تفسير سورة المطفّفين

الوجيز للواحدي

تفسير سورة سورة المطففين من كتاب الوجيز في تفسير الكتاب العزيز المعروف بـالوجيز للواحدي.
لمؤلفه الواحدي . المتوفي سنة 468 هـ
وهي ثلاثون وست آيات

﴿ويل للمطففين﴾ يعني: الذين يبخسون حقوق النَّاس في الكيل والوزن
﴿الذين إذا اكتالوا﴾ أخذوا بالكيل ﴿على الناس﴾ من النَّاس ﴿يستوفون﴾ يأخذون حقوقهم تامَّة وافيةً
﴿وإذا كالوهم﴾ كالوا لهم ﴿أو وزنوهم﴾ وزنوا لهم ﴿يخسرون﴾ ينقصون
﴿ألا يظن أولئك﴾ ألا يستيقن أولئك الذين يفعلون ذلك ﴿أنهم مبعوثون﴾
﴿ليوم عظيم﴾ يعني: يوم القيامة
﴿يوم يقوم الناس﴾ من قبورهم ﴿لربِّ العالمين﴾ والمعنى أنَّهم لو أيقنوا بالبعث ما فعلوا ذلك
﴿كلا﴾ ردع وزجر أي: ليس الأمر على ما هم عليه فليرتدعوا ﴿إنَّ كتاب الفجار﴾ الذي فيه أعمالهم مرقومٌ مكتوبٌ مثبتٌ عليهم في ﴿سجين﴾ في أسفل سبع أرضين وهو محل إبليس وجنده
﴿وما أدراك ما سجين﴾ أي: ليس ذلك ممَّا كنتَ تعلمه أنت ولا قومُك وقوله:
﴿كتاب مرقوم﴾ فمؤخَّرٌ معناه التَّقديم لأنَّ التَّقدير كما ذكرنا: إنَّ كتاب الفجَّار كتابٌ مرقومٌ في سجِّين وقوله:
﴿ويل يومئذ للمكذبين﴾
﴿الذين يكذبون بيوم الدين﴾
﴿وما يكذب به إلا كل معتد أثيم﴾
﴿إذا تتلى عليه آياتنا قال أساطير الأولين﴾
﴿كلا بل ران على قلوبهم﴾ أي: غلب عليها حتى غمرها وغشيها ﴿ما كانوا يكسبون﴾ من المعاصي وهو كالصَّدأ يغشى القلب
﴿كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون﴾ يحجبون عن الله تعالى فلا يرونه
﴿ثم إنهم لصالوا الجحيم﴾ لداخلوا النَّار
﴿ثمَّ يقال هذا﴾ العذاب ﴿الذي كنتم به تكذبون﴾ في الدُّنيا
﴿كلا إنَّ كتاب الأبرار لفي عليين﴾ في السَّماء السَّابعة تحت العرش
﴿وما أدراك﴾ وما الذي أعلمك يا محمد ﴿ما عليون﴾ كيف هي وأيُّ شيءٍ صفتها
﴿كتاب مرقوم﴾ يعني: كتاب الأبرار كتابٌ مرقومٌ
﴿يشهده المقربون﴾ تحضره الملائكة لأنَّ عليين محلُّ الملائكة وقوله:
﴿إن الأبرار لفي نعيم﴾
﴿على الأرائك ينظرون﴾ أَيْ: إلى ما أعطاهم الله سبحانه من النَّعيم والكرامة
﴿تعرف في وجوههم نَضْرَةَ النعيم﴾ أي: غضارته وبريقه
﴿يسقون من رحيق﴾ وهو الخمر الصَّافية ﴿مختوم﴾
﴿ختامه مسك﴾ يعني: إذا فني ما في الكأس وانقطع الشَّراب يختم ذلك الشَّراب برائحة المسك ﴿وفي ذلك فليتنافس المتنافسون﴾ فليرغب الرَّاغبون بالمبادرة إلى طاعة الله عزَّ وجل
﴿ومزاجه﴾ ومزاج ذلك الشَّراب ﴿من تسنيم﴾ وهو عينُ ماءٍ تجري في جنَّة عدنٍ وهي أعلى الجنَّات ثمَّ فسَّره فقال:
﴿عيناً يشرب بها المقربون﴾ أَيْ: يشربها المُقرَّبون
﴿إنَّ الذين أجرموا﴾ أشركوا يعني: أبا جهلٍ وأصحابه ﴿كانوا من الذين آمنوا﴾ من فقراء المؤمنين ﴿يضحكون﴾ استهزاءً بهم
﴿وإذا مروا بهم يتغامزون﴾ يغمز بعضهم بعضاً ويشيرون إليهم
﴿وإذا انقلبوا﴾ رجعوا ﴿إلى أهلهم﴾ أصحابهم وذويهم ﴿انقلبوا فكهين﴾ مُعجبين بما هم فيه يتفكَّهون بذكر المؤمنين
﴿وإذا رأوهم﴾ رأوا المؤمنين ﴿قالوا إنَّ هؤلاء لضالون﴾
﴿وما أرسلوا﴾ يعني: الكفَّار ﴿عليهم﴾ على المؤمنين ﴿حافظين﴾ لأعمالهم موكلين بأموالهم
﴿فاليوم﴾ يعني: يوم القيامة ﴿الذين آمنوا من الكفار يضحكون﴾ كما ضحكوا منهم في الدُّنيا
﴿على الأرائك ينظرون﴾ إليهم كيف يُعذَّبون
﴿هل ثوِّب الكفار ما كانوا يفعلون﴾ أي: هل جُوزوا بسخريتهم بالمؤمنين في الدُّنيا؟
سورة المطففين
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (المُطفِّفين) من السُّوَر المكية، وقد افتُتحت بوعيد المُطفِّفين الذين يتلاعبون بالميزان بُغْيةَ خداع الناس، متناسِين أنَّ هناك يومًا يبعثُ اللهُ فيه الخلائقَ، يحاسبهم على كلِّ صغيرة وكبيرة، وقد جاء فيها وعيدُ الفُجَّار بالعقاب الأليم، ووعدُ الأبرار بالثواب العظيم، وإكرامُ المؤمنين وإيلامُ المجرمين يوم البعث؛ جزاءً لهم على أعمالهم، وفي هذا كلِّه دعوةٌ للمُطفِّفين أن يؤُوبُوا إلى الله، ويَرجِعوا عن باطلهم.

ترتيبها المصحفي
83
نوعها
مكية
ألفاظها
170
ترتيب نزولها
86
العد المدني الأول
36
العد المدني الأخير
36
العد البصري
36
العد الكوفي
36
العد الشامي
36

* قوله تعالى: {وَيْلٞ لِّلْمُطَفِّفِينَ} [المطففين: 1]:

عن عبدِ اللهِ بن عباسٍ رضي الله عنهما، قال: «لمَّا قَدِمَ النبيُّ ﷺ المدينةَ، كانوا مِن أخبَثِ الناسِ كَيْلًا؛ فأنزَلَ اللهُ عز وجل: {وَيْلٞ لِّلْمُطَفِّفِينَ} [المطففين: 1]؛ فأحسَنوا الكَيْلَ بعد ذلك». أخرجه ابن حبان (٤٩١٩).

* سورة (المُطفِّفين):

سُمِّيت سورة (المُطفِّفين) بذلك؛ لافتتاحها بقوله تعالى: {وَيْلٞ لِّلْمُطَفِّفِينَ} [المطففين: 1]؛ وهم: الذين يتلاعبون في المكيال بُغْيةَ خداع الناس.

1. إعلان الحرب على المُطفِّفين (١-٦).

2. وعيد الفُجَّار بالعقاب الأليم (٧-١٧).

3. وعد الأبرار بالثواب العظيم (١٨-٢٨).

4. إكرام المؤمنين، وإيلام المجرمين (٢٩-٣٦).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (9 /66).

يقول ابن عاشور: «اشتملت على التحذيرِ من التطفيف في الكيل والوزن، وتفظيعِه بأنه تحيُّلٌ على أكلِ مال الناس في حال المعاملة أخذًا وإعطاءً.
وأن ذلك مما سيُحاسَبون عليه يوم القيامة.
وتهويل ذلك اليوم بأنه وقوفٌ عند ربهم؛ ليَفصِلَ بينهم، وليجازيَهم على أعمالهم، وأن الأعمال مُحصاةٌ عند الله.
ووعيد الذين يُكذِّبون بيوم الجزاء، والذين يُكذِّبون بأن القرآن منزل من عند الله.

وقوبل حالُهم بضدِّه من حال الأبرار أهلِ الإيمان، ورفعِ درجاتهم، وإعلان كرامتهم بين الملائكة والمقربين، وذكرِ صُوَرٍ من نعيمهم.
وانتقل من ذلك إلى وصف حال الفريقين في هذا العالم الزائل؛ إذ كان المشركون يَسخَرون من المؤمنين، ويَلمِزونهم، ويستضعفونهم، وكيف انقلب الحالُ في العالم الأبدي». "التحرير والتنوير" لابن عاشور (30 /188).