ﰡ
أحدها : أنها نزلت في قوم قالوا : لو عملنا أحب الأعمال إلى الله لسارعنا إليه، فلما نزل فرض الجهاد تثاقلوا عنه، قاله ابن عباس ومجاهد.
الثاني : أنها نزلت في قوم كان يقول الرجال منهم : قاتلت ولم يقاتل، وطعنت، ولم يطعن، وضربت، ولم يضرب وصبرت، ولم يصبر، وهذا مروي عن عكرمة.
الثالث : أنها نزلت في المنافقين كانوا يقولون للنبي ﷺ ولأصحابه إن خرجتم وقاتلتم خرجنا معكم وقاتلنا فلما خرجوا نكصوا عنهم وتخلفوا.
وهذه الآية وإن كان ظاهرها الإنكار لمن قال ما لا يفعل فالمراد بها الإنكار لمن لم يفعل ما قال، لأن المقصود بها القيام بحقوق الالتيام دون إسقاطه.
﴿ إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفاً ﴾ مصطفين صفوفاً كالصلاة، لأنهم إذا اصطفوا مثلاً صفين كان أثبت لهم وأمنع من عدوهم. قال سعيد بن جبير :
هذا تعليم من الله للمؤمنين.
﴿ كأنهم بنيان مرصوص ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : أن المرصوص الملتصق بعضه إلى بعض لا ترى فيه كوة ولا ثقباً لأن ذلك أحكم في البناء من تفرقه وكذلك الصفوف، قاله ابن جبير، قال الشاعر :
وأشجر مرصوص بطين وجندل | له شرفات فوقهن نصائب |
ما لقي البيض من الحرقوص | يفتح باب المغلق المرصوص |
صلى الإله ومن يحف بعرشه | والطيبون على المبارك أحمد |
وشق له من اسمه ليجله | فذو العرش محمود وهذا محمد |
« اسمي في التوراة أحيد لأني أحيد أمتي عن النار، واسمي في الزبور الماحي محا الله بي عبادة الأصنام، واسمي في الإنجيل أحمد، واسمي في القرآن محمد لأني محمود في أهل السماء والأرض. »
أحدهما : أنهم الكفار والمنافقون، قاله ابن جريج.
الثاني : أنه النضر وهو من بني عبد الدار قال إذا كان يوم القيامة شفعت لي العزى واللات، فأنزل الله هذه الآية، قاله عكرمة.
﴿ يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم ﴾ الآية. والإطفاء هو الإخماد، ويستعملان في النار، ويستعاران فيما يجري مجراها من الضياء والنور.
والفرق بين الإطفاء والإخماد من وجه وهو أن الإطفاء يستعمل في القليل والكثير، والإخماد يستعمل في الكثير دون القليل، فيقال أطفأت السراج ولا يقال أخمدت السراج.
وفي ﴿ نور الله ﴾ ها هنا خمسة أقاويل :
أحدها : القرآن، يريدون إبطاله بالقول، قاله ابن زيد.
الثاني : أنه الإسلام، يريدون دفعه بالكلام، قاله السدي.
الثالث : أنه محمد ﷺ يريدون هلاكه بالأراجيف، قاله الضحاك.
الرابع : أنه حجج الله ودلائله، يريدون إبطالها بإنكارهم وتكذبيهم، قاله ابن بحر.
الخامس : أنه مثل مضروب، أي من أرد إطفاء نور الشمس بفيه فوجده مستحيلاً ممتنعاً فكذلك من أراد إبطال الحق، حكاه ابن عيسى.
وسبب نزول هذه الآية ما حكاه عطاء عن ابن عباس أن النبي ﷺ أبطأ عليه الوحي أربعين يوماً، فقال كعب بن الأشرف :
يا معشر اليهود ابشروا فقد أطفأ الله نور محمد فيما كان ينزل عليه، وما كان الله ليتم أمره، فحزن رسول الله ﷺ لذلك، فأنزل الله هذه الآية، ثم اتصل الوحي بعدها.
﴿ ليظهره على الدين كله ﴾ الآية. وفي الإظهار ثلاثة أقاويل :
أحدها : الغلبة على أهل الأديان.
الثاني : العلو على الأديان.
الثالث : العلم بالأديان من قولهم قد ظهرت على سره أي علمت به.
وفي قوله :﴿ قريب ﴾ وجهان :
أحدهما : أنه راجع إلى ما يحبونه أنه نصر من الله وفتح قريب.
الثاني : أنه إخبار من الله بأن ما يحبونه من ذلك سيكون قريباً، فكان كما أخبر لأنه عجل لهم الفتح والنصر.
سورة الصف
سورة (الصَّفِّ) من السُّوَر المدنية، وهي من (المسبِّحات) التي تبدأ بـ{سَبَّحَ}، نزلت بعد سورة (التغابُنِ)، وقد طالبت المؤمنين بأن يكونوا على قلبِ رجلٍ واحد، متَّحِدِين بالتمسك بهذا الكتاب، وواقفين صفًّا واحدًا في الجهاد، والمحافظة على الجماعة ما أمكن، وهو مقصدٌ عظيم من مقاصد هذا الدِّين، ومصدر من مصادر قوة أتباعه.
ترتيبها المصحفي
61نوعها
مدنيةألفاظها
226ترتيب نزولها
109العد المدني الأول
14العد المدني الأخير
14العد البصري
14العد الكوفي
14العد الشامي
14* قوله تعالى: {سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي اْلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي اْلْأَرْضِۖ وَهُوَ اْلْعَزِيزُ اْلْحَكِيمُ ١ يَٰٓأَيُّهَا اْلَّذِينَ ءَامَنُواْ لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ} [الصف: 1-2]:
عن عبدِ اللهِ بن سَلَامٍ رضي الله عنه، قال: «جلَسْتُ في نَفَرٍ مِن أصحابِ رسولِ اللهِ ﷺ، فقلتُ: أيُّكم يأتي رسولَ اللهِ ﷺ فيَسألَه: أيُّ الأعمالِ أحَبُّ إلى اللهِ؟ قال: فهِبْنا أن يَسألَه منَّا أحدٌ، قال: فأرسَلَ إلينا رسولُ اللهِ ﷺ يُفرِدُنا رجُلًا رجُلًا يَتخطَّى غيرَنا، فلمَّا اجتمَعْنا عنده، أومأَ بعضُنا إلى بعضٍ: لِأيِّ شيءٍ أرسَلَ إلينا؟ ففَزِعْنا أن يكونَ نزَلَ فينا، قال: فقرَأَ علينا رسولُ اللهِ ﷺ: {سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي اْلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي اْلْأَرْضِۖ وَهُوَ اْلْعَزِيزُ اْلْحَكِيمُ ١ يَٰٓأَيُّهَا اْلَّذِينَ ءَامَنُواْ لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ} [الصف: 1-2]، قال: فقرَأَ مِن فاتحتِها إلى خاتمتِها»، ثم قرَأَ يحيى مِن فاتحتِها إلى خاتمتِها، ثم قرَأَ الأَوْزاعيُّ مِن فاتحتِها إلى خاتمتِها، وقرَأَها الوليدُ مِن فاتحتِها إلى خاتمتِها. أخرجه ابن حبان (٤٥٩٤).
* سورة (الصَّف):
وجهُ تسمية سورة (الصَّفِّ) بهذا الاسم: هو وقوعُ كلمةِ {صَفّٗا} فيها؛ قال تعالى: {إِنَّ اْللَّهَ يُحِبُّ اْلَّذِينَ يُقَٰتِلُونَ فِي سَبِيلِهِۦ صَفّٗا كَأَنَّهُم بُنْيَٰنٞ مَّرْصُوصٞ} [الصف: 4].
* سورة (الحَوَاريِّين):
ووجهُ تسميتِها بهذا الاسم: هو ورود لفظ {اْلْحَوَارِيُّونَ} فيها مرتين في قوله تعالى: {يَٰٓأَيُّهَا اْلَّذِينَ ءَامَنُواْ كُونُوٓاْ أَنصَارَ اْللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى اْبْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّـۧنَ مَنْ أَنصَارِيٓ إِلَى اْللَّهِۖ قَالَ اْلْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اْللَّهِۖ} [الصف: 14].
1. مطابقة القول والعمل في شأن الجهاد (١-٤).
2. موقف الكفار من دعوة الأنبياء (٥- ٩).
3. التِّجارة الرابحة (١٠-١٤).
ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (8 /127).
مقصدُ سورة (الصَّفِّ) بيِّنٌ في اسمها؛ وهو الاجتماعُ، والوَحْدة، والتمسك بحبلِ الله المتين؛ ليكونَ المؤمنون صفًّا واحدًا في قلوبهم وأبدانهم.
وفي ذلك يقول البِقاعيُّ: «مقصودها: الحثُّ على الاجتهاد التام، والاجتماعِ على قلبٍ واحد، في جهادِ مَن دعت (الممتحنةُ) إلى البراءة منهم؛ بحَمْلِهم على الدِّين الحق، أو مَحْقِهم عن جديد الأرض؛ تنزيهًا للملكِ الأعلى عن الشرك، وصيانةً لجَنابه الأقدس عن الإفك، ودلالةً على الصِّدق في البراءة منهم، والعداوة لهم.
وأدلُّ ما فيها على هذا المقصدِ: الصفُّ؛ بتأمُّل آيته، وتدبُّر ما له من جليلِ النفع في أوله وأثنائه وغايته». "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور" للبقاعي (3 /81).