تفسير سورة الصف

أحكام القرآن

تفسير سورة سورة الصف من كتاب أحكام القرآن
لمؤلفه ابن الفرس . المتوفي سنة 595 هـ
اختلف فيها، فقيل مكية ١ وقال الجمهور مدنية، وهو أظهر. وفيها موضعان.
١ ذكره النحاس عن ابن عباس. راجع الجامع لأحكام القرآن ١٨/ ٧٧..

– قوله تعالى :﴿ يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون ( ٢ ) ﴾ :
هذه الآية توجب على كل من ألزم نفسه عملا فيه طاعة أن يفي به. وقال بعضهم : الآية : توجب على من وعد وعدا أن يفي به إذا لم يكن فيه إثم، وكذلك من ألزم نفسه عملا فيه طاعة لزمه أن يفي به ويدوم عليه ١ – قال أبو الحسن : ويحتج بها في وجوب الوفاء بنذر الحاج على أحد قولي الشافعي ٢. وقد اختلف في سبب الآية، فقال جماعة – منهم ابن عباس – نزلت بسبب قوم قالوا : لو علمنا أحب الأعمال إلى الله تعالى لعملناه، فلما نزل الجهاد كرهوه وفر من فر يوم أحد فعاتبهم الله تعالى بها ٣. وذكر المهدوي أن قائل ذلك عبد الله بن رواحة. وقال قوم – منهم قتادة – نزلت بسبب أن جماعة من شباب المسلمين كانوا يتحدثون عن أنفسهم في الغزو وبما لم يفعلوا، ويقولون فعلنا وصنعنا، وذلك كذب، فنزلت الآية. وقال قوم – منهم ابن زيد- نزلت في المنافقين لأن طائفة منهم كانوا يقولون للمؤمنين نحن منكم ومعكم ثم يظهر من أفعالهم خلاف ذلك، فنزلت الآية عتابا لهم، وعلى هذا القول قد سمى الله تعالى المنافقين مؤمنين، وهذا إنما يتوجه إذا لم يكونوا مشتهرين بالنفاق فلذلك خوطبوا بالمؤمنين، أي في زعمهم وما يظهرون ٤.
١ راجع أحكام القرآن لابن العربي ٤/ ١٧٨٧..
٢ راجع أحكام القرآن للكيا الهراسي ٤/ ٤١٣..
٣ راجع أسباب النزول للواحدي ص ٣١٩، ولباب النقول ص ٧٦٧..
٤ راجع أحكام القرآن للجصاص ٥/ ٢٣٤، والتفسير الكبير ٢٩/ ٣١٠، ٣١١، والجامع لأحكا م القرآن ١٨/ ٧٧/ ٧٨..
– قوله تعالى :﴿ إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص ( ٤ ) ﴾ :
استدل بعضهم بهذه الآية على أن قتال الرجال أفضل من قتال الفرسان، لأن التراص منهم يمكن بخلاف الفرسان ١، وهذا ضعيف، لأنه ليس المراد بالآية نفس التراص وإنما المقصد الجد والاجتهاد في القتال، فسواء كانوا رجالا أو فرسانا. وقصد بالذكر أشد الأحوال، وهي الحالة التي تحوج إلى القتال صفا متراصا. ونابت هذه الصفة مناب سائر الصفات.
١ ذكره الفخر الرازي في التفسير الكبير ٢٩/ ٣١٢..
سورة الصف
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (الصَّفِّ) من السُّوَر المدنية، وهي من (المسبِّحات) التي تبدأ بـ{سَبَّحَ}، نزلت بعد سورة (التغابُنِ)، وقد طالبت المؤمنين بأن يكونوا على قلبِ رجلٍ واحد، متَّحِدِين بالتمسك بهذا الكتاب، وواقفين صفًّا واحدًا في الجهاد، والمحافظة على الجماعة ما أمكن، وهو مقصدٌ عظيم من مقاصد هذا الدِّين، ومصدر من مصادر قوة أتباعه.

ترتيبها المصحفي
61
نوعها
مدنية
ألفاظها
226
ترتيب نزولها
109
العد المدني الأول
14
العد المدني الأخير
14
العد البصري
14
العد الكوفي
14
العد الشامي
14

* قوله تعالى: {سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي اْلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي اْلْأَرْضِۖ وَهُوَ اْلْعَزِيزُ اْلْحَكِيمُ ١ يَٰٓأَيُّهَا اْلَّذِينَ ءَامَنُواْ لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ} [الصف: 1-2]:

عن عبدِ اللهِ بن سَلَامٍ رضي الله عنه، قال: «جلَسْتُ في نَفَرٍ مِن أصحابِ رسولِ اللهِ ﷺ، فقلتُ: أيُّكم يأتي رسولَ اللهِ ﷺ فيَسألَه: أيُّ الأعمالِ أحَبُّ إلى اللهِ؟ قال: فهِبْنا أن يَسألَه منَّا أحدٌ، قال: فأرسَلَ إلينا رسولُ اللهِ ﷺ يُفرِدُنا رجُلًا رجُلًا يَتخطَّى غيرَنا، فلمَّا اجتمَعْنا عنده، أومأَ بعضُنا إلى بعضٍ: لِأيِّ شيءٍ أرسَلَ إلينا؟ ففَزِعْنا أن يكونَ نزَلَ فينا، قال: فقرَأَ علينا رسولُ اللهِ ﷺ: {سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي اْلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي اْلْأَرْضِۖ وَهُوَ اْلْعَزِيزُ اْلْحَكِيمُ ١ يَٰٓأَيُّهَا اْلَّذِينَ ءَامَنُواْ لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ} [الصف: 1-2]، قال: فقرَأَ مِن فاتحتِها إلى خاتمتِها»، ثم قرَأَ يحيى مِن فاتحتِها إلى خاتمتِها، ثم قرَأَ الأَوْزاعيُّ مِن فاتحتِها إلى خاتمتِها، وقرَأَها الوليدُ مِن فاتحتِها إلى خاتمتِها. أخرجه ابن حبان (٤٥٩٤).

* سورة (الصَّف):

وجهُ تسمية سورة (الصَّفِّ) بهذا الاسم: هو وقوعُ كلمةِ {صَفّٗا} فيها؛ قال تعالى: {إِنَّ اْللَّهَ يُحِبُّ اْلَّذِينَ يُقَٰتِلُونَ فِي سَبِيلِهِۦ صَفّٗا كَأَنَّهُم بُنْيَٰنٞ مَّرْصُوصٞ} [الصف: 4].

* سورة (الحَوَاريِّين):

ووجهُ تسميتِها بهذا الاسم: هو ورود لفظ {اْلْحَوَارِيُّونَ} فيها مرتين في قوله تعالى: {يَٰٓأَيُّهَا اْلَّذِينَ ءَامَنُواْ كُونُوٓاْ أَنصَارَ اْللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى اْبْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّـۧنَ مَنْ أَنصَارِيٓ إِلَى اْللَّهِۖ قَالَ اْلْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اْللَّهِۖ} [الصف: 14].

1. مطابقة القول والعمل في شأن الجهاد (١-٤).

2. موقف الكفار من دعوة الأنبياء (٥- ٩).

3. التِّجارة الرابحة (١٠-١٤).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (8 /127).

مقصدُ سورة (الصَّفِّ) بيِّنٌ في اسمها؛ وهو الاجتماعُ، والوَحْدة، والتمسك بحبلِ الله المتين؛ ليكونَ المؤمنون صفًّا واحدًا في قلوبهم وأبدانهم.

وفي ذلك يقول البِقاعيُّ: «مقصودها: الحثُّ على الاجتهاد التام، والاجتماعِ على قلبٍ واحد، في جهادِ مَن دعت (الممتحنةُ) إلى البراءة منهم؛ بحَمْلِهم على الدِّين الحق، أو مَحْقِهم عن جديد الأرض؛ تنزيهًا للملكِ الأعلى عن الشرك، وصيانةً لجَنابه الأقدس عن الإفك، ودلالةً على الصِّدق في البراءة منهم، والعداوة لهم.

وأدلُّ ما فيها على هذا المقصدِ: الصفُّ؛ بتأمُّل آيته، وتدبُّر ما له من جليلِ النفع في أوله وأثنائه وغايته». "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور" للبقاعي (3 /81).