تفسير سورة المطفّفين

الصراط المستقيم في تبيان القرآن الكريم

تفسير سورة سورة المطففين من كتاب الصراط المستقيم في تبيان القرآن الكريم
لمؤلفه الكَازَرُوني . المتوفي سنة 923 هـ

لَمَّا ذكر حال السُّعداء والأشقياء، أتبعه بما هو كتتميمة فقال: ﴿ بِسمِ ٱللهِ ٱلرَّحْمٰنِ ٱلرَّحِيـمِ * وَيْلٌ ﴾: شر أودية جهنم ﴿ لِّلْمُطَفِّفِينَ ﴾: الناقصين في الكيل والوزن خفية ﴿ ٱلَّذِينَ إِذَا ٱكْتَالُواْ ﴾: حقوقهم ﴿ عَلَى ﴾: أي: من ﴿ ٱلنَّاسِ يَسْتَوْفُونَ ﴾: يأخذونها وافية ﴿ وَإِذَا كَالُوهُمْ ﴾: أي: لهم ﴿ أَوْ وَّزَنُوهُمْ ﴾: أي: لهم ﴿ يُخْسِرُونَ ﴾: ينقصون، ولما كانوا يستوفون حقوقهم بالكيل فقط لتمكنهم بهِ مِن استيفاء السرقة بالدغدغة والحيلة في الملأ ويعطون بالنوعين لتمكنهم منها فيهما خص الأول بالكيل ﴿ أَلا يَظُنُّ أُوْلَـٰئِكَ أَنَّهُمْ مَّبْعُوثُونَ * لِيَوْمٍ عَظِيمٍ ﴾: القيامة ﴿ يَوْمَ ﴾: ظرف مبعوثون ﴿ يَقُومُ ٱلنَّاسُ لِرَبِّ ٱلْعَالَمِينَ ﴾: أي: لحكمة ﴿ كَلاَّ ﴾ حقًّا ﴿ إِنَّ كِتَابَ ﴾: أعمال ﴿ ٱلْفُجَّارِ لَفِي ﴾: أي: لمثبت في ﴿ سِجِّينٍ ﴾: هو كتاب جامع لأعمال شياطين الجن والإنس ﴿ وَمَآ أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ * كِتَابٌ مَّرْقُومٌ ﴾: مسطور أو مختوم، وهذا لا ينافي كونه" اسما لجُبٍّ في جهنم "أو لأسفل سبع أرضين، مكان أرواح الكفار لجواز اشتراك الاسم، ومن فسره به يجعل كتاب بيانا للكتاب المذكور ﴿ وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ * ٱلَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ ٱلدِّينِ ﴾: الجزاء ﴿ وَمَا يُكَذِّبُ بِهِ إِلاَّ كُلُّ مُعْتَدٍ ﴾: متجاوز عن الحد ﴿ أَثِيمٍ ﴾: كثير الإثم ﴿ إِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ ﴾ هي ﴿ أَسَاطِيرُ ﴾: أكاذيب ﴿ ٱلأَوَّلِينَ * كَلاَّ ﴾: رَدْعٌ لهم عن هذ الزعم ﴿ بَلْ رَانَ ﴾: جعل الرين والصَّدَأ ﴿ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ ﴾: أي: كسبه المعاصين ولذا يزعمون ذلك، والرين اسوداد القلب بالذنب وفوقه الطبع عليه، وفوقه الإقفال عليه ﴿ كَلاَّ ﴾ لا ﴿ إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ ﴾: فلا يرونه ﴿ ثُمَّ ﴾: مع ذلك ﴿ إِنَّهُمْ لَصَالُواْ ﴾: أي: داخلوا ﴿ ٱلْجَحِيمِ * ثُمَّ يُقَالُ ﴾: لهم ﴿ هَـٰذَا ٱلَّذِي كُنتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ * كَلاَّ ﴾ إلاَّ ﴿ إِنَّ كِتَابَ ٱلأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ ﴾: كتاب جامع لأعمال البررة ﴿ وَمَآ أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ * كِتَابٌ مَّرْقُومٌ * يَشْهَدُهُ ٱلْمُقَرَّبُونَ ﴾: لتعظيمه وكل ما ذكرناه في سجين يأتي ضده هنا، إذ ورد إنه الجنة أو فوق السماء السابعة وغير ذلك ﴿ إِنَّ ٱلأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ ﴾: أي: الجنة ﴿ عَلَى ٱلأَرَآئِكِ ﴾: أي: السرر في الحجال والحجلة بيت العروس المزين بالستور ونحوها ﴿ يَنظُرُونَ ﴾: عنايات ربهم ﴿ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ ﴾: أي: بهجة ﴿ ٱلنَّعِيمِ * يُسْقَوْنَ مِن رَّحِيقٍ ﴾: خمر خالصة ﴿ مَّخْتُومٍ ﴾: على إنائها كالملوك ﴿ خِتَامُهُ ﴾: أي: آخر طعمة ورائحته، أو ختمه مكان الطين ﴿ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ ﴾: النعيم ﴿ فَلْيَتَنَافَسِ ﴾: ليرغب بالمبادرة ﴿ ٱلْمُتَنَافِسُونَ ﴾: الراغبون، وأصله المغالبة في شيء نفيس ﴿ وَمِزَاجُهُ ﴾: أي: ممازجة ﴿ مِن تَسْنِيمٍ ﴾: أعني ﴿ عَيْناً ﴾: تجري في الهواء متسنمة تصب في أوانهيم ﴿ يَشْرَبُ بِهَا ﴾: أي: منها ﴿ ٱلْمُقَرَّبُونَ ﴾: أي: صرفها لهم لاشتغالهم عن غير الله، وممزوجها للأبرار ﴿ إِنَّ ٱلَّذِينَ أَجْرَمُواْ ﴾: كأبي جهل وصحبه ﴿ كَانُواْ مِنَ ﴾: أجل الفقراء ﴿ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ يَضْحَكُونَ ﴾: استهزاء ﴿ وَإِذَا مَرُّواْ ﴾: أي: المؤمنون ﴿ بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ ﴾: يشيرون إليهم بالجفن والحاجب استهزاء ﴿ وَإِذَا ٱنقَلَبُوۤاْ إِلَىٰ أَهْلِهِمُ ٱنقَلَبُواْ فَكِهِينَ ﴾: متعجبين أو ملتذين بتلك المسخرة، وفكهين بمعناه ﴿ وَإِذَا رَأَوْهُمْ ﴾: أي: المؤمنين ﴿ قَالُوۤاْ إِنَّ هَـٰؤُلاَءِ لَضَالُّونَ ﴾ بتركهم العاجل بالأجل ﴿ وَمَآ أُرْسِلُواْ ﴾: أي: الكفرة ﴿ عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ ﴾: لأعمالهم ﴿ فَٱلْيَوْمَ ﴾: القيامة ﴿ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ مِنَ ﴾: أجل هوان ﴿ ٱلْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ * عَلَى ٱلأَرَآئِكِ ﴾: في الجنة ﴿ يَنظُرُونَ ﴾: أنواع عذابهم ﴿ هَلْ ﴾: أي: قد ﴿ ثُوِّبَ ﴾: جوزي ﴿ ٱلْكُفَّارُ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ ﴾: في الدنيا، استعمل الثواب تهكما، والله تعالى أعلم بالصواب وإليه المرجع والمأب.
سورة المطففين
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (المُطفِّفين) من السُّوَر المكية، وقد افتُتحت بوعيد المُطفِّفين الذين يتلاعبون بالميزان بُغْيةَ خداع الناس، متناسِين أنَّ هناك يومًا يبعثُ اللهُ فيه الخلائقَ، يحاسبهم على كلِّ صغيرة وكبيرة، وقد جاء فيها وعيدُ الفُجَّار بالعقاب الأليم، ووعدُ الأبرار بالثواب العظيم، وإكرامُ المؤمنين وإيلامُ المجرمين يوم البعث؛ جزاءً لهم على أعمالهم، وفي هذا كلِّه دعوةٌ للمُطفِّفين أن يؤُوبُوا إلى الله، ويَرجِعوا عن باطلهم.

ترتيبها المصحفي
83
نوعها
مكية
ألفاظها
170
ترتيب نزولها
86
العد المدني الأول
36
العد المدني الأخير
36
العد البصري
36
العد الكوفي
36
العد الشامي
36

* قوله تعالى: {وَيْلٞ لِّلْمُطَفِّفِينَ} [المطففين: 1]:

عن عبدِ اللهِ بن عباسٍ رضي الله عنهما، قال: «لمَّا قَدِمَ النبيُّ ﷺ المدينةَ، كانوا مِن أخبَثِ الناسِ كَيْلًا؛ فأنزَلَ اللهُ عز وجل: {وَيْلٞ لِّلْمُطَفِّفِينَ} [المطففين: 1]؛ فأحسَنوا الكَيْلَ بعد ذلك». أخرجه ابن حبان (٤٩١٩).

* سورة (المُطفِّفين):

سُمِّيت سورة (المُطفِّفين) بذلك؛ لافتتاحها بقوله تعالى: {وَيْلٞ لِّلْمُطَفِّفِينَ} [المطففين: 1]؛ وهم: الذين يتلاعبون في المكيال بُغْيةَ خداع الناس.

1. إعلان الحرب على المُطفِّفين (١-٦).

2. وعيد الفُجَّار بالعقاب الأليم (٧-١٧).

3. وعد الأبرار بالثواب العظيم (١٨-٢٨).

4. إكرام المؤمنين، وإيلام المجرمين (٢٩-٣٦).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (9 /66).

يقول ابن عاشور: «اشتملت على التحذيرِ من التطفيف في الكيل والوزن، وتفظيعِه بأنه تحيُّلٌ على أكلِ مال الناس في حال المعاملة أخذًا وإعطاءً.
وأن ذلك مما سيُحاسَبون عليه يوم القيامة.
وتهويل ذلك اليوم بأنه وقوفٌ عند ربهم؛ ليَفصِلَ بينهم، وليجازيَهم على أعمالهم، وأن الأعمال مُحصاةٌ عند الله.
ووعيد الذين يُكذِّبون بيوم الجزاء، والذين يُكذِّبون بأن القرآن منزل من عند الله.

وقوبل حالُهم بضدِّه من حال الأبرار أهلِ الإيمان، ورفعِ درجاتهم، وإعلان كرامتهم بين الملائكة والمقربين، وذكرِ صُوَرٍ من نعيمهم.
وانتقل من ذلك إلى وصف حال الفريقين في هذا العالم الزائل؛ إذ كان المشركون يَسخَرون من المؤمنين، ويَلمِزونهم، ويستضعفونهم، وكيف انقلب الحالُ في العالم الأبدي». "التحرير والتنوير" لابن عاشور (30 /188).