تفسير سورة البينة

فتح الرحمن في تفسير القرآن

تفسير سورة سورة البينة من كتاب فتح الرحمن في تفسير القرآن المعروف بـفتح الرحمن في تفسير القرآن.
لمؤلفه مجير الدين العُلَيْمي . المتوفي سنة 928 هـ

سورة البينة
مكية على الأشهر، وقيل: مدنية، وآيها: ثماني آيات، وحروفها: أربع مئة وثلاثة أحرف، وكلمها: أربع وتسعون كلمة.

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

﴿لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ (١)﴾.
[١] ﴿لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ﴾ وهم اليهود والنصارى، وتعطف على ﴿أَهْلِ﴾ ﴿وَالْمُشْرِكِينَ﴾ وهم عبدة الأوثان، فـ (الذين) اسم كان، وخبرها ﴿مُنْفَكِّينَ﴾ أي: زائلين عما هم عليه من الدين.
﴿حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ﴾ الحجة الواضحة، وهو محمد - ﷺ -؛ أي: تمسكوا بدينهم إلى أن بُعث - ﷺ -، فدعاهم إلى الإيمان، وأنقذهم من الضلال، وهذه الآية فيمن آمن من الفريقين.
...
﴿رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُطَهَّرَةً (٢)﴾.
[٢] ثم فسر البينة فقال: ﴿رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُو﴾ يقرأ (١) ﴿صُحُفًا﴾ كتبًا
(١) "يقرأ" ساقطة من "ت".
﴿مُطَهَّرَةً﴾ من الباطل والكذب، والمراد: يتلو مضمونَ مكتوبِ الصحف، وهو القرآن، لا نفس المكتوب؛ لأنه - ﷺ - كان يتلو عن ظهر قلبه؛ لأنه كان أميًّا، ولما كان تاليًا بلسانه ما في الصحف، فكأنه تلا الصحف.
...
﴿فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ (٣)﴾.
[٣] ﴿فِيهَا﴾ أي: في ﴿كُتُبٌ﴾ أي: أحكام مكتوبة ﴿قَيِّمَةٌ﴾ مستقيمة.
...
﴿وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ (٤)﴾.
[٤] ثم بين تعالى أن اختلافهم إنما وقع بعد بعثه - ﷺ -، فقال: ﴿وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ﴾ في أمر محمد - ﷺ - ﴿إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ﴾ أي: بعدما رأوا الآيات الواضحة، وكانوا من قبل متفقين على نبوته وصفته، فلما جاء من العرب، حسدوه، واختلفوا في أمره، فآمن بعضهم، وكفر آخرون.
...
﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ (٥)﴾.
[٥] ﴿وَمَا أُمِرُوا﴾ هؤلاء الكفار ﴿إِلَّا لِيَعْبُدُوا﴾ أي: بأن يعبدوا ﴿اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ﴾ لا يشركون به شيئًا ﴿حُنَفَاءَ﴾ مستقيمين؛ أي: ما أُمروا في كتابيهما إلا بهذا الوصف، و (مُخْلِصِينَ) و (حُنَفَاءَ) نصب على الحال من ضمير (يَعْبُدُوا).
﴿وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ﴾ وكون الزكاة مع الصلاة في هذه الآية مع ذكر بني إسرائيل فيها يقوي قول من قال: السورة مدنية؛ لأن الزكاة إنما فرضت بالمدينة.
﴿وَذَلِكَ دِينُ﴾ الملةِ ﴿الْقَيِّمَةِ﴾ أَي: المستقيمة.
...
﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ (٦)﴾.
[٦] ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا﴾ يوم القيامة.
﴿أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ﴾ والبرية: جميع الخلق؛ لأن الله تعالى برأهم؛ أي: أوجدهم بعد العدم.
...
﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ (٧)﴾.
[٧] ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ﴾ قرأ نافع، وابن ذكوان عن ابن عامر: (الْبَرِيئَةِ) في الحرفين بالهمز والمد على الأصل؛ لأنه من برأ الله الخلق كما تقدم، وقرأ الباقون: بياء مشددة أبدل من الهمزة ياء تخفيفًا، ثم أدغمت في الياء (١).
...
(١) انظر: "التيسير" للداني (ص: ٢٢٤)، و"تفسير البغوي" (٤/ ٦٦٢)، و "إتحاف فضلاء البشر" للدمياطي (ص: ٤٤٢)، و"معجم القراءات القرآنية" (٨/ ٢٠٨).
﴿جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ (٨)﴾.
[٨] ﴿جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ﴾ أي: سُكْنى جنات ﴿عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ﴾ والعدن: الإقامة والدوام، وقال ابن مسعود: "عدن: بطنانُ الجنة"؛ أي: وسطها (١).
﴿خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا﴾ تأكيدًا للخلود بالتأبيد ﴿رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ﴾ [ورضاه: هو ما أظهره عليهم من أمارات رحمته وغفرانه] (٢) ﴿وَرَضُوا عَنْهُ﴾ ورضاهم: هو الرضا بما قسم لهم من الأرزاق والأقدار.
﴿ذَلِكَ﴾ المذكور من الجزاء والرضوان ﴿لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ﴾ وخص أهل (٣) الخشية بالذكر؛ لأنها رأس كل بركة، تنهى عن المعاصي، وتأمر بالمعروف. قرأ قالون عن نافع بخلاف عنه: (رَبَّهُ) باختلاس ضمة الهاء حالة الوصل بالبسملة، والله أعلم.
* * *
(١) رواه عبد الرزاق في "تفسيره" (٢/ ٣٣٥)، وابن أبي شيبة في "مصنفه" (٣٤٠٣٣)، والطبري في "تفسيره" (١٠/ ١٨١)، وابن أبي حاتم في "تفسيره" (٦/ ٨٤٠) وغيرهم.
(٢) ما بين معكوفتين زيادة من "ت".
(٣) "أهل" زيادة من "ت".
سورة البينة
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (البَيِّنة) من السُّوَر المدنية، نزلت بعد سورة (الطَّلاق)، وقد افتُتحت بالبراءة من الشِّرك والمشركين، وبيَّنتْ موقف الكفار من رسالة محمد صلى الله عليه وسلم، وأوضحت هدايةَ هذا الكتاب، ووبَّختِ المشركين على تكذبيهم به، وخُتِمت بافتراقِ أهل الكتاب، وحالِ الفريقين من مؤمنٍ بالله ومكذِّب.

ترتيبها المصحفي
98
نوعها
مدنية
ألفاظها
94
ترتيب نزولها
100
العد المدني الأول
8
العد المدني الأخير
8
العد البصري
9
العد الكوفي
8
العد الشامي
8

* سورةُ (البَيِّنةِ):

سُمِّيت سورةُ (البَيِّنةِ) بهذا الاسم؛ لورود هذا اللَّفظ في مفتتحها؛ قال تعالى: {لَمْ يَكُنِ اْلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ اْلْكِتَٰبِ وَاْلْمُشْرِكِينَ مُنفَكِّينَ حَتَّىٰ تَأْتِيَهُمُ اْلْبَيِّنَةُ} [البينة: 1].

* وتُسمَّى كذلك بسورة {لَمْ يَكُنِ}، و{لَمْ يَكُنِ اْلَّذِينَ كَفَرُواْ}؛ للسببِ نفسه.
وغيرها من الأسماء.

1. مهمة الرسول، وفضيلة القرآن (١-٣).

2. افتراق أهل الكتاب (٤-٥).

3. حال الفريقينِ: مَن عصى، ومَن أطاع  (٦-٨).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (9 /273).

الإعلامُ بعظمةِ هذا الكتاب، وأنه نورٌ وهدًى للناس، وتوبيخُ المشركين على تكذيبهم به.

ينظر: "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور" للبقاعي (3 /220)، "التحرير والتنوير" لابن عاشور (30 /468).