تفسير سورة المؤمنون

أسباب نزول القرآن - الواحدي

تفسير سورة سورة المؤمنون من كتاب أسباب نزول القرآن - الواحدي
لمؤلفه .

قوله تعالى: ﴿قَدْ أَفْلَحَ ٱلْمُؤْمِنُونَ...﴾ الآية. [١].
حدثنا القاضي أبو بكر أحمد بن الحسن الحيري إملاء، قال: أخبرنا حاجب بن أحمد الطُّوسي، قال: حدثنا محمد بن حماد الأبيوَرْدِيُّ، قال: حدثنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا يونس بن سليم، قال: أملى [عليَّ] يونُسُ الأيْلِي، عن ابن شهاب، عن عروة بن الزُّبَير، عن عبد الرحمن بن عبدٍ القاريِّ، قال:
سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه، يقول: كان إذا أنزل الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم يُسمع عند وجهه دَويّ كدوي النحل؛ فمكثنا ساعة فاستقبل القبلة ورفع يديه قال: اللهم زدنا ولا تنقصنا، وأكرمنا ولا تهنا، وأعطنا ولا تحرمنا، وآثرنا ولا تُؤثر علينا، [وأرضنا] وارض عنا، ثم قال: لقد أنزلت علينا عشر آيات من أقامهن دخل الجنة، ثم قرأ: ﴿قَدْ أَفْلَحَ ٱلْمُؤْمِنُونَ﴾ إلى عشر آيات، رواه الحاكم أبو عبد الله في صحيحه عن أبي بكر القطيعي، عن عبد الله بن أحمد بن حنبل، عن أبيه، عن عبد الرزاق.
قوله تعالى: ﴿ٱلَّذِينَ هُمْ فِي صَلاَتِهِمْ خَاشِعُونَ﴾ [٢].
أخبرنا عبد الرحمن بن أحمد العطار، قال: حدثنا محمد بن عبد الله بن نعيم، قال: حدثني أحمد بن يعقوب الثقفي، قال: حدثنا أبو شعيب الحرّاني، حدثني أبي، حدثنا إسماعيل بن عُليَّة، عن أيوب، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة.
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا صلى رفع بصره إلى السماء، فنزل: ﴿ٱلَّذِينَ هُمْ فِي صَلاَتِهِمْ خَاشِعُونَ﴾.
قوله تعالى: ﴿فَتَبَارَكَ ٱللَّهُ أَحْسَنُ ٱلْخَالِقِينَ﴾. [١٤].
أخبرنا أحمد بن محمد بن عبد الله الحافظ، قال: أخبرنا عبد الله بن محمد بن حيان، قال: أخبرنا محمد بن سليمان، قال: حدثنا أحمد بن عبد الله بن سُوَيد بن مَنْجُوف، قال: حدثنا أبو داود، عن حماد بن سلمة، عن علي بن زيد بن جُدْعَان، عن أنس بن مالك، قال:
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: وافَقْتُ ربي في أربع: قلت: يا رسول الله لو صلينا خلف المقام، فأنزل الله تعالى: ﴿وَٱتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى﴾ وقلت: يا رسول الله، لو اتخذت على نسائك حجاباً، فإنه يدخل عليك البرُّ والفاجر، فأنزل الله تعالى: ﴿وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَٱسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَآءِ حِجَابٍ﴾ وقلت لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم: لتَنْتَهُنَّ أوْ لَيُبَدِّلنه الله سبحانه أزواجاً خيراً منكن، فأنزل الله: ﴿عَسَىٰ رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُ أَزْوَاجاً خَيْراً مِّنكُنَّ﴾ الآية. ونزلت: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنْسَانَ مِن سُلاَلَةٍ مِّن طِينٍ﴾ إلى قوله تعالى: ﴿ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ﴾ فقلت: [فتبارك الله أحسن الخالقين. فنزلت]: ﴿فَتَبَارَكَ ٱللَّهُ أَحْسَنُ ٱلْخَالِقِينَ﴾.
قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِٱلْعَذَابِ فَمَا ٱسْتَكَانُواْ لِرَبِّهِمْ...﴾ الآية. [٧٦].
أخبرنا أبو القاسم بن عبدان، قال: حدثنا محمد بن عبد الله بن محمد الضبّي، قال: حدثنا أبو العباس السَّيَّاري، قال: حدثنا محمد بن موسى بن حاتم، قال: حدثنا علي بن الحسن بن شقيق، قال: أخبرنا الحسين بن واقد، قال: حدثني يزيد النحوي أن عكرمة حدثه عن ابن عباس، قال:
جاء أبو سفيان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا محمد أنشدك الله والرحم، لقد أكلنا العِلْهز - يعني الوبر بالدم - فأنزل الله تعالى: ﴿وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِٱلْعَذَابِ فَمَا ٱسْتَكَانُواْ لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ﴾.
وقال ابن عباس: لما أتى ثُمَامَة بن أثال الحنفي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأسلم وهو أسير فخلى سبيله، فلحق باليمامة فحال بين أهل مكة وبين الميرة من اليمامة، وأخذ الله تعالى قريشاً بسني الجدْب حتى أكلوا العِلْهز فجاء أبو سفيان إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: أنشُدُكَ الله والرحم أليْس تزعم أنك بعثت رحمة للعالمين؟ قال: بلى، فقال: قد قتلتَ الآباء بالسيف، والأبناء بالجوع: فأنزل الله تعالى هذه الآية.
سورة المؤمنون
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورةُ (المؤمنون) من السُّوَر المكية التي اهتمت بذِكْرِ دلائل وَحْدانية الله تعالى، كما اهتمت بذِكْرِ صفاتِ المؤمنين المفلحين؛ كما في فاتحة السورة الكريمة، وقد صح عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم: أنَّ مَن أقامَ أوَّلَ عَشْرِ آياتٍ من سورة (المؤمنون) دخَلَ الجنَّةَ، وبالأخذِ بهذه الصفات التي ذكَرها الله للمؤمنين، تصلُحُ للعبد دنياه وآخرتُه، ويحقِّقُ معنى التوحيد التام.

ترتيبها المصحفي
23
نوعها
مكية
ألفاظها
1052
ترتيب نزولها
74
العد المدني الأول
119
العد المدني الأخير
119
العد البصري
119
العد الكوفي
118
العد الشامي
119

* قوله تعالى: {وَلَقَدْ أَخَذْناهُمْ بِالْعَذابِ فَما اسْتَكانُوا لِرَبِّهِمْ وَما يَتَضَرَّعُونَ} [المؤمنون: ٧٦]:

عن عبدِ اللهِ بن عباسٍ رضي الله عنهما، قال: «جاء أبو سُفْيانَ بنُ حَرْبٍ إلى رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فقال: يا مُحمَّدُ، أنشُدُك اللهَ والرَّحِمَ؛ فقد أكَلْنا العِلْهِزَ - يعني: الوَبَرَ والدَّمَ -؛ فأنزَلَ اللهُ: {وَلَقَدْ أَخَذْناهُمْ بِالْعَذابِ فَما اسْتَكانُوا لِرَبِّهِمْ وَما يَتَضَرَّعُونَ} [المؤمنون: ٧٦]». أخرجه ابن حبان (٩٦٧).

* سورةُ (المؤمنون):

سُمِّيت سورة (المؤمنون) بذلك؛ لأنَّ فاتحتها أفصَحتْ عن ذِكْرِ صفات المؤمنين.

 * أنَّ مَن أقام أوَّلَ عَشْرِ آياتٍ من سورة (المؤمنون) دخَل الجنَّة:

عن عُمَرَ بن الخطَّابِ رضي الله عنه، قال: «كان إذا نزَلَ على رسولِ اللهِ ﷺ الوحيُ يُسمَعُ عند وجهِه دَوِيٌّ كدَوِيِّ النَّحْلِ، فمكَثْنا ساعةً، فاستقبَلَ القِبْلةَ، ورفَعَ يدَيهِ، فقال: «اللهمَّ زِدْنا ولا تنقُصْنا، وأكرِمْنا ولا تُهِنَّا، وأعطِنا ولا تَحرِمْنا، وآثِرْنا ولا تُؤثِرْ علينا، وارضَ عنَّا وأرضِنا»، ثم قال: «لقد نزَلتْ عليَّ عَشْرُ آياتٍ، مَن أقامَهنَّ دخَلَ الجنَّةَ»، ثم قرَأَ علينا: {قَدْ أَفْلَحَ اْلْمُؤْمِنُونَ} [المؤمنون: 1] حتى ختَمَ العَشْرَ». أخرجه الترمذي (3097).

* كانت تَتجلَّى صفاتُ رسول الله ﷺ من خلالِ هذه السورة:

فعن يَزيدَ بن بابَنُوسَ، قال: «دخَلْنا على عائشةَ، فقُلْنا: يا أمَّ المؤمنين، ما كان خُلُقُ رسولِ اللهِ ﷺ؟ قالت: كان خُلُقُه القُرْآنَ، تَقرَؤون سورةَ المؤمنين؟ قالت: اقرَأْ {قَدْ أَفْلَحَ اْلْمُؤْمِنُونَ}، قال يَزيدُ: فقرَأْتُ {قَدْ أَفْلَحَ اْلْمُؤْمِنُونَ} [المؤمنون: 1] إلى: {لِفُرُوجِهِمْ حَٰفِظُونَ} [المؤمنون: 5]، قالت: هكذا كان خُلُقُ رسولِ اللهِ ﷺ». أخرجه البخاري في " الأدب المفرد" (٤٨).

* هي السورةُ التي قرأها النبيُّ صلى الله عليه وسلم يومَ الفتحِ:

عن عبدِ اللهِ بن السائبِ رضي الله عنه، قال: «حضَرْتُ رسولَ اللهِ ﷺ يومَ الفتحِ وصلَّى في الكعبةِ، فخلَعَ نَعْلَيهِ فوضَعَهما عن يسارِه، ثم افتتَحَ سورةَ (المؤمنون)، فلمَّا بلَغَ ذِكْرَ عيسى أو موسى، أخَذَتْهُ سَعْلةٌ، فركَعَ». أخرجه أبو داود (٦٤٨).

جاءت سورةُ (المؤمنون) على ذِكْرِ الموضوعات الآتية:

1. صفات المؤمنين (١-١١).

2. أدلة وَحْدانية الله (١٢-٢٢).

3. الإيمان بالرسل، ومواقف أقوامهم منهم (٢٣-٥٢).

4. تفرُّق الأُمَم بعد رسلهم (٥٣-٧٧).

5. أدلة إثبات وَحْدانية الله وقدرته (٧٨-٩٨).

6. مِن مشاهِدِ يوم القيامة (٩٩- ١١٨).

ينظر: "التفسير الموضوعي للقرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (5 /124).

ظهَر مقصودُ سورة (المؤمنون) في اسمها؛ وهو اختصاصُ المؤمنين بالفلاح، وقد دارت آيُها حول مِحوَرِ تحقيقِ الوَحْدانية، وإبطالِ الشرك ونقضِ قواعده، والتنويه بالإيمان وشرائعه؛ فكان افتتاحُها بالبشارة للمؤمنين بالفلاح العظيم على ما تحلَّوْا به من أصول الفضائل الرُّوحية والعلمية، التي بها تزكيةُ النَّفس، واستقامةُ السلوك.

ينظر: "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور" للبقاعي (2 /303)، و"التحرير والتنوير" لابن عاشور (18 /6).