تفسير سورة المؤمنون

تفسير ابن أبي زمنين

تفسير سورة سورة المؤمنون من كتاب تفسير القرآن العزيز المعروف بـتفسير ابن أبي زمنين.
لمؤلفه ابن أبي زَمَنِين . المتوفي سنة 399 هـ
وهي مكية كلها

قَوْلُهُ: ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ﴾ يَعْنِي: بِاللَّهِ [... ] عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَة: قَالَ: ذكر لَنَا أَن كَعْبًا قَالَ: " إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَخْلُقْ بِيَدِهِ إِلَّا ثَلَاثًا: خَلَقَ آدَمَ بِيَدِهِ، وَكَتَبَ التَّوْرَاةَ بِيَدِهِ، وَغَرَسَ الْجَنَّةَ بِيَدِهِ، ثُمَّ قَالَ لَهَا: تَكَلَّمِي، فَقَالَتْ: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ ".
قَوْلُهُ: ﴿الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشعون﴾.
193
يَحْيَى: عَنْ خَدَاشٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ): " كَانُوا يَلْتَفِتُونَ فِي صَلَاتِهِمْ حَتَّى نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ، فَغَضُّوا أَبْصَارَهُمْ، فَكَانَ أَحَدُهُمْ يَنْظُرُ إِلَى مَوضِع سُجُوده ".
194
﴿وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ﴾ اللَّغْو: الْبَاطِل
﴿وَالَّذين هم لِلزَّكَاةِ فاعلون﴾ يَعْنِي: يؤدون الزَّكَاة الْمَفْرُوضَة
﴿وَالَّذين هم لفروجهم حافظون﴾ من الزِّنَا.
﴿إِلَّا على أَزوَاجهم﴾ يَتَزَوَّجُ أَرْبَعًا إِنْ شَاءَ وَلَا يَحِلُّ لَهُ مَا فَوْقَ ذَلِكَ ﴿أَو مَا ملكت أَيْمَانهم﴾ يَطَأُ بِمِلْكِ يَمِينِهِ كَمَ شَاءَ ﴿فَإِنَّهُم غير ملومين﴾ أَيْ: لَا لَوْمَ عَلَيْهِمْ فِيمَا أحل لَهُم
﴿فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هم العادون﴾ يَعْنِي: الزُّنَاةَ؛ يَتَعَدَّوْنَ الْحَلالَ إِلَى الْحَرَام
﴿وَالَّذِينَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ﴾ يَقُولُ: يُؤَدُّونَ الْأَمَانَةَ وَيُوفُونَ بِالْعَهْدِ
﴿وَالَّذين هم على صلواتهم﴾ [يَعْنِي: الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ] ﴿يُحَافِظُونَ﴾ عَلَى وضوئها ومواقيتها وركوعها وسجودها
﴿أُولَئِكَ هم الوارثون﴾ لَيْسَ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا وَقَدْ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُ مَنْزِلًا وَأَهْلًا فِي الْجَنَّةِ؛ فَإِنْ أَطَاعَ اللَّهُ صَارَ إِلَى مَا أَعَدَّ اللَّهُ لَهُ، وَإِنْ عَصَى اللَّهَ صَرَفَ اللَّهُ ذَلِكَ الْمَنْزِلَ عَنْهُ؛ فَأَعْطَاهُ الْمُؤْمِنَ مَعَ مَا أَعَدَّ اللَّهُ لِلْمُؤْمِنِينَ، فَوَرَّثَ الْمُؤْمِنِينَ تِلْكَ الْمَنَازِلَ والأزواج
﴿الَّذين يَرِثُونَ الفردوس﴾.
يَحْيَى: عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ صَالِحٍ مَوْلَى التَّوْءَمَةِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: الْفِرْدَوْسُ جَبَلٌ فِي الْجَنَّةِ تَتَفَجَّرُ مِنْهُ أَنْهَارُ الْجنَّة.
سُورَة الْمُؤْمِنُونَ من (آيَة ١٢ ١٧).
﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ مِنْ سُلالَةٍ من طين﴾ خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ مِنْ طِينٍ (ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ بَعْدُ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ؛ يَعْنِي: النُّطْفَة)
﴿ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مكين﴾ يَعْنِي: الرَّحِم
﴿ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعلقَة مُضْغَة﴾ يَكُونُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ نُطْفَهً أَرْبَعِينَ لَيْلَةً، ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً أَرْبَعِينَ لَيْلَةً، ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ﴿فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا﴾ يَعْنِي: جَمَاعَةَ الْعِظَامِ.
قَالَ مُحَمَّدٌ: (علقَة) وَاحِدَة: العلق؛ وَهُوَ الدَّم، و (المضغة): اللَّحْمَةُ الصَّغِيرَةُ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا بِقَدْرِ مَا يُمْضَغُ. ﴿ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خلقا آخر﴾ يَعْنِي: ذكرا أَو أُنْثَى؛ فِي تَفْسِيرِ الْحَسَنِ ﴿فَتَبَارَكَ اللَّهُ﴾ هُوَ مِنْ بَابِ الْبَرَكَةِ ﴿أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ﴾ إِنَّ الْعِبَادَ قَدْ يَخْلِقُونَ، وَيُشَبِّهُونَ بِخَلْقِ اللَّهِ، وَلَا يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يَنْفُخُوا فِيهِ الرُّوحَ.
يَحْيَى: عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ صُبَيْحٍ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الْمُصَوِّرُونَ يُعَذَّبُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَيُقَالُ لَهُمْ: أَحْيُوا مَا خَلَقْتُمْ " مِنْ حَدِيثِ يَحْيَى بْنِ مُحَمَّدٍ.
يَحْيَى: عَنْ أَبِي أُمَيَّةَ بْنِ يَعْلَى الثَّقَفِيِّ، عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: " قَالَ اللَّهُ: مَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ يَخْلُقُ كَخَلْقِي، فَلْيَخْلُقُوا
196
ذُبَابًا أَوْ ذَرَّةً أَوْ بَعُوضَةً ".
197
﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرَائِقَ﴾ تَفْسِيرُ مُجَاهِدٍ: يَعْنِي: سَبْعَ سَمَوَاتٍ بَعْضَهَا فَوْقَ بَعْضُ.
قَالَ مُحَمَّدٌ: (طرائق) جَمْعُ: طَرِيقَةٍ؛ يُقَالُ: طَارَقْتُ الشَّيْءَ؛ إِذا جَعَلْتُ بَعْضَهُ فَوْقَ بَعْضٍ، وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ. رِيشٌ طَرَّاقٌ. ﴿وَمَا كُنَّا عَن الْخلق غافلين﴾ يَعْنِي: أَنْ نُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ مَا يُحْيِيهِمْ، وَمَا يُصْلِحُهُمْ مَنْ هَذَا الْمَطَر؛ فِي تَفْسِير الْحسن.
سُورَة الْمُؤْمِنُونَ من (آيَة ١٨ آيَة ٢٢).
﴿وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ﴾ تَفْسِيرُ الْكَلْبِيِّ: يَعْنِي: الْأَنْهَارَ وَالْعُيُونَ والآبار.
﴿فأنشأنا لكم بِهِ﴾ أَيْ: أَنْبَتْنَا ﴿جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ﴾ الْآيَة
﴿وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْنَاءَ﴾ و [هِيَ الزيتونة]، وَالطور [الْجَبَل] و ﴿شَجَرَة﴾ مَعْطُوف (ل ٢٢٦) عَلَى قَوْلِهِ: ﴿فَأَنْشَأْنَا لَكُمْ بِهِ جنَّات﴾.
197
قَوْله: ﴿تنْبت بالدهن﴾ قَالَ مُجَاهِدٌ: يَعْنِي: تُثْمِرُ بِهِ.
قَالَ مُحَمَّدٌ: يُقَالُ: نَبَتَ الشَّجَرُ وَأَنْبَتَ فِي مَعْنًى وَاحِدٍ. ﴿وَصِبْغٍ للآكلين﴾ أَي: يأتدمون بِهِ
198
﴿وَإِنَّ لَكُمْ فِي الأَنْعَامِ لَعِبْرَةً﴾ (لحجة) ﴿نسقيكم مِمَّا فِي بطونه﴾ يَعْنِي: اللَّبَنَ ﴿وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ كَثِيرَة﴾ يَعْنِي: مَا يُنْتَفَعُ بِهِ مِنْ ظُهُورهَا وَغير ذَلِك.
سُورَة الْمُؤْمِنُونَ من (آيَة ٢٣ آيَة ٢٧).
﴿مَا هَذَا إِلا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُرِيد أَن يتفضل عَلَيْكُم﴾ أَيْ: بِالرِّسَالَةِ. ﴿مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الْأَوَّلين﴾ أَن رجلا ادّعى النُّبُوَّة
﴿إِنْ هُوَ إِلا رَجُلٌ بِهِ جنَّة﴾ أَيْ: جُنُونٌ ﴿فَتَرَبَّصُوا بِهِ حَتَّى حِين﴾ أَيْ: حَتَّى يَمُوتَ؛ فِي تَفْسِيرِ بَعضهم.
﴿فَإِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ فَاسْلُكْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ﴾ قد مضى
198
تَفْسِير فِي سُورَة هود. ﴿وَأهْلك﴾ أَيْ: وَاحْمِلْ فِيهَا أَهْلَكَ ﴿إِلا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ﴾ يَعْنِي: الْغَضَب ﴿وَلَا تخاطبني﴾ أَيْ: لَا تُرَاجِعْنِي ﴿فِي الَّذِينَ ظلمُوا﴾ أشركوا.
سُورَة الْمُؤْمِنُونَ من (آيَة ٢٨ آيَة ٣٠).
199
﴿وَقُلْ رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلا مُبَارَكًا﴾ قَالَ هَذَا لِنُوحٍ حِينَ نَزَلَ مِنَ السَّفِينَةِ.
قَالَ مُحَمَّدٌ: تُقْرَأُ ﴿منزلا﴾ وَ ﴿مَنْزَلا﴾؛ فَالْمَنْزِلُ: اسْمٌ لِمَا نَزَلْتَ فِيهِ، وَالْمُنْزَلُ: الْمَصْدَرُ؛ بِمَعْنَى الْإِنْزَال.
﴿إِن فِي ذَلِك﴾ فِي أَمْرِ قَوْمِ نَوحٍ وَغَرَقِهِمْ ﴿لآيَات﴾ لِمَنْ بَعْدَهُمْ. ﴿وَإِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ﴾ يَعْنِي: مَا أَرْسِلَ بِهِ الرُّسُلَ مِنْ عِبَادَتِهِ، وَمَعْنَى الِابْتِلَاءِ: الِاخْتِبَارُ.
سُورَة الْمُؤْمِنُونَ من (آيَة ٣١ آيَة ٤١).
﴿وأترفناهم فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا﴾ يَقُولُ: وَسَّعْنَا عَلَيْهِمْ فِي الرِّزْقِ
﴿هَيْهَات هَيْهَات لما توعدون﴾ تَبَاعَدَ الْبَعْثُ فِي أَنْفُسِ الْقَوْمِ.
قَالَ مُحَمَّد: من كَلَام الْعَرَب: هَيْهَاتَ لِمَا قُلْتَ؛ يَعْنُونَ: بُعْدًا لِقَوْلِكَ، وَيُقَالُ: أَيْهَاتَ؛ بِمَعْنَى: هَيْهَاتَ.
﴿عَمَّا قَلِيل ليصبحن نادمين﴾ يَعْنِي: عَنْ قَلِيلٍ وَالْمِيمُ صِلَةٌ، فِي تَفْسِيرِ السُّدِّيِّ.
قَالَ مُحَمَّدٌ: هِيَ صِلَةٌ زَائِدَةٌ؛ بِمَعْنَى التَّوْكِيدِ.
﴿فَأَخَذتهم الصَّيْحَة﴾ يَعْنِي: الْعَذَابَ؛ فِي تَفْسِيرِ الْحَسَنِ ﴿فجعلناهم غثاء﴾ يَعْنِي: مِثْلَ النَّبَاتِ إِذَا تَهَشَّمَ بَعْدَ إِذْ كَانَ أَخْضَرَ.
قَالَ مُحَمَّدٌ: الْغُثَاءُ فِي اللُّغَةِ: هُوَ مَا عَلَا السَّيْلَ مِنْ وَرَقِ الشَّجَرِ.
الْمَعْنَى: جَعَلْنَاهُمْ هَلْكَى كَالْغُثَاءِ؛ لِأَن الغثاء يتفرق وَيذْهب.
200
سُورَة الْمُؤْمِنُونَ من (آيَة ٤٢ آيَة ٥٠).
201
﴿مَا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا﴾ يَعْنِي: الْوَقْتُ الَّذِي يُهْلِكُهَا فِيهِ ﴿وَمَا يَسْتَأْخِرُونَ﴾ عَنِ الْوَقْتِ سَاعَةً، وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ سَاعَة قبل الْوَقْت
﴿ثمَّ أرسلنَا رسلنَا تترى﴾ قَالَ قَتَادَةُ: يَعْنِي: تِبَاعًا؛ بَعْضُهُمْ عَلَى إِثْرِ بَعْضٍ.
قَالَ مُحَمَّدٌ: وَهُوَ مِنَ التَّوَاتُرِ، وَقِيلَ: الْأَصْلُ فِي تَتْرَى: وَتْرَى؛ فَقُلِبَتِ الْوَاوُ تَاءً؛ كَمَا قَلَبُوهَا فِي التُّخْمَةِ وَالتُّكْلَانِ. ﴿كُلَّ مَا جَاءَ أُمَّةً رَسُولُهَا كَذَّبُوهُ فَأَتْبَعْنَا بَعْضَهُمْ بَعْضًا﴾ يَعْنِي: الْعَذَابَ الَّذِي أَهْلَكْنَاهُمْ بِهِ أُمَّةً بَعْدَ أُمَّةٍ ﴿وَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ﴾ لمن بعدهمْ.
﴿وَكَانُوا قوما عالين﴾ أَيْ: مُسْتَكْبِرِينَ فِي الْأَرْضِ عَلَى النَّاس
﴿فَقَالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا وَقَوْمُهُمَا لنا عَابِدُونَ﴾ وَكَانُوا قَدِ اسْتَعْبَدُوا بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَوَضَعُوا عَلَيْهِمُ الْجِزْيَةَ، وَلَيْسَ يَعْنِي: أَنهم يعبدوننا.
﴿وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً﴾ عِبْرَةً خُلِقَ لَا وَالِدَ لَهُ ﴿وآويناهما إِلَى ربوة﴾ قَالَ قَتَادَةُ: الرَّبْوَةُ هَا هُنَا: بَيْتُ الْمَقْدِسِ. قَالَ يَحْيَى: ذَكَرَ لَنَا أَنَّ كَعْبًا كَانَ يَقُولُ: هِيَ أَدْنَى الْأَرْضِ إِلَى السَّمَاءِ بِثَمَانِيَةَ عَشْرَ مِيلًا.
قَالَ مُحَمَّدٌ: كُلُّ مَا ارْتَفَعَ وَزَادَ فَقَدْ رَبًّا. ﴿ذَات قَرَار﴾ قَالَ ابْنُ الْمُسَيِّبِ: ذَاتَ جِنَانٍ ﴿ومعين﴾ قَالَ عِكْرِمَةَ: الْمَعِينُ: الظَّاهِرُ.
قَالَ مُحَمَّدٌ: هُوَ عَلَى هَذَا التَّفْسِيرِ مَفْعُولٌ مِنَ الْعَيْنِ، وَالْأَصْلُ فِيهِ: معيون.
سُورَة الْمُؤْمِنُونَ من (آيَة ٥١ آيَة ٥٦).
قَوْله: ﴿يَا أَيهَا الرُّسُل كلوا من الطَّيِّبَات﴾ [يَعْنِي: الْحَلَالَ مِنَ الرِّزْقِ] ﴿وَاعْمَلُوا صَالحا﴾ الْآيَةُ.
قَالَ مُحَمَّدٌ: خَاطَبَ [بَهَذَا النَّبِيَّ، عَلَى مَذْهَبِ الْعَرَبِ فِي مُخَاطَبَةِ الْوَاحِدِ
202
خطاب الْجَمِيع، وتضمن (ل ٢٢٧) الْخَطَّابُ إِلَى الرُّسُلِ جَمِيعًا؛ كَذَا أمروا.
203
﴿وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً﴾ أَيْ: مِلَّةً وَاحِدَةً؛ يَعْنِي: الْإِسْلَامَ.
قَالَ مُحَمَّدٌ: مَنْ قَرَأَ: ﴿وَأَنَّ هَذِهِ﴾ بِفَتْحِ الْأَلِفِ فَالْمَعْنَى: لِأَنَّ هَذِه أمتكُم.
﴿فتقطعوا أَمرهم بَينهم﴾ يَعْنِي: دِينَهُمُ الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ بِهِ ﴿زبرا﴾ وَهِيَ تُقْرَأُ عَلَى وَجْهَيْنِ ﴿زُبُرًا﴾ بِفَتْحِ الْبَاءِ وَرَفْعِهَا؛ فَمَنْ قَرَأَهَا بِالْفَتْحِ فَالْمَعْنَى: قِطَعًا، وَمَنْ قَرَأَهَا بِالرَّفْعِ فَالْمَعْنَى: كُتُبًا، يَقُولُ: فَرَّقُوا كِتَابِ اللَّهِ فَحَرَّفُوهُ وَبَدَّلُوهُ، وَكَتَبُوهُ عَلَى مَا حَرَّفُوا ﴿كُلُّ حِزْبٍ﴾ أَيْ: قَوْمٍ مِنْهُمْ ﴿بِمَا لَدَيْهِمْ﴾ بِمَا عِنْدَهُمْ مِمَّا اخْتَلَفُوا فِيهِ ﴿فَرِحُونَ﴾ أَي: راضون
﴿فذرهم فِي غمرتهم﴾ أَي: غفلتهم ﴿حَتَّى حِين﴾ يَعْنِي: إِلَى آجَالِهِمْ. وَهِيَ مَنْسُوخَةٌ بِالْقِتَالِ.
﴿أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَال﴾ أَيْ: نُعْطِيهِمْ مِنْ مَالٍ ﴿وَبَنِينَ نسارع لَهُم فِي الْخيرَات﴾ أَيْ: لَيْسَ لِذَلِكَ نَمُدُّهُمْ بِالْمَالِ والبنين
﴿بل لَا يَشْعُرُونَ﴾ أَنَّا لَا نُعْطِيهُمْ ذَلِكَ مُسَارَعَةً لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ، وَأَنَّهُمْ يَصِيرُونَ إِلَى النَّار؛ يَعْنِي: الْمُشْركين.
سُورَة الْمُؤْمِنُونَ من (آيَة ٥٧ آيَة ٦٧).
﴿وَالَّذين يُؤْتونَ مَا آتوا﴾ ممدودة ﴿وَقُلُوبهمْ وَجلة﴾ أَيْ: خَائِفَةٌ ﴿أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُون﴾ تَفْسِيرُ الْحَسَنِ قَالَ: كَانُوا يَعْمَلُونَ مَا عَمِلُوا مِنْ أَعْمَالِ الْبِرِّ، وَيَخَافُونَ أَلَا يُنْجِيَهُمْ ذَلِكَ مِنْ عَذَابِ رَبِّهِمْ.
قَالَ مُحَمَّدٌ: وَمَعْنَى أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ: أَنَّهُمْ يُوقِنُونَ بِأَنَّهُمْ يَرْجِعُونَ إِلَى رَبِّهِمْ.
﴿ والذين يؤتون ما آتوا ﴾ ممدودة ﴿ وقلوبهم وجلة ﴾ أي : خائفة ﴿ أنهم إلى ربهم راجعون( ٦٠ ) ﴾ تفسير الحسن قال : كانوا يعملون ما عملوا من أعمال البر، ويخافون ألا ينجيهم ذلك من عذاب ربهم.
قال محمد : ومعنى أنهم إلى ربهم راجعون : أنهم يوقنون بأنهم يرجعون إلى ربهم.
﴿أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخيرَات﴾ قَالَ الْحَسَنُ: يَعْنِي: فِيمَا افْتَرَضَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ﴿وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ﴾ أَي: وهم بالخيرات سَابِقُونَ.
﴿وَلا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا﴾ إِلَّا طاقتها ﴿ولدينا﴾ عندنَا ﴿كتاب ينْطق بِالْحَقِّ﴾ يُرِيد: الْكتاب الأول.
﴿بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِنْ هَذَا﴾ قَالَ قَتَادَةُ: يَعْنِي: فِي غَفْلَةٍ مِمَّا ذَكَرَ مِنْ أَعْمَالِ الْمُؤْمِنِينَ فِي الْآيَةِ الْأُولَى ﴿وَلَهُمْ أَعْمَالٌ من دون ذَلِك﴾ يَقُولُ: لَهُمْ
204
أَعْمَالٌ لَمْ يَعْمَلُوهَا سَيَعْمَلُونَهَا.
قَالَ مُحَمَّدٌ: الْمَعْنَى عَلَى هَذَا التَّفْسِيرِ: أَنَّ اللَّهَ أَعْلَمُ أَنَّهُمْ سَيَعْمَلُونَ أَعْمَالًا تُبْعِدُ مِنَ اللَّهِ غَيْرَ الْأَعْمَال الَّتِي ذكرُوا بهَا.
205
﴿حَتَّى إِذَا أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِمْ بِالْعَذَابِ﴾ يَعْنِي: أَبَا جَهْلٍ وَأَصْحَابَهُ الَّذِينَ قُتِلُوا يَوْمَ بَدْرٍ ﴿إِذَا هُمْ يجأرون﴾ قَالَ الْحَسَنُ: يَصْرُخُونَ إِلَى اللَّهِ بِالتَّوْبَةِ فَلَا تقبل مِنْهُم.
﴿فكنتم على أعقابكم تنكصون﴾ أَيْ: تَسْتَأْخِرُونَ عَنِ الْإِيمَانِ بِاللَّهِ
﴿مستكبرين بِهِ﴾ أَي: بِالْحرم ﴿سامرا تهجرون﴾ أَي: تتكلمون بِهَجْرِ الْقَوْلِ وَمُنْكَرِهِ.
قَالَ قَتَادَةُ: يَعْنِي بِهَذَا: أَهْلَ مَكَّةَ؛ كَانَ سَامِرَهُمْ لَا يَخَافُ شَيْئًا؛ كَانُوا يَقُولُونَ: نَحْنُ أَهْلُ الْحَرَمِ؛ فَلَا نُقْرَبُ لِمَا أَعْطَاهُمُ اللَّهُ مِنَ الْأَمْنِ، وَهُمْ مَعَ ذَلِكَ يَتَكَلَّمُونَ بِالشِّرْكِ وَالْبُهْتَانِ.
وَالْقِرَاءَةُ عَلَى تَفْسِيرِ قَتَادَةَ: بِضَمِّ التَّاءِ وَكَسْرِ الْجِيمِ. وَكَانَ الْحسن يقْرؤهَا: (تهجرون) بِنَصْبِ التَّاءِ وَرَفْعِ الْجِيمِ؛ وَتَأْوِيلَهَا: الصَّدُّ وَالْهُجْرَانُ. يَقُولُ: قَدْ بَلَغَ مِنْ أَمَانِكُمْ أَنَّ سَامِرَكُمْ [يَسْمُرُ] بِالْبَطْحَاءِ؛ يَعْنِي: سَمَرَ اللَّيْلِ، وَالْعَرَبُ يَقْتُلُ بَعْضُهَا بَعْضًا، وَيَسْبِي بَعْضُهَا بَعْضًا، وَأَنْتُمْ فِي ذَلِكَ تَهْجُرُونَ كِتَابِي وَرَسُولِي.
قَالَ مُحَمَّدٌ: يُقَالُ: هَذَا سَامِرُ الْحَيِّ؛ يُرَادُ الْمُتَحَدِّثُونَ مِنْهُم لَيْلًا.
205
سُورَة الْمُؤْمِنُونَ من (آيَة ٦٨ آيَة ٧٤).
206
﴿أفلم يدبروا القَوْل﴾ يَعْنِي: الْقُرْآنَ ﴿أَمْ جَاءَهُمْ مَا لم يَأْتِ آبَاءَهُم الْأَوَّلين﴾ أَيْ: لَمْ يَأْتِهِمْ إِلَّا مَا أَتَى آبَاءَهُم الْأَوَّلين.
﴿أم لم يعرفوا رسولهم﴾ يَعْنِي: مُحَمَّدًا ﴿فَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ﴾ بل يعْرفُونَ وَجهه وَنسبه
﴿وَأَكْثَرهم للحق كَارِهُون﴾ يَعْنِي: جَمَاعَةً مَنْ لَمْ يُؤْمِنُ مِنْهُم
﴿وَلَو اتبع الْحق أهواءهم﴾ يَعْنِي: أهواء الْمُشْركين ﴿لفسدت السَّمَاوَات وَالْأَرْض﴾ تَفْسِير الْحسن يَقُول: لَو كَانَ الْحَقُّ فِي أَهْوَائِهِمْ لَوَقَعَتْ أَهْوَاؤُهُمْ عَلَى إِهْلَاكِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴿بَلْ أتيناهم بذكرهم﴾ أَيْ: بِشَرَفِهِمْ؛ هُوَ شَرَفٌ لِمَنْ آمَنَ بِهِ ﴿فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ﴾ [عَنْ شَرَفِهِمْ] ﴿مُعْرِضُونَ﴾.
﴿أم تَسْأَلهُمْ خرجا﴾ [أَيْ: أَجْرًا عَلَى مَا جِئْتَهُمْ بِهِ، لِأَنَّكَ لَا تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا ﴿فخراج رَبك﴾ (ل ٢٢٨) يَعْنِي: ثَوَابُهُمْ فِي الْآخِرَةِ خَيْرٌ من أجرهم أَو أَعْطُوْكَ فِي الدُّنْيَا أَجْرًا ﴿وَهُوَ خير الرازقين﴾ وَقَدْ يَجْعَلُ اللَّهُ رِزْقَ الْعِبَادِ بَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ يَرْزُقُ هَذَا عَلَى يَدَيْ هَذَا يَرْزُقُ اللَّهُ إيَّاهُم ﴿وَهُوَ خير الرازقين﴾ يَعْنِي: أفضلهم.
﴿وأَنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ عَن الصِّرَاط لناكبون﴾ أَي: تاركون لَهُ.
206
سُورَة الْمُؤْمِنُونَ من (آيَة ٧٥ آيَة ٧٧).
207
﴿وَلَوْ رَحِمْنَاهُمْ وَكَشَفْنَا مَا بِهِمْ من ضرّ﴾ نَزَلَتْ فِي أَهْلِ مَكَّةَ؛ وَذَلِكَ حِينَ أُخِذُوا بِالْجُوعِ سَبْعَ سِنِينَ؛ حَتَّى أَكَلُوا الْمَيْتَةَ وَالْعِظَامَ وَأُجْهِدُوا؛ حَتَّى جَعَلَ أَحَدُهُمْ يَرَى مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ السَّمَاءِ دُخَانًا، وَهُوَ قَوْلُهُ: ﴿فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَان مُبين﴾ نزلت هَذِه الْآيَة قبل أَن يُؤْخَذُوا بِالْجُوعِ، ثُمَّ أُخِذُوا بِهِ، فَقَالَ اللَّهُ (وَهُمْ فِي ذَلِكَ الْجُوعِ: ﴿وَلَوْ رَحِمْنَاهُمْ وَكَشَفْنَا مَا بِهِمْ مِنْ ضُرٍّ لَلَجُّوا فِي طغيانهم يعمهون﴾ يَتَرَدَّدُونَ
﴿وَلَقَد أَخَذْنَاهُم بِالْعَذَابِ﴾ يَعْنِي: ذَلِكَ الْجُوعِ فِي السَّبْعِ السِّنِينَ) ﴿فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ﴾ يَقُولُ: لَمْ يُؤْمِنُوا، وَقَدْ سَأَلُوا أَنْ يَرْفَعَ ذَلِكَ عَنْهُمْ فَيُؤْمِنُوا، فَقَالُوا: ﴿رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ﴾ وَهُوَ ذَلِكَ الْجُوعُ ﴿إِنَّا مُؤْمِنُونَ﴾ فكشف عَنْهُم، فَلم يُؤمنُوا
﴿حَتَّى إِذَا فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا ذَا عَذَاب شَدِيد﴾ يَعْنِي: يَوْمَ بَدْرٍ قُتِلُوا بِالسَّيْفِ ﴿إِذا هم فِيهِ مبلسون﴾ يئسوا من كل خير.
سُورَة الْمُؤْمِنُونَ من (آيَة ٧٨ آيَة ٨٩).
﴿وَهُوَ الَّذِي أنشأ لكم﴾ أَيْ: خَلَقَ. ﴿قَلِيلا مَا تَشْكُرُونَ﴾ أَقَلُّكُمْ مَنْ يَشْكُرْ؛ أَيْ: يُؤْمِنُ.
﴿أَفلا تعقلون﴾ يَقُولُهُ لِلْمُشْرِكِينَ، يُذَكِّرْهُمْ نِعْمَتَهُ عَلَيْهِمْ يَقُولُ: فَالَّذِي أَنْشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ والأبصار والأفئدة، وَيحيى ويمت، وَلَهُ اخْتِلَافُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ قَادِرٌ على أَن يحيي الْمَوْتَى
﴿بَلْ قَالُوا مِثْلَ مَا قَالَ الْأَولونَ﴾ ثُمَّ أَخْبَرَ بِذَلِكَ الْقَوْلِ؛ فَقَالَ ﴿قَالُوا أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا﴾ إِلَى قَوْله: ﴿أساطير الْأَوَّلين﴾ أَي: كذب الْأَوَّلين وباطلهم؛
ثم أخبر بذلك القول، فقال :﴿ قالوا أئذا متنا وكنا ترابا. . . ﴾ إلى قوله :﴿ أساطير الأولين( ٨٢ ) ﴾ أي : كذب الأولين وباطلهم.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٨٢:ثم أخبر بذلك القول، فقال :﴿ قالوا أئذا متنا وكنا ترابا... ﴾ إلى قوله :﴿ أساطير الأولين( ٨٢ ) ﴾ أي : كذب الأولين وباطلهم.
فَأَمَرَ اللَّهُ نَبِيَّهُ أَنْ يَقُولُ لَهُمْ: ﴿قُلْ لِمَنِ الأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾
وَقَالَ: ﴿سيقولون لله﴾ أَي: فَإِذا قَالُوا ذَلِك ﴿قل أَفلا تذكرُونَ﴾ فَتُؤْمِنُوا، وَأَنْتُمْ تُقِرُّوَنْ أَنَّ الْأَرْضَ وَمن فِيهَا لله
﴿قل من رب السَّمَاوَات السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ سَيَقُولُونَ لله﴾ فَإِذَا قَالُوا ذَلِكَ فَ ﴿قُلْ أَفلا تَتَّقُون﴾ وَأَنْتُمْ تُقِرُّونَ أَنَّ اللَّهَ خَالِقُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ وَرَبُّهَا، وَقَدْ كَانَ مُشْرِكُو الْعَرَبِ يُقِرُّونَ بَهَذَا.
قَالَ مُحَمَّدٌ: قِرَاءَةُ يَحْيَى (سَيَقُولُونَ اللَّهُ) وَهِيَ قِرَاءَةُ أَهْلِ الْبَصْرَةِ فِيمَا ذَكَرَ أَبُو عُبَيْدٍ. قَالَ: وَعَامَّةُ الْقُرَّاء يقرءونها: (سيقولون لله).
208
قَالَ: وَكَانَ الْكِسَائِيُّ يُحْكَى عَنِ الْعَرَبِ أَنَّهُ يُقَالُ لِلرَّجُلِ: مَنْ رَبُّ هَذِهِ الدَّارِ؟ فَيَقُولُ: لِفُلَانٍ؛ بِمَعْنَى: هِيَ لفُلَان.
209
﴿ سيقولون لله ﴾ فإذا قالوا ذلك ف ﴿ قل أفلا تتقون( ٨٧ ) ﴾ وأنتم تقرون أن الله خالق هذه الأشياء وربها، وقد كان مشركو العرب يقرون بهذا.
قال محمد : قراءة يحيى ( سيقولون الله ) وهي قراءة أهل البصرة فيما ذكر أبو عبيد. قال : وعامة القراء يقرءونها :( سيقولون لله ).
قال : وكان الكسائي يحكي عن العرب أنه كان يقال للرجل : من رب هذه الدار ؟ فيقول : لفلان، بمعنى : هي لفلان.
﴿قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْء﴾ أَيْ: مُلْكُ كُلِّ شَيْءٍ ﴿وَهُوَ يجير﴾ مَنْ يَشَاءُ، فَيَمْنَعُهُ فَلَا يُوصَلُ إِلَيْهِ ﴿وَلَا يجار عَلَيْهِ﴾ أَيْ: مَنْ أَرَادَ أَنْ يُعَذِّبَهُ لم يسْتَطع أحد مَنعه
﴿سيقولون لله﴾.
قَالَ مُحَمَّدٌ: وَاخْتَلَفَ الْقُرَّاءُ أَيْضًا فِي قَوْله: ﴿سيقولون لله﴾ وَهِيَ فِي التَّأْوِيلِ مِثْلُ الَّتِي قبلهَا. ﴿فَأنى تسحرون﴾ أَيْ: فَكَيْفَ تَسْحِرُونَ عُقُولَكُمْ؟ فَشَبَّهَهُمْ بِقَوْمٍ مَسْحُورِينَ.
قَالَ مُحَمَّدٌ: وَقِيلَ: الْمَعْنَى: كَيْفَ تُخْدَعُونَ وَتُصْرَفُونَ عَنْ هَذَا؟!
سُورَة الْمُؤْمِنُونَ من (آيَة ٩٠ ٩٨).
﴿بل أتيناهم بِالْحَقِّ﴾ يَعْنِي: الْقُرْآن ﴿وَإِنَّهُم لَكَاذِبُونَ﴾ وَهِيَ تُقْرَأُ: (بَلْ
209
أتيتهم) يَقُوله للنَّبِي
210
﴿مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خلق﴾ يَقُولُ: لَوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ ﴿وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ﴾ يَقُولُ: لَطَلَبَ بَعْضُهُمْ مُلْكَ بَعْضٍ حَتَّى يَعْلُوَ عَلَيْهِ؛ كَمَا يَفْعَلُ مُلُوك الدُّنْيَا.
210
﴿عَالم الْغَيْب وَالشَّهَادَة﴾ قَالَ الْحسن: الْغَيْب هَاهُنَا: مَا لَمْ [يَحِنْ مِنْ غَيْبِ الْآخِرَةِ، وَالشَّهَادَةِ: مَا أَعْلَمَ بِهِ الْعِبَادَ. قُلْ يَا مُحَمَّدُ: ﴿فَتَعَالَى عَمَّا يشركُونَ﴾] (ل ٢٢٩)
210
﴿ عالم الغيب والشهادة ﴾١ قال الحسن : الغيب هاهنا : ما لم يجن من غيب الآخرة، والشهادة : ما أعلم به العباد. قل يا محمد :﴿ فتعالى عما يشركون( ٩٢ ) ﴾.
١ قال ابن خالويه: (عالم الغيب) يقرأ بالرفع والخفض فالرفع بالابتداء، والخفض بالرد على قوله: (سبحان الله) عالم الغيب (الحجة ص١٥٨)..
﴿مَا يوعدون﴾ من الْعَذَاب
﴿رَبِّ فَلا تَجْعَلْنِي فِي الْقَوْمِ الظَّالِمين﴾ تَفْسِيرُهُ: أَيْ: [لَا تُهْلِكْنِي] مَعَهُمْ إِن أريتني مَا يوعدون
﴿ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ﴾ تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ: يَقُولُ: ادْفَعْ بِالْعَفْوِ وَالصَّفْحِ الْقَوْلَ الْقَبِيحَ؛ وَذَلِكَ قَبْلَ أَن يُؤمر بقتالهم.
﴿وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ همزات الشَّيَاطِين﴾ وَهُوَ الْجُنُون
﴿وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ﴾ فَأُطِيعُ الشَّيْطَانَ فَأَهْلِكُ؛ أَمَرَهُ اللَّهُ أَنْ يَدْعُوَ بَهَذَا.
قَالَ مُحَمَّدٌ: وَقيل: (همزات الشَّيَاطِين): نَخْسُهَا وَطَعْنُهَا بِالْوَسْوَسَةِ؛ حَتَّى تُشْغَلَ عَنْ أَمْرِ اللَّهِ. وَالْقِرَاءَةُ (رَبِّ) بِكَسْرِ الْبَاءِ [وَحَذْفِ الْيَاءِ]؛ حُذِفَتِ
210
الْيَاءُ لِلنِّدَاءِ؛ الْمَعْنَى: أَعُوذُ بِكَ يَا رَبِّ، وَإِثْبَاتُ الْيَاءِ جَائِزٌ.
سُورَة الْمُؤْمِنُونَ من (آيَة ٩٩ آيَة ١٠٤).
211
﴿حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رب ارْجِعُونِ﴾ قَالَ الْحَسَنُ: لَيْسَ أَحَدٌ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ، لَيْسَ لِلِّهِ بِوَلِيٍّ إِلَّا وَهُوَ يَسْأَلُ الرَّجْعَةَ إِلَى الدُّنْيَا عِنْدَ الْمَوْتِ بِكَلَامٍ يَتَكَلَّمُ بِهِ وَإِنْ كَانَ أَخْرَسَ لَمْ يَتَكَلَّمْ فِي الدُّنْيَا بِحَرْفٍ قَطُّ؛ وَذَلِكَ إِذَا اسْتَبَانَ لَهُ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، سَأَلَ الرَّجْعَةَ وَلَا يسمعهُ من يَلِيهِ
﴿لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ﴾ يَعْنِي: فِيمَا ضَيَّعْتُ. قَالَ اللَّهُ: لَسْتَ بِرَاجِعٍ إِلَى الدُّنْيَا، ثُمَّ قَالَ: ﴿كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلهَا﴾ يَعْنِي: هَذِهِ الْكَلِمَةَ: ﴿رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ﴾ ﴿﴾ (وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يبعثون} قَالَ السُّدِّيُّ: الْبَرْزَخُ: مَا بَيْنَ النَّفْخَتَيْنِ.
قَالَ مُحَمَّدٌ: وَكُلُّ شَيْءٍ بَين شَيْئَيْنِ فَهُوَ برزخ.
﴿فَإِذا نفخ فِي الصُّور﴾ قَدْ مَضَى تَفْسِيرُهُ (فَلا أَنْسَابَ بَينهم يَوْمئِذٍ وَلَا
211
يتساءلون} تَفْسِيرُ الْحَسَنِ: يَقُولُ: فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَتَعَاطَفُونَ عَلَيْهَا؛ كَمَا كَانُوا يَتَعَاطَفُونَ عَلَيْهَا فِي الدُّنْيَا، وَلَا يَتَسَاءَلُونَ عَلَيْهَا أَنْ يَحْمِلَ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ؛ كَمَا كَانُوا يَتَسَاءَلُونَ فِي الدُّنْيَا بِأَنْسَابِهِمْ؛ كَقَوْلِ الرَّجُلِ: أَسأَلك بِاللَّه وبالرحم.
212
﴿تفلح وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ﴾.
يحيى: عَنْ صَاحِبٍ لَهُ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَام: " شَفَتُهُ السُّفْلَى سَاقِطَةٌ عَلَى صَدْرِهِ، وَالْعُلْيَا قَالِصَةٌ قَدْ غَطَّتْ وَجْهَهُ ".
سُورَة الْمُؤْمِنُونَ من (آيَة ١٠٥ آيَة ١١٤).
﴿قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا﴾ الَّتِي كتبت علينا
﴿رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإنَّا ظَالِمُونَ﴾ فَيَسْكُتْ عَنْهُمْ قَدْرَ عُمُرِ الدُّنْيَا مرَّتَيْنِ،
ثُمَّ يَرُدُّ عَلَيْهِمْ ﴿اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تكَلمُون﴾ أَيْ: اصْغَرُوا؛ فِي تَفْسِيرِ الْحَسَنِ. قَالَ: فَوَاللَّهِ مَا تَكَلَّمَ الْقَوْمُ بَعْدَهَا بِكَلِمَةٍ، وَمَا هُوَ إِلَّا الزَّفِيرُ وَالشَّهِيقُ.
قَالَ مُحَمَّدٌ: مَعْنَى ﴿اخْسَئُوا﴾ فِي اللُّغَةِ: تَبَاعَدُوا، وَيُقَالُ: خَسَأْتُ الْكَلْبَ أَخْسَؤُهُ؛ إِذَا زَجَرْتُهُ لِيَتَبَاعَدَ.
﴿وَأَنت خير الرَّاحِمِينَ﴾ يَعْنِي: أَفْضَلُ مَنْ رَحِمْ، وَقَدْ يَجْعَلُ اللَّهُ الرَّحْمَةَ فِي قَلْبِ مَنْ يَشَاءُ؛ وَذَلِكَ مِنْ رَحْمَةِ الله.
﴿فاتخذتموهم سخريا﴾ كَانُوا يَسْخَرُونَ بِأَصْحَابِ الْأَنْبِيَاءِ، وَيَضْحَكُونَ مِنْهُمْ.
قَالَ مُحَمَّدٌ: الْأَجْوَدُ فِي قِرَاءَةِ (اتَّخَذْتُمُوهُمْ) إْدَغْامُ الذَّالِ فِي التَّاءِ؛ لِقُرْبِ الْمَخْرَجَيْنِ فِي الذَّالِ وَالتَّاءِ، وَإِنْ شِئْتَ أَظْهَرْتَ. وَتُقْرَأُ (سُخْرِيًّا) بِالضَّمِّ
213
وَالْكَسْرِ فِي مَعْنَى الِاسْتِهْزَاءِ، وَقَدْ قَالَ بَعْضُ أَهْلِ اللُّغَةِ: مَا كَانَ مِنَ الِاسْتِهْزَاءِ فَهُوَ بِالْكَسْرِ، وَمَا كَانَ مِنْ جِهَةِ التَّسْخِيرِ فَهُوَ بِالضَّمِّ. ﴿حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي﴾ لَيْسَ يَعْنِي: أَنَّ أَصْحَابِ الْأَنْبِيَاءِ أَنْسَوْهُمْ ذَكَرَ اللَّهِ؛ فَأَمَرُوهُمْ أَلَّا يذكروه، وَلَكِن جحودهم واستهزاؤهم، وَضَحِكُهُمْ مِنْهُمْ هُوَ الَّذِي أَنْسَاهُمْ ذكر الله.
214
﴿إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا﴾ فِي الدُّنْيَا ﴿إِنَّهُم﴾ بِأَنَّهُم ﴿هم الفائزون﴾ النَّاجُونَ مِنَ النَّارِ، وَتُقْرَأُ بِالْكَسْرِ ﴿إِنَّهُمْ﴾.
قَالَ مُحَمَّدٌ: وَمَنْ كَسَرَ فَالْمَعْنَى: أَنِّي جَزَيْتُهُمْ بِمَا صَبَرُوا، ثمَّ أخبر فَقَالَ: إِنَّهُم هُوَ الفائزون.
﴿قَالَ كم لبثتم﴾ يَقُولُهُ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ ﴿فِي الأَرْض عدد سِنِين﴾ أَيْ: كَمْ عَدَدَ السِّنِينَ الَّتِي لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ [يُرِيدُ بِذَلِكَ أَن يعلمهُمْ قلَّة] (ل ٢٣٠) بَقَائِهِمْ فِي الدُّنْيَا [فَتَصَاغَرَتِ الدُّنْيَا] عِنْدهم
﴿قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْم﴾ وَذَلِكَ لِتَصَاغُرِ الدُّنْيَا عِنْدَهُمْ ﴿فَاسْأَلِ العادين﴾ قَالَ قَتَادَةُ: يَعْنِي: الْحُسَّابَ الَّذِينَ كَانُوا يَحْسِبُونَ آجَالَنَا. مِثْلَ قَوْلِهِ: ﴿إِنَّمَا نعد لَهُم عدا﴾ وَهِي آجالهم
﴿قَالَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلا قَلِيلا﴾ أَيْ: إِنَّ لُبْثَكُمْ فِي الدُّنْيَا فِي طُولِ مَا أَنْتُمْ لَابِثُونَ فِي
214
النَّارِ كَانَ قَلِيلًا ﴿لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُم تعلمُونَ﴾ يَقُولُ: لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ عُلَمَاءَ لَمْ تَدْخُلُوا النَّارَ.
قَالَ مُحَمَّدٌ: (عدد) مَنْصُوبٌ بِكَمْ، وَقَوْلُهُ: ﴿إِنْ لَبِثْتُمْ﴾ مَعْنَاهُ: مَا لبثتم.
سُورَة الْمُؤْمِنُونَ من (آيَة ١١٥ آيَة ١١٨).
215
﴿أفحسبتم أَنما خَلَقْنَاكُمْ عَبَثا﴾ أَيْ: لِغَيْرِ بَعْثٍ وَلَا حِسَابٍ ﴿وأنكم إِلَيْنَا لَا ترجعون﴾ وَهُوَ عَلَى الِاسْتِفْهَامِ؛ أَيْ: قَدْ حَسِبْتُمْ ذَلِكَ؛ وَلَمْ نَخْلُقْكُمْ عَبَثًا، إِنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ للبعث والحساب
﴿فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيم﴾ عَلَى اللَّهِ. وَبَعْضُهُمْ يَقْرَؤُهَا بِالرَّفْعِ يَقُول: الله الْكَرِيم.
﴿وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ﴾ أَيْ: لَا حُجَّةَ لَهُ بِذَلِكَ ﴿فَإِنَّمَا حسابه عِنْد ربه﴾ يَعْنِي: فَإِنَّمَا جَزَاؤُهُ عِنْدَ رَبِّهِ ﴿إِنَّه لَا يفلح الْكَافِرُونَ﴾ وَهِي تقْرَأ: (إِنَّه) بِالْكَسْرِ عَلَى مَعْنَى: فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبَّهِ أَنْ يُدْخِلَهُ النَّارَ، ثُمَّ قَالَ: ﴿إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ﴾.
215
قَالَ مُحَمَّدٌ: وَمَنْ قَرَأَهَا بِالْفَتْحِ، فَالْمَعْنى: بِأَنَّهُ.
216
﴿وَقُلْ رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنْتَ خير الرَّاحِمِينَ﴾ يَعْنِي: وَأَنْتَ أَفْضَلُ مَنْ يَرْحَمُ؛ أَمر الله النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام بَهَذَا الدُّعَاءِ.
216
تَفْسِيرُ سُورَةِ النُّورِ وَهِيَ مَدَنِيَّةٌ كلهَا

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

سُورَة النُّور من (آيَة ١ آيَة ٣).
217
سورة المؤمنون
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورةُ (المؤمنون) من السُّوَر المكية التي اهتمت بذِكْرِ دلائل وَحْدانية الله تعالى، كما اهتمت بذِكْرِ صفاتِ المؤمنين المفلحين؛ كما في فاتحة السورة الكريمة، وقد صح عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم: أنَّ مَن أقامَ أوَّلَ عَشْرِ آياتٍ من سورة (المؤمنون) دخَلَ الجنَّةَ، وبالأخذِ بهذه الصفات التي ذكَرها الله للمؤمنين، تصلُحُ للعبد دنياه وآخرتُه، ويحقِّقُ معنى التوحيد التام.

ترتيبها المصحفي
23
نوعها
مكية
ألفاظها
1052
ترتيب نزولها
74
العد المدني الأول
119
العد المدني الأخير
119
العد البصري
119
العد الكوفي
118
العد الشامي
119

* قوله تعالى: {وَلَقَدْ أَخَذْناهُمْ بِالْعَذابِ فَما اسْتَكانُوا لِرَبِّهِمْ وَما يَتَضَرَّعُونَ} [المؤمنون: ٧٦]:

عن عبدِ اللهِ بن عباسٍ رضي الله عنهما، قال: «جاء أبو سُفْيانَ بنُ حَرْبٍ إلى رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فقال: يا مُحمَّدُ، أنشُدُك اللهَ والرَّحِمَ؛ فقد أكَلْنا العِلْهِزَ - يعني: الوَبَرَ والدَّمَ -؛ فأنزَلَ اللهُ: {وَلَقَدْ أَخَذْناهُمْ بِالْعَذابِ فَما اسْتَكانُوا لِرَبِّهِمْ وَما يَتَضَرَّعُونَ} [المؤمنون: ٧٦]». أخرجه ابن حبان (٩٦٧).

* سورةُ (المؤمنون):

سُمِّيت سورة (المؤمنون) بذلك؛ لأنَّ فاتحتها أفصَحتْ عن ذِكْرِ صفات المؤمنين.

 * أنَّ مَن أقام أوَّلَ عَشْرِ آياتٍ من سورة (المؤمنون) دخَل الجنَّة:

عن عُمَرَ بن الخطَّابِ رضي الله عنه، قال: «كان إذا نزَلَ على رسولِ اللهِ ﷺ الوحيُ يُسمَعُ عند وجهِه دَوِيٌّ كدَوِيِّ النَّحْلِ، فمكَثْنا ساعةً، فاستقبَلَ القِبْلةَ، ورفَعَ يدَيهِ، فقال: «اللهمَّ زِدْنا ولا تنقُصْنا، وأكرِمْنا ولا تُهِنَّا، وأعطِنا ولا تَحرِمْنا، وآثِرْنا ولا تُؤثِرْ علينا، وارضَ عنَّا وأرضِنا»، ثم قال: «لقد نزَلتْ عليَّ عَشْرُ آياتٍ، مَن أقامَهنَّ دخَلَ الجنَّةَ»، ثم قرَأَ علينا: {قَدْ أَفْلَحَ اْلْمُؤْمِنُونَ} [المؤمنون: 1] حتى ختَمَ العَشْرَ». أخرجه الترمذي (3097).

* كانت تَتجلَّى صفاتُ رسول الله ﷺ من خلالِ هذه السورة:

فعن يَزيدَ بن بابَنُوسَ، قال: «دخَلْنا على عائشةَ، فقُلْنا: يا أمَّ المؤمنين، ما كان خُلُقُ رسولِ اللهِ ﷺ؟ قالت: كان خُلُقُه القُرْآنَ، تَقرَؤون سورةَ المؤمنين؟ قالت: اقرَأْ {قَدْ أَفْلَحَ اْلْمُؤْمِنُونَ}، قال يَزيدُ: فقرَأْتُ {قَدْ أَفْلَحَ اْلْمُؤْمِنُونَ} [المؤمنون: 1] إلى: {لِفُرُوجِهِمْ حَٰفِظُونَ} [المؤمنون: 5]، قالت: هكذا كان خُلُقُ رسولِ اللهِ ﷺ». أخرجه البخاري في " الأدب المفرد" (٤٨).

* هي السورةُ التي قرأها النبيُّ صلى الله عليه وسلم يومَ الفتحِ:

عن عبدِ اللهِ بن السائبِ رضي الله عنه، قال: «حضَرْتُ رسولَ اللهِ ﷺ يومَ الفتحِ وصلَّى في الكعبةِ، فخلَعَ نَعْلَيهِ فوضَعَهما عن يسارِه، ثم افتتَحَ سورةَ (المؤمنون)، فلمَّا بلَغَ ذِكْرَ عيسى أو موسى، أخَذَتْهُ سَعْلةٌ، فركَعَ». أخرجه أبو داود (٦٤٨).

جاءت سورةُ (المؤمنون) على ذِكْرِ الموضوعات الآتية:

1. صفات المؤمنين (١-١١).

2. أدلة وَحْدانية الله (١٢-٢٢).

3. الإيمان بالرسل، ومواقف أقوامهم منهم (٢٣-٥٢).

4. تفرُّق الأُمَم بعد رسلهم (٥٣-٧٧).

5. أدلة إثبات وَحْدانية الله وقدرته (٧٨-٩٨).

6. مِن مشاهِدِ يوم القيامة (٩٩- ١١٨).

ينظر: "التفسير الموضوعي للقرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (5 /124).

ظهَر مقصودُ سورة (المؤمنون) في اسمها؛ وهو اختصاصُ المؤمنين بالفلاح، وقد دارت آيُها حول مِحوَرِ تحقيقِ الوَحْدانية، وإبطالِ الشرك ونقضِ قواعده، والتنويه بالإيمان وشرائعه؛ فكان افتتاحُها بالبشارة للمؤمنين بالفلاح العظيم على ما تحلَّوْا به من أصول الفضائل الرُّوحية والعلمية، التي بها تزكيةُ النَّفس، واستقامةُ السلوك.

ينظر: "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور" للبقاعي (2 /303)، و"التحرير والتنوير" لابن عاشور (18 /6).