تفسير سورة الصف

حومد

تفسير سورة سورة الصف من كتاب أيسر التفاسير المعروف بـحومد.
لمؤلفه أسعد محمود حومد .

﴿السماوات﴾
(١) - نَزَّهَ اللهَ تَعَالَى عَمَّا لاَ يَلِيقُ بِهِ، وَشَهِدَ لَهُ بِالرّبُوبِيَّةِ وَالوَحْدَانِيَّةِ وَالقُدْرَةِ، وَغَيْرِهَا مِنْ صِفَاتِ الكَمَالِ، جَمِيعُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مِنَ المَخْلُوقَاتِ، وَهُوَ تَعَالَى القَوِيُّ الذِي لاَ يُغَالَبُ، الحَكِيمُ فِي شَرْعِهِ وَخَلْقِهِ وَأَمْرِهِ وَتَدْبِيرِهِ.
سَبَّحَ - نَزَّهَ وَمَجَّدَ وَدَلَّ عَلَيهِ تَعَالَى.
﴿ياأيها﴾ ﴿آمَنُواْ﴾
(٢) - يُنْكِرُ اللهُ تَعَالَى عَلَى مَن يَعِدُ وَعْداً، أَوْ يَقُولُ قَوْلاً لاَ يَفِي بِهِ، فَيَقُولُ تَعَالَى: لأَيِّ شَيءٍ تَقُولُونَ لَوَدِدْنَا أَنْ نَفْعَلَ كََذَا وَكَذَا مِنْ أَفْعَالِ الخَيْرِ، حَتَّى إِذَا طُلِبَ مِنْكُمْ فِعْلُ ذَلِكَ كَرِهْتُمْ ذَلِكَ وَلَمْ تَفْعَلُوهُ؟..
(وَجَاءَ فِي الحَدِيثِ الشَّرِيفِ: " أيَةُ المُنَافِقِ ثَلاَثٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ وَإِذَا ائْتمنَ خَانَ ").
(وَرُوِيَ أَنَّ هَذِهِ الآيَةَ نَزََلَتْ حِينَمَا تَمَنَّى المُؤُمِنُونَ أَنْ يُفْرَضَ عَلَيهِم الجِهَادُ، فَلَمَّا فَرَضَهُ اللهُ عَلَيْهِمْ نَكَلَ بَعْضُهُمْ عَنْهُ).
(٣) - وَأَكَّدَ اللهُ تَعَالَى إِنْكَارَهُ هَذَا عَلَى هَؤُلاَءِ القَائِلِينَ مَا لاَ يَفْعَلُونَ، فَقَالَ لَهُمْ: إِنَّهُ يَكْرَهُ كُرْهاً شَدِيداً أَنْ تَقُولُوا شَيئاً لاَ تَفْعَلُونَهُ لأَنَّ الوََفَاءَ بِالعَهْدِ وَالوَعْدِ يُنَمِّي الثِّقَةَ بَينَ أَفْرَادِ الجِمَاعَةِ، كَمَا أَنَّ فُشُوَّ الخُلْفِ بِالوَعْدِ يُضْعِفُهَا.
كَبُرَ مَقْتاً - عَظُمَ بُغْضاً بَالِغَ الغَايَةِ.
﴿يُقَاتِلُونَ﴾ ﴿بُنْيَانٌ﴾
(٤) - قَالَ المُؤْمِنُونَ لَوْ نَعْلَمُ أَحَبَّ الأَعْمَالِ إِلَى اللهِ لَعَمِلْنَاهُ، فَدَلَّهُمُ اللهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الآيَةِ إِلَى أَحَبِّ الأَعْمَالِ إِليهِ، فَبَيَنَّ لَهُمْ: أَنَّهُ يُحِبُّ مِنْ عِبَادِهِ الذِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ إِعْلاَءِ كَلِمَتِهِ أَنْ يَقِفُوا أَثْنَاءَ القِتَالِ صَفّاً، لاَ فُرْجَةَ بَيْنَهُمْ، وَكَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَشْدُودٌ مَرْصُوصٌ، مُتَلاَحِمُ الأَجْزَاءِ، لأَنَّ هَذَا التَّرَاصَّ أَثْنَاءَ القِتَالِ يُقَوِّي مَعْنَوِيّاتِ الجُنْدِ، وَلاَ يَتْرُكُ لِلْعَدُوِّ فُرْجَةً بَيْنَ صُفُوفِهِمْ يَنْفُذُ مِنْهَا.
صَفّاً - صَافِّينَ أَنْفُسَهُمْ أَوْ مَصْفُوفِينَ.
بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ - مُتَلاَحِمٌ مُحْكَمٌ لاَ فُرْجَةَ فِيه.
﴿ياقوم﴾ ﴿الفاسقين﴾
(٥) - وَيُسَلِّي اللهُ تَعَالَى عَبْدَهُ مُحَمَّداً عَمَّا يُلاَقِيهِ مِنْ تَكذِيبِ قَوْمِهِ وَإِيذَائِهِمْ، فَذَكَّرَهُ رَبُّهُ بِمَا لاَقَاهُ مُوسَى، عَلَيهِ السَّلاَمُ، مِنْ قَوْمِهِ، إِذْ قَالَ لَهُمْ: لِمَاذَا تُؤْذُونَنِي وَتُخَالِفُونَ أَمْرِي، وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ صِدْقِي، فِيمَا جِئْتُكُمْ بِهِ مِنْ رِسَالَةِ رَبِّي، فَلَمَّا عَدَلُوا عَنِ اتِّبَاعِ الحَقِّ مَعَ عِلْمِهِمْ بِهِ، وَأَصَرُّوا عَلَى ذَلِكَ، صَرَفَ اللهُ قُلُوبَهُمْ عَنِ الهُدَى، وَاللهُ لاَ يَهْدِي القَوْمَ الفَاسِقِينَ الخَارِجِينَ عَنْ طَاعَتِهِ.
زَاغُوا - تَنَكَّبُوا طَرِيقَ الحَقِّ عَمْداً.
أَزَاغَ اللهُ قُلُوبَهُمْ - صَرَفَهُمْ عَنِ التَّوفِيقِ لاتِّبَاعِ الحَقِّ.
﴿يابني﴾ ﴿إِسْرَائِيلَ﴾ ﴿التوراة﴾ ﴿بالبينات﴾
(٦) - وَاذْكُرْ لِقَوْمِكَ إِذْ قَالَ عِيسَى بْنُ مَرْيَمَ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ: إِنَّهُ رَسُولُ اللهِ إِليْهِمْ، وَإِنَّهُ مُصَدِّقٌ بِالتَّوْرَاةِ وَبِكُتُبِ اللهِ وَأَنْبِيَائِهِ جَمِيعاً، وَإِنَّهُ جَاءَ مُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي بَعْدهُ اسْمُهُ أَحْمَدُ، وَدَاعِياً إِلَى التَّصْدِيقِ بِهَذَا الرَّسُولِ. فَلَمَّا جَاءَهُمْ أَحْمَدُ المُبَشَّرُ بِهِ بِالأَدْلةِ الوَاضِحَةِ، وَالمُعْجِزَاتِ البَاهِرَةِ كَذَّبُوهُ، وَقَالُوا عَمَّا جَاءَهُمْ: إِنَّ هَذَا لَسِحْرٌ وَاضِحٌ بَيِّنٌ.
(وَقَدْ جَاءَ فِي الفَصْلِ الثَّامِنَ عَشَرَ مِنَ السَّفْرِ الخَامِسِ مِنَ التَّورَاةِ البِشَارَةُ بِمُحَمَّدٍ عَلَيهِ السَّلاَمُ عَلَى الشَّكْلِ التَّالِي: (يَا مُوسَى إِنِّي سَأُقِيمُ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ نَبِيّاًَ مِنَ إِخْوَتِهِمْ مِثْلَكَ أَجْعَلُ كَلاَمِي فِي فَمِهِ، وَيَقُولُ لَهُمْ مَا آمُرُهُ بِهِ، وَالذِي لاَ يَقْبَلُ ذَلِكَ النَّبِيَّ الذِي يَتَكَلَّمُ بِاسْمِي، أَنَا أَنْتَقِمُ مِنْهُ وَمِنْ سِبْطِهِ).
وَجَاءَ فِي الإِصْحَاحِ ٢١ مِنْ سِفَرِ أَشْعِيا بِشَارَةٌ بِمُحَمَّدٍ ﷺ عَلَى الشَّكْلِ التَّالِي:
" وَحْيٌ مِنْ جِهَةَ بِلاَدِ العَرَبِ: فِي الوَعْرِ مِنْ بِلاَدِ العَرَبِ تَبَيتينَ يَا قَوَافِلَ الدَّدَانِيِّينَ. هَاتُوا مَاءً لِمُلاَقَاةِ العَطْشَانِ يَا سَكَّانَ أَرْضِ تِيمَاءَ وَافُوا الهَارِبَ بِخُبْزِهِ. فإِنَّهُمْ مِنْ أَمَامِ السُّيُوفِ قَدْ هَرَبُوا، مِنْ أَمَامِ السَّيْفِ المَسْلُولِ وَمِنْ أَمَامِ القَوْسِ المَشْدُودَةِ وَمِنْ أَمَامِ شِدَّةِ الحَرْبِ. فَإِنَّهُ هَكَذَا قَالَ السَّيِّدُ فِي مُدَّةِ سَنَةٍ كَسَنَةِ الأَجِيرِ يَفْنَى كُلُّ مَجْدِ قِيدَارٍ وَبَقِيَّةُ عَدَدِ قِسيِّ أَبْطَالِ بَنِي قِيدَارٍ تَقِلُّ لأَنَّ الرَّبَّ إِلَهَ إِسْرَائِيلَ قَدْ تَكَلَّمَ ".
" وَهَذِهِ النُّبُوءَةُ إِشَارَةٌ وَاضِحَةٌ إِلَى هِجْرَةِ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللهِ ﷺ مِنْ مَكَّةَ إِلَى يَثْرِبَ، بَعْدَ أَنْ تَزَايَدَ إِيذَاءُ قُرَيشٍ لَهُ وَلِلمُسْلِمِينَ. ثُمَّ إِنَّهَا إِشَارَةٌ إِلَى نَصْرِ رَسُولِ اللهِ وَأَصْحَابِهِ مِنَ المُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ فِي مَعْرَكَةِ بَدْرٍ عَلَى قُرَيشٍ أَحْفَادِ عَدْنَانَ بْنِ إِسْمَاعِيلَ (وَعَدْنَانُ هُوَ قِيدَارُ) وَتَحْطِيمِ جَبُرُوتِ قُرَيشٍ وَسُلْطَانِهَا بِقْتَلِ كُبَرَائِهَا، وَأَسْرِ أَعْدَادٍ مِنْهُمْ، وَقَدْ جَرَتْ مَعْرَكَةُ بَدْرٍ بَعْدَ عَامٍ مِنْ هِجْرَةِ رَسُولِ اللهِ إِلَى يَثْرِبَ ".
وَجَاءَتِ البِشَارَةُ بِمُحَمَّدٍ فِي الإِنْجِيلِ عَلَى الشَّكْلِ التَّالِي:
(قَالَ يَسُوعُ: إِنَّ الفَارْقَليط رُوحَ الحَقِّ الذِي يُرْسِلُهُ أَبِي يَعْلِّمُكُمْ كُلَّ شَيءٍ) (إِنْجِيلُ يُوحَنَّا - الفَصْلُ ١٥ - وَالفَارْقَلِيط لَفْظٌ يَعْنِي الحَمْدَ، وَقَدْ فَسَّرَهُ بَعْضُهُمْ بِالحَامِدِ وَالحَمَّادِ).
﴿الإسلام﴾ ﴿الظالمين﴾
(٧) - لاَ أَحَدَ أَكْثَرُ ظُلْماً مِمَّنْ يَفْتَري عَلَى اللهِ الكَذِبِ، وَيَجْعَلُ لَهُ أَنْدَاداً وَشُرَكَاءَ، أَوْ أَبْنَاءَ وَصَاحِبَةً.. وَهُوَ يُدْعَى إِلَى التَّوْحِيدِ وَالإِخْلاَصِ، وَالإِسْلاَمِ للهِ، وَاللهُ لاَ يُرْشِدُ القَوْمَ الظَّالِمِينَ لأَنْفُسِهِمْ إِلَى مَا فِيهِ خَيْرُهُمْ وَصَلاَحُهُمْ، لأَنَّهُمْ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ، وارْتَكَبُوا المُوبِقَاتِ، فَخَتَمَ اللهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ، وَجَعَلَ عَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةً، فَلَمْ يَعُودُوا يَعْرِفُونَ سَبِيلَ الهُدَى.
﴿بِأَفْوَاهِهِمْ﴾ ﴿الكافرون﴾
(٨) - وَمَثَلُ هَؤُلاَءِ فِي مُقَاوَمَتِهِمْ لِدَعْوَةِ التَّوْحِيدِ، وَسَعْيِهِمْ فِي إِخْمَادِ نُورِ الدِّينِ، مَثَلُ مَنْ يَنْفُخُ بِفِيهِ لِيُطْفِئ نُورَ الشَّمْسِ، وَيُزِيلَ ضِيَاءَهَا، وَأَنَّى لَهُ ذَلِكَ، وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَأَمْرِهِ، وَمُظْهِرُ دِينِهِ، وَنَاصِرُ رَسُولِهِ، وَلَوْ كَرِهَ الكُفَّارُ ذَلِكَ.
نُورُ اللهِ - الحَقُّ الذِي جَاءَ بِهِ رَسُولُ اللهِ.
(٩) - اللهُ تَعَالَى هُوَ الذِي أَرْسَلَ مُحَمَّداً بِالقُرْآنِ وَفِيهِ هُدًى لِلنَّاسِ، وَبِالإِسْلاَمِ دِينِ الحَقِّ لِيُعْلِيَهُ وَيُظْهِرَهُ عَلَى الأَدْيَانِ جَمِيعاً، وَلَوْ كَرِهَ المُشْرِكُونَ ذَلِكَ.
﴿ياأيها﴾ ﴿آمَنُواْ﴾ ﴿تِجَارَةٍ﴾
(١٠) - يَا أَيُّهَا المُؤْمِنُونَ بِاللهِ، وَالمُصَدِّقُونَ بِرُسُلِهِ وَكُتُبِهِ وَآيَاتِهِ، أَلاَ تُرِيدُونَ أَنْ أَدُلِّكُمْ عَلَى صَفَقَةٍ رَابِحَةٍ، وَتِجَارَةٍ نَافِعَةٍ، تَفُوزُونَ فِيهَا بِالرِّبْحِ العَظِيمِ، وَتْنْقِذُكُمْ مِنْ عَذَابِ اللهِ الأَلِيمِ يَوْمَ القِيَامَةِ؟
﴿تُجَاهِدُونَ﴾ ﴿بِأَمْوَالِكُمْ﴾
(١١) - وَهِذِهِ الصَّفَقَةُ هِيَ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللهِ وَتَعْبُدُوهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَتَصَدِّقُوا بِرَسُولِهِ مُحَمَّدٍ، وَمَا أَنْزَلَهَ عَلَيْهِ مِنَ القُرْآنِ وَتُجَاهِدُوا فِي سَبِيلِ رَفْعِ كَلِمَةِ اللهِ، وَعِزَّةِ دِينِهِ، بِأَنْفُسِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ، فَإِنْ فَعَلْتُمْ ذَلِكَ، كَانَ ذَلِكَ خَيْراً لَكُمْ مِنْ كُلِّ شَيءٍ فِي الدُّنْيَا: مِنَ النَّفْسِ وَالمَالِ وَالزَّوْجِ وَالوَلَدِ، هَذَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ مَا أَعَدَّهُ اللهَ لِعِبَادِهِ المُؤْمِنِينَ المُخْلِصِينَ المُجَاهِدِينَ فِي الآخِرَةِ مِنْ جَزِيلِ الثَّوَابِ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ.
﴿جَنَّاتٍ﴾ ﴿الأنهار﴾ ﴿وَمَسَاكِنَ﴾ ﴿جَنَّاتِ﴾
(١٢) - وَإِنْ فَعَلْتُمْ ذَلِكَ سَتَرَ اللهُ ذُنُوبِكُمْ وَمَحَاهَا، وَأَدْخَلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي الأَنْهَارُ فِي جَنَبَاتِهَا، وَأَسْكَنَكُمْ مَسَاكِنَ طَيِبةً تَقَرُّ بِهَا العُيُونَ، وَهَذا هُوَ مُنْتَهَى ما تَصْبُوا إِليهِ النُّفُوسُ، وَهُوَ الفَوْزُ الذِي لاَ فَوْزَ أَعْظَمَ مِنْهُ.
(١٣) - وَلَكُمْ يَا أَيُّهَا المُؤْمِنُونَ المُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ تَعَالَى، مَعَ الفَوْزِ فِي الآخِرَةِ، الذِي وَعَدَكُمْ اللهُ بِهِ، نِعْمَةٌ أُخْرَى تُحِبُّونَها، وَهِيَ نَصْرٌ مِنَ اللهِ، وَفَتْحٌ قَرِيبٌ، تَجْنُونَ مَغَانِمَهُ، وَبَشِّرْ يَا مُحَمَّدُ المُؤْمِنينَ بِهَذَا الجَزَاءِ.
وَأُخْرَى - وَلَكُمْ مِنَ النِّعَمِ نِعْمَةٌ أُخْرَى.
﴿ياأيها﴾ ﴿آمَنُواْ﴾ ﴿لِلْحَوَارِيِّينَ﴾ ﴿فَآمَنَت﴾ ﴿طَّآئِفَةٌ﴾ ﴿اإِسْرَائِيلَ﴾ ﴿آمَنُواْ﴾ ﴿ظَاهِرِينَ﴾
(١٤) - يَأْمُرُ اللهُ تَعَالَى عِبَادَهُ المُؤْمِنينَ بِأَنْ يَكُونُوا أَنْصَاراً للهِ فِي جَمِيعِ أَحْوَالِهِمْ: بِأَقْوالِهِمْ وَأَفْعَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ، وَأَنْ يَسْتَجِيبُوا للهِ وَلِلرَّسُولِ، كَمَا اسْتَجَابَ الحَوَارِيُّونَ لِعِيسَى حِينَمَا سَأَلَهُمْ: مَنْ يُعِينُني فِي الدُّعْوَةِ إِلَى اللهِ؟ فَقَالَ لَهُ الحُوَارِيُّونَ: إِنَّهُمْ أَنْصَارُ اللهِ، وَإِنَّهُمْ سَيُعِينُونَهُ وَسَيُؤَازِرُونَهُ فِيمَا يَقُومُ بِهِ مِنْ إِبْلاَغِ رِسَالَةِ رَبِّهِ، فآمَنَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ بِرِسَالَةِ عِيسَى، وَكَفَرَتْ طَائِفَةٌ فَجَحَدَتْ نُبُوَّتَهُ، وَرَمَتْهُ وَأَمَّهُ بالبُهْتَانِ، وَغَلَتْ فِرَقٌ مِنْهُمْ فِي عِيسَى، فَقَالُوا: إِنَّهُ اللهُ، أَوْ إِنَّهُ ابْنُ اللهِ، أَوْ إِنَّهُ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ، وَرَفَعُوهُ مَرْتَبةِ النُّبُوَّةِ. فَأَيَّدَ اللهُ المُؤْمِنينَ المُخْلِصِينَ بِرِسَالَةِ عِيسَى بِنَصْرِهِ، وَأَظْهََرَهُمْ عَلَى مَنْ عَادَاهُمْ، وَتِلْكَ سُنَّةُ اللهِ فِي خَلْقِهِ.
الحَوَارِيُونَ - أَصْفِيَاءُ عِيسَى وَخَوَاصُّهُ.
فَأَيَّدْنَا - فَقَوَّيْنَا المُخْلِصِينَ بِالإِيْمَانِ.
ظَاهِرِينَ - غَالِبينَ بِالحُجُجِ وَالبَيِّنَاتِ.
سورة الصف
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (الصَّفِّ) من السُّوَر المدنية، وهي من (المسبِّحات) التي تبدأ بـ{سَبَّحَ}، نزلت بعد سورة (التغابُنِ)، وقد طالبت المؤمنين بأن يكونوا على قلبِ رجلٍ واحد، متَّحِدِين بالتمسك بهذا الكتاب، وواقفين صفًّا واحدًا في الجهاد، والمحافظة على الجماعة ما أمكن، وهو مقصدٌ عظيم من مقاصد هذا الدِّين، ومصدر من مصادر قوة أتباعه.

ترتيبها المصحفي
61
نوعها
مدنية
ألفاظها
226
ترتيب نزولها
109
العد المدني الأول
14
العد المدني الأخير
14
العد البصري
14
العد الكوفي
14
العد الشامي
14

* قوله تعالى: {سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي اْلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي اْلْأَرْضِۖ وَهُوَ اْلْعَزِيزُ اْلْحَكِيمُ ١ يَٰٓأَيُّهَا اْلَّذِينَ ءَامَنُواْ لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ} [الصف: 1-2]:

عن عبدِ اللهِ بن سَلَامٍ رضي الله عنه، قال: «جلَسْتُ في نَفَرٍ مِن أصحابِ رسولِ اللهِ ﷺ، فقلتُ: أيُّكم يأتي رسولَ اللهِ ﷺ فيَسألَه: أيُّ الأعمالِ أحَبُّ إلى اللهِ؟ قال: فهِبْنا أن يَسألَه منَّا أحدٌ، قال: فأرسَلَ إلينا رسولُ اللهِ ﷺ يُفرِدُنا رجُلًا رجُلًا يَتخطَّى غيرَنا، فلمَّا اجتمَعْنا عنده، أومأَ بعضُنا إلى بعضٍ: لِأيِّ شيءٍ أرسَلَ إلينا؟ ففَزِعْنا أن يكونَ نزَلَ فينا، قال: فقرَأَ علينا رسولُ اللهِ ﷺ: {سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي اْلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي اْلْأَرْضِۖ وَهُوَ اْلْعَزِيزُ اْلْحَكِيمُ ١ يَٰٓأَيُّهَا اْلَّذِينَ ءَامَنُواْ لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ} [الصف: 1-2]، قال: فقرَأَ مِن فاتحتِها إلى خاتمتِها»، ثم قرَأَ يحيى مِن فاتحتِها إلى خاتمتِها، ثم قرَأَ الأَوْزاعيُّ مِن فاتحتِها إلى خاتمتِها، وقرَأَها الوليدُ مِن فاتحتِها إلى خاتمتِها. أخرجه ابن حبان (٤٥٩٤).

* سورة (الصَّف):

وجهُ تسمية سورة (الصَّفِّ) بهذا الاسم: هو وقوعُ كلمةِ {صَفّٗا} فيها؛ قال تعالى: {إِنَّ اْللَّهَ يُحِبُّ اْلَّذِينَ يُقَٰتِلُونَ فِي سَبِيلِهِۦ صَفّٗا كَأَنَّهُم بُنْيَٰنٞ مَّرْصُوصٞ} [الصف: 4].

* سورة (الحَوَاريِّين):

ووجهُ تسميتِها بهذا الاسم: هو ورود لفظ {اْلْحَوَارِيُّونَ} فيها مرتين في قوله تعالى: {يَٰٓأَيُّهَا اْلَّذِينَ ءَامَنُواْ كُونُوٓاْ أَنصَارَ اْللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى اْبْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّـۧنَ مَنْ أَنصَارِيٓ إِلَى اْللَّهِۖ قَالَ اْلْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اْللَّهِۖ} [الصف: 14].

1. مطابقة القول والعمل في شأن الجهاد (١-٤).

2. موقف الكفار من دعوة الأنبياء (٥- ٩).

3. التِّجارة الرابحة (١٠-١٤).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (8 /127).

مقصدُ سورة (الصَّفِّ) بيِّنٌ في اسمها؛ وهو الاجتماعُ، والوَحْدة، والتمسك بحبلِ الله المتين؛ ليكونَ المؤمنون صفًّا واحدًا في قلوبهم وأبدانهم.

وفي ذلك يقول البِقاعيُّ: «مقصودها: الحثُّ على الاجتهاد التام، والاجتماعِ على قلبٍ واحد، في جهادِ مَن دعت (الممتحنةُ) إلى البراءة منهم؛ بحَمْلِهم على الدِّين الحق، أو مَحْقِهم عن جديد الأرض؛ تنزيهًا للملكِ الأعلى عن الشرك، وصيانةً لجَنابه الأقدس عن الإفك، ودلالةً على الصِّدق في البراءة منهم، والعداوة لهم.

وأدلُّ ما فيها على هذا المقصدِ: الصفُّ؛ بتأمُّل آيته، وتدبُّر ما له من جليلِ النفع في أوله وأثنائه وغايته». "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور" للبقاعي (3 /81).