تفسير سورة البينة

الماوردي

تفسير سورة سورة البينة من كتاب النكت والعيون المعروف بـالماوردي.
لمؤلفه الماوردي . المتوفي سنة 450 هـ

قوله تعالى ﴿ لم يَكُنِ الّذِينَ كَفَروا مِنْ أهْلِ الكِتابِ والمُشْرِكينَ مُنفَكِّينَ ﴾ معناه لم يكن الذين كفروا من اليهود والنصارى الذين هم أهل الكتاب، ولم يكن المشركون الذين هم عبدة الأوثان من العرب، وغيرهم الذين ليس لهم كتاب.. « منفكين » فيه أربعة تأويلات :
أحدها : لم يكونوا منتهين عن الشرك ﴿ حتى تأتيهم البَيِّنَةُ ﴾ حتى يتبين لهم الحق. وهذا قول ثان : لم يزالوا مقيمين على الشرك والريبة حتى تأتيهم البينة، يعنى الرسل، قاله الربيع.
الثالث : لم يفترقوا ولم يختلفوا أن الله سيبعث إليهم رسولاً حتى بعث الله محمداً ﷺ وتفرقوا، فمنهم من آمن بربه، ومنهم من كفر، قاله ابن عيسى.
الرابع : لم يكونوا ليتركوا منفكين من حجج الله تعالى، حتى تأتيهم البينة التي تقوم بها عليهم الحجة، قال امرؤ القيس :
إذا قُلْتُ أَنْفَكَّ مِن حُبّها أبى عالقُ الحُبِّ إلا لُزوما
وفي « البيّنة » ها هنا ثلاثة أوجه :
أحدها : القرآن، قاله قتادة.
الثاني : الرسول الذي بانت فيه دلائل النبوة.
الثالث : بيان الحق وظهور الحجج.
وفي قراءة أبيّ بن كعب : ما كان الذي كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين، وفي قراءة ابن مسعود : لم يكن المشركون وأهل الكتاب منفكين.
﴿ رسولٌ مِن الله ﴾ يعني محمداً.
﴿ يَتْلُواْ صُحُفاً مُطَهّرَةً ﴾ يعني القرآن.
ويحتمل ثانياً : يتعقب بنبوته نزول الصحف المطهرة على الأنبياء قبله. وفي ﴿ مطهرة ﴾ وجهان :
أحدهما : من الشرك، قاله عكرمة.
الثاني : مطهرة الحكم بحسن الذكر والثناء، قاله قتادة.
ويحتمل ثالثاً : لنزولها من عند الله.
﴿ فيها كُتُبٌ قَيِّمةٌ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : يعني كتب الله المستقيمة التي جاء القرآن بذكرها، وثبت فيه صدقها، حكاه ابن عيسى.
الثاني : يعني فروض الله العادلة، قاله السدي.
﴿ وما تَفَرَّقَ الّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ ﴾ يعني اليهود والنصارى.
﴿ إلاّ مِن بَعْدِ ما جاءتْهم البْيِّنَةُ ﴾ فيه قولان :
احدهما : القرآن، قاله أبو العالية.
الثاني : محمد ﷺ، قاله ابن شجرة.
ويحتمل ثالثاً : البينة ما في كتبهم من صحة نبوته.
﴿ وما أُمِروا إلاّ ليَعْبُدوا الله مُخْلِصينَ له الدِّينَ ﴾ فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : مُقِرِّين له بالعبادة.
الثاني : ناوين بقلوبهم وجه الله تعالى في عبادتهم.
الثالث : إذا قال لا إله إلا الله أن يقول على أثرها « الحمد لله »، قاله ابن جرير.
ويحتمل رابعاً : إلا ليخلصوا دينهم في الإقرار بنبوته.
﴿ حُنفاءَ ﴾ فيه ستة أوجه :
أحدها : متبعين.
الثاني : مستقيمين، قاله محمد بن كعب.
الثالث : مخلصين، قاله خصيف.
الرابع : مسلمين، قاله الضحاك، وقال الشاعر :
442
أخليفة الرحمنِ إنا مَعْشرٌ حُنفاءُ نسجُدُ بُكرةً وأصيلاً
الخامس : يعني حجّاجاً، قاله ابن عباس؛ وقال عطية العوفي : إذا اجتمع الحنيف والمسلم كان معنى الحنيف الحاج وإذا انفرد الحنيف كان معناه المسلم، وقال سعيد بن جبير : لا تسمي العرب الحنيف إلا لمن حج واختتن.
السادس : أنهم المؤمنون بالرسل كلهم، قاله أبو قلابة.
﴿ ويُقيموا الصّلاةَ ويُؤْتُوا الزّكاةَ وذلكَ دينُ القَيِّمَةِ ﴾ وفيه ثلاثة أوجه :
أحدها : معناه وذلك دين الأمة المستقيمة.
الثاني : وذلك دين القضاء القيم، قاله ابن عباس.
الثالث : وذلك الحساب المبين، قاله مقاتل.
ويحتمل رابعاً : وذلك دين من قام لله بحقه.
﴿ إِنَّ الذين كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الكتاب والمشركين فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَآ أولئك هُمْ شَرُّ البرية * إِنَّ الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات أولئك هُمْ خَيْرُ البرية * جَزَآؤُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِى مِنْ تَحْتِهَا الأنهار خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً رِّضِىَ الله عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ ﴾
443
سورة البينة
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (البَيِّنة) من السُّوَر المدنية، نزلت بعد سورة (الطَّلاق)، وقد افتُتحت بالبراءة من الشِّرك والمشركين، وبيَّنتْ موقف الكفار من رسالة محمد صلى الله عليه وسلم، وأوضحت هدايةَ هذا الكتاب، ووبَّختِ المشركين على تكذبيهم به، وخُتِمت بافتراقِ أهل الكتاب، وحالِ الفريقين من مؤمنٍ بالله ومكذِّب.

ترتيبها المصحفي
98
نوعها
مدنية
ألفاظها
94
ترتيب نزولها
100
العد المدني الأول
8
العد المدني الأخير
8
العد البصري
9
العد الكوفي
8
العد الشامي
8

* سورةُ (البَيِّنةِ):

سُمِّيت سورةُ (البَيِّنةِ) بهذا الاسم؛ لورود هذا اللَّفظ في مفتتحها؛ قال تعالى: {لَمْ يَكُنِ اْلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ اْلْكِتَٰبِ وَاْلْمُشْرِكِينَ مُنفَكِّينَ حَتَّىٰ تَأْتِيَهُمُ اْلْبَيِّنَةُ} [البينة: 1].

* وتُسمَّى كذلك بسورة {لَمْ يَكُنِ}، و{لَمْ يَكُنِ اْلَّذِينَ كَفَرُواْ}؛ للسببِ نفسه.
وغيرها من الأسماء.

1. مهمة الرسول، وفضيلة القرآن (١-٣).

2. افتراق أهل الكتاب (٤-٥).

3. حال الفريقينِ: مَن عصى، ومَن أطاع  (٦-٨).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (9 /273).

الإعلامُ بعظمةِ هذا الكتاب، وأنه نورٌ وهدًى للناس، وتوبيخُ المشركين على تكذيبهم به.

ينظر: "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور" للبقاعي (3 /220)، "التحرير والتنوير" لابن عاشور (30 /468).