تفسير سورة المطفّفين

تفسير غريب القرآن للكواري

تفسير سورة سورة المطففين من كتاب تفسير غريب القرآن - الكواري المعروف بـتفسير غريب القرآن للكواري.
لمؤلفه كَامِلَة بنت محمد الكَوارِي .

﴿وَيْلٌ﴾ كَلِمَةُ عَذَابٍ وَعِقَابٍ، وقيل: وَادٍ في جَهَنَّمَ.
﴿لِّلْمُطَفِّفِينَ﴾ التَّطْفِيفُ: النَّقْصُ مِنَ الكَيْلِ أو الوزنِ شَيْئًا طَفِيفًا، أَيْ نَزْرًا حَقِيرًا، وَرُبَّمَا كان لأحدهم صَاعَانِ يَكِيلُ للناسِ بِأَحَدِهِمَا وَيَكْتَالُ لِنَفْسِهِ بِالآخَرِ.
﴿الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ﴾ أي الَّذِينَ إذا اشْتَرَوْا لِأَنْفُسِهِمْ اسْتَوْفَوْا في الكَيْلِ وَالْوَزْنِ.
﴿كَالُوهُمْ أَو وَّزَنُوهُمْ﴾ كَالُوا لَهُمْ، أو وَزَنُوا لهم.
﴿يُخْسِرُونَ﴾ يَنْقُصُونَ الكيلَ أو الوزنَ.
﴿كِتَابَ الفُجَّارِ﴾ شَامِلٌ لكلِّ فَاجِرٍ من أنواعِ الكَفَرَةِ والمنافقين والفاسقين.
﴿لَفِي سِجِّينٍ﴾ أي: كِتَابٌ مَذْكُورٌ فيه أعمالُهم الخَبِيثَةُ، والسِّجِّينُ: المَحَلُّ الضَّيِّقُ الضَّنْكُ، و «سِجِّينٌ» ضِدُّ «عِلِّيِّينَ» الَّذِي هُوَ محلّ كتابِ الأبرارِ، وقيل: سِجِّينٌ: هُوَ أسفلُ الأرضِ السابعةِ مَأْوَى الفُجَّارِ ومستقرُّهم في ميعادهم.
﴿كِتَابٌ مَّرْقُومٌ﴾ أي: مكتوبٌ فيه أعمالُهم الخبيثةُ.
﴿مُعْتَدٍ﴾ أي الظالمُ المُضَيِّعُ حقوقِ ربِّه تعالى وحقوقِ غَيْرِهِ.
﴿أَثِيمٍ﴾ كثيرُ الإثمِ، فهذا يَحْمِلُهُ عُدْوَانُهُ عَلَى التكذيبِ، وَيُوجِبُ له كِبْرُهُ رَدَّ الحقِّ.
﴿أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ﴾ جَمْعُ أُسْطُورَةٍ، وهي الكلامُ الَّذِي يُذْكَرُ لِلتَّسَلِّي، ولا حقيقةَ ولا أصلَ له.
﴿رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم﴾ غَلَبَ عليها بِتَرَاكُمِ الذنوبِ وَحَجْبِهَا عن الحقِّ.
﴿مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾ في الكُفْرِ والمعاصي حتى أَظْلَمَتْ وَاسْوَدَّتْ.
﴿لمحْجُوبُونَ﴾ يُحْجَبُونَ عن رؤيةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، كما حُجبوا عن رؤيةِ شريعتِه وآياتِه، فرأوا أنها أساطيرُ الأولين، وبهذه الآيةِ استدلَّ أهلُ السنةِ والجماعةِ عَلَى رؤيةِ اللهِ عزَّ وَجَلَّ.
﴿كِتَابَ الْأَبْرَارِ﴾ أي: صُحُفَ أعمالِ الأبرارِ وَهُمُ المُطِيعُونَ الصالحون.
﴿لَفِي عِلِّيِّينَ﴾ سِجِلّ ضَخْمٌ وُضِعَ في مكانٍ عالٍ رَفِيعٍ، وعليوُّن في الأصلِ جَمْعُ: عِلِّىٍّ.
﴿وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ﴾ أي: وَمَا أَعْلَمَكَ يا محمدُ أَيُّ شَيْءٍ عليوُّن عَلَى جهةِ التفخيمِ والتعظيمِ لِعِلِّيِّينَ، و «عِليوُّن» اسمٌ لأعلى الجنةِ، فلمَّا ذُكِرَ كتابُهم ذُكِرَ أنهم في نَعِيمٍ وهو اسمٌ جامعٌ لنعيمِ القلبِ والروحِ والبدنِ.
﴿يَشْهَدُهُ المُقَرَّبُونَ﴾ من الملائكةِ الكرامِ.
﴿نَضْرَةَ النَّعِيمِ﴾ أي: بَهَاؤُهُ وَنَضَارَتُهُ وَرَوْنَقُهُ.
﴿يُسْقَوْنَ مِن رَّحِيقٍ﴾ وهو مِنْ أَطْيَبِ ما يكونُ من الأشربةِ وَأَلَذِّهَا، وقيل: اسمٌ للخمرِ الطيبةِ الصافيةِ الخاليةِ من كُلِّ مَا يُكَدِّرُ أو يُذْهِبُ العَقْلَ.
﴿مَخْتُومٍ﴾ أي: ذلك الشرابُ.
﴿خِتَامُهُ مِسْكٌ﴾ آخِرُ طَعْمِهِ، وقيل: خَتْمُهُ الَّذِي يُخْتَمُ به، أي: يكونُ في آخِرِ الإناءِ الَّذِي يشربونَ منه الرحيقَ حُثَالَةً، وهي المسكُ الأذفرُ، وقيل: مَخْتُومٌ من أن يدخلَه شيءٌ يُنْقِصُ لَذَّتَهُ، أو يفسدُ طَعْمَهُ، وذلك الختامُ الَّذِي خُتِمَ به مِسْكٌ.
﴿فَلْيَتَنَافَسِ المُتَنَافِسُونَ﴾ أي: فَلْيَتَسَابَقُوا في المبادرةِ إليه بالأعمالِ المُوصلَةِ إليه، فهذا أَوْلَى ما بُذِلَتْ فيه النَّفَائِسُ.
(٢٧، ٢٨) ﴿وَمِزَاجُهُ مِن تَسْنِيمٍ * عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا المُقَرَّبُونَ﴾ أي: هذا الشرابُ يُمْزَجُ بهذا الطِّيبِ الَّذِي يأتي من التسنيمِ: أي من المكان المُسَنَّمِ الرفيعِ العالي، وهو جَنَّةُ عَدْنٍ، فلذلك كانت خالصةً للمُقَرَّبِينَ، الَّذِينَ هُمْ أَعْلَى الخَلْقِ منزلةً، وممزوجةً لأصحابِ اليَمِينِ، أي: مخلوطةً بالرحيقِ وغيرِه من الأشربةِ اللذيذةِ.
﴿يَتَغَامَزُونَ﴾ يَتَغَامَزُونَ بالمؤمنينَ عند مُرُورِهِمْ عليهم احْتِقَارًا لهم وَازْدِرَاءً.
﴿انقَلَبُوا فَكِهِينَ﴾ مَسْرُورِينَ مُغْتَبِطِينَ.
﴿وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ﴾ أي: ولم يُكَلِّفْهُمُ اللهُ تعالى بحفظِ أعمالهم ورعايةِ أحوالهم، وإنما هُمْ مُتَطَفِّلُونَ.
﴿الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ﴾ أي: حِينَ يَرَوْنَهُمْ في غَمَرَاتِ العذابِ يَتَقَلَّبُونَ، وقد ذهب عنهم ما كانوا يَفْتَرُونَ.
34
سُورة الانْشِقَاق
سورة المطففين
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (المُطفِّفين) من السُّوَر المكية، وقد افتُتحت بوعيد المُطفِّفين الذين يتلاعبون بالميزان بُغْيةَ خداع الناس، متناسِين أنَّ هناك يومًا يبعثُ اللهُ فيه الخلائقَ، يحاسبهم على كلِّ صغيرة وكبيرة، وقد جاء فيها وعيدُ الفُجَّار بالعقاب الأليم، ووعدُ الأبرار بالثواب العظيم، وإكرامُ المؤمنين وإيلامُ المجرمين يوم البعث؛ جزاءً لهم على أعمالهم، وفي هذا كلِّه دعوةٌ للمُطفِّفين أن يؤُوبُوا إلى الله، ويَرجِعوا عن باطلهم.

ترتيبها المصحفي
83
نوعها
مكية
ألفاظها
170
ترتيب نزولها
86
العد المدني الأول
36
العد المدني الأخير
36
العد البصري
36
العد الكوفي
36
العد الشامي
36

* قوله تعالى: {وَيْلٞ لِّلْمُطَفِّفِينَ} [المطففين: 1]:

عن عبدِ اللهِ بن عباسٍ رضي الله عنهما، قال: «لمَّا قَدِمَ النبيُّ ﷺ المدينةَ، كانوا مِن أخبَثِ الناسِ كَيْلًا؛ فأنزَلَ اللهُ عز وجل: {وَيْلٞ لِّلْمُطَفِّفِينَ} [المطففين: 1]؛ فأحسَنوا الكَيْلَ بعد ذلك». أخرجه ابن حبان (٤٩١٩).

* سورة (المُطفِّفين):

سُمِّيت سورة (المُطفِّفين) بذلك؛ لافتتاحها بقوله تعالى: {وَيْلٞ لِّلْمُطَفِّفِينَ} [المطففين: 1]؛ وهم: الذين يتلاعبون في المكيال بُغْيةَ خداع الناس.

1. إعلان الحرب على المُطفِّفين (١-٦).

2. وعيد الفُجَّار بالعقاب الأليم (٧-١٧).

3. وعد الأبرار بالثواب العظيم (١٨-٢٨).

4. إكرام المؤمنين، وإيلام المجرمين (٢٩-٣٦).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (9 /66).

يقول ابن عاشور: «اشتملت على التحذيرِ من التطفيف في الكيل والوزن، وتفظيعِه بأنه تحيُّلٌ على أكلِ مال الناس في حال المعاملة أخذًا وإعطاءً.
وأن ذلك مما سيُحاسَبون عليه يوم القيامة.
وتهويل ذلك اليوم بأنه وقوفٌ عند ربهم؛ ليَفصِلَ بينهم، وليجازيَهم على أعمالهم، وأن الأعمال مُحصاةٌ عند الله.
ووعيد الذين يُكذِّبون بيوم الجزاء، والذين يُكذِّبون بأن القرآن منزل من عند الله.

وقوبل حالُهم بضدِّه من حال الأبرار أهلِ الإيمان، ورفعِ درجاتهم، وإعلان كرامتهم بين الملائكة والمقربين، وذكرِ صُوَرٍ من نعيمهم.
وانتقل من ذلك إلى وصف حال الفريقين في هذا العالم الزائل؛ إذ كان المشركون يَسخَرون من المؤمنين، ويَلمِزونهم، ويستضعفونهم، وكيف انقلب الحالُ في العالم الأبدي». "التحرير والتنوير" لابن عاشور (30 /188).