تفسير سورة البينة

صفوة البيان لمعاني القرآن

تفسير سورة سورة البينة من كتاب صفوة البيان لمعاني القرآن
لمؤلفه حسنين مخلوف . المتوفي سنة 1410 هـ
مدنية، وآياتها ثمان.

بسم الله الرحمان الرحيم
﴿ لم يكن الذين كفروا ﴾ بالله تعالى وكذبوا رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم بعد بعثته. ﴿ من أهل الكتاب ﴾ وهم اليهود الذين كانوا حول المدينة. ﴿ والمشركين ﴾ وهم عبدة الأصنام من العرب. ﴿ منفكين ﴾ مزايلين ما كانوا عليه قبل بعثته من الوعد باتباع الحق والإيمان به متى بعث.
﴿ حتى تأتيهم البينة ﴾ أي إلى أن بعث ؛ فانفكوا عما كانوا عليه، وافتقروا في أمره. وكان اليهود يستفتحون على المشركين ويقولون : اللهم افتح علينا وانصرنا بالنبي المبعوث في آخر الزمان. وذلك لما يجدونه في التوراة والإنجيل من نعوته وأمارت بعثته. وكان المشركون يسمعون ذلك منهم ؛ فاعتقدوا صحته حتى سمى بعضهم ولده محمدا رجاء أن يكون هو النبي الموعود. وكانوا يسألون اليهود عنه قبل بعثته هل هو النبي الموعود ؟ و " البينة " هو محمد صلى الله عليه وسلم ؛ لأنه مبين للحق، وحجة ناطقة به، ظاهرة الدلالة على صدقه ؛ لما جرى على يديه من المعجزات الباهرة، ولما جاء به من القرآن، وهو أكبر معجزة وأبينها، وأقواها وأدومها. وقد بين الله ذلك بقوله :﴿ رسول من الله ﴾
﴿ رسول من الله ﴾ أي مبعوث من عنده إلى الخلق. ﴿ يتلو ﴾ يقرأ عليهم من حفظه. ﴿ صحفا ﴾ من القرآن﴿ مطهرة ﴾ منزهة عن الباطل والكفر والزور، والاختلاف والشبهات.
﴿ فيها كتب ﴾ مكتوبا أو أحكام﴿ قيمة ﴾ مستقيمة لا عوج فيها، ناطقة بالحق والعدل والصدق والصواب.
﴿ وما تفرق الذين أوتوا الكتاب ﴾ في نبوته وصدق رسالته والإيمان به ؛ فآمن بعض وكفر بعض. ﴿ إلا من بعد ما جاءتهم البينة ﴾ أي إلا من بعد أن بعث فيهم، وهم على علم من كتابهم بنعوته ونبوته ؛ فكان ذلك ممن لم يؤمن مجرد عناد وحسد. ولم يذكر المشركون في هذه الآية لأنهم لم يكن لهم كتاب كأولئك ؛ فكان التفرق ممن لهم كتاب أعجب وأغرب.
﴿ وما أمروا ﴾ أي والحال أن أهل الكتاب ما كلفوا في كتابهم بما كلفوا به﴿ إلا ليعبدوا الله ﴾ أي لأجل عبادة الله تعالى وطاعته فيما أمر به، وتصديقه فيما أخبر عنه على لسان رسله. ﴿ مخلصين له الدين ﴾ جاعلين دينهم له تعالى خالصا. ﴿ حنفاء ﴾ مائلين عن الأديان الباطلة إلى الدين الحق، مؤمنين بجميع الرسل ؛ إذ كانت ملتهم جميعا التوحيد، وهي الملة الحنيفية الحقة، من الحنف وهو الميل. ﴿ ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة ﴾ كما أمروا في شريعتهم. ﴿ وذلك ﴾ أي عبادة الله بالإخلاص، وإقامة شرائع الله التي أمر بها﴿ دين القيمة ﴾ أي دين الملة المستقيمة. أو الكتب التي لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها، التي بعث بها رسله.
﴿ إن الذين كفروا... ﴾ بيان لحالهم في الآخرة، إثر بيان حالهم في الدنيا، وأنهم صائرون إلى النار يوم القيامة. ﴿ شر البرية ﴾ أي الخليقة. والمراد أنهم شر الناس أعمالا لكفرهم، مع علمهم بصحة رسالته، ومشاهدتهم لمعجزاته، وصدهم الناس عن سبيل الله، واجترائهم على الله بالكذب والافتراء والتحريف، ومحاربتهم لرسوله ؛ من براه الله يبروه بروا : أي خلقه. وأصله من البرى، وهو التراب لخلقهم في الأصل منه. وقرئ بالهمز ؛ من برأ الله الخلق يبرؤهم، أي خلقهم.
﴿ جنات عدن ﴾ إقامة خالدة في الآخرة في نعيم مقيم. ﴿ رضي الله عنهم ﴾ قبل أعمالهم وكافأهم عليها. ﴿ ورضوا عنه ﴾ فرحوا بما أعطاهم من أنواع الكرامة والنعيم الدائم.
والله أعلم.
سورة البينة
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (البَيِّنة) من السُّوَر المدنية، نزلت بعد سورة (الطَّلاق)، وقد افتُتحت بالبراءة من الشِّرك والمشركين، وبيَّنتْ موقف الكفار من رسالة محمد صلى الله عليه وسلم، وأوضحت هدايةَ هذا الكتاب، ووبَّختِ المشركين على تكذبيهم به، وخُتِمت بافتراقِ أهل الكتاب، وحالِ الفريقين من مؤمنٍ بالله ومكذِّب.

ترتيبها المصحفي
98
نوعها
مدنية
ألفاظها
94
ترتيب نزولها
100
العد المدني الأول
8
العد المدني الأخير
8
العد البصري
9
العد الكوفي
8
العد الشامي
8

* سورةُ (البَيِّنةِ):

سُمِّيت سورةُ (البَيِّنةِ) بهذا الاسم؛ لورود هذا اللَّفظ في مفتتحها؛ قال تعالى: {لَمْ يَكُنِ اْلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ اْلْكِتَٰبِ وَاْلْمُشْرِكِينَ مُنفَكِّينَ حَتَّىٰ تَأْتِيَهُمُ اْلْبَيِّنَةُ} [البينة: 1].

* وتُسمَّى كذلك بسورة {لَمْ يَكُنِ}، و{لَمْ يَكُنِ اْلَّذِينَ كَفَرُواْ}؛ للسببِ نفسه.
وغيرها من الأسماء.

1. مهمة الرسول، وفضيلة القرآن (١-٣).

2. افتراق أهل الكتاب (٤-٥).

3. حال الفريقينِ: مَن عصى، ومَن أطاع  (٦-٨).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (9 /273).

الإعلامُ بعظمةِ هذا الكتاب، وأنه نورٌ وهدًى للناس، وتوبيخُ المشركين على تكذيبهم به.

ينظر: "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور" للبقاعي (3 /220)، "التحرير والتنوير" لابن عاشور (30 /468).