تفسير سورة المطفّفين

لطائف الإشارات

تفسير سورة سورة المطففين من كتاب لطائف الإشارات
لمؤلفه القشيري . المتوفي سنة 465 هـ
قوله جل ذكره :﴿ بسم الله الرحمان الرحيم ﴾.
" بسم الله " اسم عزيز رداؤه كبرياؤه، وسناؤه علاؤه، وعلاؤه بهاؤه، وجلاله جماله، وجماله جلاله. الوجود له غير مستفتح، والموجود منه غير مستقبح. المعهود منه لطفه، المأمول منه لطفه. . . كيفما قسم للعبد فالعبد عبده ؛ إن أقصاه فالحكم حكمه، وإن أدناه فالأمر أمره.

قوله جلّ ذكره :﴿ وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ وَإِذَا كَالُوهُمْ أَو وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ ﴾.
﴿ وَيْلٌ ﴾ : الويلُ كلمةٌ تُذْكَر عند وقوع البلاء، فيقال : ويلٌ لك، وويلٌ عليك ! و " المطفّف "، الذي يُنْقِصُ الكيْلَ والوزنَ، وأراد بهذا الذين يعامِلون الناس فإذا أخذوا لأنفسهم استوفوا، وإذا دفعوا إِلى من يعاملهم نقصوا، ويتجلَّى ذلك في : الوزن والكيْلِ، وفي إظهار العيب، وفي القضاء والأداء والاقتضاءْ ؛ فَمَنْ لم يَرْضَ لأخيه المسلم ما لا يرضاه لنفسه فليس بمنصف. وأمَّا الصِّدِّيقون فإنهم كما ينظرون للمسلمين فإنهم ينظرون لكلِّ مَنْ لهم معهم معاملة - والصدقُ عزيزٌ، وكذلك أحوالهم في الصُّحْبَةِ والمعاشرة. . . فالذي يرى عَيْبَ الناسِ ولا يرى عيبَ نَفْسِه فهو من هذه الجملة - جملة المطففين - كما قيل :
وتُبْصِرُ في العينِ منِّي القَذَى وفي عينِكَ الجذْعَ لا تُبْصِرُ
ومَنْ اقتضى حقَّ نَفْسه - دون أن يَقْضِيَ حقوق غيره مثلما يقتضيها لنفسه - فهو من جملة المطففين.
والفتى مَنْ يقضي حقوق الناس ولا يقتضي من أحدٍ لنفسه حقّاً.
قوله جلّ ذكره :﴿ أَلاَ يَظُنُّ أُوْلَئِكَ أَنَّهُم مَّبْعُوثُونَ لِيَوْمٍ عَظِيمٍ يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾.
أي : ألا يستيقن هؤلاء أنهم مُحَاسَبون غداً، وأنهم مُطَالَبون بحقوق الناس ؟.
ويقال : مَنْ لم يَذْكُرْ - في حال معاملةِ الناسِ - معاينة القيامة ومحاسبتها فهو في خسرانٍ في معاملته.
ويقال : مَنْ كان صاحبَ مراقبة لله ربِّ العالَمين استشعر الهيبةَ في عاجِلِهِ، كما يكون حالُ الناسِ في المحشر ؛ لأنَّ اطلاعَ الحقِّ اليومَ كاطلاعه غداً.
قوله جلّ ذكره :﴿ كَلا إِنَّ كِتَابَ الفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ وَمَا أَدْراكَ مَا سِجِّينٌ ؟ كِتَابٌ مَّرْقُومٌ ﴾.
﴿ سِجِّينٍ ﴾ قيل : هي الأرض السابعة، وهي الأرض السفلى، يُوضَع كتابُ أعمالِ الكفار هنالك إِذلالاً لهم وإهانة، ثم تُحْمَلُ أرواحُهم إلى ما هنالك.
ويقال :" السِّجين " جُبٌّ في جهنم. وقيل : صخرةٌ في الأرض السفلى، وفي اللغة السِّجين : فعيلٌ من السجن.
استفهامٌ على جهة التهويل.
﴿ كِتَابٌ مَّرْقُومٌ ﴾. أي مكتوب ؛ كَتَبَ اللَّهُ فيه ما هم عاملون، وما هم إليه صائرون. وإنما المكتوبُ على بني آدم في الخير والشر، والشقاوة والسعادة فهو على ما تعلَّق به علمه وإرادته، وإنما أخبر على الوجه الذي علم أن يكون أو لا يكون، وكما علم أنه يكون أو لا يكون أراد أن يكون أو لا يكون. ثم إنه سبحانه لم يُطْلِعْ أحداً على أسرار خَلْقِه إلاَّ مَنْ شاءَ من المقربين بالقَدْرِ الذي أراده ؛ فإنه يُجرِي عليهم في دائم أوقاتهم ما سَبَقَ لهم به التقدير.
ثم قال :﴿ وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ وَمَا يُكَذِّبُ بِهِ إِلاَّ كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ ﴾.
ويلٌ للذين لا يُصَدِّقون بيوم الدين، وما يُكذِّبُ به إلا كل مُجَاوِزٍ للحَدِّ الذي وُضِعَ له ؛ إذا يُتْلَى عليه القرآن كَفَرَ به.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٠:ثم قال :﴿ وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ وَمَا يُكَذِّبُ بِهِ إِلاَّ كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ ﴾.
ويلٌ للذين لا يُصَدِّقون بيوم الدين، وما يُكذِّبُ به إلا كل مُجَاوِزٍ للحَدِّ الذي وُضِعَ له ؛ إذا يُتْلَى عليه القرآن كَفَرَ به.

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٠:ثم قال :﴿ وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ وَمَا يُكَذِّبُ بِهِ إِلاَّ كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ ﴾.
ويلٌ للذين لا يُصَدِّقون بيوم الدين، وما يُكذِّبُ به إلا كل مُجَاوِزٍ للحَدِّ الذي وُضِعَ له ؛ إذا يُتْلَى عليه القرآن كَفَرَ به.

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٠:ثم قال :﴿ وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ وَمَا يُكَذِّبُ بِهِ إِلاَّ كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ ﴾.
ويلٌ للذين لا يُصَدِّقون بيوم الدين، وما يُكذِّبُ به إلا كل مُجَاوِزٍ للحَدِّ الذي وُضِعَ له ؛ إذا يُتْلَى عليه القرآن كَفَرَ به.

أي : غَطَّى على قلوبهم ما كانوا يكسبون من المعاصي. . . وكما أنهم - اليومَ - ممنوعون عن معرفته فهم غداً ممنوعون عن رؤيته. ودليلُ الخطابِ يوجِبُ أن يكونَ المؤمنون يََرَوْنَه غداً كما يعرفونه اليوم.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٤:أي : غَطَّى على قلوبهم ما كانوا يكسبون من المعاصي... وكما أنهم - اليومَ - ممنوعون عن معرفته فهم غداً ممنوعون عن رؤيته. ودليلُ الخطابِ يوجِبُ أن يكونَ المؤمنون يََرَوْنَه غداً كما يعرفونه اليوم.
﴿ عِلِّيِّينَ ﴾ أعلى الأمكنة، تحمل إليه أرواح الأبرار تشريفاً لهم وإجلالاً.
ويقال : إنها سِدْرة المنتهى. ويقال : فوق السماء السابعة. كتابٌ مرقوم فيه أعمالهم مكتوبة يشهده المقربون من الملائكة.
اليومَ وغداً : اليومَ في رَوْحٍ العرفان، وراحةِ الطاعة والإحسان، ونعمةِ الرضا وأُنْسِ القُربة وبَسْطِ الوصلة. وغداً - في الجنة وما وُعِدوا به من فنون الزلفة والقربة.
قوله جلّ ذكره :﴿ عَلَى الأَرَائِكِ يَنظُرُونَ ﴾.
أثْبَتَ النظرَ ولم يُبَيَّنْ المنظور إليه لاختلافهم في أحوالهم ؛ فمنهم من ينظر إلى قُصُوره. ومنهم من ينظر إلى حُرِه، ومنهم ومنهم. . . ومنهم الخواصُّ فهم على دوامِ الأوقات إلى الله - سبحانه - يَنْظُرون.
قوله جلّ ذكره :﴿ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ ﴾.
مَنْ نظر إليهم عَلِمَ أنَّ أثََرَ نَظَرِه إلى مولاه ما يلوح على وجه من النعيم ؛ فأحوال المحبِّ شهودٌ عليه أبداً. فإنْ كان الوقتُ وقتَ وصالٍ فاختيالُه ودلالُه، وسرورُه وحبورُه، ونشاطُه وانبساطُه. وإِنْ كان الوقتُ وقتَ غيبةٍ وفراق فالشهودُ عليه نحولُه وذبولُه، وحنينُه وأنينه، ودموعُه وهجوعُه. . . وفي معناه قلت :
يا مَنْ تَغَيُّرُ صورتي لَمَّا بدا - لجميع ما ظنوا بنا - تحقيقُ
وقلت :فقالوا :
ولمَّا أتَى الواشين أنِّي زُرْتُها جَحَدُتُ حذاراً أنْ تَشِيعَ السرائرُ
نرى في وجهِك اليومَ نضرةً كَسَتْ مُحيَّاك. . وهاذاك ظاهِرُ !
وبُرْدُكَ لا ذاك الذي كان قبلَه به طِيبُ نَشْرٍ لم تُشِعْهُ المجامِرُ
فما كان منِّي من بيانٍ أُقيمه وهيهات أن يخفي مُريبٌ مساتِرُ !
قوله جلّ ذكره :﴿ يُسْقُوْنَ مِن رَّحِيقٍ مَّخْتُومٍ خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ ﴾. ﴿ مَّخْتُومٍ ﴾ أي رحيقٌ لا غِشَّ فيه.
ويقال : عتيقٌ طَيِّبٌ.
ويقال : إنهم يشربون شراباً آخره مِسْكٌ.
ويقال : بل هو مختومٌ قبل حضورهم.
ويقال :﴿ خِتَامُهُ مِسْكٌ ﴾. ممنوعٌ من كلِّ أحدٍ، مُعَدٌّ مُدَّخَرٌ لكلِّ أحدٍ باسمه.
﴿ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ ﴾. وتنافُسُهم فيه بالمبادرة إلى الأعمال الصالحة، والسباقُ إلى القُرْب، وتعليقُ القلبِ بالله، والانسلاخُ عن الأخلاقِ الدَّنِيَّة، وجَوَلاَنُ الهِمَمِ في الملكوت، واستدامةُ المناجاة.
قوله جلّ ذكره :﴿ وَمِزَاجُهُ مِن تَسْنِيمٍ عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ ﴾.
﴿ تَسْنِيمٍ ﴾ : أي : عينٌ تسَنَّمُ عليهم من عُلُوٍّ.
وقيل : ميزابٌ يَنْصَبُّ عليهم من فوقهم.
ويقال : سُمِّي تسنيماً ؛ لأن ماءَه يجري في الهواء مُتَسَنِّماً فينصبُّ في أواني أهل الجنة ؛ فمنهم مَنْ يُسْقَى مَزْجاً، ومنهم مَنْ يُسْقى صِرْفاً. . . الأولياء يُسْقَون مزجاً، والخواصُ يُسْقَون صِرْفاً.
قوله جل ذكره :﴿ إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا يَضْحَكُونَ وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ ﴾.
كانوا يضحكون استهزاءً بهم ﴿ فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُواْ مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ ﴾ !.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٢٩:قوله جل ذكره :﴿ إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا يَضْحَكُونَ وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ ﴾.
كانوا يضحكون استهزاءً بهم ﴿ فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُواْ مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ ﴾ !.

﴿ هل. . . ﴾ استفهام يراد منه التقرير.
ويقال : إذا رأوا أهلَ النارَ يُعذَّبون لا تأخذهم بهم رأْفة، ولا تَرِقُّ لهم قلوبُهم، بل يضحكون ويستهزئون ويُعَيِّرونهم.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٣٤:﴿ هل... ﴾ استفهام يراد منه التقرير.
ويقال : إذا رأوا أهلَ النارَ يُعذَّبون لا تأخذهم بهم رأْفة، ولا تَرِقُّ لهم قلوبُهم، بل يضحكون ويستهزئون ويُعَيِّرونهم.

ت٣٤
سورة المطففين
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (المُطفِّفين) من السُّوَر المكية، وقد افتُتحت بوعيد المُطفِّفين الذين يتلاعبون بالميزان بُغْيةَ خداع الناس، متناسِين أنَّ هناك يومًا يبعثُ اللهُ فيه الخلائقَ، يحاسبهم على كلِّ صغيرة وكبيرة، وقد جاء فيها وعيدُ الفُجَّار بالعقاب الأليم، ووعدُ الأبرار بالثواب العظيم، وإكرامُ المؤمنين وإيلامُ المجرمين يوم البعث؛ جزاءً لهم على أعمالهم، وفي هذا كلِّه دعوةٌ للمُطفِّفين أن يؤُوبُوا إلى الله، ويَرجِعوا عن باطلهم.

ترتيبها المصحفي
83
نوعها
مكية
ألفاظها
170
ترتيب نزولها
86
العد المدني الأول
36
العد المدني الأخير
36
العد البصري
36
العد الكوفي
36
العد الشامي
36

* قوله تعالى: {وَيْلٞ لِّلْمُطَفِّفِينَ} [المطففين: 1]:

عن عبدِ اللهِ بن عباسٍ رضي الله عنهما، قال: «لمَّا قَدِمَ النبيُّ ﷺ المدينةَ، كانوا مِن أخبَثِ الناسِ كَيْلًا؛ فأنزَلَ اللهُ عز وجل: {وَيْلٞ لِّلْمُطَفِّفِينَ} [المطففين: 1]؛ فأحسَنوا الكَيْلَ بعد ذلك». أخرجه ابن حبان (٤٩١٩).

* سورة (المُطفِّفين):

سُمِّيت سورة (المُطفِّفين) بذلك؛ لافتتاحها بقوله تعالى: {وَيْلٞ لِّلْمُطَفِّفِينَ} [المطففين: 1]؛ وهم: الذين يتلاعبون في المكيال بُغْيةَ خداع الناس.

1. إعلان الحرب على المُطفِّفين (١-٦).

2. وعيد الفُجَّار بالعقاب الأليم (٧-١٧).

3. وعد الأبرار بالثواب العظيم (١٨-٢٨).

4. إكرام المؤمنين، وإيلام المجرمين (٢٩-٣٦).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (9 /66).

يقول ابن عاشور: «اشتملت على التحذيرِ من التطفيف في الكيل والوزن، وتفظيعِه بأنه تحيُّلٌ على أكلِ مال الناس في حال المعاملة أخذًا وإعطاءً.
وأن ذلك مما سيُحاسَبون عليه يوم القيامة.
وتهويل ذلك اليوم بأنه وقوفٌ عند ربهم؛ ليَفصِلَ بينهم، وليجازيَهم على أعمالهم، وأن الأعمال مُحصاةٌ عند الله.
ووعيد الذين يُكذِّبون بيوم الجزاء، والذين يُكذِّبون بأن القرآن منزل من عند الله.

وقوبل حالُهم بضدِّه من حال الأبرار أهلِ الإيمان، ورفعِ درجاتهم، وإعلان كرامتهم بين الملائكة والمقربين، وذكرِ صُوَرٍ من نعيمهم.
وانتقل من ذلك إلى وصف حال الفريقين في هذا العالم الزائل؛ إذ كان المشركون يَسخَرون من المؤمنين، ويَلمِزونهم، ويستضعفونهم، وكيف انقلب الحالُ في العالم الأبدي». "التحرير والتنوير" لابن عاشور (30 /188).