تفسير سورة السجدة

المنتخب في تفسير القرآن الكريم

تفسير سورة سورة السجدة من كتاب المنتخب في تفسير القرآن الكريم
لمؤلفه المنتخب . المتوفي سنة 2008 هـ
نزلت بعد سورة المؤمنون، وتضمنت الحديث عن تنزيل الكتاب ومهمة الرسول صلى الله عليه وسلم وخلق السماوات والأرض، وشأنه تعالى في التدبير، وأطوار خلق الإنسان، ومقالة منكري البعث والرد عليهم، وحال المجرمين يوم الحساب، وموقف المؤمنين عند التذكير بالآيات، وبيان الجزاء للمؤمنين والفاسقين، وإنزال التوراة على موسى عليه الصلاة والسلام ومعاملة الله تعالى لبني إسرائيل، وتوجيه كفار مكة إلى الاعتبار بهلاك من سبقهم، ولفت أنظارهم، ليؤمنوا بالبعث، وسخريتهم من يوم الفتح، والرد عليهم.
وأهم أهداف هذه السورة : لفت الأنظار إلى الآيات الكونية، والحديث عن البعث، والرد على منكريه، وتوجيه الكفار إلى الاعتبار بهلاك من سبقهم.

١- ا. ل. م : حروف صيغ منها القرآن، كما صيغ منها كلامكم، فإذا عجزتم عن الإتيان بمثله كان عجزكم دليلا على أنه من عند الله، ولم يقله بشر.
٢- تنزيل القرآن من الله رب العالمين ومدبر أمورهم، لا شك في كونه منزلاً منه.
٣- بل يقولون : اختلقه محمد، ونسبه لله. ما كان لهم أن يقولوا هذا، بل هو الحق المنزل عليك من ربك لتخوف به قوماً لم يأتهم من رسول من قبلك، ترجو بذلك الإنذار هدايتهم وإذعانهم للحق.
٤- الله الذي خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام، ثم استوى على العرش استواء يليق به، ما لكم من دون الله ناصر ينصركم، ولا شفيع لكم، أتتمادون في الكفر والعناد فلا تتعظون بمواعظ الله ؟.
٥- يُدبِّر شئون الخلق من السماء إلى الأرض، ثم يصعد إليه أمرها في يوم مُقدر بألف سنة من سني الدنيا التي تعدونها.
٦- ذلك الموصوف بالخلق والاستواء والتدبير عالِمٌ ما غاب عن الخلق وما شاهدوه، الغالب أمره، الواسع الرحمة.
٧- الذي أتقن كل شيء خلقه بحسب ما تقتضيه حكمته، وبدأ خلق الإنسان الأول من طين.
٨- ثم جعل ذريته - بعد ذلك - متخلقة من ماء قليل ضعيف لا يُؤْبَه له في العادة١.
١ في هذه الآية الكريمة ﴿من ماء مهين﴾ المهين من الرجال: الضعيف، والمهين: القليل. وقوله تعالى: ﴿من ماء مهين﴾ أي من ماء قليل ضعيف، ومثله قوله تعالى على لسان فرعون: ﴿أم أنا خير من هذا الذي هو مهين ولا يكاد يبين﴾. فلا مانع من أن تفسر كلمة مهين في الآية ماء منصب أو دافق أو مقذور أو قليل..
٩- ثم قوَّمه ووضع فيه من سره الذي اختص به، وجعل لكم السمع والأبصار والعقول لتسمعوا وتبصروا وتعقلوا، ما تشكرون إلا شكراً قليلا.
١٠- وقال المنكرون للبعث : أئذا صرنا تراباً مختلطاً بتراب الأرض لا يتميز عنه، أئنا لنعود في خلق جديد ؟ !، إنهم لا ينكرون البعث - وحده - بل هم بجميع ما يكون في الآخرة مكذبون.
١١- قل : يتوفاكم ملك الموت الموكل بقبض أرواحكم عند انتهاء آجالكم، ثم إلى الله - وحده - تعودون.
١٢- ولو أتيح لك أن ترى المجرمين في موقف الحساب، لرأيت عجباً، إذ المجرمون المستكبرون منكسو الرءوس خزياً من ربهم، يقولون في ذلة : ربنا أبصرنا ما كنا نتعامى عنه، وسمعنا ما كنا نتصامم عنه، فارجعنا إلى الدنيا نعمل صالحاً غير الذي كنا نعمله، إنا موقنون - الآن بالحق الذي جاء به رسلك.
١٣- ولو شئنا لأعطينا كل نفس هُداها، ولكن سبق القول منى لأملأن جهنم من الجِنة والناس أجمعين، لعلمنا أن أكثرهم سيختارون الضلالة دون الهدى.
١٤- فذوقوا العذاب بما غفلتم عن لقاء يومكم هذا، إنا تركناكم في العذاب كالمنسيين، وذوقوا العذاب الدائم الذي لا انقطاع له بسبب كفركم ومعاصيكم.
١٥- إنما يُصَدِّق بآياتنا الذين إذا وعظوا بها خروا لله ساجدين، ونزَّهوا ربهم عن كل نقص، مثنين عليه بكل كمال، وهم لا يستكبرون عن الانقياد لهذه الآيات.
١٦- تتنحى جنوبهم عن مضاجعها. يدعون ربهم خوفاً من سخطه، وطمعاً في رحمته، ومن المال الذي رزقناهم به ينفقون في وجوه الخير.
١٧- فلا تعلم نفس مقدار ما أعده الله وأخفاه لهؤلاء من النعيم العظيم، الذي تقر به عيونهم، جزاء بما كانوا يكسبون من الطاعة والأعمال.
١٨- أيستوي الناس في جزائهم وقد اختلفوا في أعمالهم ؟ أفمن كان مؤمناً بالله كمن كان كافراً به عاصياً له ؟ لا يستوون !
١٩- أما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم جنات المأوى التي فيها مساكنهم، كرامة لهم بما كانوا يعملون.
٢٠- وأما الذين خرجوا عن طاعة الله بكفرهم فمقامهم الذي أُعِدَّ لهم النار، كلما حاولوا الخروج منها أعيدوا فيها، وقيل لهم : ذوقوا عذاب النار الذي كنتم في الدنيا تصرون على التكذيب به.
٢١- ونُقْسم : لنذيقنهم في الدنيا عذاب الخذلان قبل أن يصلوا إلى العذاب الأكبر، وهو الخلود في النار، لعل المعذبين بالعذاب الأدنى يتوبون عن الكفر.
٢٢- ولا أحد أشد ظلماً للحق ولنفسه من إنسان ذُكِّرَ بآيات الله وحججه البينات ثم انصرف عن الإيمان بها مع وضوحها، إننا من كل مجرم سننتقم.
٢٣- ولقد آتينا موسى التوراة فلا تكن في شك من لقاء موسى للكتاب، وجعلنا الكتاب المنزل على موسى هادياً لبنى إسرائيل.
٢٤- وجعلنا من بني إسرائيل أئمة في الدين يقومون بهداية الناس، استجابة لأمرنا حين صبروا على العمل بما في التوراة، وكانوا بآياتنا يصدقون أقوى التصديق.
٢٥- إن ربك هو - وحده - يقضى بين الأنبياء وأممهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون.
٢٦- أتركَ الله المكذبين لرسلهم ولم يبين لهم أنه أهلك كثيراً من الأمم التي سبقتهم، وهم يمرون بديارهم، ويمشون في مساكنهم ؟ إن في ذلك لعظات تبصرهم بالحق، أصمُّوا فلا يسمعون هذه العظات ؟
٢٧- أعَموا ولم يروا أنا نجرى المطر والأنهار إلى الأرض التي قطع نباتها فنخرج به زرعاً تأكل منه أنعامهم، ويأكلون حبه وثمره ؟ أعموا فلا يبصرون دلائل قدرة الله على إحياء الموتى ؟.
٢٨- ويقول المشركون لك وللمؤمنين : في أي وقت يفتح الله عليكم بالنصر، أخبرونا بموعده إن كنتم صادقين.
٢٩- قل لهم : يوم القضاء والفصل إذا حل بكم لا ينفع الذين كفروا إيمانهم، ولا هم يمهلون لحظة عن العذاب الذي يستحقونه.
٣٠- وإذا كان هذا الاستهزاء دأبهم فأعرض عنهم، وانتظر صدق ما وعدك ربك فيهم إنهم ينتظرون الغلبة عليكم.
سورة السجدة
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورةُ (السَّجْدة) من السُّوَر المكية، وقد جاءت بإنذارِ الكافرين من النار، وتوبيخِهم على اتِّباع الآلهة الزائفة التي لا تغني من الحقِّ شيئًا، ودعَتْهم إلى التواضُعِ واتِّباع دِينِ الله الحقِّ؛ من خلال تَرْكِ التكبُّر، والسجودِ لله، مذكِّرةً لهم بأصلِ خِلْقتهم، وبقوَّةِ الله عز وجل وقُدْرته؛ فهو المستحِقُّ للعبادة، وقد كان صلى الله عليه وسلم يَقرؤُها في صلاةِ فَجْرِ يوم الجمعة.

ترتيبها المصحفي
32
نوعها
مكية
ألفاظها
374
ترتيب نزولها
75
العد المدني الأول
30
العد المدني الأخير
30
العد البصري
29
العد الكوفي
30
العد الشامي
30

* قوله تعالى: {تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمْ عَنِ اْلْمَضَاجِعِ} [السجدة: 16]:

عن أنسِ بن مالكٍ رضي الله عنه: «أنَّ هذه الآيةَ: {تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمْ عَنِ اْلْمَضَاجِعِ} [السجدة: 16]  نزَلتْ في انتظارِ الصَّلاةِ التي تُدْعى العَتَمةَ». أخرجه الترمذي (٣١٩٦).

و(صلاةُ العَتَمةِ): هي صلاةُ العِشاءِ؛ لِما جاء في الحديثِ عن عبدِ اللهِ بن عُمَرَ رضي الله عنهما، قال: «صلَّى لنا رسولُ اللهِ ﷺ العِشاءَ، وهي التي يَدْعو الناسُ العَتَمةَ ...». أخرجه البخاري (٥٦٤).

* سورة (السَّجْدة):

سُمِّيت بذلك لِما ذكَر اللهُ تعالى فيها من أوصافِ المؤمنين، الذين إذا سَمِعوا آياتِ القرآن {خَرُّواْۤ سُجَّدٗاۤ وَسَبَّحُواْ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ} [السجدة: 15]. وقال البِقاعيُّ: «واسمُها (السَّجْدة) منطبِقٌ على ذلك بما دعَتْ إليه آيَتُها من الإخباتِ، وتركِ الاستكبار». "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور" (2 /361).

* سورة ({الٓمٓ ١ تَنزِيلُ})، أو ({الٓمٓ ١ تَنزِيلُ} السَّجْدةَ):

دلَّ على ذلك افتتاحُ السُّورة بذلك، واحتواؤها على سَجْدةٍ، وصحَّ عن عبدِ اللهِ بن عباسٍ رضي الله عنهما: «أنَّ النبيَّ ﷺ كان يَقرأُ في صلاةِ الفَجْرِ يومَ الجُمُعةِ: {الٓمٓ ١ تَنزِيلُ} السَّجْدةَ، و{هَلْ أَتَىٰ عَلَى اْلْإِنسَٰنِ حِينٞ مِّنَ اْلدَّهْرِ}، وأنَّ النبيَّ ﷺ كان يَقرأُ في صلاةِ الجُمُعةِ سورةَ الجُمُعةِ، والمُنافِقِينَ». أخرجه مسلم (٨٧٩).

ولها أسماءٌ أخرى غيرُ ما ذكرنا.

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (6 /47-48).

* كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يَقرؤُها في فَجْرِ يوم الجمعة:

 عن عبدِ اللهِ بن عباسٍ رضي الله عنهما: «أنَّ النبيَّ ﷺ كان يَقرأُ في صلاةِ الفَجْرِ يومَ الجُمُعةِ: {الٓمٓ ١ تَنزِيلُ} السَّجْدةَ، و{هَلْ أَتَىٰ عَلَى اْلْإِنسَٰنِ حِينٞ مِّنَ اْلدَّهْرِ}، وأنَّ النبيَّ ﷺ كان يَقرأُ في صلاةِ الجُمُعةِ سورةَ الجُمُعةِ، والمُنافِقِينَ». أخرجه مسلم (٨٧٩).

* كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يَقرؤُها قبل نومِه:

عن جابرِ بن عبدِ اللهِ رضي الله عنهما: «أنَّ النبيَّ ﷺ كان لا يَنامُ حتى يَقرأَ {الٓمٓ ١ تَنزِيلُ}، و{تَبَٰرَكَ اْلَّذِي بِيَدِهِ اْلْمُلْكُ}». أخرجه الترمذي (٣٤٠٤).

اشتمَلتْ سورةُ (السَّجْدة) على الموضوعات الآتية:

1. القرآن حقٌّ مُنزَّل (١-٣).

2. الخَلْقُ: مُدَّته، وأنه حسَنٌ (٤-٩).

3. إثبات البعث (١٠-١١).

4. ذلُّ المجرمين يوم الدِّين (١٢-١٤).

5. علامات الإيمان (١٥- ١٧).

6. الجزاء العادل (١٨-٢٢).

7. الإمامة في الدِّين (٢٣-٢٥).

8. آياتٌ وعِظات (٢٦- ٣٠).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (6 /51).

مقصدُ السُّورة الأعظم: هو إنذارُ الكفار بهذا الكتاب، وأنه مِن عندِ الله عزَّ وجلَّ؛ فلا يأتيه الباطلُ مِن بينِ يديه ولا مِن خلفِه، وبيانُ بطلانِ آلهتهم وزيفِها، والتذكيرُ بقدرة الله والبعث، وكذا تذكيرُهم بوجوب اتِّباع النبي صلى الله عليه وسلم المرسَل بهذا الكتاب؛ فمِن خلال الاتباع يكون الفوزُ بالجنة، والنجاةُ من النار، ولتحقيقِ ذلك لا بد من الاستجابة لله، والتواضُعِ لأمره، وتركِ الاستكبار والعناد، واسمُ السورة دالٌّ على ذلك.

ينظر: "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور" للبقاعي (2 /361)، و"التحرير والتنوير" لابن عاشور (21 /204).