تفسير سورة المطفّفين

صفوة البيان لمعاني القرآن

تفسير سورة سورة المطففين من كتاب صفوة البيان لمعاني القرآن
لمؤلفه حسنين مخلوف . المتوفي سنة 1410 هـ
سورة المطففين
روى أنه لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، كان أهلها من أخبث الناس كيلا ؛ فأنزل الله هذه السورة. أو قرأها عليهم فأحسنوا الكيل بعد ذلك. ومثل الكيل الوزن والذّرع.

﴿ ويل ﴾[ آية ٨٩ البقرة ص ٣٥ ]. الذين يبخسون حقوق الناس في الكيل والوزن عن الواجب لهم من الوفاء. جمع مطفّف ؛ من الطفيف، وهو التافه القليل ؛ لأن ما يبخسه المطفف شيء نزر حقير. وهو وعيد شديد لمن يأخذ لنفسه وافيا، ويعطى لغيره ناقصا، قليلا كان أو كثيرا. وقد عظم الله أمر الكيل والوزن ؛ لابتناء المعاملات عليهما، والناس لا يستغنون عنهما. والتطفيف فيها خيانة واعتداء على الحقوق ؛ ومبنى التعامل على الأمانة والمعادلة فيها. وقد كان قوم شعيب عليه السلام من المطففين [ آية ٨٥ الأعراف ص ٢٦٩، ٨٤ هود ص ٣٧١ ].
﴿ إذا اكتالوا... ﴾ أي إذا أخذوا من الناس ما لهم قبلهم من حق بحكم الشراء ونحوه﴿ يستوفون ﴾ لأنفسهم ؛ فيكتالونه منهم وافيا وافرا. و " على " و " من " يتعاقبان ؛ فيقال : اكتلت عليه، أخذت منه ما عليه كيلا.
واكتلت منه : استوفيت منه. وكال المعطى، " واكتال الآخذ. وعبر ب " على " بدل " من " لتضمين الاكتيال معنى الاستلاء. أو للإشارة إلى أمه اكتيال ضار بالناس ؛ لاحتيالهم فيه على الأخذ الوافر بما تيسر لهم من الحيل، وكانوا يفعلونه بكبس المكيل أو تحريك المكيال، ونحو ذلك. ومثل الاكتيال : الاتزان فيما يوزن، والذرع فيما يذرع.
﴿ وإذا كالوهم... ﴾ أي وإذا كالوا لهم المكيل، أو وزنوا لهم الموزون للبيع ونحوه، ينقصون في الكيل أو الوزن. يقال : كاله و كال له. ويقال : خسر الميزان وأخسره، نقصه.
﴿ ألا يظن... ﴾ أدخلت همزة الاستفهام على " لا " النافية توبيخا وإنكارا وتعجبا من اجترائهم على التطفيف ؛ كأنهم لا يخطر ببالهم ولا يخمنون تخمينا أنهم مبعوثون ليوم عظيم الأهوال، مسئولون فيه عن مقدار الذرة !. فإن من يظن ذلك ولو ظنا ضعيفا لا يكاد يجترئ على بخس الحق ! ؟.
﴿ إن كتاب الفجار... ﴾ أي إن ما يكتب من أعمالهم السيئة – لمثبت في ديوان الشر الجامع لأعمال فجار الثقلين. والمراد بهم هنا : الكفار والفسقة الذي منهم المطففون. وأصل سجين : وصف من السجن بمعنى الحبس ؛ مصدر سجنه يسجنه سجنا : أي حبسه. أطلق على هذا الكتاب لأنه سبب الحبس والتضييق في جهنم. وقيل : هو شر موضع في جهنم.
﴿ كتاب مرقوم ﴾ أي هو كتاب بين الكتابة ؛ من رقم الكتاب : إذا أعجمه وبينه. أو معلم، يعلم من رآه أنه لا خير فيه ؛ من رقم الكتاب : إذا جعل له رقما ؛ أي علامة يعرف بها. وهو بيان ل " كتاب ".
﴿ يكذبون بيوم الدين ﴾ باليوم الذي يدين الله فيه العباد ؛ فيجزيهم بأعمالهم.
﴿ أساطير الأولين ﴾ ما سطّره السابقون في كتبهم من الأباطيل والخرافات.
﴿ ران على قلوبهم... ﴾ غلب وغطى على قلوبهم ما كسبوه من أعمالهم السيئة. يقال : ران ذنبه على قلبه – من باب باع – رينا وريونا، غلب عليه وغطاه. وكل ما غلبك فقد ران بك، ورانك وران عليك.
﴿ إنهم لصالوا الجحيم ﴾ لداخلون النار. أو لمقاسون حرها الشديد.
﴿ إن كتاب الأبرار... ﴾ أي إن ما يكتب من أعمالهم الحسنة – لمثبت في ديوان الخير الجامع لأعمال صلحاء الثقلين. وعليين : اسم لذلك الديوان ؛ فهو مفرد كقنسرين. منقول من جمع علي بصيغة فعيل من العلو ؛ أنه سبب الارتفاع إلى أعالي الدرجات في الجنة. أو أن ما يكتب من أعمالهم لفي أعلى الأماكن وأرفعها لشرفها.
﴿ يشهده المقربون ﴾ يحضره جمع من الملائكة.
﴿ على الأرائك ﴾ أي الأسرة في الحجال [ آية ٣١ الكهف ص ٤٧٦ ].
﴿ نضرة النعيم ﴾ بهجة التنعم ورونقه وغضارته.
﴿ من رحيق ﴾ من خمر طيبة بيضاء لذيذة، خالصة مما يكدرها حتى من الغول الذي في خمر الدنيا. ﴿ مختوم... ﴾ أوانيه وأكوابه. وختامها المسك بدل الطين. أو هو تمثيل لكمال نفاسته. وإلا فليس هناك غبار أو ذباب أو خيانة ؛ ليصان الرحيق عن ذلك بالختم. أو المعنى : أنم شاربه يجد في نهاية شربه رائحة المسك ؛ ولا يجد تلك الرائحة الكريهة التي يجدها شارب الخمر في الدنيا.
﴿ وفي ذلك... ﴾ أي وفي ذلك الرحيق النفيس، أو النعيم العظيم فليرغب الراغبون، وليتسابق المتسابقون في الخير. وذلك إنما يكون بالمبادرة إلى الأعمال التي تقرّب منه تعالى. وأصل التنافس : التغالب في الشيء النفيس، وهو الذي تحرص عليه النفوس، ويريده كل أحد لنفسه. يقال : نفس عليه الشيء – كفرح – نفاسة، ضن به عليه، ولم يره أهلا له.
﴿ ومزاجه... ﴾ أي مزاج ذلك الرحيق ماء من عين في الجنة، منصب من علو. اسمها التسنيم ؛ وهو مصر سنّمه : إذا رفعه ؛ لأن شرابها أرفع شراب في الجنة يشرب منه المقربون.
﴿ انقلبوا فكهين ﴾ رجعوا إلى منازلهم متلذذين باستخفافهم بالمؤمنين، والسخرية منهم.
﴿ من الكفار يضحكون ﴾ أي يضحكون من الكفار حين يرونهم أذلاء مهانين، بعد أن كانوا أعزاء مستكبرين ؛ كما كان الكفار يضحكون في الدنيا من المؤمنين.
﴿ هل ثوب... ﴾أي هل جوزى الكفار ثواب ما كانوا في الدنيا يفعلون بالمؤمنين ؛ من سخريتهم بهم، وضحكهم منهم، بضحك المؤمنين منهم في الآخرة ؟ والاستفهام للتقرير ؛ أي قد فعلنا ذلك، والتثويب والإثابة : المجازاة. يقال : ثوبه وأثابه ؛ إذا جازاه. وأكثر ما يستعمل في الخير ؛ على أن المراد التهكم بهم.
والله أعلم
سورة المطففين
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (المُطفِّفين) من السُّوَر المكية، وقد افتُتحت بوعيد المُطفِّفين الذين يتلاعبون بالميزان بُغْيةَ خداع الناس، متناسِين أنَّ هناك يومًا يبعثُ اللهُ فيه الخلائقَ، يحاسبهم على كلِّ صغيرة وكبيرة، وقد جاء فيها وعيدُ الفُجَّار بالعقاب الأليم، ووعدُ الأبرار بالثواب العظيم، وإكرامُ المؤمنين وإيلامُ المجرمين يوم البعث؛ جزاءً لهم على أعمالهم، وفي هذا كلِّه دعوةٌ للمُطفِّفين أن يؤُوبُوا إلى الله، ويَرجِعوا عن باطلهم.

ترتيبها المصحفي
83
نوعها
مكية
ألفاظها
170
ترتيب نزولها
86
العد المدني الأول
36
العد المدني الأخير
36
العد البصري
36
العد الكوفي
36
العد الشامي
36

* قوله تعالى: {وَيْلٞ لِّلْمُطَفِّفِينَ} [المطففين: 1]:

عن عبدِ اللهِ بن عباسٍ رضي الله عنهما، قال: «لمَّا قَدِمَ النبيُّ ﷺ المدينةَ، كانوا مِن أخبَثِ الناسِ كَيْلًا؛ فأنزَلَ اللهُ عز وجل: {وَيْلٞ لِّلْمُطَفِّفِينَ} [المطففين: 1]؛ فأحسَنوا الكَيْلَ بعد ذلك». أخرجه ابن حبان (٤٩١٩).

* سورة (المُطفِّفين):

سُمِّيت سورة (المُطفِّفين) بذلك؛ لافتتاحها بقوله تعالى: {وَيْلٞ لِّلْمُطَفِّفِينَ} [المطففين: 1]؛ وهم: الذين يتلاعبون في المكيال بُغْيةَ خداع الناس.

1. إعلان الحرب على المُطفِّفين (١-٦).

2. وعيد الفُجَّار بالعقاب الأليم (٧-١٧).

3. وعد الأبرار بالثواب العظيم (١٨-٢٨).

4. إكرام المؤمنين، وإيلام المجرمين (٢٩-٣٦).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (9 /66).

يقول ابن عاشور: «اشتملت على التحذيرِ من التطفيف في الكيل والوزن، وتفظيعِه بأنه تحيُّلٌ على أكلِ مال الناس في حال المعاملة أخذًا وإعطاءً.
وأن ذلك مما سيُحاسَبون عليه يوم القيامة.
وتهويل ذلك اليوم بأنه وقوفٌ عند ربهم؛ ليَفصِلَ بينهم، وليجازيَهم على أعمالهم، وأن الأعمال مُحصاةٌ عند الله.
ووعيد الذين يُكذِّبون بيوم الجزاء، والذين يُكذِّبون بأن القرآن منزل من عند الله.

وقوبل حالُهم بضدِّه من حال الأبرار أهلِ الإيمان، ورفعِ درجاتهم، وإعلان كرامتهم بين الملائكة والمقربين، وذكرِ صُوَرٍ من نعيمهم.
وانتقل من ذلك إلى وصف حال الفريقين في هذا العالم الزائل؛ إذ كان المشركون يَسخَرون من المؤمنين، ويَلمِزونهم، ويستضعفونهم، وكيف انقلب الحالُ في العالم الأبدي». "التحرير والتنوير" لابن عاشور (30 /188).