تفسير سورة السجدة

جهود الإمام الغزالي في التفسير

تفسير سورة سورة السجدة من كتاب جهود الإمام الغزالي في التفسير
لمؤلفه أبو حامد الغزالي . المتوفي سنة 505 هـ

﴿ ولو ترى إذ المجرمون ناكسوا رءوسهم عند ربهم ربنا أبصرنا وسمعنا فارجعنا نعمل صالحا إنا موقنين ﴾ ( ١٢ ).
٨٥٥- ﴿ ولو ترى إذ المجرمون ناكسوا رءوسهم عند ربهم ﴾ فبين أنهم عند ربهم إلا أنهم منكوسون، قد انقلبت وجوههم إلى أقفيتهم وانتكست رؤوسهم عن جهة فوق إلى جهة أسفل، وذلك حكم الله فيمن حرمه توفيقه ولم يهده طريقه، فتعوذ بالله من الضلال والنزول إلى منازل الجهال. ( الإحياء : ٤/٣١ )
٨٥٦- ﴿ ربنا أبصرنا وسمعنا فارجعنا نعمل صالحا إننا موقنون ﴾ أي علمنا أنه لا يولد إلا بوقاع ونكاح، و لا ينبت زرع إلا بحراثة وبث بذر، فكذلك لا يحصل في الآخرة ثواب وأجر إلا بعمل صالح :﴿ فارجعنا نعمل صالحا ﴾ فقد علمنا الآن صدقك في قولك :﴿ وأن ليس للإنسان إلا ما سعى وأن سعيه سوف يرى ﴾١. ( نفسه : ٣/٤٠٧ و ٤/٤٨ ).
١ النجم: ٣٨-٣٩..
﴿ تتجافى جنوبهم عن المضاجع ﴾( ١٦ ).
٨٥٧- روي عن الحسن وأسنده ابن أبي زياد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه سئل عن هذه الآية فقال صلى الله عليه وسلم :( الصلاة بين العشائين ) ثم قال صلى الله عليه وسلم :( عليكم بالصلاة بين العشائين فإنها تذهب بملاغات النهار وتهذب آخره )١ والملاغات جمع ملغاة من اللغو. ( الإحياء : ١/٤٠٤ وبداية الهداية ضمن المجموعة رقم ٥ ص : ٤١ ).
٨٥٨- إحياء ما بين العشائين هي سنة مؤكدة، ومما نقل عدده من فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم بين العشائين ست ركعات٢، ولهذه الصلاة فضل عظيم وقيل : إنها المراد بقوله عز وجل ﴿ تتجافى جنوبهم عن المضاجع ﴾. ( الإحياء : ١/٢٣١ )
٨٥٩- قال الأسود٣ : ما أتيت ابن مسعود رضي الله عنه في هذا الوقت إلا ورأيته يصلي فسألته فقال : نعم هي ساعة وكان أنس رضي الله عنه يواظب عليها ويقول : هي ناشئة الليل، ويقول : فيها نزل قوله تعالى :﴿ تتجافى جنوبهم عن المضاجع ﴾. ( نفسه : ١/٤١٧ ).
١ قال العراقي: قال المصنف أسنده ابن أبي الزناد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. قلت: إنما هو إسماعيل بن أبي زياد بالياء المثناة من تحت. رواه أبو منصور الديلمي في مسند الفردوس من رواية إسماعيل بن أبي زياد الشامي عن الأعمش وحدثنا أبو العلاء العنبري عن سلمان قال: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [[عليكم بالصلاة بين العشائين فإنها تذهب بملاغات أول النهار ومهذبة آخره]] وإسماعيل هذا متروك يضع الحديث قاله الدارقطني ن. المعنى بهامش الإحياء: ١/٤٠٤. والحديث عن الترمذي وحسنه بلفظ: [نزلت في انتظار الصلاة التي تدعى العتمة]] ن. كتاب أبواب التفسير حديث رقم ٣٢٠٧، ٥/١٣٦..
٢ أخرجه ابن منده في الضحى والطبراني في الأوسط والصغر من حديث عمار بن ياسر بسند ضعيف، والترمذي وضعفه من حديث أبي هريرة: [من صلى بعد المغرب ست ركعات لم يتكلم فيها بينهن بسوء عدلن له بعبادة اثنتي عشر سنة]] ن. المغني بهامش الإحياء: ١/٢٣١. وسنن الترمذي ١/٢٧٢ حديث رقم ٤٣٣..
٣ هو ابن قيس الإمام القدوة أبو عمرو النخعي الكوفي، كان الأسود مخضرما أدرك الجاهلية والإسلام حدث عن معاذ بن جبل وبلال وابن مسعود وغيرهم، وحدث عنه ابنه عبد الرحمان وأخبره إبراهيم والنخعي وغيرهما ت سنة ٧٥هـ ن شذرات الذهب ١/٨٢ وسير أعلام النبلاء: ٤/٥٠..
﴿ فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعقلون ﴾( ١٧ )
٨٦٠- قيل : كان عملهم الصيام. ( نفسه : ١/٢٧٤ )
٨٦١- اعلم : أن الله تعالى أثبت فعل العبد في موضع نحو قوله تعالى :﴿ جزاء بما كانوا يعملون ﴾... والحكمة فيه أنه تعالى خالق الأفعال ومقدرها، والعبد كاسبها ومسببها، فالعبد يعمل العادة والله تعالى يجازي عليها، ولولا نسبة هذه الأفعال خلقا وكسبا لما سمي عابدا ومعبودا، فثبت أن العبد عابد كاسب، وأن الله تعالى معبود خالق. ( روضة الطالبين وعمدة السالكين ضمن المجموعة رقم ٢ ص : ٣٤ )
﴿ أو لم يهد لهم كم أهلكنا من قبلهم من القرون يمشون في مساكنهم إن في ذلك لآيات أفلا يسمعون ﴾ ( ٢٦ ).
٨٦٢- قصورهم وأملاكهم ومساكنهم صوامت ناطقة، تشهد بلسان حالها على غرور عمالها. ( نصيحة من الإمام أبي حامد الغزالي : ٣٢ ).
سورة السجدة
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورةُ (السَّجْدة) من السُّوَر المكية، وقد جاءت بإنذارِ الكافرين من النار، وتوبيخِهم على اتِّباع الآلهة الزائفة التي لا تغني من الحقِّ شيئًا، ودعَتْهم إلى التواضُعِ واتِّباع دِينِ الله الحقِّ؛ من خلال تَرْكِ التكبُّر، والسجودِ لله، مذكِّرةً لهم بأصلِ خِلْقتهم، وبقوَّةِ الله عز وجل وقُدْرته؛ فهو المستحِقُّ للعبادة، وقد كان صلى الله عليه وسلم يَقرؤُها في صلاةِ فَجْرِ يوم الجمعة.

ترتيبها المصحفي
32
نوعها
مكية
ألفاظها
374
ترتيب نزولها
75
العد المدني الأول
30
العد المدني الأخير
30
العد البصري
29
العد الكوفي
30
العد الشامي
30

* قوله تعالى: {تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمْ عَنِ اْلْمَضَاجِعِ} [السجدة: 16]:

عن أنسِ بن مالكٍ رضي الله عنه: «أنَّ هذه الآيةَ: {تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمْ عَنِ اْلْمَضَاجِعِ} [السجدة: 16]  نزَلتْ في انتظارِ الصَّلاةِ التي تُدْعى العَتَمةَ». أخرجه الترمذي (٣١٩٦).

و(صلاةُ العَتَمةِ): هي صلاةُ العِشاءِ؛ لِما جاء في الحديثِ عن عبدِ اللهِ بن عُمَرَ رضي الله عنهما، قال: «صلَّى لنا رسولُ اللهِ ﷺ العِشاءَ، وهي التي يَدْعو الناسُ العَتَمةَ ...». أخرجه البخاري (٥٦٤).

* سورة (السَّجْدة):

سُمِّيت بذلك لِما ذكَر اللهُ تعالى فيها من أوصافِ المؤمنين، الذين إذا سَمِعوا آياتِ القرآن {خَرُّواْۤ سُجَّدٗاۤ وَسَبَّحُواْ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ} [السجدة: 15]. وقال البِقاعيُّ: «واسمُها (السَّجْدة) منطبِقٌ على ذلك بما دعَتْ إليه آيَتُها من الإخباتِ، وتركِ الاستكبار». "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور" (2 /361).

* سورة ({الٓمٓ ١ تَنزِيلُ})، أو ({الٓمٓ ١ تَنزِيلُ} السَّجْدةَ):

دلَّ على ذلك افتتاحُ السُّورة بذلك، واحتواؤها على سَجْدةٍ، وصحَّ عن عبدِ اللهِ بن عباسٍ رضي الله عنهما: «أنَّ النبيَّ ﷺ كان يَقرأُ في صلاةِ الفَجْرِ يومَ الجُمُعةِ: {الٓمٓ ١ تَنزِيلُ} السَّجْدةَ، و{هَلْ أَتَىٰ عَلَى اْلْإِنسَٰنِ حِينٞ مِّنَ اْلدَّهْرِ}، وأنَّ النبيَّ ﷺ كان يَقرأُ في صلاةِ الجُمُعةِ سورةَ الجُمُعةِ، والمُنافِقِينَ». أخرجه مسلم (٨٧٩).

ولها أسماءٌ أخرى غيرُ ما ذكرنا.

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (6 /47-48).

* كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يَقرؤُها في فَجْرِ يوم الجمعة:

 عن عبدِ اللهِ بن عباسٍ رضي الله عنهما: «أنَّ النبيَّ ﷺ كان يَقرأُ في صلاةِ الفَجْرِ يومَ الجُمُعةِ: {الٓمٓ ١ تَنزِيلُ} السَّجْدةَ، و{هَلْ أَتَىٰ عَلَى اْلْإِنسَٰنِ حِينٞ مِّنَ اْلدَّهْرِ}، وأنَّ النبيَّ ﷺ كان يَقرأُ في صلاةِ الجُمُعةِ سورةَ الجُمُعةِ، والمُنافِقِينَ». أخرجه مسلم (٨٧٩).

* كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يَقرؤُها قبل نومِه:

عن جابرِ بن عبدِ اللهِ رضي الله عنهما: «أنَّ النبيَّ ﷺ كان لا يَنامُ حتى يَقرأَ {الٓمٓ ١ تَنزِيلُ}، و{تَبَٰرَكَ اْلَّذِي بِيَدِهِ اْلْمُلْكُ}». أخرجه الترمذي (٣٤٠٤).

اشتمَلتْ سورةُ (السَّجْدة) على الموضوعات الآتية:

1. القرآن حقٌّ مُنزَّل (١-٣).

2. الخَلْقُ: مُدَّته، وأنه حسَنٌ (٤-٩).

3. إثبات البعث (١٠-١١).

4. ذلُّ المجرمين يوم الدِّين (١٢-١٤).

5. علامات الإيمان (١٥- ١٧).

6. الجزاء العادل (١٨-٢٢).

7. الإمامة في الدِّين (٢٣-٢٥).

8. آياتٌ وعِظات (٢٦- ٣٠).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (6 /51).

مقصدُ السُّورة الأعظم: هو إنذارُ الكفار بهذا الكتاب، وأنه مِن عندِ الله عزَّ وجلَّ؛ فلا يأتيه الباطلُ مِن بينِ يديه ولا مِن خلفِه، وبيانُ بطلانِ آلهتهم وزيفِها، والتذكيرُ بقدرة الله والبعث، وكذا تذكيرُهم بوجوب اتِّباع النبي صلى الله عليه وسلم المرسَل بهذا الكتاب؛ فمِن خلال الاتباع يكون الفوزُ بالجنة، والنجاةُ من النار، ولتحقيقِ ذلك لا بد من الاستجابة لله، والتواضُعِ لأمره، وتركِ الاستكبار والعناد، واسمُ السورة دالٌّ على ذلك.

ينظر: "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور" للبقاعي (2 /361)، و"التحرير والتنوير" لابن عاشور (21 /204).