بسم الله الرحمن الرحيم
تفسير سورة المؤمنين وهي مكيةﰡ
وَقَوله: ﴿قد أَفْلح﴾ أَي: فقد سعد وفاز وظفر، وَقَالَ بَعضهم: نَالَ الْبَقَاء الدَّائِم وَالْبركَة. قَالَ الشَّاعِر:
(نحل بلادا كلهَا حل قبلنَا | ونرجوا الصّلاح بعد عَاد وحميرا) |
(لَو كَانَ حَيّ مدرك الْفَلاح | أدْركهُ ملاعب الرماح) |
وَقَوله: ﴿الْمُؤْمِنُونَ﴾ المصدقون.
وَعَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: كَانَ أَصْحَاب رَسُول الله يرفعون أَبْصَارهم إِلَى السَّمَاء فِي الصَّلَاة، فَلَمَّا نزل قَوْله تَعَالَى: ﴿قد أَفْلح الْمُؤْمِنُونَ الَّذين هم فِي صلَاتهم خاشعون﴾ رموا بِأَبْصَارِهِمْ إِلَى مَوَاضِع السُّجُود، وَعَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ قَالَ: هُوَ السكن فِي الصَّلَاة.
قَالَ الشّعبِيّ: هِيَ زَكَاة الْفطر، وَقَالَ بَعضهم: الزَّكَاة هَا هُنَا هِيَ الْعَمَل الصَّالح فَكَأَنَّهُ قَالَ: وَالَّذين هم للْعَمَل الصَّالح فاعلون.
وَفِي بعض المسانيد: عَن ابْن عَبَّاس عَن النَّبِي: " إِن الله خلق جنَّة عدن، وَخلق فِيهَا مَا لَا عين رَأَتْ وَلَا أذن سَمِعت وَلَا خطر على قلب بشر، ثمَّ قَالَ لَهَا: تكلمي فَقَالَت: ﴿قلد أَفْلح الْمُؤْمِنُونَ﴾ أَنا مُحرمَة على كل بخيل ومرائي ".
وَفِي رِوَايَة: " أَن الله تَعَالَى قَالَ: ﴿قد أَفْلح الْمُؤْمِنُونَ﴾ ثمَّ قَالَ: وَعِزَّتِي لَا يجاورني فِيك بخيل ".
وَفِي بعض المسانيد أَيْضا عَن النَّبِي قَالَ: " إِن الله تَعَالَى خلق آدم بِيَدِهِ، وغرس جنَّة عدن بِيَدِهِ، وَكتب التَّوْرَاة بِيَدِهِ، ثمَّ قَالَ لجنة عدن وَعِزَّتِي لَا يسكنك بخيل وَلَا ديوث ".
وَفِي بعض التفاسير: أَن النَّبِي قَالَ: " أَن الله تَعَالَى خلق الفردوس وَجعل لَهَا
وعن مجاهد قال : إذا دخل الجنة هدم منزله في النار، وعنه أنه قال : إن الله غرس جنة عدن بيده ثم قال :( قد أفلح المؤمنون ) وأغلق عليها، فلا يدخلها إلا من شاء الله، ويفتح بابها في كل سحر، وكانوا يرون أن نسيم السحر منه.
وفي بعض المسانيد : عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم :«إن الله خلق جنة عدن، وخلق فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، ثم قال لها : تكلمي فقالت :( قلد أفلح المؤمنون ) أنا محرمة على كل بخيل ومرائي »( ٢ ).
وفي رواية :«أن الله تعالى قال :( قد أفلح المؤمنون ) ثم قال : وعزتي لا يجاورني فيك بخيل »( ٣ ).
وفي بعض المسانيد أيضا عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :«إن الله تعالى خلق آدم بيده، وغرس جنة عدن بيده، وكتب التوراة بيده، ثم قال لجنة عدن وعزتي لا يسكنك بخيل ولا ديوث »( ٤ ).
وفي بعض التفاسير : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :«أن الله تعالى خلق الفردوس وجعل لها لبنة من ذهب ولبنة من فضة ( وحبالها ) ( ٥ ) المسك الأفر »( ٦ )، والأخبار كلها غرائب. ( هم فيها خالدون ) أي : مقيمون لا يظعنون أبدا.
٢ - رواه الطبراني في الكبير (١١/١٨٤ رقم ١٤٣٩) وفي الأوسط (٨/١٤٧ رقم ٤٨٦٢ مجمع البحرين)، وقال: لم يروه عن ابن جريج إلا بقية تفرد به هشام، وأبو نعيم في صفة الجنة (ص ١٩ رقم ١٦)، وتمام الرازي في فوائده (١/١٠٩ رقم ٢٥٨) جميعهم من حديث ابن عباس به إلى نهاية الآية. ورواه تمام في فوائده بتمامه (١/١٠٩ رقم ٢٥٩). وعزاه في الكنز لابن عساكر (١/٥٥)، وقال ابن كثير في التفسير بعد إيراده رواية الطبراني (٣/٢٣٧): بقية عن الحجازيين ضعيف، وله شاهد من حديث أنس رواه ابن أبي الدنيا في صفة الجنة (١٨ رقم ٢٠) بطوله، وابن عدي (٥/١٨٣)، والحاكم (٢/٣٩٢) وصححه، وأبو نعيم في صفة الجنة (٩رقم ١٧)، والخطيب في تاريخه (١٠/١١٨)، جميعهم من حديث أنس مختصراً، وتعقب الذهبي الحاكم فقال: بل ضعيف، وقال في الميزان (٣/١٣٧: باطل..
٣ - رواه الطبراني في الكبير (١٢/١٤٧ رقم ١٢٧٢٣)، وفي الأوسط (٨/١٤٦-١٤٧ رقم ٤٨٦١) وقال: لم يروه عن السدي إلا حماد بن عيسى تفرد به منجاب. وقال الهيثمي في المجمع (١٠/٤٠٠): رواه الطبراني في الأوسط والكبير، وأحد إسنادي الطبراني جيد..
٤ - رواه ابن أبي الدنيا في صفة الجنة (٢٧ رقم ٤١)، والخرائطي في مساوئ الأخلاق (١٦٢ رقم ٤٢٦، ٤٢٧)، والبيهقي في الأسماء والصفات (ص ٤٠٣) جميعهم من حديث عبد الله بن الحارث مرفوعاً بتمامه. وقال البيهقي: مرسل. ورواه أبو الشيخ في العظمة (٣٥٢ رقم ١٠٢٩)، وأبو نعيم في صفة الجنة (١١ رقم ٢٣) مختصراً. وتقدم في تفسير سورة الأعراف: ١٤٥..
٥ - كذا وعند الترمذي وغيره: وملاطها المسك الأذفر كما سيأتي في مواضع تخريجه، والله أعلم..
٦ - رواه الترمذي في سننه (٤/٥٨٠ رقم ٢٥٢٦) وقال: ليس إسناده بذاك القوى، وليس بمتصل، وأحمد في مسنده (٢/٣٠٤-٣٠٥)، والطيالسي (٣٣٧ رقم ٢٥٨٣)، جميعهم من حديث أبي هريرة مرفوعا بطوله، ورواه الإمام أحمد في مسنده (٢/٤٤٥)، والدارمي (٢/٤٢٩ رقم ٢٨٢١)، وابن أبي الدنيا في صفة الجنة (رقم ٤، ٥)، وأبو نعيم في صفة الجنة (٥٢ رقم ١٣٦، ١٣٧، ١٣٨) عن أبي هريرة بنحوه مرفوعاً. وفي الباب عن ابن عمر كما في صفة الجنة لابن أبي الدنيا (رقم ١٢)، وأبو نعيم (رقم ١٣٩)، وعن أبي سعيد الخدري، رواه البزار (٢/٤٨٠ رقم ٢٢٥٤) مختصراً، والطبراني في الأوسط (٨/١٤٦ رقم ٤٨٦٠ مجمع البحرين)، وأبو نعيم في صفة الجنة (رقم ١٤٠). وقال الهيثمي (١٠/٤٠٠ المجمع): رواه البزار مرفوعاً وموقوفاً، والطبراني في الأوسط، ورجال الموقوف رجال الصحيح، وأبو سعيد لا يقول هذا إلا بتوقف..
(وَهل هِنْد إِلَّا مهرَة عَرَبِيَّة | [سليلة] أَفْرَاس تجللها بغل) |
(فَإِن نتجت مهْرا [فَللَّه درها | وَإِن ولدت بغلا فجَاء بِهِ الْبَغْل] ) |
(رَأَيْت ذَوي الْحَاجَات حول بُيُوتهم | قطينا لَهُم حَتَّى إِذا أنبت البقل) |
وَأما من فرق بَين تَنبت وتُنبت، فَقَالَ مَعْنَاهُ: تُنبت ثَمَرهَا بالدهن، وتَنبت ثَمَر الدّهن.
وأنشدوا فِي زِيَادَة الْبَاء شعرًا:
(سود المحاجر لَا يقْرَأن بالسور... )
أَي: لَا يقْرَأن السُّور.
وَقَوله: ﴿وصبغ للآكلين﴾. وَقُرِئَ: " وصباغ للآكلين "، وَهُوَ فِي الشاذ، مثل لبس ولباس، وَمَعْنَاهُ: (وإدام) للآكلين، فَإِن الْخبز إِذا غمس فِيهِ أَي: فِي الزَّيْت انصبغ بِهِ بِمَعْنى تلون، والإدام كل مَا يُؤْكَل مَعَ الْخَبَر عَادَة، سَوَاء انصبغ بِهِ الْخَبَر أَو لم ينصبغ، رُوِيَ عَن النَّبِي أَنه أَخذ لقْمَة وَتَمْرَة، وَقَالَ: " هَذِه إدام هَذِه ".
وَعنهُ أَنه قَالَ: " سيد إدام أهل الْجنَّة اللَّحْم ".
وَقَوله: ﴿نسقيكم مِمَّا فِي بطونها﴾ أَي: اللَّبن.
وَقَوله: ﴿وَلكم فِيهَا مَنَافِع كَثِيرَة وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ﴾ يَعْنِي: من لحومها
﴿مَا لكم من إِلَه غَيره﴾ أَي: معبود سواهُ. وَقَوله: ﴿أَفلا تَتَّقُون﴾ مَعْنَاهُ: أَفلا تخافون عُقُوبَته إِذا عَبدْتُمْ غَيره.
وَقَوله: ﴿يُرِيد أَن يتفضل عَلَيْكُم﴾ يتفضل أَي: يظْهر الْفضل، وَلَا فضل لَهُ، كَمَا يُقَال: فلَان يتحلم أَي: يظْهر الْحلم، وَلَا حلم لَهُ، ويتظرف أَي: يظْهر الظرافة، وَلَا ظرافة لَهُ.
وَقَوله: ﴿وَلَو شَاءَ الله لأنزل مَلَائِكَة﴾ يَعْنِي: بإبلاغ الْوَحْي، وَقَوله: ﴿مَا سمعنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الْأَوَّلين﴾. أَي: بإرسال بشر رَسُولا، وَقيل: بدعوة مثل دَعوته.
وَقَوله: ﴿فتربصوا بِهِ حَتَّى حِين﴾ قَالَ ابْن عَبَّاس: إِلَى وَقت مَا، وَيُقَال: إِلَى أَن يَمُوت.
وَقَوله: ﴿فَإِذا جَاءَ أمرنَا وفار التَّنور﴾ المُرَاد من الْأَمر هَاهُنَا: وَقت إغراقهم، والتنور تنور الخابزة، وَقد بَينا غير هَذَا.
وَقَوله: ﴿فاسلك فِيهَا من كل زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ﴾ قَالَ ابْن عَبَّاس مَعْنَاهُ: من كل صنف
وَقَوله: ﴿وَأهْلك إِلَّا من سبق عَلَيْهِ القَوْل مِنْهُم﴾ أَي: سبق عَلَيْهِ الحكم بإهلاكه، وَهُوَ ابْن نوح. قَالَ الْحسن: كَانُوا سَبْعَة وثامنهم نوح، وَقيل: سِتَّة وسابعهم نوح.
وَقَوله: ﴿وَلَا تخاطبني فِي الَّذين ظلمُوا إِنَّهُم مغرقون﴾ قد بَينا.
وَقَوله: ﴿أَن اعبدوا الله مَا لكم من إِلَه غَيره أَفلا تَتَّقُون﴾ قد ذكرنَا.
وَقَوله: ﴿وأترفناهم فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا﴾ أَي: وأغنياهم فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا، وَيُقَال: وسعنا عَلَيْهِم الْمَعيشَة فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا حَتَّى أترفوا، والإتراف هُوَ التنعم بملاذ الْعَيْش. قَالَ القتيبي: والترفة كالتحفة.
وَقَوله: ﴿مَا هَذَا إِلَّا بشر مثلكُمْ يَأْكُل مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيشْرب مِمَّا تشربون﴾ يَعْنِي: مِنْهُ.
وَقَوله: ﴿إِنَّكُم إِذا لخاسرون﴾ أَي: المغبونون، وَيُقَال: تاركون طَريقَة الْعُقَلَاء، فتكونون بِمَنْزِلَة من خسر عقله.
تَحْصِيل الْمَعْنى: أيعدكم أَنكُمْ إِذا متم وقبرتم ثمَّ خَرجْتُمْ من قبوركم، وَفِي قِرَاءَة ابْن مَسْعُود: " أيعدكم إِذا متم وكنتم تُرَابا وعظاما أَنكُمْ مخروجون " وَأما على الْقِرَاءَة الْمَعْرُوفَة فنصب الأول بِتَقْدِير الْبَاء أَي: بأنكم، وَأما إِنَّكُم الثَّانِيَة للتَّأْكِيد، قَالَ الزّجاج: وَنَظِير هَذَا فِي الْقُرْآن قَوْله تَعَالَى: ﴿ألم يعلمُوا أَنه من يحادد الله وَرَسُوله فَإِن لَهُ نَار جَهَنَّم﴾.
(أيهات أيهات العقيق وَأَهله | أيهات خل بالعقيق نواصله) |
(فدع عَنْك نهيا صِيحَ فِي حجراته | وَلَكِن حَدِيث مَا حَدِيث الرَّوَاحِل) |
وَقَوله: ﴿بِالْحَقِّ﴾ أَي: بِالْعَدْلِ، وَيُقَال: بِمَا استحقوا.
وَقَوله: ﴿فجعلناهم غثاء﴾. الغثاء: مَا يبس من الشّجر والحشيش، وَعلا فَوق السَّيْل، وَيُقَال: الغثاء هُوَ الزّبد، فالزبد لَا ينْتَفع بِهِ، وَيذْهب بَاطِلا، فشبههم بعد الْهَلَاك بِهِ.
وَقَوله: ﴿فبعدا للْقَوْم الظَّالِمين﴾ أَي: هَلَاكًا للْقَوْم الظَّالِمين.
وَقَوله: ﴿وَمَا يَسْتَأْخِرُونَ﴾ أَي: يتأخرون عَن وَقت هلاكها.
وَقَوله: ﴿كلما جَاءَ أمة رسولها كذبوه﴾ أَي: جحدوه وأنكروه.
وَقَوله: ﴿فأتبعنا بَعضهم بَعْضًا﴾ أَي: فِي الْهَلَاك.
وَقَوله: ﴿وجعلناهم أَحَادِيث﴾ أَي: سمرا وقصصا، قَالَ بَعضهم شعرًا.
(فَكُن حَدِيثا حسنا ذكره | فَإِنَّمَا النَّاس أَحَادِيث) |
وَقَوله: ﴿وآويناهما إِلَى ربوة﴾ وقرىء: " ربوة "، وَقَرَأَ أَبُو الْأَشْهب الْعقيلِيّ: " رباوة ". وَأما الربوة فِيهَا أَقْوَال: عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: هِيَ رَملَة فلسطين، وَرُوِيَ هَذَا مَرْفُوعا إِلَى النَّبِي.
وَقَالَ سعيد بن الْمسيب: هِيَ غوطة دمشق، (وَيُقَال: أنزه الْمَوَاضِع فِي الدُّنْيَا [أَرْبَعَة] مَوَاضِع: غوطة دمشق) فِي الشَّام، والإيلة بالعراق، وَشعب بران بِفَارِس، وَسعد سَمَرْقَنْد، وَعَن كَعْب قَالَ: ﴿ربوة﴾ هِيَ بَيت الْمُقَدّس، وَعَن وهب بن مُنَبّه قَالَ: هِيَ مصر، وَفِي اللُّغَة: الربوة هُوَ الْمَكَان الْمُرْتَفع.
وَقَوله: ﴿ذَات قَرَار﴾ أَي: أَرض مستوية يستقرون فِيهَا، وَقيل: مستوية مُرْتَفعَة منبسطة.
وَقَوله: ﴿ومعين﴾ أَي: ذَات مَاء جَار، وَيُقَال: ذَات عُيُون تجْرِي فِيهَا، يُقَال: (عانت) الْبركَة إِذا جرى فِيهَا المَاء، وأنشدوا فِي الْمعِين شعرًا:
(إِن الَّذين غدوا بلبك غادروا | وسلا بِعَيْنِك لَا يزَال معينا) |
(تجانف عَن جو الْيَمَامَة نَاقَتي | وَمَا قصدت من أَهلهَا لسوائكا) |
وَقَوله: ﴿ولدينا كتاب ينْطق بِالْحَقِّ﴾ أَي: عندنَا كتاب ينْطق بِالْحَقِّ، وَهُوَ اللَّوْح الْمَحْفُوظ، وَاسْتدلَّ بَعضهم بِهَذِهِ الْآيَة أَن من كتب إِلَى إِنْسَان كتابا فقد كَلمه.
وَقَوله: ﴿ينْطق بِالْحَقِّ﴾ أَي: يخبر بِالصّدقِ.
وَقَوله: ﴿وهم لَا يظْلمُونَ﴾ أَي: لَا ينقص حَقهم.
وَقَوله: ﴿وَلَهُم أَعمال من دون ذَلِك هم لَهَا عاملون﴾ (فِيهِ قَولَانِ: أَن للْكفَّار أعمالا خبيثة محكومة عَلَيْهِم سوى مَا عمِلُوا ﴿هم لَهَا عاملون﴾ ) هَذَا قَول مُجَاهِد وَجَمَاعَة، وَقَالَ قَتَادَة: الْآيَة تَنْصَرِف إِلَى أَصْحَاب الطَّاعَات، وَمَعْنَاهُ: أَن الْمُؤمنِينَ لَهُم أَعمال سوى مَا عمِلُوا من الْخَيْر ﴿هم لَهَا عاملون﴾، وَالْقَوْل الأول أظهر.
وَقَوله: ﴿بِالْعَذَابِ﴾ وَهُوَ السَّيْف يَوْم بدر، وَيُقَال: هُوَ الْقَحْط الَّذِي أَصَابَهُم بِدُعَاء الني.
وَقَوله: ﴿إِذا هم يجأرون﴾ أَي: يصيحون ويستغيثون.
وَقَوله: ﴿إِنَّكُم منا لَا تنْصرُونَ﴾ أَي: لَيْسَ أحد يمنعنا من عذابكم، وَقيل: ﴿لَا تنْصرُونَ﴾ لَا ترزقون، يُقَال: أَرض منصورة أَي: ممطورة.
وَقَوله: ﴿سامرا﴾ وقرىء فِي الشاذ: " سمارا "، والسامر والسمار فِي اللُّغَة بِمَعْنى وَاحِد. وَالْآيَة فِي أَنهم كَانُوا يَقْعُدُونَ بِاللَّيْلِ حول الْبَيْت يسمرون. قَالَ الثَّوْريّ: السمر ظلّ الْقَمَر تَقول الْعَرَب: لَا أُكَلِّمك السمر وَالْقَمَر، أَي: اللَّيْل وَالنَّهَار.
وَقَوله: ﴿تهجرون﴾ أَي: تعرضون عَن النَّبِي وَالْإِيمَان بِهِ وَالْقُرْآن وَالْإِيمَان،
وَقَوله: ﴿أم جَاءَهُم مَا لم يَأْتِ آبَاءَهُم الْأَوَّلين﴾ (يَعْنِي: أيظنون أَنه جَاءَهُم مَا لم يَأْتِ من قبلهم، وَمَعْنَاهُ: أَنا بعثنَا إِلَيْهِم رَسُولا كَمَا بعثنَا إِلَى الْأَوَّلين).
وَقَوله: ﴿بل جَاءَهُم بِالْحَقِّ﴾ أَي: بِالصّدقِ. وَقَوله: ﴿وَأَكْثَرهم للحق كَارِهُون﴾ أَي: ساخطون.
﴿لفسدت السَّمَوَات وَالْأَرْض وَمن فِيهِنَّ﴾ وَإِنَّمَا قَالَ هَذَا؛ لأَنهم كَانُوا يودون أَن ينزل الله تَعَالَى ذكر أصنامهم على مَا يعتقدونها، وَلِأَنَّهُ هُوَ فِي معنى قَوْله تَعَالَى: ﴿لَو كَانَ فيهمَا آلِهَة إِلَّا الله لفسدتا﴾ وَفِي قِرَاءَة ابْن مَسْعُود: " لفسدت السَّمَوَات وَالْأَرْض وَمن فِيهِنَّ وَمن خلق ".
وَالْقَوْل الثَّانِي فِي الْآيَة: أَن المُرَاد من ﴿الْحق﴾ هُوَ الله تَعَالَى، وَمَعْنَاهُ: لَو اتبع (الله) أهواءهم لسمى لنَفسِهِ شَرِيكا وَولدا، ولفسدت السَّمَوَات وَالْأَرْض وَمن
وَقَوله: ﴿بل أتيناهم بذكرهم﴾ أَي: بِمَا يذكرهم، وَيُقَال: بشرفهم، وَهُوَ معنى قَوْله تَعَالَى: ﴿وَإنَّهُ لذكر لَك ولقومك﴾ أَي: شرف لَك ولقومك.
وَقَوله: ﴿فهم عَن ذكرهم معرضون﴾ أَي: عَن شرفهم وَعَما يذكرهم معرضون.
وَقَوله: ﴿فخراج رَبك﴾ أَي: ثَوَابه ( ﴿خير﴾ أَي: أجر رَبك) خير.
وَقَوله: ﴿وَهُوَ خير الرازقين﴾ أَي: المعطين.
وَقَوله: ﴿للجوا فِي طغيانهم يعمهون﴾ أَي: مضوا فِي طغيانهم يعمهون، وَلم ينزعوا عَنهُ.
وَقَوله: ﴿فَمَا اسْتَكَانُوا لرَبهم وَمَا يَتَضَرَّعُونَ﴾ أَي: مَا خضعوا وَمَا ذلوا لرَبهم، والاستكانة طلب السّكُون.
وَقَوله: ﴿وَمَا يَتَضَرَّعُونَ﴾ أَي: لم يتضرعوا إِلَى رَبهم، بل مضوا إِلَى عتوهم وتمردهم.
وَقَوله: ﴿إِذا هم فِيهِ مبلسون﴾. أَي: متحيرون آيسون، وَعَن السّديّ قَالَ: ﴿حَتَّى إِذا فتحنا عَلَيْهِم بَابا ذَا عَذَاب شَدِيد﴾ هُوَ فتح مَكَّة. وَيُقَال: الْعَذَاب الشَّديد هُوَ الْأَمْرَاض والشدائد، وَعَن مُجَاهِد قَالَ: هُوَ الْقَتْل يَوْم بدر.
وَقَوله ﴿أَفلا تعقلون﴾. مَعْنَاهُ: أَفلا تعقلون الْآيَات الَّتِي وَضَعتهَا فِيهَا.
وَقَوله: ﴿أَفلا تذكرُونَ﴾ أَي: تتعظون.
أما قَوْله تَعَالَى: " سيقولون الله " هَذَا رَاجع إِلَى اللَّفْظ، فَالْمَعْنى كَالرّجلِ يَقُول لغيره: من مَالك هَذَا الدَّار؟ فَيَقُول: زيد.
وَأما قَوْله: ﴿سيقولون لله﴾ يرجع إِلَى الْمَعْنى دون اللَّفْظ، كَمَا يَقُول الْقَائِل لغيره: من مَالك هَذِه الدَّار؟ فَيَقُول: هِيَ لزيد.
وَقَوله: ﴿قل أَفلا تعقلون﴾ أَي: أَفلا تحذرون.
وَقَوله: ﴿وَهُوَ يجير وَلَا يجار عَلَيْهِ﴾ أَن يُؤمن على كل النَّاس، وَلَا يُؤمن عَلَيْهِ أحد، وَمَعْنَاهُ: أَن من أَمنه الله لَا يقدر عَلَيْهِ أحد، وَمن لم يُؤمنهُ الله لم يُؤمنهُ أحد، وَقيل: من أَرَادَ الله عَذَابه لَا يقدر أحد على منع الْعَذَاب عَنهُ، وَمن أَرَادَ أَن يعذب غَيره من الْخلق قدر الله على مَنعه مِنْهُ. وَقَوله: ﴿إِن كُنْتُم تعلمُونَ﴾ ظَاهر الْمَعْنى.
وَقَوله: ﴿فتعالى عَمَّا يشركُونَ﴾ أَي: تعظم عَمَّا يشركُونَ، وَمَعْنَاهُ: أَنه أعظم أَن يُوصف بِهَذَا الْوَصْف.
قَوْله تَعَالَى: ﴿نَحن أعلم بِمَا يصفونَ﴾ أَي: بوصفهم وكذبهم.
وَأما القَوْل الثَّانِي - وَهَذَا الْمَعْرُوف - أَن الْخطاب مَعَ الله، وَكَأن الْكَافِر يسْأَل ربه عِنْد الْمَوْت أَن يردهُ إِلَى الدُّنْيَا، فَإِن قيل: كَيفَ يَسْتَقِيم هَذَا، وَقد قَالَ: ﴿ارْجِعُونِ﴾، وَالْوَاحد لَا يخطاب بخطاب الْجمع، وَلَا يَسْتَقِيم أَن يَقُول الْقَائِل: اللَّهُمَّ اغفروا لي؟ وَالْجَوَاب عَنهُ: أَنه إِنَّمَا ذكر بِلَفْظ الْجمع على طَرِيق التفخيم والتعظيم، فَإِن الله تَعَالَى أخبر عَن نَفسه بِلَفْظ الْجمع فَقَالَ: ﴿إِنَّا نَحن نزلنَا الذّكر وَإِنَّا لَهُ لحافظون﴾ وَمثل هَذَا كثير فِي الْقُرْآن، فَذكر قَوْله: ﴿ارْجِعُونِ﴾ على مُوَافقَة هَذَا كَمَا يُخَاطب الْجمع،
قَوْله تَعَالَى: ﴿كلا إِنَّهَا كلمة هُوَ قَائِلهَا﴾ يَعْنِي: سُؤال الرّجْعَة، وَقد قَالَ أهل الْعلم من السّلف: لَا يسْأَل الرّجْعَة عبد لَهُ عِنْد الله ذرة من خير؛ لِأَنَّهُ إِذا كَانَ لَهُ خير عِنْد الله فَهُوَ يحب الْقدوم عَلَيْهِ، وَاتَّفَقُوا أَن سُؤال الرّجْعَة يكون للْكَافِرِ لَا لِلْمُؤمنِ.
وَقَوله: ﴿وَمن وَرَاءَهُمْ برزخ﴾ أَي: حاجز، وَهُوَ الْقَبْر.
وَقَوله: ﴿إِلَى يَوْم يبعثون﴾ فالبرزخ هُوَ مَا بَين الْمَوْت إِلَى الْبَعْث، وَيُقَال: مَا بَين الدُّنْيَا وَالْآخِرَة.
فَمن الْعلمَاء من يَقُول: ينْفخ ثَلَاث نفخات: نفخة للصعق، ونفخة للْمَوْت،
قَوْله تَعَالَى: ﴿فَلَا أَنْسَاب بَينهم يَوْمئِذٍ﴾ أَي: لَا أَنْسَاب يتفاخرون ويتواصلون بهَا، وَأما أصل الْأَنْسَاب فباقية.
وَأما قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: " كل سَبَب وَنسب يَنْقَطِع إِلَّا سببي ونسبي " أَي: لَا ينفع سَبَب وَلَا نسب يَوْم الْقِيَامَة إِلَّا سببي ونسبي، وَيُقَال: سَببه الْقُرْآن، وَنسبه الْإِيمَان.
وَقَوله: ﴿وَلَا يتساءلون﴾ أَي: لَا يسْأَل بَعضهم بَعْضًا سُؤال تواصل، فَإِن قيل: أَلَيْسَ أَن الله تَعَالَى قَالَ: ﴿فَأقبل بَعضهم على بعض يتساءلون﴾ ؟
الْجَواب: مَا رُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس أَنه قَالَ: يَوْم الْقِيَامَة مَوَاطِن وتارات، فَفِي موطن يشْتَد عَلَيْهِم الْخَوْف (فتذهل) عُقُولهمْ، فَلَا يتساءلون، وَفِي مَوضِع يفيقون إفاقة فيتساءلون.
وَقَوله: ﴿وهم فِيهَا كَالِحُونَ﴾ الكالح فِي اللُّغَة: هُوَ العابس، وَأما الْمَرْوِيّ فِي التَّفْسِير: هُوَ الَّذِي تقلصت شفتاه، وَظَهَرت أَسْنَانه.
وَعَن ابْن مَسْعُود أَنه قَالَ: كالرأس النضيج قد بَدَت أَسْنَانه، وتقلصت شفتاه. وَذكر أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيّ فِي جَامعه بِرِوَايَة أبي سعيد الْخُدْرِيّ عَن النَّبِي قَالَ فِي هَذِه الْآيَة: " هُوَ أَن تتقلص شفته الْعليا حَتَّى تبلغ وسط رَأسه وَتَسْتَرْخِي شفته السُّفْلى حَتَّى تضرب سرته ". وَفِي بعض التفاسير: وَتخرج أَسْنَانه عَن شَفَتَيْه [أَرْبَعِينَ] ذِرَاعا.
وَعَن بعض التَّابِعين من الْخَائِفِينَ: أَنه مر على شواء، فَرَأى رُءُوس الْغنم وَقد أبرزت، فَلَمَّا نظر إِلَيْهَا غشي عَلَيْهِ، كَأَنَّهُ يذكر هَذِه الْآيَة.
وَقَوله: ﴿حَتَّى أنسوكم ذكري﴾ أَي: اشتغلتم بالاستهزاء والسخرية عَلَيْهِم، وتركتم ذكري، وَكَانَ الْوَاجِب عَلَيْكُم أَن تذكروني بدل استهزائكم بهم.
وَقَوله: ﴿وكنتم مِنْهُم تضحكون﴾ وَفِي الْآيَة دَلِيل على أَن الِاسْتِهْزَاء بِالنَّاسِ كَبِيرَة، وَهُوَ مَوْعُود عَلَيْهِ، وَعَن جَعْفَر بن مُحَمَّد - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: من ضحك ضحكة مج مجة من الْعلم لَا يعود إِلَيْهِ أبدا.
وَقَوله: ﴿فاسأل العادين﴾ أَي: الْمَلَائِكَة الَّذين يعْرفُونَ عدد مَا لَبِثُوا.
وَقَوله: ﴿وأنكم إِلَيْنَا لَا ترجعون﴾ ظَاهر الْمَعْنى.
وَقَوله: ﴿فَإِنَّمَا حسابه عِنْد ربه﴾ هَذَا فِي معنى قَوْله تَعَالَى: ﴿ثمَّ إِن علينا حسابهم﴾، وَرُوِيَ " أَن أَعْرَابِيًا أَتَى النَّبِي وَقَالَ: وَمن يحاسبنا يَوْم الْقِيَامَة؟ قَالَ: الله. قَالَ: نجونا وَرب الْكَعْبَة، إِن الْكَرِيم إِذا قدر غفر " وَالْخَبَر غَرِيب.
وَقَوله: ﴿إِنَّه لَا يفلح الْكَافِرُونَ﴾ أَي: لَا يسْعد وَلَا يفوز.
﴿اغْفِر﴾ اسْتُرْ ﴿وَارْحَمْ﴾ اعطف، والغفور: الستور، والرحيم هُوَ العطوف.
قَوْله: ﴿وَأَنت خير الرَّاحِمِينَ﴾. أَي: خير من رحم.
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
﴿سُورَة أنزلناها وفرضناها﴾تَفْسِير سُورَة النُّور
وَهِي مَدَنِيَّة، وروى الْحَاكِم أَبُو عبد الله الْحَافِظ فِيمَا خرجه من الزِّيَادَة على الصَّحِيحَيْنِ بِرِوَايَة شُعَيْب بن إِسْحَق، عَن الزُّهْرِيّ، عَن عُرْوَة، عَن عَائِشَة - رَضِي الله عَنْهَا - أَن النَّبِي قَالَ فِي النِّسَاء: " لَا تسكنوهن الغرف، وَلَا تُعَلِّمُوهُنَّ الْكِتَابَة، وعلموهن الْغَزل وَسورَة النُّور ".
سورة المؤمنون
سورةُ (المؤمنون) من السُّوَر المكية التي اهتمت بذِكْرِ دلائل وَحْدانية الله تعالى، كما اهتمت بذِكْرِ صفاتِ المؤمنين المفلحين؛ كما في فاتحة السورة الكريمة، وقد صح عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم: أنَّ مَن أقامَ أوَّلَ عَشْرِ آياتٍ من سورة (المؤمنون) دخَلَ الجنَّةَ، وبالأخذِ بهذه الصفات التي ذكَرها الله للمؤمنين، تصلُحُ للعبد دنياه وآخرتُه، ويحقِّقُ معنى التوحيد التام.
ترتيبها المصحفي
23نوعها
مكيةألفاظها
1052ترتيب نزولها
74العد المدني الأول
119العد المدني الأخير
119العد البصري
119العد الكوفي
118العد الشامي
119* قوله تعالى: {وَلَقَدْ أَخَذْناهُمْ بِالْعَذابِ فَما اسْتَكانُوا لِرَبِّهِمْ وَما يَتَضَرَّعُونَ} [المؤمنون: ٧٦]:
عن عبدِ اللهِ بن عباسٍ رضي الله عنهما، قال: «جاء أبو سُفْيانَ بنُ حَرْبٍ إلى رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فقال: يا مُحمَّدُ، أنشُدُك اللهَ والرَّحِمَ؛ فقد أكَلْنا العِلْهِزَ - يعني: الوَبَرَ والدَّمَ -؛ فأنزَلَ اللهُ: {وَلَقَدْ أَخَذْناهُمْ بِالْعَذابِ فَما اسْتَكانُوا لِرَبِّهِمْ وَما يَتَضَرَّعُونَ} [المؤمنون: ٧٦]». أخرجه ابن حبان (٩٦٧).
* سورةُ (المؤمنون):
سُمِّيت سورة (المؤمنون) بذلك؛ لأنَّ فاتحتها أفصَحتْ عن ذِكْرِ صفات المؤمنين.
* أنَّ مَن أقام أوَّلَ عَشْرِ آياتٍ من سورة (المؤمنون) دخَل الجنَّة:
عن عُمَرَ بن الخطَّابِ رضي الله عنه، قال: «كان إذا نزَلَ على رسولِ اللهِ ﷺ الوحيُ يُسمَعُ عند وجهِه دَوِيٌّ كدَوِيِّ النَّحْلِ، فمكَثْنا ساعةً، فاستقبَلَ القِبْلةَ، ورفَعَ يدَيهِ، فقال: «اللهمَّ زِدْنا ولا تنقُصْنا، وأكرِمْنا ولا تُهِنَّا، وأعطِنا ولا تَحرِمْنا، وآثِرْنا ولا تُؤثِرْ علينا، وارضَ عنَّا وأرضِنا»، ثم قال: «لقد نزَلتْ عليَّ عَشْرُ آياتٍ، مَن أقامَهنَّ دخَلَ الجنَّةَ»، ثم قرَأَ علينا: {قَدْ أَفْلَحَ اْلْمُؤْمِنُونَ} [المؤمنون: 1] حتى ختَمَ العَشْرَ». أخرجه الترمذي (3097).
* كانت تَتجلَّى صفاتُ رسول الله ﷺ من خلالِ هذه السورة:
فعن يَزيدَ بن بابَنُوسَ، قال: «دخَلْنا على عائشةَ، فقُلْنا: يا أمَّ المؤمنين، ما كان خُلُقُ رسولِ اللهِ ﷺ؟ قالت: كان خُلُقُه القُرْآنَ، تَقرَؤون سورةَ المؤمنين؟ قالت: اقرَأْ {قَدْ أَفْلَحَ اْلْمُؤْمِنُونَ}، قال يَزيدُ: فقرَأْتُ {قَدْ أَفْلَحَ اْلْمُؤْمِنُونَ} [المؤمنون: 1] إلى: {لِفُرُوجِهِمْ حَٰفِظُونَ} [المؤمنون: 5]، قالت: هكذا كان خُلُقُ رسولِ اللهِ ﷺ». أخرجه البخاري في " الأدب المفرد" (٤٨).
* هي السورةُ التي قرأها النبيُّ صلى الله عليه وسلم يومَ الفتحِ:
عن عبدِ اللهِ بن السائبِ رضي الله عنه، قال: «حضَرْتُ رسولَ اللهِ ﷺ يومَ الفتحِ وصلَّى في الكعبةِ، فخلَعَ نَعْلَيهِ فوضَعَهما عن يسارِه، ثم افتتَحَ سورةَ (المؤمنون)، فلمَّا بلَغَ ذِكْرَ عيسى أو موسى، أخَذَتْهُ سَعْلةٌ، فركَعَ». أخرجه أبو داود (٦٤٨).
جاءت سورةُ (المؤمنون) على ذِكْرِ الموضوعات الآتية:
1. صفات المؤمنين (١-١١).
2. أدلة وَحْدانية الله (١٢-٢٢).
3. الإيمان بالرسل، ومواقف أقوامهم منهم (٢٣-٥٢).
4. تفرُّق الأُمَم بعد رسلهم (٥٣-٧٧).
5. أدلة إثبات وَحْدانية الله وقدرته (٧٨-٩٨).
6. مِن مشاهِدِ يوم القيامة (٩٩- ١١٨).
ينظر: "التفسير الموضوعي للقرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (5 /124).
ظهَر مقصودُ سورة (المؤمنون) في اسمها؛ وهو اختصاصُ المؤمنين بالفلاح، وقد دارت آيُها حول مِحوَرِ تحقيقِ الوَحْدانية، وإبطالِ الشرك ونقضِ قواعده، والتنويه بالإيمان وشرائعه؛ فكان افتتاحُها بالبشارة للمؤمنين بالفلاح العظيم على ما تحلَّوْا به من أصول الفضائل الرُّوحية والعلمية، التي بها تزكيةُ النَّفس، واستقامةُ السلوك.
ينظر: "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور" للبقاعي (2 /303)، و"التحرير والتنوير" لابن عاشور (18 /6).