تفسير سورة التكاثر

تفسير أبي السعود

تفسير سورة سورة التكاثر من كتاب إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم المعروف بـتفسير أبي السعود.
لمؤلفه أبو السعود . المتوفي سنة 982 هـ
مختلف فيها، وآيها ثمان.

﴿ألهاكم التكاثر﴾ أَىْ شغلكُم التغالبُ في الكثرةِ وَالتفاخرُ بَها رُوِىَ أنَّ بَنِي عبدِ مَنَافٍ وبَنِي سَهْمٍ تَفَاخرُوا وَتعادُّوا وَتكاثرُوا بالسَّادةِ والأشرافِ في الإسلامِ فقالَ كلٌّ منَ الفريقينِ نحنُ أكثرُ منكُم سيداً وأعزُّ عزيزاً وَأعظمُ نفراً فكثرَهُمْ بنُو عبدِ مَنَافٍ فَقَالَ بنُو سَهْمٍ إِنْ البغَي أفنانَا في الجَاهليةِ فعادُّونَا بِالأَحياءِ وَالأَمْواتِ فكثَرهُمْ بنُو سَهْمٍ وَالمَعنى أنكُم تكاثرتُمْ بالأَحياءِ
﴿حتى زُرْتُمُ المقابر﴾ أيْ حَتَّى إذَا استوعبتُمْ عددهُم صرتم إلى التفاخم والتكاثرِ بالأمواتِ فعبرَ عنْ بلوغِهم ذكرَ المَوتى بزيارةِ القبورِ تهكُماً بِهمْ وقيلَ كَانُوا يزورونَ المقابَر فيقولونَ هَذَا قبرُ فُلانٍ وهَذا قبرُ فُلانٍ يفتخرونَ بذلكَ وقيلَ المَعْنى ألهاكُم التكاثُر بالأموالِ وَالأولادِ إلى أَنْ متمْ وقبرتمْ مضيعينَ أعمارَكُم في طلبِ الدُّنيا معرضينَ عَمَّا يهمكُم من السعي لأُخرَاكُم فتكونُ زيارةُ القبورِ عبارةً عنِ الموتِ وقُرِىءَ أألهاكُم عَلى الاستفهامِ التقريريِّ
﴿كَلاَّ﴾ رَدْعٌ وتنبيهٌ عَلَى أنّ العاقلَ ينبغي أنْ لا يكونَ معظمُ هَمِّه مقصُوراً عَلى الدُّنيا فإنَّ عاقبةَ ذلكَ وخَيمةٌ ﴿سَوْفَ تَعْلَمُونَ﴾ سوءَ مغبةِ مَا أنتُم عليهِ إذَا عاينتُمْ عاقبَتهُ
﴿ثُمَّ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ﴾ تكريرٌ للتأكيدِ وثمَّ للدَّلالة عَلَى أنَّ الثَّانِي أبلغُ منَ الأولِ أوِ الأولُ عندَ الموتِ أو في القبرِ والثَّانِي عندَ النشورِ
﴿كَلاَّ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ اليقين﴾ أَيْ لَوْ تعلمونَ ما بينَ أيديكُم علَم الأمرِ اليقينِ أيْ كعلمكِم ما تستيقنونَهُ لفعلتُم ما لاَ يُوصفُ ولاَ يكتنهُ فحذفَ الجوابَ للتهويلِ
وقولُه تعالَى
﴿لترون الجحيم﴾ جواب
195
} ٠٢ سورة التكاثر آية (٧ ٨)
قسمٍ مضمرٍ أُكِّدَ بهِ لَهُ الوعيدُ وشددَ بهِ التهديدُ وأوضحَ بِهِ مَا أُنذروُه بعدَ إبهامِهِ تفخيماً
196
﴿ثم لترونها﴾ المشاهدةُ والمعاينةُ ﴿عَيْنَ اليقين﴾ أَيِ الرؤيةُ التي هيَ النفس اليقينِ فإنَّ علمَ المشاهدةِ أَقْصى مراتبِ اليقينِ
﴿ثم لتسألن يَوْمَئِذٍ عَنِ النعيم﴾ أيْ عنِ النعيمِ الذي ألهاكُم الالتذاذ عنِ الدينِ وتكاليفِه فإنَّ الخطابَ مخصوصٌ بمنْ عكفَ همتَهُ عَلى استيفاءِ اللذاتِ وَلَمْ يعشْ إلاَّ ليأكلَ الطيبَ ويلبسَ اللينَ ويقطعَ أوقاتَهُ باللهوِ والطَّرَبِ لاَ يعبأُ بالعلمِ وَالعملِ ولا يحملُ نفسَهُ مشاقهما فأمَّا منْ تمتعَ بنعمةِ الله تعالَى وتقوَّى بَها عَلى طاعتِهِ وكانَ ناهضاً بالشكرِ فهُوَ منْ ذلكَ بمعزلٍ بعيدٍ وَقيلَ الآيةُ مخصوصةٌ بالكفار عنِ النبيِّ صلَّى الله عليهِ وسلَّم مَنْ قرأَ سورةَ التكاثرِ لَمْ يحاسبْه الله تعالَى بالنعيمِ الذي أنعمَ بهِ عليهِ في دارِ الدُّنيا وأُعطيَ منَ الأجرِ كأنَّما قرأَ ألفَ آية
196
} ٠٣ سورة العصر مكية وآيها ثلاث

بسم الله الرحمن الرحيم

197
سورة التكاثر
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (التكاثر) من السُّوَر المكية، نزلت بعد سورة (الكوثر)، ومحورُها ذمُّ الاشتغال بالدنيا ومَلذَّاتها، والتفاخرِ فيها، وجاءت بالتخويف من الجحيم؛ ليعودَ الناسُ إلى الله، ويتعلقوا بالآخرة وبما عند الله من الجزاء.

ترتيبها المصحفي
102
نوعها
مدنية
ألفاظها
28
ترتيب نزولها
16
العد المدني الأول
8
العد المدني الأخير
8
العد البصري
8
العد الكوفي
8
العد الشامي
8

* سورة (التكاثر):

سُمِّيت سورة (التكاثر) بهذا الاسم؛ لافتتاحها بقوله تعالى: {أَلْهَىٰكُمُ اْلتَّكَاثُرُ} [التكاثر: 1].

ذمُّ الاشتغال بالدنيا، والتخويفُ من الجحيم (١-٨).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (9 /318).

يقول ابنُ عاشور رحمه الله: «اشتملت على التوبيخِ على اللَّهو عن النظر في دلائلِ القرآن ودعوة الإسلام بإيثار المال، والتكاثر به، والتفاخر بالأسلاف، وعدم الإقلاع عن ذلك إلى أن يَصِيروا في القبور كما صار مَن كان قبلهم، وعلى الوعيد على ذلك، وحثِّهم على التدبر فيما ينجيهم من الجحيم، وأنهم مبعوثون ومسؤولون عن إهمالِ شُكْرِ المُنعِم العظيم». "التحرير والتنوير" لابن عاشور (30 /518).