تفسير سورة المؤمنون

أحكام القرآن

تفسير سورة سورة المؤمنون من كتاب أحكام القرآن
لمؤلفه ابن الفرس . المتوفي سنة 595 هـ
وهي مكية. وفيها من الأحكام والنسخ مواضع ١.
١ أوصلها ابن الفرس إلى تسع آيات..

قوله تعالى :﴿ الذين هم في صلاتهم خاشعون ( ٢ )... ﴾ إلى قوله تعالى :﴿ فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون ( ٧ ) ﴾ :
وسبب قوله تعالى :﴿ الذين هم في صلاتهم خاشعون ( ٢ ) ﴾ أن المسلمين كانوا يلتفتون في صلاتهم يمنة ويسرة، فنزلت الآية وأمروا أن يكون بصر ١ المصلي قبل قبلته أو بين يديه، وفي الحرم إلى الكعبة. وقيل إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يلتفت في صلاته إلى السماء فنزلت الآية ٢ واختلف المفسرون ٣ أيضا ٤ في الخشوع ما هو ؟ فقيل هو الإقبال عليها والسكون فيها وهو قول مالك وجماعة سواه. وقيل الخشوع في القلب وأن لا تلتفت في صلاتك ٥ وهو قول علي بن أبي طالب. وروى بعضهم عنه ما يعضد هذا وهو أنه رأى رجلا يعبث بلحيته في الصلاة فقال : لو خشع هذا خشعت جوارحه ٦. وقيل خاشعون يعني خائفون ساكنين، وهو قول ابن عباس ٧ والذي ينبغي أن يقال في هذا أن الخشوع هو التذلل في الجسم والقلب، وإلى هذا ترجع سائر الأقوال إذا حققت هذا الخشوع الذي ذكرناه. قال جماعة من العلماء ليس بفرض في الصلاة بحيث إذا تركه أحد بطلت صلاته ألا ترى أن عمر قال إني لأجهز جيشي وأنا في صلاتي. وروي عنه أنه قال إني لأحسب جزية البحرين وأنا في الصلاة ٨ ولا شك أن الخشوع الباطني مع هذا متروك، ولو كان من الفرائض لما تركه عمر رضي الله تعالى عنه. وقد أطلق بعضهم عليه اسم الفرض ٩.
وقد اختلف السلف في الالتفات في الصلاة ١٠ فمن كان لا يرى ذلك أبو بكر وعمر وابن مسعود وأبو الدرداء ١١ وأبو هريرة وابن الزبير، ورخصت فيه طائفة منهم أنس بن مالك وابن عمر وغيرهما. وحجة القول الأول قوله تعالى :﴿ خاشعون ﴾، والالتفات فيه ترك الخشوع. واختلف العلماء في أي موضع يضع المصلي بصره. فقال الكوفيون والشافعي وغيره يضعه موضع السجود. قال الشافعي : وهو أقرب إلى الخشوع. وقال بعضهم هو الخشوع. وقال مالك ومن تابعه يضعه أمامه وليس عليه أن ينظر موضع سجوده، وكره الحد في ذلك. وقال بعضهم يضعه موضع سجوده إن كان قائما إلا بمكة في المسجد الحرام فإنه يستحب له أن ينظر إلى البيت. والحجة لمالك أن الخشوع إنما هو كما قال : الإقبال على الصلاة، والسكون وضع بصره أينما وضعه ما لم يزل بذلك عن حد السكون.
١ في (أ): "نظر"..
٢ راجع أسباب النزول للواحدي ص ٢٣٤، لباب النقول ص ٥٥٦..
٣ "المفسرون" كلمة ساقطة في (د)..
٤ "أيضا" كلمة ساقطة في (أ)، (ح)..
٥ من قوله: "هو الإقبال... إلى: في صلاتك" كلام ساقط في (أ)، (ز)..
٦ وجاء في الجامع لأحكام القرآن للقرطبي أن هذا قول الرسول صلى الله عليه وسلم ١٢/ ١٠٣. وقال ابن عطية في المحرر الوجيز: وروي عن بعض العلماء أنه رأى رجلا يعبث بلحيته في الصلاة فقال: "لو خشع هذا خشعت جوارحه" ١١/ ١٢٢..
٧ وفي تنوير المقباس: مخيتون: متواضعون لا يلتفتون يمينا ولا شمالا ولا يرفعون أيديهم في الصلاة ص ٢٨٤..
٨ الأثر: لم أقف عليه في الكتب التي وقعت بين يدي..
٩ قال الفخر الرازي: فإن قيل فهل تقولون أن ذلك واجب في الصلاة؟ قلنا إنه عندنا واجب ويدل عليه أمور... راجع بقية القول في التفسير الكبير ٢٣/ ٧٧..
١٠ "في الصلاة" كلمة ساقطة في (أ)، (ز)..
١١ أبو الدرداء: هو عويمر بن عامر، ويقال عوير بن قيس بن زيد، ويقال غير ذلك أبو الدرداء الخزرجي الأنصاري، شهد أحدا، كان حكيما عالما، فاضلا تولى قضاء دمشق، مات في خلافة عثمان وقيل غير ذلك. انظر الإصابة ١٢/ ١١٤..
وقوله تعالى :﴿ والذين هم عن اللغو معرضون ( ٣ ) ﴾ اللغو ما سقط من الكلام وهذا يجمع تجنب جميع ما لا خير فيه.
وقوله تعالى :﴿ والذين هم للزكاة فاعلون ( ٤ ) ﴾ يحتمل أن يراد بالزكاة هنا الزكاة المفروضة، وإلى ذلك ذهب الطبري وغيره. ويحتمل أن يراد بها الزكي من الأعمال.
وقوله تعالى :﴿ والذين هم لفروجهم حافظون ( ٥ ) ﴾ يريد من عف فرجه.
وقوله تعالى :﴿ إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم ﴾ قصر في هذه الآية حلال الوطء على التزويج وملك اليمين. واختلف هل فيه دليل على تحريم المتعة أم لا ؟ فذهب جماعة إلى أن لا دليل فيها على ذلك ١ وقال الزهري سألت القاسم بن محمد ٢ عن المتعة فقال ٣ هي محرمة في كتاب الله تعالى وتلا هذه الآية، فرأى المتعة خارجة عن التزويج وملك اليمين الذي لا يحل وطء إلا بهما. وقد مر الكلام على هذه المسألة في موضعها. وهذه الآية تقتضي تحريم الزنا ومواقعة البهائم ولا خلاف في تحريم ذلك. واختلف في إتيان الرجل يده والاستمناء جملة أحرام هو أو مكروه ؟ فحرمه أكثرهم ورآه داخلا تحت قوله تعالى :﴿ فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون ( ٧ ) ﴾ واحتجوا بما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " من أتى يده جاءت يوم القيامة حبلى " ٤ ورخص فيه قوم من الصحابة والتابعين على كراهيته وقالوا إنما هو إزالة شيء من الجسم يخاف ضرره فلا شيء على من فعل ذلك ولا يلحقه فيه إثم ولم يروه داخلا تحت قوله :﴿ فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون ( ٧ ) ﴾ ٥.
١ قاله ابن العربي رغم أنه يرى تحريم نكاح المتعة. راجع أحكام القرآن لابن العربي ٣/ ١٢٩٩..
٢ القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق أحد أركان العلم والدين في عصر التابعين. توفي سنة ١٠٨هـ/ ٧٣٠م. انظر: تهذيب التهذيب ٨/ ٣٣٥..
٣ في (ب)، (ح): "فقيل"..
٤ الحديث ذكره عبد الله بن الصديق الغماري في الاستقصاء بلفظ: لا ينكح أحدكم نفسه بيده فيأتي بيده يوم القيامة وهي حبلى. وقال: ليس بصحيح بل لا أصل له. انظر الاستقصاء لأدلة تحريم الاستمناء لعبد الله بن الصديق الغماري ص ٦٧..
٥ قال ابن العربي: وأحمد بن حنبل يجوزه ويحتج بأنه إخراج فضالة من البدن فجاز عند الحاجة، أصله الفصد والحجامة. وعامة العلماء على تحريمه وهو الحق الذي لا ينبغي أن يدان الله إلا به. راجع أحكام القرآن لابن العربي ٣/ ١٢٩٨..
قوله تعالى :﴿ فذرهم في غمرتهم حتى حين ( ٥٤ ) ﴾ :
في هذه الآية مهادنة ١ وهي منسوخة بآية القتال ٢.
١ "مهادنة" كلمة ساقطة في (ب)، (ج)، (ح)، (هـ)..
٢ "قوله تعالى: ﴿فذرهم في غمرتهم حتى حين (٥٤) في هذه الآية مهادنة وهي منسوخة بآية القتال﴾ كلام ساقط في (ب)، (هـ).".
قوله تعالى :﴿ ولا نكلف نفسا إلا وسعها ﴾ :
قد تقدم الكلام على هذه الآية في سورة البقرة فلا معنى في إعادتها.
قوله تعالى :﴿ قل لمن الأرض ومن فيها إن كنتم تعلمون ( ٨٤ ) ﴾ :
قال مكي فيها دلالة على جواز محاجة ١ الكفار والمبطلين وإقامة الحجة عليهم وإظهار الباطل من قولهم ومذهبهم ووجوب الحجج على من خالف دين الله تعالى.
١ في (ب): "مخالفة"..
قوله تعالى :﴿ ادفع بالتي هي أحسن ﴾ في هذه الآية مهادنة للكفار وهي منسوخة بآية السيف٢.
نسأل الله تعالى العافية والسلامة ٣.
سورة المؤمنون
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورةُ (المؤمنون) من السُّوَر المكية التي اهتمت بذِكْرِ دلائل وَحْدانية الله تعالى، كما اهتمت بذِكْرِ صفاتِ المؤمنين المفلحين؛ كما في فاتحة السورة الكريمة، وقد صح عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم: أنَّ مَن أقامَ أوَّلَ عَشْرِ آياتٍ من سورة (المؤمنون) دخَلَ الجنَّةَ، وبالأخذِ بهذه الصفات التي ذكَرها الله للمؤمنين، تصلُحُ للعبد دنياه وآخرتُه، ويحقِّقُ معنى التوحيد التام.

ترتيبها المصحفي
23
نوعها
مكية
ألفاظها
1052
ترتيب نزولها
74
العد المدني الأول
119
العد المدني الأخير
119
العد البصري
119
العد الكوفي
118
العد الشامي
119

* قوله تعالى: {وَلَقَدْ أَخَذْناهُمْ بِالْعَذابِ فَما اسْتَكانُوا لِرَبِّهِمْ وَما يَتَضَرَّعُونَ} [المؤمنون: ٧٦]:

عن عبدِ اللهِ بن عباسٍ رضي الله عنهما، قال: «جاء أبو سُفْيانَ بنُ حَرْبٍ إلى رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فقال: يا مُحمَّدُ، أنشُدُك اللهَ والرَّحِمَ؛ فقد أكَلْنا العِلْهِزَ - يعني: الوَبَرَ والدَّمَ -؛ فأنزَلَ اللهُ: {وَلَقَدْ أَخَذْناهُمْ بِالْعَذابِ فَما اسْتَكانُوا لِرَبِّهِمْ وَما يَتَضَرَّعُونَ} [المؤمنون: ٧٦]». أخرجه ابن حبان (٩٦٧).

* سورةُ (المؤمنون):

سُمِّيت سورة (المؤمنون) بذلك؛ لأنَّ فاتحتها أفصَحتْ عن ذِكْرِ صفات المؤمنين.

 * أنَّ مَن أقام أوَّلَ عَشْرِ آياتٍ من سورة (المؤمنون) دخَل الجنَّة:

عن عُمَرَ بن الخطَّابِ رضي الله عنه، قال: «كان إذا نزَلَ على رسولِ اللهِ ﷺ الوحيُ يُسمَعُ عند وجهِه دَوِيٌّ كدَوِيِّ النَّحْلِ، فمكَثْنا ساعةً، فاستقبَلَ القِبْلةَ، ورفَعَ يدَيهِ، فقال: «اللهمَّ زِدْنا ولا تنقُصْنا، وأكرِمْنا ولا تُهِنَّا، وأعطِنا ولا تَحرِمْنا، وآثِرْنا ولا تُؤثِرْ علينا، وارضَ عنَّا وأرضِنا»، ثم قال: «لقد نزَلتْ عليَّ عَشْرُ آياتٍ، مَن أقامَهنَّ دخَلَ الجنَّةَ»، ثم قرَأَ علينا: {قَدْ أَفْلَحَ اْلْمُؤْمِنُونَ} [المؤمنون: 1] حتى ختَمَ العَشْرَ». أخرجه الترمذي (3097).

* كانت تَتجلَّى صفاتُ رسول الله ﷺ من خلالِ هذه السورة:

فعن يَزيدَ بن بابَنُوسَ، قال: «دخَلْنا على عائشةَ، فقُلْنا: يا أمَّ المؤمنين، ما كان خُلُقُ رسولِ اللهِ ﷺ؟ قالت: كان خُلُقُه القُرْآنَ، تَقرَؤون سورةَ المؤمنين؟ قالت: اقرَأْ {قَدْ أَفْلَحَ اْلْمُؤْمِنُونَ}، قال يَزيدُ: فقرَأْتُ {قَدْ أَفْلَحَ اْلْمُؤْمِنُونَ} [المؤمنون: 1] إلى: {لِفُرُوجِهِمْ حَٰفِظُونَ} [المؤمنون: 5]، قالت: هكذا كان خُلُقُ رسولِ اللهِ ﷺ». أخرجه البخاري في " الأدب المفرد" (٤٨).

* هي السورةُ التي قرأها النبيُّ صلى الله عليه وسلم يومَ الفتحِ:

عن عبدِ اللهِ بن السائبِ رضي الله عنه، قال: «حضَرْتُ رسولَ اللهِ ﷺ يومَ الفتحِ وصلَّى في الكعبةِ، فخلَعَ نَعْلَيهِ فوضَعَهما عن يسارِه، ثم افتتَحَ سورةَ (المؤمنون)، فلمَّا بلَغَ ذِكْرَ عيسى أو موسى، أخَذَتْهُ سَعْلةٌ، فركَعَ». أخرجه أبو داود (٦٤٨).

جاءت سورةُ (المؤمنون) على ذِكْرِ الموضوعات الآتية:

1. صفات المؤمنين (١-١١).

2. أدلة وَحْدانية الله (١٢-٢٢).

3. الإيمان بالرسل، ومواقف أقوامهم منهم (٢٣-٥٢).

4. تفرُّق الأُمَم بعد رسلهم (٥٣-٧٧).

5. أدلة إثبات وَحْدانية الله وقدرته (٧٨-٩٨).

6. مِن مشاهِدِ يوم القيامة (٩٩- ١١٨).

ينظر: "التفسير الموضوعي للقرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (5 /124).

ظهَر مقصودُ سورة (المؤمنون) في اسمها؛ وهو اختصاصُ المؤمنين بالفلاح، وقد دارت آيُها حول مِحوَرِ تحقيقِ الوَحْدانية، وإبطالِ الشرك ونقضِ قواعده، والتنويه بالإيمان وشرائعه؛ فكان افتتاحُها بالبشارة للمؤمنين بالفلاح العظيم على ما تحلَّوْا به من أصول الفضائل الرُّوحية والعلمية، التي بها تزكيةُ النَّفس، واستقامةُ السلوك.

ينظر: "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور" للبقاعي (2 /303)، و"التحرير والتنوير" لابن عاشور (18 /6).