تفسير سورة السجدة

المصحف المفسّر

تفسير سورة سورة السجدة من كتاب المصحف المفسّر
لمؤلفه فريد وجدي . المتوفي سنة 1373 هـ
سورة السجدة مكية وآياتها ثلاثون

تفسير المعاني :
﴿ الم ﴾ انظر تفسيرها في السورة السابقة.
تفسير الألفاظ :
الم.
تفسير المعاني :
إنزال القرآن لا شك فيه من رب العالمين.
تفسير المعاني :
أم يقولون اختلقه بل هو الحق من ربك لتنذر قوما ما أرسلنا إليهم من نذير قبلك لعلهم يهتدون.
تفسير الألفاظ :
﴿ ثم استوى على العرش ﴾ أي ثم جلس على العرش، وهذا كناية عن أنه استولى على الملك يدبره.
تفسير المعاني :
الله هو الذي خلق السماوات والأرض وما بينهما من العوالم، ثم استولى على الملك يدبره، ما لكم من دونه من مولى ولا شفيع، أفلا تتذكرون بمواعظه ؟
تفسير الألفاظ :
﴿ ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة ﴾ أي يدبر أمر الدنيا بأسباب سماوية نازلة آثارها إلى الأرض، ثم يصعد إليه ذلك الأمر ويثبت في علمه في برهة من الزمان متطاولة، يريد بذلك بعد ما بين التدبير ووقوع أثره، أي يدبره ويحسب حسابه قبل وقوعه بزمن طويل. وقيل يدبر الأمر من يوم خلق الأرض إلى قيام ساعتها، ثم يرجع إليه الأمر كله جملة في يوم هو يوم القيامة طويل الأمد مقداره ألف سنة.
تفسير المعاني :
يدبر أمر الأرض من سماء جلاله من يوم وجودها إلى ساعة تلاشيها، ثم يصعد إليه الأمر كله ليحكم فيه في يوم هو يوم القيامة مقداره ألف سنة مما تعدون.
تفسير الألفاظ :
﴿ والشهادة ﴾ أي عالم الشهادة، وهو عالم المحسوسات.
تفسير المعاني :
ذلك هو الله عالم ما بطن وغاب من الأمور وما ظهر منها.
تفسير المعاني :
الذي أجاد كل شيء خلقه وبدأ تكوين الإنسان الأول من طين.
تفسير المعاني :
ثم جعل نسله يخرج منه في ماء ممتهن.
تفسير المعاني :
فيسويه هو وينفخ فيه من روحه، وقد جعل لكم السمع والأعين والقلوب لتسمعوا وتروا وتفهموا، ولكنكم قليلا ما تشكرون الله على هذه النعم.
تفسير الألفاظ :
﴿ ضللنا في الأرض ﴾ أي تاهت أجزاء أجسادنا فيها بعد.
تفسير المعاني :
وقالوا : أإذا متنا وتحللت أجسادنا فصارت رميما، واختلطت بتراب الأرض، وتاهت فيها أإنا لمخلوقون من جديد ؟ ولكنهم بلقاء ربهم يجحدون.
تفسير المعاني :
قل : نعم يتوفاكم ملك الموت الموكل بقبض أرواحكم ثم إلينا ترجعون، فإننا وقد قدرنا على إنشائكم من عدم نقدر أن نعيدكم مرة ثانية.
تفسير الألفاظ :
﴿ ناكسو رءوسهم ﴾ أي مطأطئو رءوسهم، يقال نكس رأسه ينكسه نكسا طأطأه.
تفسير المعاني :
ولو ترى إذ المجرمون مطأطئو رءوسهم يوم يلقون ربهم ويقولون : ربنا قد رأينا بأعيننا، وسمعنا بآذاننا ما كنا ننكره، فأعدنا إلى الدنيا نعمل صالحا إنا معتقدون، لرأيت أمرا فظيعا.
تفسير الألفاظ :
﴿ حق القول ﴾ أي ثبت ووجب. يقال حق يحق، ويحق حقا أي ثبت ووجب. ﴿ الجنة ﴾ أي الجن.
تفسير المعاني :
ولو شئنا لمنحنا كل نفس هداها، ولكن ثبت القول مني لحكمة أعلمها بأن أملأ جهنم من الجن والإنس معا.
تفسير الألفاظ :
﴿ عذاب الخلد ﴾ أي عذاب الخلود.
تفسير المعاني :
ونقوله لهم : ذوقوا العذاب بسبب نسيانكم المصير إلى يومكم هذا إنا نسيناكم، وذوقوا العذاب الخالد بما كنتم تعملون.
تفسير الألفاظ :
﴿ خروا ﴾ أي سقطوا. يقال خر السقف يخر خرا سقط. ﴿ وسبحوا بحمد ربهم ﴾ أي ونزهوا ربهم عن النقص حامدين له نعمه.
تفسير المعاني :
إنما يؤمن بآياتنا الذين إذا ذكروا بها خروا ساجدين، ونزهوا ربهم حامدين له نعمه وهم لا يستكبرون.
تفسير الألفاظ :
﴿ تتجافى جنوبهم ﴾ أي ترتفع وتتنحى. ﴿ المضاجع ﴾ أي الفرش ومواضع الاضطجاع.
تفسير المعاني :
تتنحى جنوبهم من مواضع اضطجاعهم، يدعون ربهم خوفا وطمعا ومما رزقناهم ينفقون.
تفسير الألفاظ :
﴿ من قرة أعين ﴾ أي من سرور وارتياح. والقرة إما مشتقة من القرار باعتبار أن العين تقر على ما يسرها أي تثبت عليه، وإما من القر وهو البرد باعتبار أن دمعة السرور باردة.
تفسير المعاني :
فلا يعلم إنسان ما أخفى لأهل الجنة مما ترتاح إليه نفوسهم، وتسر به قلوبهم جزاء لهم على حسن أعمالهم.
تفسير الألفاظ :
﴿ فاسقا ﴾ أي خارجا. يقال فسق يفسق فسقا، أي خرج عن حدود الشرع. تفسير المعاني :
أفمن كان مؤمنا بالله قائما بحق خلافته في الأرض، عاملا على تقرير العدل والنظام بين الخلق، كمن كان فاسقا خارجا على قوانين الآداب، معتديا على الحقوق ؟ لا، لا يستوون.
تفسير الألفاظ :
﴿ جنات المأوى ﴾ المأوى معناه المسكن، من أوى إلى المكان يأوي إليه أويا. ومعنى جنات المأوى أنها المأوى الحقيقي، أما الدنيا فمنزل مترحل لا محالة. ﴿ نزلا ﴾ النزل ما يقدم للضيف.
تفسير المعاني :
أما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم جنات السكنى الخالدة تقدمة من الله لهم جزاء ما كانوا يعملون.
تفسير المعاني :
وأما الذين فسقوا فمنزلهم في الحياة الآخرة النار، كلما شاءوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها، وقيل لهم : ذوقوا العذاب الذي كنتم به تكذبون.
تفسير الألفاظ :
﴿ العذاب الأدنى ﴾ أي العذاب الأقرب، وهو عذاب الدنيا.
تفسير المعاني :
ومع هذا فلنذيقنهم من عذاب الدنيا قبل عذاب الآخرة لعلهم يرجعون إلى رشدهم فيؤمنون.
تفسير المعاني :
ومن أظلم ممن ذكّر بآيات الله ثم أعرض عنها لاهيا أو مستكبرا، إنا من المجرمين لمنتقمون.
تفسير الألفاظ :
﴿ في مرية ﴾ أي في شك. يقال امترى أي شك.
تفسير المعاني :
ولقد آتينا موسى التوراة فلا تك في شك من لقائك القرآن، فإن تلقيك إياه هو كما تلقى موسى كتابه إذ جعلناه هدى لبني إسرائيل.
تفسير المعاني :
وجعلنا منهم أئمة يهدون الناس بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يعتقدون.
تفسير الألفاظ :
﴿ يفصل ﴾ أي يقضي.
تفسير المعاني :
إن ربك هو يحكم بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون فيه من أمر الدين فيجازي الضالين على ضلالهم، والمهتدين على هدايتهم.
تفسير الألفاظ :
﴿ أو لم يهد لهم ﴾ أي أو لم يتبين لهم. ﴿ من القرون ﴾ أي من أجيال الناس. القرن ثمانون سنة، وفي اصطلاحنا الآن مائة سنة.
أو لم يتبين لهم مما رأوا من الآثار ومروا به من الأطلال كم أهلكنا قبلهم من أجيال الناس، يمشون اليوم في مساكنهم الخالية منهم، ولقد كانت آهلة بهم، عامرة بوجودهم ؟ إن في ذلك لدلالات واعظة للنفوس لو كانوا ممن يسمعون القول سماع تدبر واتعاظ.
تفسير الألفاظ :
﴿ الأرض الجرز ﴾ أي الأرض التي جرز نباتها، أي قطع وأزيل. يقال جرز النبات يجرزه جرزا قطعه.
تفسير المعاني :
أو لم يروا بأعينهم أننا نسوق الماء إلى الأرض التي قطع نباتها وأصبحت يابسة قاحلة، فنخرج به زرعا جديدا كالذي كان عليها من قبل، فتأكل منه بهائمهم، ويأكلون منه هم أنفسهم، أفلا يبصرون ؟
تفسير الألفاظ :
﴿ الفتح ﴾ أي النصر أو الفصل في الحكم. يقال فتح يفتح فتحا أي حكم. والفتاح الحاكم.
تفسير المعاني :
ويقولون : إنكم تعدوننا بأن الله سيحكم بيننا فمتى هذا الحكم الفاصل بين الحق والباطل إن كنتم صادقين ؟
تفسير الألفاظ :
﴿ ولا هم ينظرون ﴾ أي ولا هم يمهلون. يقال أنظره ينظره إنظارا أي أمهله.
تفسير المعاني :
قل : يوم صدور هذا الحكم لا ينفع الذين كفروا إيمانهم، ولا هم يمهلون إلى موعد آخر ليتداركوا ما فاتهم.
تفسير المعاني :
فأعرض عنهم واتركهم فيما هم فيه من غرورهم، وانتظر إنهم منتظرون.
سورة السجدة
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورةُ (السَّجْدة) من السُّوَر المكية، وقد جاءت بإنذارِ الكافرين من النار، وتوبيخِهم على اتِّباع الآلهة الزائفة التي لا تغني من الحقِّ شيئًا، ودعَتْهم إلى التواضُعِ واتِّباع دِينِ الله الحقِّ؛ من خلال تَرْكِ التكبُّر، والسجودِ لله، مذكِّرةً لهم بأصلِ خِلْقتهم، وبقوَّةِ الله عز وجل وقُدْرته؛ فهو المستحِقُّ للعبادة، وقد كان صلى الله عليه وسلم يَقرؤُها في صلاةِ فَجْرِ يوم الجمعة.

ترتيبها المصحفي
32
نوعها
مكية
ألفاظها
374
ترتيب نزولها
75
العد المدني الأول
30
العد المدني الأخير
30
العد البصري
29
العد الكوفي
30
العد الشامي
30

* قوله تعالى: {تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمْ عَنِ اْلْمَضَاجِعِ} [السجدة: 16]:

عن أنسِ بن مالكٍ رضي الله عنه: «أنَّ هذه الآيةَ: {تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمْ عَنِ اْلْمَضَاجِعِ} [السجدة: 16]  نزَلتْ في انتظارِ الصَّلاةِ التي تُدْعى العَتَمةَ». أخرجه الترمذي (٣١٩٦).

و(صلاةُ العَتَمةِ): هي صلاةُ العِشاءِ؛ لِما جاء في الحديثِ عن عبدِ اللهِ بن عُمَرَ رضي الله عنهما، قال: «صلَّى لنا رسولُ اللهِ ﷺ العِشاءَ، وهي التي يَدْعو الناسُ العَتَمةَ ...». أخرجه البخاري (٥٦٤).

* سورة (السَّجْدة):

سُمِّيت بذلك لِما ذكَر اللهُ تعالى فيها من أوصافِ المؤمنين، الذين إذا سَمِعوا آياتِ القرآن {خَرُّواْۤ سُجَّدٗاۤ وَسَبَّحُواْ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ} [السجدة: 15]. وقال البِقاعيُّ: «واسمُها (السَّجْدة) منطبِقٌ على ذلك بما دعَتْ إليه آيَتُها من الإخباتِ، وتركِ الاستكبار». "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور" (2 /361).

* سورة ({الٓمٓ ١ تَنزِيلُ})، أو ({الٓمٓ ١ تَنزِيلُ} السَّجْدةَ):

دلَّ على ذلك افتتاحُ السُّورة بذلك، واحتواؤها على سَجْدةٍ، وصحَّ عن عبدِ اللهِ بن عباسٍ رضي الله عنهما: «أنَّ النبيَّ ﷺ كان يَقرأُ في صلاةِ الفَجْرِ يومَ الجُمُعةِ: {الٓمٓ ١ تَنزِيلُ} السَّجْدةَ، و{هَلْ أَتَىٰ عَلَى اْلْإِنسَٰنِ حِينٞ مِّنَ اْلدَّهْرِ}، وأنَّ النبيَّ ﷺ كان يَقرأُ في صلاةِ الجُمُعةِ سورةَ الجُمُعةِ، والمُنافِقِينَ». أخرجه مسلم (٨٧٩).

ولها أسماءٌ أخرى غيرُ ما ذكرنا.

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (6 /47-48).

* كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يَقرؤُها في فَجْرِ يوم الجمعة:

 عن عبدِ اللهِ بن عباسٍ رضي الله عنهما: «أنَّ النبيَّ ﷺ كان يَقرأُ في صلاةِ الفَجْرِ يومَ الجُمُعةِ: {الٓمٓ ١ تَنزِيلُ} السَّجْدةَ، و{هَلْ أَتَىٰ عَلَى اْلْإِنسَٰنِ حِينٞ مِّنَ اْلدَّهْرِ}، وأنَّ النبيَّ ﷺ كان يَقرأُ في صلاةِ الجُمُعةِ سورةَ الجُمُعةِ، والمُنافِقِينَ». أخرجه مسلم (٨٧٩).

* كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يَقرؤُها قبل نومِه:

عن جابرِ بن عبدِ اللهِ رضي الله عنهما: «أنَّ النبيَّ ﷺ كان لا يَنامُ حتى يَقرأَ {الٓمٓ ١ تَنزِيلُ}، و{تَبَٰرَكَ اْلَّذِي بِيَدِهِ اْلْمُلْكُ}». أخرجه الترمذي (٣٤٠٤).

اشتمَلتْ سورةُ (السَّجْدة) على الموضوعات الآتية:

1. القرآن حقٌّ مُنزَّل (١-٣).

2. الخَلْقُ: مُدَّته، وأنه حسَنٌ (٤-٩).

3. إثبات البعث (١٠-١١).

4. ذلُّ المجرمين يوم الدِّين (١٢-١٤).

5. علامات الإيمان (١٥- ١٧).

6. الجزاء العادل (١٨-٢٢).

7. الإمامة في الدِّين (٢٣-٢٥).

8. آياتٌ وعِظات (٢٦- ٣٠).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (6 /51).

مقصدُ السُّورة الأعظم: هو إنذارُ الكفار بهذا الكتاب، وأنه مِن عندِ الله عزَّ وجلَّ؛ فلا يأتيه الباطلُ مِن بينِ يديه ولا مِن خلفِه، وبيانُ بطلانِ آلهتهم وزيفِها، والتذكيرُ بقدرة الله والبعث، وكذا تذكيرُهم بوجوب اتِّباع النبي صلى الله عليه وسلم المرسَل بهذا الكتاب؛ فمِن خلال الاتباع يكون الفوزُ بالجنة، والنجاةُ من النار، ولتحقيقِ ذلك لا بد من الاستجابة لله، والتواضُعِ لأمره، وتركِ الاستكبار والعناد، واسمُ السورة دالٌّ على ذلك.

ينظر: "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور" للبقاعي (2 /361)، و"التحرير والتنوير" لابن عاشور (21 /204).