تفسير سورة البينة

معاني القرآن للفراء

تفسير سورة سورة البينة من كتاب معاني القرآن للفراء المعروف بـمعاني القرآن للفراء.
لمؤلفه الفراء . المتوفي سنة 207 هـ

وقول العوام أقوى فِي قياس العربية لأن المطلَع بالفتح هُوَ: الطلوع، والمطِلع: المشرق، والموضع الَّذِي تطلع مِنْهُ إلّا أن العرب يقولون: طلعت الشمس مطلعا فيكسرون. وهم يريدون: المصدر، كما تقول: أكرمتك كرامة، فتجتزىء بالاسم من المصدر. وكذلك قولك: أعطيتك عطاء اجتزى فيه بالاسم من المصدر.
ومن سورة لم يكن
قوله عزَّ وجلَّ: لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ (١).
يعني: النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهي فِي قراءة عَبْد اللَّه: «لَمْ يَكُنِ المُشْرِكُون وَأَهْلُ الكِتابِ مُنْفَكِّين». فقد اختَلف التفسير، فقيل: لم يكونوا منفكين منتهين حتى [١٤٥/ ا] تأتيهم البينة.
يعني: بعثه مُحَمَّد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والقرآن. وقَالَ آخرون: لم يكونوا تاركين لصفة مُحَمَّد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى كتابهم: أَنَّهُ نبيٌ حتَّى ظهر، فلما ظهر تفرقوا واختلفوا، ويصدّق ذَلِكَ.
قوله عزَّ وجلَّ: وَما تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ (٤) وَقَدْ يكون الانفكاك عَلَى جهةِ يُزال، ويكون عَلَى الانفكاك الَّذِي تعرفه، فإِذا كانت عَلَى جهة يَزال فلا بد لها من فعل، وأن يكون معها جحد، فتقول: ما انفككت أذكرك، تريد: ما زلت أذكرك، فإِذا كانت عَلَى غير معنى: يزال، قلت: قَدِ انفككت منك، وانفك الشيء من الشيء، فيكون بلا جحد، وبلا فعل، وَقَدْ قَالَ ذو الرمة:
قلائص لا تنفك إلّا مُناخة عَلَى الخسف أَوْ ترمي بها بلدًا قفرا «١»
فلم يدخل فيها إلا (إِلا) وهو ينوي بها التمام وخلاف: يزال، لأنك لا تَقُولُ: ما زلت إلا قائمًا.
(١) روى (حراجيج) مكان (قلائص). وحراجيج جمع: حرجوج، بضم فسكون، وهى الناقة السمينة الطويلة على وجه الأرض، أو الشديدة. ديوان الشاعر: ١٧٣، والكتاب: ١: ٤٢٨، وتفسير القرطبي: ٢٠: ١٤١
وقوله عزّ وجلّ: رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ (٢).
نكرة استؤنف عَلَى البينة، وهي معرفة، كما قَالَ: «ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ، فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ «١» » وهي فِي قراءة أَبِي: «رَسُولًا مِنَ اللَّهِ» بالنصب عَلَى الانقطاع من البيِّنة.
وقوله تبارك وتعالى: وَما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ (٥).
العرب تجعل اللام فِي موضع (أن) فِي الأمر والإرادة كثيرًا من ذَلِكَ قول اللَّهِ تبارك وتعالى:
«يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ «٢» »، و «يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا «٣» ». وقَالَ فِي الأمر فِي غير موضع من التنزيل، «وَأُمِرْنا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعالَمِينَ «٤» » وهي فِي قراءة عَبْد اللَّه، «وَمَا أُمِرُوا إلّا أن يعبدوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ» وفي قراءة عَبْد اللَّه: «ذَلِكَ الدين القيمة «٥» » (٥) وفي قراءتنا «وَذلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ» وهو [١٤٥/ ب] مما يضاف إلى نفسه لاختلاف لفظيه. وَقَدْ فسر فِي غير موضع.
وقوله جل وعز: أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ (٧).
البرية غير مهموز، إلا أن بعض أهل الحجاز همزها «٦» كأنه أخذها من قول اللَّه جل وعز برأكم، وبرأ الخلق، «٧»، ومن لم يهمزها فقد تكون من هَذَا المعنى. ثُمَّ اجتمعوا عَلَى ترك همزها كما اجتمعوا عَلَى: يَرَى وتَرى ونرى «٨» وإن أخذِتْ من البَرَى كانت غير مهموزة، والبرى:
التراب سمعت العرب تَقُولُ: بفيه «٩» البري، وحمّى خيبري، وشرُّ ما يرى «١٠» [فإنه خيسرى «١١» ].
(١) سورة البروج الآيتان: ١٥، ١٦.
(٢) سورة النساء الآية: ٢٦.
(٣) سورة الصف الآية: ٨.
(٤) سورة الأنعام الآية: ٧١.
(٥) على أن الهاء فى هذه القراءة للمبالغة، أو على أن المراد بالدين: الملة كقوله: ما هذه الصوت؟ يريد ما هذه الصيحة (البحر المحيط ٨/ ٤٩٩). ورواية القرطبي ج ٢٠: ١٤٤ وفى حرف عبد الله «وذلك الدين القيم»
(٦، ٧) ليس فى كتاب الله: برأكم، ولا برأ الخلق. وعبارة ش: كأنه أخذها من قول الله: برأ وبرأ الخلق.
وفى اللسان: مادة «برأ» قال الفراء: هى من برأ الله الخلق، أي: خلقهم. [.....]
(٨) سقط من ش.
(٩) مثلها فى اللسان، وفى ب: بفيل، وفى ش: بعتك وكل تحريف.
(١٠) فى اللسان: يقال: عليه الدبرى، وحمى خيبرى مادة (خبر). وفى مادة خسر من اللسان:
وفى بعض الأسجاع: بفيه البري، وحمّى خيبري، وشرُّ ما يرى، فإنه خيسرى، والخيسرى: الخاسر.
(١١) ما بين الحاصرتين زيادة فى ش.
سورة البينة
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (البَيِّنة) من السُّوَر المدنية، نزلت بعد سورة (الطَّلاق)، وقد افتُتحت بالبراءة من الشِّرك والمشركين، وبيَّنتْ موقف الكفار من رسالة محمد صلى الله عليه وسلم، وأوضحت هدايةَ هذا الكتاب، ووبَّختِ المشركين على تكذبيهم به، وخُتِمت بافتراقِ أهل الكتاب، وحالِ الفريقين من مؤمنٍ بالله ومكذِّب.

ترتيبها المصحفي
98
نوعها
مدنية
ألفاظها
94
ترتيب نزولها
100
العد المدني الأول
8
العد المدني الأخير
8
العد البصري
9
العد الكوفي
8
العد الشامي
8

* سورةُ (البَيِّنةِ):

سُمِّيت سورةُ (البَيِّنةِ) بهذا الاسم؛ لورود هذا اللَّفظ في مفتتحها؛ قال تعالى: {لَمْ يَكُنِ اْلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ اْلْكِتَٰبِ وَاْلْمُشْرِكِينَ مُنفَكِّينَ حَتَّىٰ تَأْتِيَهُمُ اْلْبَيِّنَةُ} [البينة: 1].

* وتُسمَّى كذلك بسورة {لَمْ يَكُنِ}، و{لَمْ يَكُنِ اْلَّذِينَ كَفَرُواْ}؛ للسببِ نفسه.
وغيرها من الأسماء.

1. مهمة الرسول، وفضيلة القرآن (١-٣).

2. افتراق أهل الكتاب (٤-٥).

3. حال الفريقينِ: مَن عصى، ومَن أطاع  (٦-٨).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (9 /273).

الإعلامُ بعظمةِ هذا الكتاب، وأنه نورٌ وهدًى للناس، وتوبيخُ المشركين على تكذيبهم به.

ينظر: "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور" للبقاعي (3 /220)، "التحرير والتنوير" لابن عاشور (30 /468).