تفسير سورة الذاريات

أحكام القرآن

تفسير سورة سورة الذاريات من كتاب أحكام القرآن
لمؤلفه ابن الفرس . المتوفي سنة 595 هـ
وهي مكية وفيها ثلاثة مواضع.

– قوله تعالى :﴿ كانوا قليلا من الليل ما يهجعون ( ١٧ ) ﴾ :
اختلف في معنى الآية. فقال أنس بن مالك : المراد بذلك أنهم كانوا يتنفلون بين المغرب والعشاء. وقيل المراد بذلك قيام الليل. واختلف الذين ذهبوا إلى هذا هل كانوا يقومون الأكثر من كل ليلة أم كانوا يقومون أكثر١ الليالي ويتركون بعضها. فذهب الحسن إلى أنهم كانوا يقومون أكثر الليل لا ينامون منه إلا قليلا. وذهب مجاهد وغيره إلى أنهم كانوا يقومون أكثر الليالي ٢ ويتركون بعضها. والليل على هذا القول في الآية بمعنى الليالي. وبالجملة ففي هذه الآية تفضيل القيام بالليل٣.
١ في (ح) زيادة: "من"..
٢ "لا ينامون منه.... إلى: الليالي" كلام ساقط في (ب)، (ح)..
٣ راجع نحو ذلك في الجامع لأحكام القرآن ١٧/ ٣٦..
– قوله تعالى :﴿ وبالأسحار هم يستغفرون ( ١٨ ) ﴾ :
اختلف في معنى الاستغفار. فقيل الصلاة، وقيل طلب المغفرة. وفي الآية دليل على أن السحر مظنة الاستغفار. وعلى هذا جاء حديث النزول وروي أن أبواب الجنة تفتح سحر كل يوم. وفي قصة يعقوب عليه السلام في قوله :﴿ سوف أستغفر لكم ربي ﴾ [ يوسف : ٩٨ ] قال الآخر الاستغفار إلى السحر. وقال ابن زيد : السحر السدس الأخير من الليل ١.
١ راجع التفسير الكبير ٢٨/ ٢٠٣ – ٢٠٥، والجامع لأحكام القرآن ٤/ ٣٨ و ١٧/ ٣٧، ٣٨..
– وقوله تعالى :﴿ وفي أموالهم حق للسائل والمحروم ( ١٩ ) ﴾ :
اختلف في هذه الآية هل هي منسوخة أو محكمة ؟ فذهب قوم إلى أنها موجبة في المال شيئا غير الزكاة. وذهب قوم إلى أن ذلك منسوخ بالزكاة المفروضة. وهذا ضعيف لأنه تعالى لم يشرع بمكة قبل الهجرة شيئا في الأموال. وقيل هي محكمة١. واختلف الذاهبون إلى ذلك. فقال منذر بن سعيد ٢ هي الزكاة المفروضة. وهذا ضعيف لأن السورة مكية ولم تفرض الزكاة إلا بالمدينة. وقيل هي شيء غير الزكاة لكن ذلك على وجه الندب لا على الإيجاب. وهذا أحسن الأقوال. واختلف في المحروم، قيل هو المحارب الذي ليس له في الإسلام سهم مال فهو ذو الحرفة، وهو قول ابن عباس. وقيل الذي ليس له مال وهذا أيضا يروى عن ابن عباس. وقد قال أبو قلابة : جاء سائل باليمامة فذهب بمال رجل. فقال رجل من أصحاب محمد هذا المحروم. وقيل هو الذي أجيحت ثمرته، قاله ابن زيد. وقيل هو الذي ماتت ماشيته. وقيل الذي لا يسأل الناس، قاله محمد بن الحنفية. وقيل هو الذي لا ينمو له شيء، قاله عكرمة. وقيل المحروم الفقير الذي يخرج في الناس وهو متعفف وروي أيضا عن ابن عباس. وقيل المحروم الكلب، قاله عمر بن عبد العزيز. وهذه الأقوال كلها ترجع إلى معنى واحد من العدم والاحتياج. وبعض الناس يسوقونها على أنها اختلاف وليس بصحيح. وإنما ساق العلماء كل قول من ذلك على جهة المثال للمعنى العام المراد بالآية ٣.
١ راجع الإيضاح ص ٣٦٢..
٢ ونسبه القرطبي إلى محمد بن سيرين وقتادة. راجع الجامع لأحكام القرآن ١٧/ ٣٨. منذر بن سعيد بن عبد الله بن عبد الرحمن البلوطي، من فحص البلوط بالأندلس. مفسر وفقيه له تآليف عديدة منها: أحكام القرآن، كتاب الناسخ والمنسوخ. توفي سنة ٣٥٥هـ/ ٩٦٦م. انظر طبقات المفسرين للداودي ٢/ ٣٣٦..
٣ راجع نحو ذلك في أحكام القرآن للجصاص ٥/ ٢٩٤ – ٢٩٦، وفي الجامع لأحكام القرآن ١٧/ ٣٨، ٣٩..
– قوله تعالى :﴿ فتول عنهم فما أنت بملوم ( ٥٤ ) ﴾ :
ذكر بعضهم عن الضحاك أنها منسوخة بآية الجهاد. وذكر بعضهم عنه أنها منسوخة بالإقبال عليهم والموعظة لهم. قال تعالى :﴿ يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته ﴾ [ المائدة : ٦٧ ]. وقد يحتمل أن يكون معنى قوله تعالى :﴿ فتول عنهم ﴾ أي عند شدة الحرص عليهم وحسرة النفس لبقائهم على الكفر، ثم أمرهم بالتذكير مع ذلك، فلا يكون في الآية نسخ. وقال قتادة : بلغنا أنها لما نزلت :﴿ فتول عنهم فما أنت بملوم ( ٥٤ ) ﴾ اغتم المسلمون وخافوا نزول العذاب حتى نزلت :﴿ فإن الذكرى تنفع المؤمنين ﴾ ١ [ الذاريات : ٥٥ ].
١ القلم: ٤٦..
سورة الذاريات
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (الذَّاريَات) من السُّوَر المكية، نزلت بعد سورة (الأحقاف)، وقد جاءت ببيانِ عظمة الله، وقُدْرتِه على التصرُّف في الكون، وإنزالِ العذاب بمَن شاء، كيف شاء، متى شاء، ومِن ذلك قَسَمُه بـ(الذَّاريَات)، وهي: الرِّياح، وهي آيةٌ من آيات الله، يُصرِّفها اللهُ إن شاء للرَّحمة، وإن شاء للعذاب؛ فعلى الناسِ الفرارُ إلى الله، الذي هو طريقُ النجاة.

ترتيبها المصحفي
51
نوعها
مكية
ألفاظها
360
ترتيب نزولها
67
العد المدني الأول
60
العد المدني الأخير
60
العد البصري
60
العد الكوفي
60
العد الشامي
60

* سورة (الذَّاريَات):

سُمِّيت سورةُ (الذَّاريَات) بهذا الاسم؛ لافتتاحها بالقَسَم بـ(الذَّاريَات)؛ وهي: الرِّياح.

* أُثِر عن النبي صلى الله عليه وسلم قراءتُه لسورة (الذَّاريَات) في صلاة الظُّهر:

عن البراءِ بن عازبٍ رضي الله عنهما، قال: «كُنَّا نُصلِّي خلفَ النبيِّ ﷺ الظُّهْرَ، فيُسمِعُنا الآيةَ بعد الآياتِ مِن لُقْمانَ والذَّاريَاتِ». أخرجه النسائي (٩٧١).

1. وقوع البعثِ والجزاء (١-٢٣).

2. دلائل القدرة الإلهية (٢٤-٤٦).

3. الفرارُ إلى الله طريق النجاة (٤٧- ٦٠).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (7 /443).

مقصودُ سورة (الذَّاريَات) هو الدعوةُ إلى طاعة الله، والاستجابة لأمره؛ من خلال التحذير من وقوع العذاب بالأقوام؛ فإن اللهَ في هذه السورة أقسَمَ بـ(الذَّاريَات)، وهي الرِّياح التي يُعذِّب الله بها من يشاء من عباده، يقول البِقاعي: «مقصودها: الدلالة على صدقِ ما أنذَرتْ به سورةُ (ق) تصريحًا، وبشَّرت به تلويحًا، ولا سيما من مُصاب الدنيا، وعذابِ الآخرة.

واسمها (الذَّاريَات): ظاهرٌ في ذلك، بملاحظة جواب القَسَم؛ فإنه - لِشِدة الارتباط - كالآية الواحدة وإن كان خمسًا.

وللتعبير عن الرِّياح بـ(الذَّاريَات) أتمُّ إشارةٍ إلى ذلك؛ فإن تكذيبَهم بالوعيد لكونهم لا يشعُرون بشيءٍ من أسبابه، وإن كانت موجودةً معهم». "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور" للبقاعي (3 /25).