تفسير سورة البينة

مختصر تفسير ابن كثير

تفسير سورة سورة البينة من كتاب مختصر تفسير ابن كثير المعروف بـمختصر تفسير ابن كثير.
لمؤلفه محمد علي الصابوني .

- ١ - لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ
- ٢ - رَسُولٌ مِّنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُطَهَّرَةً
- ٣ - فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ
- ٤ - وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ
- ٥ - وَمَآ أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ
أَمَّا أَهْلُ الْكِتَابِ فَهُمُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى، وَالْمُشْرِكُونَ عَبَدَةُ الأوثان والنيران من العرب ومن العجم، قال مُجَاهِدٌ: لَمْ يَكُونُوا ﴿مُنفَكِّينَ﴾ يَعْنِي مُنْتَهِينَ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ الحق ﴿حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ﴾ أَيْ هَذَا الْقُرْآنُ، وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: ﴿لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ﴾ ثُمَّ فَسَّرَ الْبَيِّنَةَ بِقَوْلِهِ: ﴿رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفاً مُّطَهَّرَةً﴾ يَعْنِي مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا يَتْلُوهُ مِنَ الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ الَّذِي هُوَ مُكْتَتَبٌ فِي الْمَلَأِ الْأَعْلَى فِي صحف مطهرة، كقوله تعالى:
﴿فَي صُحُفٍ مُّكَرَّمَةٍ * مَّرْفُوعَةٍ مُّطَهَّرَةٍ * بِأَيْدِي سَفَرَةٍ * كِرَامٍ بررة﴾، وقوله تعالى: ﴿فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ﴾ قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: أَيْ فِي الصُّحُفِ الْمُطَهَّرَةِ كُتُبٌ مِنَ اللَّهِ قِيمَةٌ عَادِلَةٌ مُسْتَقِيمَةٌ، لَيْسَ فِيهَا خَطَأٌ لِأَنَّهَا مِنْ عند الله عزَّ وجلَّ، وقال قَتَادَةُ ﴿رَسُولٌ مِّنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفاً مُّطَهَّرَةً﴾ يَذْكُرُ الْقُرْآنَ بِأَحْسَنِ الذِّكْرِ، وَيُثْنِي عَلَيْهِ بِأَحْسَنِ الثَّنَاءِ، وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: ﴿فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ﴾ مستقيمة معتدلة، وقوله تعالى: ﴿وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَآءَتْهُمُ البينة﴾ كقوله تَعَالَى: ﴿وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُوا مِن بَعْدِ مَا جَآءَتْهُمُ البينات وأولئك لَهُمْ عَذَابٌ عظيم﴾، يَعْنِي بِذَلِكَ أَهْلَ الْكُتُبِ الْمُنَزَّلَةِ عَلَى الْأُمَمِ قَبْلَنَا، بَعْدَ مَا أَقَامَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْحُجَجَ والبينات تفرقوا،
663
وَاخْتَلَفُوا فِي الَّذِي أَرَادَهُ اللَّهُ مِنْ كُتُبِهِمْ، واختلفوا اختلافاً كبيراً، كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الْمَرْوِيِّ مِنْ طُرِقٍ: «أَنَّ الْيَهُودَ اخْتَلَفُوا عَلَى إِحْدَى وَسَبْعِينَ فِرْقَةً، وإن النصارى اختلفوا على اثنين وَسَبْعِينَ فِرْقَةً، وَسَتَفْتَرِقُ هَذِهِ الْأُمَّةُ عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً، كُلُّهَا فِي النَّارِ إِلَّا وَاحِدَةً»، قَالُوا: مَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «مَا أنا عليه وأصحابي»، وقوله تعالى: ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ﴾ كَقَوْلِهِ: ﴿وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلاَّ أَنَاْ فاعبدونِ﴾، ولهذا قال: ﴿حُنَفَآءَ﴾ أي متحنفين من الشِّرْكِ إِلَى التَّوْحِيدِ، كَقَوْلِهِ: ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطاغوت﴾، وَقَدْ تَقَدَّمَ تَقْرِيرُ الْحَنِيفِ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ هَاهُنَا، ﴿وَيُقِيمُواْ الصَّلَاةَ﴾ وَهِيَ أَشْرَفُ عِبَادَاتِ الْبَدَنِ، ﴿وَيُؤْتُواْ الزَّكَاةَ﴾ وَهِيَ الْإِحْسَانُ إِلَى الْفُقَرَاءِ وَالْمَحَاوِيجِ ﴿وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ﴾ أَيْ الْمِلَّةُ الْقَائِمَةُ الْعَادِلَةُ، أَوِ الْأُمَّةُ الْمُسْتَقِيمَةُ المعتدلة.
664
- ٦ - إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ
- ٧ - إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ
- ٨ - جَزَآؤُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ عَدْنٍ تَجْرِى مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ
يُخْبِرُ تَعَالَى عَنْ مَآلِ الْفُجَّارِ مِنْ كَفَرَةِ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ، الْمُخَالِفِينَ لَكُتُبِ اللَّهِ الْمُنَزَّلَةِ وَأَنْبِيَاءِ اللَّهِ الْمُرْسَلَةِ، أَنَّهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ ﴿خَالِدِينَ فِيهَا﴾ أَيْ مَاكِثِينَ فِيهَا لَا يُحَوَّلُونَ عَنْهَا وَلَا يَزُولُونَ، ﴿أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ﴾ أَيْ شَرُّ الْخَلِيقَةِ الَّتِي بَرَأَهَا اللَّهُ وَذَرَأَهَا، ثُمَّ أَخْبَرَ تَعَالَى عَنْ حَالِ الْأَبْرَارِ الَّذِينَ آمَنُوا بِقُلُوبِهِمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ بِأَبْدَانِهِمْ بِأَنَّهُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ، وَقَدِ اسْتَدَلَّ بِهَذِهِ الْآيَةِ أَبُو هُرَيْرَةَ وَطَائِفَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ عَلَى تَفْضِيلِ الْمُؤْمِنِينَ مِنَ الْبَرِيَّةِ عَلَى الْمَلَائِكَةِ لِقَوْلِهِ: ﴿أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ البرية﴾، ثم قال تعالى: ﴿جَزَآؤُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ﴾ أَيْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ﴿جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِى مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً﴾ أَيْ بِلَا انْفِصَالٍ وَلَا انْقِضَاءٍ وَلَا فَرَاغٍ ﴿رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ﴾ وَمَقَامُ رِضَاهُ عَنْهُمْ أَعْلَى مِمَّا أُوتُوهُ مِنَ النَّعِيمِ القيم ﴿وَرَضُواْ عَنْهُ﴾ فِيمَا مَنَحَهُمْ مِنَ الْفَضْلِ الْعَمِيمِ، وقوله تعالى: ﴿ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ﴾ أَيْ هَذَا الْجَزَاءُ حَاصِلٌ لِمَنْ خَشِيَ اللَّهَ وَاتَّقَاهُ حَقَّ تَقْوَاهُ، وعبده كأنه يراه، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرِ الْبَرِيَّةِ؟» قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «رَجُلٌ أَخَذَ بِعِنَانِ فَرَسِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كُلَّمَا كَانَتْ هَيْعَةٌ اسْتَوَى عَلَيْهِ، أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرِ الْبَرِيَّةِ؟» قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «رَجُلٌ فِي ثُلَّةٍ مِنْ غَنَمِهِ يُقِيمُ الصلاة ويؤتي الزكاة،» ألا أخبركم بخير الْبَرِيَّةِ"؟ قَالُوا: بَلَى، قَالَ: «الَّذِي يَسْأَلُ بِاللَّهِ ولا يعطي به» (أخرجه الإمام أحمد).
664
- ٩٩ - سورة الزلزلة.
665

[مقدمة]

روى الترمذي عَنْ أنَس قَالَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ قَرَأَ إِذَا زُلْزِلَتِ عدلت له بنصف القرآن» (أخرجه الترمذي، وقال: حسن غريب). وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا زُلْزِلَتْ تَعْدِلُ نِصْفَ القرآن، وقل هُوَ الله أَحَدٌ تعدل ثلث القرآن، وقل يا أيها الكافرون تعدل ربع القرآن» (أخرجه الترمذي، وقال: غريب). وعن أنَس بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِرَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِهِ: «هَلْ تَزَوَّجْتَ يَا فُلَانُ؟» قَالَ: لَا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَلَا عِنْدِي مَا أَتَزَوَّجُ، قَالَ: «أَلَيْسَ مَعَكَ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ؟» قَالَ: بَلَى، قَالَ: «ثُلُثُ الْقُرْآنِ» قَالَ: «أَلَيْسَ مَعَكَ إِذَا جَآءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ؟» قَالَ: بَلَى، قَالَ: «رُبُعُ الْقُرْآنِ» قَالَ: «أَلَيْسَ مَعَكَ قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ؟» قَالَ: بَلَى، قَالَ: «رُبُعُ الْقُرْآنِ» قَالَ: «أَلَيْسَ مَعَكَ إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ؟» قَالَ: بَلَى، قَالَ: «رُبُعُ الْقُرْآنِ، تَزَوَّجْ» (أخرجه الترمذي أيضاً، وقال: حديث حسن).
665
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ.
665
سورة البينة
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (البَيِّنة) من السُّوَر المدنية، نزلت بعد سورة (الطَّلاق)، وقد افتُتحت بالبراءة من الشِّرك والمشركين، وبيَّنتْ موقف الكفار من رسالة محمد صلى الله عليه وسلم، وأوضحت هدايةَ هذا الكتاب، ووبَّختِ المشركين على تكذبيهم به، وخُتِمت بافتراقِ أهل الكتاب، وحالِ الفريقين من مؤمنٍ بالله ومكذِّب.

ترتيبها المصحفي
98
نوعها
مدنية
ألفاظها
94
ترتيب نزولها
100
العد المدني الأول
8
العد المدني الأخير
8
العد البصري
9
العد الكوفي
8
العد الشامي
8

* سورةُ (البَيِّنةِ):

سُمِّيت سورةُ (البَيِّنةِ) بهذا الاسم؛ لورود هذا اللَّفظ في مفتتحها؛ قال تعالى: {لَمْ يَكُنِ اْلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ اْلْكِتَٰبِ وَاْلْمُشْرِكِينَ مُنفَكِّينَ حَتَّىٰ تَأْتِيَهُمُ اْلْبَيِّنَةُ} [البينة: 1].

* وتُسمَّى كذلك بسورة {لَمْ يَكُنِ}، و{لَمْ يَكُنِ اْلَّذِينَ كَفَرُواْ}؛ للسببِ نفسه.
وغيرها من الأسماء.

1. مهمة الرسول، وفضيلة القرآن (١-٣).

2. افتراق أهل الكتاب (٤-٥).

3. حال الفريقينِ: مَن عصى، ومَن أطاع  (٦-٨).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (9 /273).

الإعلامُ بعظمةِ هذا الكتاب، وأنه نورٌ وهدًى للناس، وتوبيخُ المشركين على تكذيبهم به.

ينظر: "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور" للبقاعي (3 /220)، "التحرير والتنوير" لابن عاشور (30 /468).