تفسير سورة المطفّفين

تفسير ابن أبي حاتم

تفسير سورة سورة المطففين من كتاب تفسير ابن أبي حاتم المعروف بـتفسير ابن أبي حاتم.
لمؤلفه ابن أبي حاتم الرازي . المتوفي سنة 327 هـ

سُورَةُ الْمطففين
٨٣
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ
١٩١٧٨ - حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ النَّضْرِ بْنِ حَمَّادٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ هِلالِ بْنِ طَلْقٍ قَالَ: بَيْنَا أَنَا أَسِيرُ مَعَ ابْنِ عُمَرَ فَقُلْتُ: مَنْ أَحْسَنُ النَّاسِ هَيْئَةً وَأَوْفَاهُ كَيْلًا؟ أَهْلُ مَكَّةَ أَوِ الْمَدِينَةِ؟ قَالَ: حُقَّ لَهُمْ، أَمَا سَمِعْتَ اللَّهَ يَقُولُ: وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ «١».
قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ
١٩١٧٩ - عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: سِجِّينٌ أَسْفَلُ الْأَرَضِينَ «٢».
قَوْلُهُ تَعَالَى: بَلْ رَانَ على قلوبهم ما كانوا يكسبون
١٩١٨٠ - عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا إِسْوَدَّ سُدُسُ قَلْبِهِ، وَإِنْ قَتَلَ اثْنَيْنِ إِسْوَدَّ ثُلْثُ قَلْبِهِ، وَإِنْ قَتَلَ ثَلاثَةً رَانَ عَلَى قَلْبِهِ فَلَمْ يُبَالِ مَا قَتَلَ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ «٣».
١٩١٨١ - عَنْ حُذَيْفَةَ رضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: الْقَلْبُ هَكَذَا مِثْلُ الْكَفِّ فَيُذْنِبُ الذَّنْبَ فَيَنْقَبِضُ مِنْهُ، ثُمَّ يُذْنِبُ الذَّنْبَ فَيَنْقَبِضُ مِنْهُ، حَتَّى يُخْتَمَ عَلَيْهِ، فَيَسْمَعُ الْخَيْرَ فَلا يَجِدُ لَهُ مَسَاغًا يَجْمَعُ، فَإِذَا أَجْتَمَعَ طَبَعَ عَلَيْهِ، فَإِذَا سَمِعَ خَيْرًا دَخَلَ فِي أُذُنَيْهِ حَتَّى يَأْتِيَ الْقَلْبَ فَلا يَجِدُ فِيهِ مُدْخَلًا فَذَلِكَ قَوْلُهُ: بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم الْآيَةَ «٤».
١٩١٨٢ - عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي قَوْلِهِ: رَانَ قَالَ: طَبَعَ «٥».
قَوْلُهُ تَعَالَى: لَفِي عِلِّيِّينَ
١٩١٨٣ - عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: لَفِي عِلِّيِّينَ قَالَ: الْجَنَّةُ، وَفِي قَوْلِهِ:
يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ قَالَ: كُلُّ أَهْلِ سماء «٦».
(١) ابن كثير ٨/ ٣٦٩.
(٢) الدر ٨/ ٤٤٤.
(٣) الدر ٨/ ٤٤٦- ٤٥٠
(٤) الدر ٨/ ٤٤٦- ٤٥٠
(٥) الدر ٨/ ٤٤٦- ٤٥٠
(٦) الدر ٨/ ٤٤٦- ٤٥٠
حدثنا أبي، حدثنا أبو عون الزيادي، أخبرنا عبد السلام بن عجلان سمعت أبا يزيد المدني عن أبي هريرة قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم لبشير الغفاري : " كيف أنت صانع في يوم يقوم الناس فيه ثلاثمائة سنة لرب العالمين، من أيام الدنيا لا يأتيهم فيه خير من السماء ولا يؤمر فيه بأمر ؟ " قال بشير : المستعان الله قال : " فإذا أويت إلى فراشك فتعوذ بالله من كرب يوم القيامة وسوء الحساب ".
قوله تعالى :﴿ إن كتاب الفجار لفي سجين ﴾
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : سجين أسفل الأرضين.
قوله تعالى :﴿ بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون ﴾
عن بعض الصحابة أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول : " من قتل مؤمنا أسود سدس قلبه، وإن قتل اثنين اسود ثلث قلبه، وإن قتل ثلاثة ران على قلبه فلم يبال ما قتل، فذلك قوله :﴿ بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون ﴾.
عن حذيفة رضي الله عنه قال : القلب هكذا من الكف فيذنب الذنب فينقبض منه، ثم يذنب الذنب فينقبض منه، حتى يختم عليه، فيسمع الخير فلا يجد له مساغا يجمع، فإذا اجتمع طبع عليه، فإذا سمع خيرا دخل في أذنيه حتى يأتي القلب فلا يجد فيه مدخلا فذلك قوله :﴿ بل ران على قلوبهم ﴾ الآية.
عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله :﴿ ران ﴾ قال : طبع.
قوله تعالى :﴿ لفي عليين ﴾
عن ابن عباس في قوله :﴿ لفي عليين ﴾ قال : الجنة.
عن ابن عباس في قوله :﴿ يشهده المقربون ﴾ قال : كل أهل سماء.
قَوْلُهُ تَعَالَى: يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ
١٩١٨٤ - عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ قَالَ: الْخَمْرُ خِتَامُهُ مِسْكٌ قَالَ: طِينُهُ مِسْكٌ وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ قَالَ: تَسْنِيمٌ عَلَيْهِمْ مِنْ فَوْقِ دُورِهِمْ «١».
١٩١٨٥ - عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي قَوْلِهِ: يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ قَالَ: الرَّحِيقُ الْخَمْرُ، وَالْمَخْتُومُ يَجِدُونَ عَاقِبَتَهَا طَعْمَ الْمِسْكِ «٢».
١٩١٨٦ - عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ قَالَ: ختم بالمسك «٣».
١٩١٨٧ - عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ تَسْنِيمٍ أَشْرَفُ شَرَابِ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَهُوَ صِرْفٌ لِلمُقَرَّبِينَ وَيُمْزَجُ لِأَصْحَابِ الْيَمِينِ «٤».
١٩١٨٨ - عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي قَوْلِهِ: وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ قَالَ: عَيْنٌ فِي الْجَنَّةِ تُمْزَجُ لِأَصْحَابِ الْيَمِينِ وَيَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ صِرْفًا «٥».
١٩١٨٩ - حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا أَبُو عَوْنٍ الزِّيَادِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ السَّلامِ بْنُ عَجْلانَ سَمِعْتُ أَبَا يَزِيدَ الْمَدَنِيَّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِبَشِيرٍ الْغِفَارِيِّ: «كَيْفَ أَنْتَ صَانِعٌ فِي يَوْمٍ يَقُومُ النَّاسُ فِيهِ ثَلاثَمِائَةٍ سَنَةٍ لِرَبِّ الْعَالِمِينَ، مِنْ أَيَّامِ الدُّنْيَا لَا يَأْتِيهِمْ فِيهِ خَيْرٌ مِنَ السَّمَاءِ وَلا يُؤْمَرَ فِيهِ بِأَمْرٍ؟» قَالَ بَشِيرٌ: الْمُسْتَعَانُ اللَّهُ قَالَ: «فَإِذَا أَوَيْتَ إِلَى فِرَاشِكَ فَتَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنْ كَرْبِ يوم القيامة وسوء الحساب» «٦».
(١) الدر ٨/ ٤٤٦- ٤٥٠.
(٢) الدر ٨/ ٤٤٦- ٤٥٠.
(٣) الدر ٨/ ٤٤٦- ٤٥٠.
(٤) الدر ٨/ ٤٤٦- ٤٥٠.
(٥) الدر ٨/ ٤٤٦- ٤٥٠.
(٦) ابن كثير ٨/ ٣٧٠. [.....]
عن مجاهد في قوله :﴿ ختامه مسك ﴾ قال : طينه مسك.
عن مجاهد في قوله :﴿ ومزاجه من تسنيم ﴾ قال : تسنيم عليهم من فوق دورهم.
عن ابن عباس ﴿ تسنيم ﴾ أشرف شراب أهل الجنة، وهو صرف للمقربين ويمزج لأصحاب اليمين.
عن ابن مسعود في قوله :﴿ ومزاحه من تسنيم ﴾ قال : عين في الجنة تمزج لأصحاب اليمين ويشرب بها المقربون صرفا.
سورة المطففين
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (المُطفِّفين) من السُّوَر المكية، وقد افتُتحت بوعيد المُطفِّفين الذين يتلاعبون بالميزان بُغْيةَ خداع الناس، متناسِين أنَّ هناك يومًا يبعثُ اللهُ فيه الخلائقَ، يحاسبهم على كلِّ صغيرة وكبيرة، وقد جاء فيها وعيدُ الفُجَّار بالعقاب الأليم، ووعدُ الأبرار بالثواب العظيم، وإكرامُ المؤمنين وإيلامُ المجرمين يوم البعث؛ جزاءً لهم على أعمالهم، وفي هذا كلِّه دعوةٌ للمُطفِّفين أن يؤُوبُوا إلى الله، ويَرجِعوا عن باطلهم.

ترتيبها المصحفي
83
نوعها
مكية
ألفاظها
170
ترتيب نزولها
86
العد المدني الأول
36
العد المدني الأخير
36
العد البصري
36
العد الكوفي
36
العد الشامي
36

* قوله تعالى: {وَيْلٞ لِّلْمُطَفِّفِينَ} [المطففين: 1]:

عن عبدِ اللهِ بن عباسٍ رضي الله عنهما، قال: «لمَّا قَدِمَ النبيُّ ﷺ المدينةَ، كانوا مِن أخبَثِ الناسِ كَيْلًا؛ فأنزَلَ اللهُ عز وجل: {وَيْلٞ لِّلْمُطَفِّفِينَ} [المطففين: 1]؛ فأحسَنوا الكَيْلَ بعد ذلك». أخرجه ابن حبان (٤٩١٩).

* سورة (المُطفِّفين):

سُمِّيت سورة (المُطفِّفين) بذلك؛ لافتتاحها بقوله تعالى: {وَيْلٞ لِّلْمُطَفِّفِينَ} [المطففين: 1]؛ وهم: الذين يتلاعبون في المكيال بُغْيةَ خداع الناس.

1. إعلان الحرب على المُطفِّفين (١-٦).

2. وعيد الفُجَّار بالعقاب الأليم (٧-١٧).

3. وعد الأبرار بالثواب العظيم (١٨-٢٨).

4. إكرام المؤمنين، وإيلام المجرمين (٢٩-٣٦).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (9 /66).

يقول ابن عاشور: «اشتملت على التحذيرِ من التطفيف في الكيل والوزن، وتفظيعِه بأنه تحيُّلٌ على أكلِ مال الناس في حال المعاملة أخذًا وإعطاءً.
وأن ذلك مما سيُحاسَبون عليه يوم القيامة.
وتهويل ذلك اليوم بأنه وقوفٌ عند ربهم؛ ليَفصِلَ بينهم، وليجازيَهم على أعمالهم، وأن الأعمال مُحصاةٌ عند الله.
ووعيد الذين يُكذِّبون بيوم الجزاء، والذين يُكذِّبون بأن القرآن منزل من عند الله.

وقوبل حالُهم بضدِّه من حال الأبرار أهلِ الإيمان، ورفعِ درجاتهم، وإعلان كرامتهم بين الملائكة والمقربين، وذكرِ صُوَرٍ من نعيمهم.
وانتقل من ذلك إلى وصف حال الفريقين في هذا العالم الزائل؛ إذ كان المشركون يَسخَرون من المؤمنين، ويَلمِزونهم، ويستضعفونهم، وكيف انقلب الحالُ في العالم الأبدي». "التحرير والتنوير" لابن عاشور (30 /188).