فِي الْعَاجِلَةِ، وَهِيَ مَا يُفْتَحُ عَلَيْهِمْ مِنَ الْبِلَادِ. وَأُخْرى: صِفَةٌ لِمَحْذُوفٍ، أَيْ وَلَكُمْ مَثُوبَةٌ أُخْرَى، أَوْ نِعْمَةٌ أُخْرَى عَاجِلَةٌ إِلَى هَذِهِ النِّعْمَةِ الْآجِلَةِ. فَأُخْرَى مُبْتَدَأٌ وَخَبَرُهُ الْمُقَدَّرُ لَكُمْ، وَهُوَ قَوْلُ الْفَرَّاءِ، وَيُرَجِّحُهُ الْبَدَلُ مِنْهُ بِقَوْلِهِ: نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ، وتُحِبُّونَها صِفَةٌ، أَيْ مَحْبُوبَةٌ إِلَيْكُمْ. وَقَالَ قَوْمٌ: وَأُخْرَى فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ بِإِضْمَارِ فِعْلٍ، أَيِ وَيَمْنَحُكُمْ أُخْرَى وَنَصْرٌ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ، أَيْ ذَلِكَ، أَوْ هُوَ نَصْرٌ. وَقَالَ الْأَخْفَشُ: وَأُخْرَى فِي مَوْضِعِ جَرٍّ عَطْفًا عَلَى تِجَارَةٍ، وَضُعِّفَ هَذَا الْقَوْلُ لِأَنَّ هَذِهِ الْأُخْرَى لَيْسَتْ مِمَّا دَلَّ عَلَيْهِ، إِنَّمَا هِيَ مِنَ الثَّوَابِ الَّذِي يُعْطِيهِمُ اللَّهُ عَلَى الْإِيمَانِ وَالْجِهَادِ بِالنَّفْسِ وَالْمَالِ. وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: نَصْرٌ بِالرَّفْعِ، وَكَذَا وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَابْنُ أَبِي عَبْلَةَ: بِالنَّصْبِ فِيهَا ثَلَاثَتُهَا، وَوَصْفُ أُخْرَى بِتُحِبُّونَهَا، لِأَنَّ النَّفْسَ قَدْ وُكِّلَتْ بِحُبِّ الْعَاجِلِ، وَفِي ذَلِكَ تَحْرِيضٌ عَلَى مَا يَحْصُلُ ذَلِكَ، وَهُوَ الْإِيمَانُ وَالْجِهَادُ. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وَفِي تُحِبُّونَهَا شَيْءٌ مِنَ التَّوْبِيخِ عَلَى مَحَبَّةِ الْعَاجِلِ، قَالَ: فَإِنْ قُلْتَ: لِمَ نَصَبَ مَنْ قَرَأَ نَصْرًا مِنَ اللَّهِ وَفَتْحًا قَرِيبًا؟ قُلْتُ: يَجُوزُ أَنْ يُنْصَبَ عَلَى الِاخْتِصَاصِ، أَوْ عَلَى يُنْصَرُونَ نَصْرًا وَيَفْتَحُ لَكُمْ فَتْحًا، أَوْ عَلَى يَغْفِرْ لَكُمْ ويُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ وَيُؤْتِكُمْ أُخْرَى نَصْرًا وَفَتْحًا قَرِيبًا. فَإِنْ قُلْتَ عَلَامَ عُطِفَ قَوْلُهُ: وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ؟ قُلْتُ: عَلَى تُؤْمِنُونَ، لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْأَمْرِ، كَأَنَّهُ قِيلَ: آمِنُوا وَجَاهِدُوا يُثِبْكُمُ اللَّهُ وَيَنْصُرْكُمْ، وَبَشِّرْ يَا رَسُولَ اللَّهِ الْمُؤْمِنِينَ بِذَلِكَ. انْتَهَى.
كُونُوا أَنْصارَ اللَّهِ: نَدَبَ الْمُؤْمِنِينَ إِلَى النُّصْرَةِ وَوَضَعَ لَهُمْ هَذَا الِاسْمَ، وِإِنْ كَانَ قَدْ صَارَ عُرْفًا لِلْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ، وَسَمَّاهُمُ اللَّهُ بِهِ. وَقَرَأَ الْأَعْرَجُ وَعِيسَى وَأَبُو عَمْرٍو وَالْحَرَمِيَّانِ:
أَنْصَارًا لِلَّهِ بِالتَّنْوِينِ وَالْحَسَنُ وَالْجَحْدَرِيُّ وَبَاقِي السَّبْعَةِ: بِالْإِضَافَةِ إِلَى اللَّهِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ كَمَا فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلَى إِضْمَارٍ، أَيْ قُلْنَا لَكُمْ ذَلِكَ كَمَا قَالَ عِيسَى. وَقَالَ مَكِّيٌّ: نَعْتٌ لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ، وَالتَّقْدِيرُ: كُونُوا كَوْنًا. وَقِيلَ: نَعْتٌ لِأَنْصَارًا، أَيْ كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ كَمَا
168
كَانَ الْحَوَارِيُّونَ أَنْصَارَ عِيسَى حِينَ قَالَ: مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللَّهِ. انْتَهَى. وَالْحَوَارِيُّونَ اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا، وَهُمْ أَوَّلُ مَنْ آمَنَ بِعِيسَى، بَثَّهُمْ عِيسَى فِي الْآفَاقِ، بَعَثَ بُطْرُسَ وَبُولُسَ إِلَى رُومِيَّةَ، وَأَنْدَارَسَ وَمَتَّى إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي يَأْكُلُ أَهْلُهَا النَّاسَ، وَبُوقَاسَ إِلَى أَرْضِ بَابِلَ، وَفِيلِيسَ إِلَى قَرْطَاجَنَّةَ وَهِيَ إِفْرِيقِيَّةُ، وَيَحْنَسَ إِلَى أُقْسُوسَ قَرْيَةَ أَصْحَابِ الْكَهْفِ، وَيَعْقُوبِينَ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَابْنَ بَلْيَمَنَ إِلَى أَرْضِ الْحِجَازِ وَتَسْتَمَرَ إِلَى أَرْضِ الْبَرْبَرِ وَمَا حَوْلَهَا، وَفِي بَعْضِ أَسْمَائِهِمْ إِشْكَالٌ مِنْ جِهَةِ الضَّبْطِ، فَلْيُلْتَمَسْ ذَلِكَ مِنْ مَظَانِّهِ. فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا بِعِيسَى عَلى عَدُوِّهِمْ: وَهُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعِيسَى، فَأَصْبَحُوا ظاهِرِينَ: أَيْ قَاهِرِينَ لَهُمْ مُسْتَوْلِينَ عَلَيْهِمْ. وَقَالَ زَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ وَقَتَادَةُ: ظَاهِرِينَ: غَالِبِينَ بِالْحُجَّةِ وَالْبُرْهَانِ. وَقِيلَ: أَيَّدْنَا الْمُسْلِمِينَ عَلَى الْفِرْقَتَيْنِ الضَّالَّتَيْنِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
169
سورة الصف
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (الصَّفِّ) من السُّوَر المدنية، وهي من (المسبِّحات) التي تبدأ بـ{سَبَّحَ}، نزلت بعد سورة (التغابُنِ)، وقد طالبت المؤمنين بأن يكونوا على قلبِ رجلٍ واحد، متَّحِدِين بالتمسك بهذا الكتاب، وواقفين صفًّا واحدًا في الجهاد، والمحافظة على الجماعة ما أمكن، وهو مقصدٌ عظيم من مقاصد هذا الدِّين، ومصدر من مصادر قوة أتباعه.

ترتيبها المصحفي
61
نوعها
مدنية
ألفاظها
226
ترتيب نزولها
109
العد المدني الأول
14
العد المدني الأخير
14
العد البصري
14
العد الكوفي
14
العد الشامي
14

* قوله تعالى: {سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي اْلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي اْلْأَرْضِۖ وَهُوَ اْلْعَزِيزُ اْلْحَكِيمُ ١ يَٰٓأَيُّهَا اْلَّذِينَ ءَامَنُواْ لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ} [الصف: 1-2]:

عن عبدِ اللهِ بن سَلَامٍ رضي الله عنه، قال: «جلَسْتُ في نَفَرٍ مِن أصحابِ رسولِ اللهِ ﷺ، فقلتُ: أيُّكم يأتي رسولَ اللهِ ﷺ فيَسألَه: أيُّ الأعمالِ أحَبُّ إلى اللهِ؟ قال: فهِبْنا أن يَسألَه منَّا أحدٌ، قال: فأرسَلَ إلينا رسولُ اللهِ ﷺ يُفرِدُنا رجُلًا رجُلًا يَتخطَّى غيرَنا، فلمَّا اجتمَعْنا عنده، أومأَ بعضُنا إلى بعضٍ: لِأيِّ شيءٍ أرسَلَ إلينا؟ ففَزِعْنا أن يكونَ نزَلَ فينا، قال: فقرَأَ علينا رسولُ اللهِ ﷺ: {سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي اْلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي اْلْأَرْضِۖ وَهُوَ اْلْعَزِيزُ اْلْحَكِيمُ ١ يَٰٓأَيُّهَا اْلَّذِينَ ءَامَنُواْ لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ} [الصف: 1-2]، قال: فقرَأَ مِن فاتحتِها إلى خاتمتِها»، ثم قرَأَ يحيى مِن فاتحتِها إلى خاتمتِها، ثم قرَأَ الأَوْزاعيُّ مِن فاتحتِها إلى خاتمتِها، وقرَأَها الوليدُ مِن فاتحتِها إلى خاتمتِها. أخرجه ابن حبان (٤٥٩٤).

* سورة (الصَّف):

وجهُ تسمية سورة (الصَّفِّ) بهذا الاسم: هو وقوعُ كلمةِ {صَفّٗا} فيها؛ قال تعالى: {إِنَّ اْللَّهَ يُحِبُّ اْلَّذِينَ يُقَٰتِلُونَ فِي سَبِيلِهِۦ صَفّٗا كَأَنَّهُم بُنْيَٰنٞ مَّرْصُوصٞ} [الصف: 4].

* سورة (الحَوَاريِّين):

ووجهُ تسميتِها بهذا الاسم: هو ورود لفظ {اْلْحَوَارِيُّونَ} فيها مرتين في قوله تعالى: {يَٰٓأَيُّهَا اْلَّذِينَ ءَامَنُواْ كُونُوٓاْ أَنصَارَ اْللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى اْبْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّـۧنَ مَنْ أَنصَارِيٓ إِلَى اْللَّهِۖ قَالَ اْلْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اْللَّهِۖ} [الصف: 14].

1. مطابقة القول والعمل في شأن الجهاد (١-٤).

2. موقف الكفار من دعوة الأنبياء (٥- ٩).

3. التِّجارة الرابحة (١٠-١٤).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (8 /127).

مقصدُ سورة (الصَّفِّ) بيِّنٌ في اسمها؛ وهو الاجتماعُ، والوَحْدة، والتمسك بحبلِ الله المتين؛ ليكونَ المؤمنون صفًّا واحدًا في قلوبهم وأبدانهم.

وفي ذلك يقول البِقاعيُّ: «مقصودها: الحثُّ على الاجتهاد التام، والاجتماعِ على قلبٍ واحد، في جهادِ مَن دعت (الممتحنةُ) إلى البراءة منهم؛ بحَمْلِهم على الدِّين الحق، أو مَحْقِهم عن جديد الأرض؛ تنزيهًا للملكِ الأعلى عن الشرك، وصيانةً لجَنابه الأقدس عن الإفك، ودلالةً على الصِّدق في البراءة منهم، والعداوة لهم.

وأدلُّ ما فيها على هذا المقصدِ: الصفُّ؛ بتأمُّل آيته، وتدبُّر ما له من جليلِ النفع في أوله وأثنائه وغايته». "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور" للبقاعي (3 /81).