تفسير سورة المطفّفين

تفسير التستري

تفسير سورة سورة المطففين من كتاب تفسير التستري المعروف بـتفسير التستري.
لمؤلفه سهل التستري . المتوفي سنة 283 هـ

السورة التي يذكر فيها المطففون
[سورة المطففين (٨٣) : آية ١]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ (١)
قوله تعالى: وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ [١] قال: هم المنافقون ومن تخلق بأخلاقهم، يطففون في صلاتهم، كما قال سليمان رضي الله عنه: الصلاة مكيال، فمن وفى وفي له، ومن طفف فقد علمتم ما قال الله تعالى في حق المطففين: أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ [البقرة: ٤٤] وتغمزونهم على ما عثروا عليه من عيوب الناس، وترتكبون مثلها وأفظع منها «١». ولا يطلع على عثرات الخلق إلا مخطئ جاهل، ولا يهتك سر ما اطلع عليه إلا ملعون «٢». ولقد حكي أن الله تعالى أوحى إلى داود عليه السلام: أشكو إليك عبادي يا داود. فقال: ولم يا رب؟ قال: لأنهم يذنبون في السر ويتوبون في العلانية، وإني لا أريد أن يطلع غيري على ذنب عبدي.
[سورة المطففين (٨٣) : آية ١٥]
كَلاَّ إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ (١٥)
وقال عمر ابن واصل: سألت سهلاً عن قوله تعالى: كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ [١٥] قال:
هم في الدنيا محجوبون عن الآمر والزاجر، كما روي في الخبر: طوبى لمن كان له من قلبه واعظ، ومن قلبه زاجر، فإذا أراد الله فيه أمراً غيب معناه عنه، وهم في الآخرة محجوبون عن الرحمة، والنظر إلى الله عزَّ وجلَّ، وعن نظره إليهم بالرضا والرضوان عند مناقشته إياهم، كما قال:
وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ [الصافات: ٢٤] عن الدنيا فتلزمهم الحجة فيدخلهم النار، ثم يفتح للمؤمنين مناظر إليهم فينظرون إليهم وهم يحرقون بالنار، ويعذبون بألوان عذابها، فتقر أعينهم فيضحكون منهم، كما ضحكوا في الدنيا من المؤمنين، ثم تسد المناظر، وتطبق عليهم، فعند ذلك بمحو الله أسماءهم، ويخرج ذكرهم من قلوب المؤمنين ويقول: هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كانُوا يَفْعَلُونَ [٣٦] وفيها دلالة بينة على إثبات الرؤية للمؤمنين خاصة.
[سورة المطففين (٨٣) : آية ١٨]
كَلاَّ إِنَّ كِتابَ الْأَبْرارِ لَفِي عِلِّيِّينَ (١٨)
قوله تعالى: كَلَّا إِنَّ كِتابَ الْأَبْرارِ لَفِي عِلِّيِّينَ [١٨] قال: الكتاب ظاهره في الآيتين جميعاً أعمال الخير والشر، وباطنه أرواح المؤمنين وأرواح الكافرين، تجمع أرواح المؤمنين عند سدرة المنتهى، في حواصل طير خضر ترتع في الجنة إلى يوم القيامة، مرقوم بالرضا والرضوان، وتجمع أرواح الكفار في سجّين تحت الأرض السفلى، تحت خد إبليس لعنه الله، مرقوم بالعداوة والبغضاء.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
(١) سنن البيهقي الكبرى ٢/ ٢٩١ (رقم ٣٤٠١) ومصنف ابن أبي شيبة ١/ ٢٥٩ (رقم ٢٩٧٩) وشعب الإيمان ٣/ ١٤٧ (٣١٥٠).
(٢) الحلية ١٠/ ١٩٩. [.....]
ويقول :﴿ هل ثوب الكفار ما كانوا يفعلون ﴾ [ ٣٦ ] وفيها دلالة بينة على إثبات الرؤية للمؤمنين خاصة.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
سورة المطففين
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (المُطفِّفين) من السُّوَر المكية، وقد افتُتحت بوعيد المُطفِّفين الذين يتلاعبون بالميزان بُغْيةَ خداع الناس، متناسِين أنَّ هناك يومًا يبعثُ اللهُ فيه الخلائقَ، يحاسبهم على كلِّ صغيرة وكبيرة، وقد جاء فيها وعيدُ الفُجَّار بالعقاب الأليم، ووعدُ الأبرار بالثواب العظيم، وإكرامُ المؤمنين وإيلامُ المجرمين يوم البعث؛ جزاءً لهم على أعمالهم، وفي هذا كلِّه دعوةٌ للمُطفِّفين أن يؤُوبُوا إلى الله، ويَرجِعوا عن باطلهم.

ترتيبها المصحفي
83
نوعها
مكية
ألفاظها
170
ترتيب نزولها
86
العد المدني الأول
36
العد المدني الأخير
36
العد البصري
36
العد الكوفي
36
العد الشامي
36

* قوله تعالى: {وَيْلٞ لِّلْمُطَفِّفِينَ} [المطففين: 1]:

عن عبدِ اللهِ بن عباسٍ رضي الله عنهما، قال: «لمَّا قَدِمَ النبيُّ ﷺ المدينةَ، كانوا مِن أخبَثِ الناسِ كَيْلًا؛ فأنزَلَ اللهُ عز وجل: {وَيْلٞ لِّلْمُطَفِّفِينَ} [المطففين: 1]؛ فأحسَنوا الكَيْلَ بعد ذلك». أخرجه ابن حبان (٤٩١٩).

* سورة (المُطفِّفين):

سُمِّيت سورة (المُطفِّفين) بذلك؛ لافتتاحها بقوله تعالى: {وَيْلٞ لِّلْمُطَفِّفِينَ} [المطففين: 1]؛ وهم: الذين يتلاعبون في المكيال بُغْيةَ خداع الناس.

1. إعلان الحرب على المُطفِّفين (١-٦).

2. وعيد الفُجَّار بالعقاب الأليم (٧-١٧).

3. وعد الأبرار بالثواب العظيم (١٨-٢٨).

4. إكرام المؤمنين، وإيلام المجرمين (٢٩-٣٦).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (9 /66).

يقول ابن عاشور: «اشتملت على التحذيرِ من التطفيف في الكيل والوزن، وتفظيعِه بأنه تحيُّلٌ على أكلِ مال الناس في حال المعاملة أخذًا وإعطاءً.
وأن ذلك مما سيُحاسَبون عليه يوم القيامة.
وتهويل ذلك اليوم بأنه وقوفٌ عند ربهم؛ ليَفصِلَ بينهم، وليجازيَهم على أعمالهم، وأن الأعمال مُحصاةٌ عند الله.
ووعيد الذين يُكذِّبون بيوم الجزاء، والذين يُكذِّبون بأن القرآن منزل من عند الله.

وقوبل حالُهم بضدِّه من حال الأبرار أهلِ الإيمان، ورفعِ درجاتهم، وإعلان كرامتهم بين الملائكة والمقربين، وذكرِ صُوَرٍ من نعيمهم.
وانتقل من ذلك إلى وصف حال الفريقين في هذا العالم الزائل؛ إذ كان المشركون يَسخَرون من المؤمنين، ويَلمِزونهم، ويستضعفونهم، وكيف انقلب الحالُ في العالم الأبدي». "التحرير والتنوير" لابن عاشور (30 /188).