تفسير سورة المؤمنون

التبيان في إعراب القرآن

تفسير سورة سورة المؤمنون من كتاب التبيان في إعراب القرآن
لمؤلفه أبو البقاء العكبري . المتوفي سنة 616 هـ

سُورَةُ الْمُؤْمِنُونَ

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

قَالَ تَعَالَى: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (١)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (قَدْ أَفْلَحَ) : مَنْ أَلْقَى حَرَكَةَ الْهَمْزَةِ عَلَى الدَّالِ وَحَذَفَهَا فَعِلَّتُهُ أَنَّ الْهَمْزَةَ بَعْدَ حَذْفِ حَرَكَتِهَا صُيِّرَتْ أَلِفًا، ثُمَّ حُذِفَتْ لِسُكُونِهَا وَسُكُونِ الدَّالِ قَبْلَهَا فِي الْأَصْلِ ; وَلَا يُعْتَدُّ بِحَرَكَةِ الدَّالِ ; لِأَنَّهَا عَارِضَةٌ..
قَالَ تَعَالَى: (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (٥) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (٦)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ) : فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ بِـ «حَافِظُونَ» عَلَى الْمَعْنَى ; لِأَنَّ الْمَعْنَى صَانُوهَا عَنْ كُلِّ فَرْجٍ إِلَّا عَنْ فُرُوجِ أَزْوَاجِهِمْ.
وَقِيلَ: هُوَ حَالٌ ; أَيْ حَفِظُوهَا فِي كُلِّ حَالٍ إِلَّا فِي هَذِهِ الْحَالِ.
وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِـ «مَلُومِينَ» لِأَمْرَيْنِ ; أَحَدُهُمَا: أَنَّ مَا بَعْدَ «إِنَّ» لَا يَعْمَلُ فِيمَا قَبْلَهَا. وَالثَّانِي: أَنَّ الْمُضَافَ إِلَيْهِ لَا يَعْمَلُ فِيمَا قَبْلَهُ.
وَإِنَّمَا تَعَلَّقَتْ «عَلَى» بِحَافِظُونَ عَلَى الْمَعْنَى، وَيَجُوزُ أَنْ تَتَعَلَّقَ بِفِعْلٍ دَلَّ عَلَيْهِ «مَلُومِينَ» أَيْ إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ لَا يُلَامُونَ.
قَالَ تَعَالَى: (وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ (٨ وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (٩)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (لِأَمَانَاتِهِمْ) : يُقْرَأُ بِالْجَمْعِ ; لِأَنَّهَا كَثِيرَةٌ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: (أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا) [النِّسَاءِ: ٥٨]
وَعَلَى الْإِفْرَادِ ; لِأَنَّهَا جِنْسٌ ; فَهِيَ فِي الْإِفْرَادِ كَعَهْدِهِمْ ; وَمِثْلُهُ (صَلَوَاتِهِمْ) فِي الْإِفْرَادِ وَالْجَمْعِ.
قَالَ تَعَالَى: (الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (١١)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) : الْجُمْلَةُ حَالٌ مُقَدَّرَةٌ، إِمَّا مِنَ الْفَاعِلِ أَوِ الْمَفْعُولِ.
قَالَ تَعَالَى: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ (١٢)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (مِنْ سُلَالَةٍ) : يَتَعَلَّقُ بِخَلَقْنَا. وَ (مِنْ طِينٍ) : بِمَحْذُوفٍ ; لِأَنَّهُ صِفَةٌ لِسُلَالَةٍ ; وَيَجُوزُ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِمَعْنَى سُلَالَةٍ ; لِأَنَّهَا بِمَعْنَى مَسْلُولَةٍ.
قَالَ تَعَالَى: (ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ (١٤)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً) :«خَلَقْنَا» بِمَعْنَى: صَيَّرْنَا ; فَلِذَلِكَ نَصَبَ مَفْعُولَيْنِ.
(الْعِظَامَ) : بِالْجَمْعِ عَلَى الْأَصْلِ، وَبِالْإِفْرَادِ ; لِأَنَّهُ جِنْسٌ.
(أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ) : بَدَلٌ، أَوْ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ ; وَلَيْسَ بِصِفَةٍ ; لِأَنَّهُ نَكِرَةٌ وَإِنْ أُضِيفَ ; لِأَنَّ الْمُضَافَ إِلَيْهِ عِوَضٌ عَنْ «مِنْ»، وَهَكَذَا جَمِيعُ بَابِ «أَفْعَلَ مِنْكَ».
قَالَ تَعَالَى: (ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ (١٥)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (بَعْدَ ذَلِكَ) : الْعَامِلُ فِيهِ «مَيِّتُونَ» وَاللَّامُ هَاهُنَا لَا تَمْنَعُ الْعَمَلَ.
قَالَ تَعَالَى: (وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ (١٨)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (بِهِ) : مُتَعَلِّقٌ بِذَهَابٍ. وَ «عَلَى» مُتَعَلِّقَةٌ بِـ «قَادِرُونَ».
قَالَ تَعَالَى: (وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْنَاءَ تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِلْآكِلِينَ (٢٠)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَشَجَرَةً) : أَيْ وَأَنْشَأْنَا شَجَرَةً ; فَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى «جَنَّاتٍ».
(سَيْنَاءَ) : يُقْرَأُ بِكَسْرِ السِّينِ، وَالْهَمْزَةُ عَلَى هَذَا أَصْلٌ، مِثْلَ حِمْلَاقٍ، وَلَيْسَتْ لِلتَّأْنِيثِ ; إِذْ لَيْسَ فِي الْكَلَامِ مِثْلَ سَنَا - سَيَا ; وَلَمْ يَنْصَرِفْ ; لِأَنَّهُ اسْمُ بُقْعَةٍ ; فَفِيهِ التَّعْرِيفُ وَالتَّأْنِيثُ ; وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ فِيهِ الْعُجْمَةُ أَيْضًا.
وَيُقْرَأُ بِفَتْحِ السِّينِ، وَالْهَمْزَةُ عَلَى هَذَا لِلتَّأْنِيثِ ; إِذْ لَيْسَ فِي الْكَلَامِ فَعْلَالٌ بِالْفَتْحِ. وَمَا حَكَى الْفَرَّاءُ مِنْ قَوْلِهِمْ: نَاقَةٌ فِيهَا خَزْعَالٌ، لَا يَثْبُتُ، وَإِنْ ثَبَتَ فَهُوَ شَاذٌّ لَا يُحْمَلُ عَلَيْهِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: (تَنْبُتُ) : يُقْرَأُ بِضَمِّ التَّاءِ وَكَسْرِ الْبَاءِ. وَفِيهِ وَجْهَانِ ; أَحَدُهُمَا: هُوَ مُتَعَدٍّ، وَالْمَفْعُولُ مَحْذُوفٌ، تَقْدِيرُهُ: تُنْبِتُ ثَمَرَهَا أَوْ جَنَاهَا ; وَالْبَاءُ عَلَى هَذَا حَالٌ مِنَ الْمَحْذُوفِ ; أَيْ وَفِيهِ الدُّهْنُ ; كَقَوْلِكَ: خَرَجَ زَيْدٌ بِثِيَابِهِ. وَقِيلَ: الْبَاءُ زَائِدَةٌ، فَلَا حَذْفَ إِذًا، بَلِ الْمَفْعُولُ الدُّهْنُ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: هُوَ لَازِمٌ، يُقَالُ: نَبَتَ الْبَقْلُ، وَأَنْبَتَ بِمَعْنًى، فَعَلَى هَذَا الْبَاءُ حَالٌ، وَقِيلَ: هِيَ مَفْعُولٌ ; أَيْ تُنْبِتُ بِسَبَبِ الدُّهْنِ.
وَيُقْرَأُ بِضَمِّ التَّاءِ وَفَتْحِ الْبَاءِ، وَهُوَ مَعْلُومٌ.
وَيُقْرَأُ بِفَتْحِ التَّاءِ وَضَمِّ الْبَاءِ، وَهُوَ كَالْوَجْهِ الثَّانِي الْمَذْكُورِ.
(وَصِبْغٍ) : مَعْطُوفٌ عَلَى الدُّهْنِ.
وَقُرِئَ - فِي الشَّاذِّ - بِالنَّصْبِ عَطْفًا عَلَى مَوْضِعِ بِالدُّهْنِ.
قَالَ تَعَالَى: (وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهَا وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ (٢١)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (نُسْقِيكُمْ) : يُقْرَأُ بِالنُّونِ ; وَقَدْ ذُكِرَ فِي النَّحْلِ، وَبِالتَّاءِ، وَفِيهِ ضَمِيرُ الْأَنْعَامِ، وَهُوَ مُسْتَأْنَفٌ.
قَالَ تَعَالَى: (فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا فَإِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ فَاسْلُكْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ (٢٧)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (بِأَعْيُنِنَا) : فِي مَوْضِعِ الْحَالِ ; أَيْ مَحْفُوظَةً.
وَ (مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ) : قَدْ ذُكِرَ فِي هُودٍ.
قَالَ تَعَالَى: (وَقُلْ رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلًا مُبَارَكًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ (٢٩) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ وَإِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ (٣٠)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (مُنْزَلًا) : يُقْرَأُ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِ الزَّايِ ; وَهُوَ مَكَانٌ، أَوْ مَصْدَرُ نَزَّلَ، وَهُوَ مُطَاوِعُ أَنْزَلْتُهُ.
وَيُقْرَأُ بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الزَّايِ، وَهُوَ مَصْدَرٌ بِمَعْنَى الْإِنْزَالِ ; وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَكَانًا، كَقَوْلِكَ: أَنْزِلُ الْمَكَانَ، فَهُوَ مُنْزَلٌ.
(وَإِنْ كُنَّا) : أَيْ إِنَّا كُنَّا ; فَهِيَ مُخَفَّفَةٌ مِنَ الثَّقِيلَةِ، وَقَدْ ذُكِرَتْ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ.
قَالَ تَعَالَى: (أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مُتُّمْ وَكُنْتُمْ تُرَابًا وَعِظَامًا أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ (٣٥)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ) : فِي إِعْرَابِ هَذِهِ الْآيَةِ أَوْجُهٌ:
أَحَدُهَا: أَنَّ اسْمَ «أَنَّ» الْأُولَى مَحْذُوفٌ أُقِيمَ مَقَامَ الْمُضَافِ إِلَيْهِ، تَقْدِيرُهُ: أَنَّ إِخْرَاجَكُمْ. وَ «إِذَا» هُوَ الْخَبَرُ، وَ «أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ» تَكْرِيرٌ ; لِأَنَّ «أَنَّ» وَمَا عَمِلَتْ فِيهِ لِلتَّوْكِيدِ، أَوْ لِلدَّلَالَةِ عَلَى الْمَحْذُوفِ. وَالثَّانِي: أَنَّ اسْمَ «أَنَّ» الْكَافُ وَالْمِيمُ، وَ «إِذَا» شَرْطٌ، وَجَوَابُهَا مَحْذُوفٌ،
تَقْدِيرُهُ: أَنَّكُمْ إِذَا مُتُّمْ يَحْدُثُ أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ، فَأَنَّكُمُ الثَّانِيَةُ وَمَا عَمِلَتْ فِيهِ فَاعِلُ جَوَابِ إِذَا، وَالْجُمْلَةُ كُلُّهَا خَبَرُ أَنَّ الْأُولَى. وَالثَّالِثُ: أَنَّ خَبَرَ الْأُولَى مُخْرَجُونَ. وَأَنَّ الثَّانِيَةَ مُكَرَّرَةٌ وَحْدَهَا تَوْكِيدًا، وَجَازَ ذَلِكَ لَمَّا طَالَ الْكَلَامُ، كَمَا جَازَ ذَلِكَ فِي الْمَكْسُورَةِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: (ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا) [النَّحْلِ: ١١٠] وَ (ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ) [النَّحْلِ: ١١٩] وَقَدْ ذُكِرَ فِي النَّحْلِ. وَالرَّابِعُ: أَنَّ خَبَرَ «أَنَّ» الْأُولَى مَحْذُوفٌ لِدَلَالَةِ خَبَرِ الثَّانِيَةِ عَلَيْهِ ; وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ «إِذَا» خَبَرَ الْأُولَى ; لِأَنَّهَا ظَرْفُ زَمَانٍ، وَاسْمُهَا جُثَّةٌ. وَأَمَّا الْعَامِلُ فِي «إِذَا» فَمَحْذُوفٌ ; فَعَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ يَكُونُ الْمُقَدَّرُ مِنَ الِاسْتِقْرَارِ ; وَعَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي: يَعْمَلُ فِيهَا جَوَابُهَا الْمَحْذُوفُ، وَعَلَى الثَّالِثِ وَالرَّابِعِ يَعْمَلُ فِيهَا مَا دَلَّ عَلَيْهِ خَبَرُ الثَّانِيَةِ، وَلَا يَعْمَلُ فِيهَا «مُتُّمْ» لِإِضَافَتِهَا إِلَيْهِ.
قَالَ تَعَالَى: (هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ (٣٦)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (هَيْهَاتَ) : هُوَ اسْمٌ لِلْفِعْلِ، وَهُوَ خَبَرٌ وَاقِعٌ مَوْقِعَ بَعُدَ. وَفِي فَاعِلِهِ وَجْهَانِ ; أَحَدُهُمَا: هُوَ مُضْمَرٌ، تَقْدِيرُهُ: بَعُدَ التَّصْدِيقُ لِمَا تُوعَدُونَ، أَوِ الصِّحَّةُ، أَوِ الْوُقُوعُ، وَنَحْوَ ذَلِكَ. وَالثَّانِي: فَاعِلُهُ «مَا»، وَاللَّامُ زَائِدَةٌ ; أَيْ بَعُدَ مَا تُوعَدُونَ مِنَ الْبَعْثِ.
وَقَالَ قَوْمٌ «هَيْهَاتَ» بِمَعْنَى الْبُعْدِ ; فَمَوْضِعُهُ مُبْتَدَأٌ، وَ «لِمَا تُوعَدُونَ» الْخَبَرُ ; وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَ «هَيْهَاتَ» عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ لَا مَوْضِعَ لَهَا، وَفِيهَا عِدَّةُ قِرَاءَاتٍ: الْفَتْحُ بِلَا تَنْوِينٍ، عَلَى أَنَّهُ مُفْرَدٌ. وَبِالتَّنْوِينِ عَلَى إِرَادَةِ التَّكْثِيرِ، وَبِالْكَسْرِ بِلَا تَنْوِينٍ، وَبِتَنْوِينٍ عَلَى أَنَّهُ جَمْعُ تَأْنِيثٍ، وَالضَّمُّ بِالْوَجْهَيْنِ، شُبِّهَ بِقَبْلُ وَبَعْدُ.
وَيُقْرَأُ - هَيْهَاهُ - بِالْهَاءِ وَقْفًا وَوَصْلًا.
وَيُقْرَأُ ; أَيْهَاهُ - بِإِبْدَالِ الْهَمْزَةِ مِنَ الْهَاءِ الْأُولَى.
قَالَ تَعَالَى: (قَالَ عَمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نَادِمِينَ (٤٠)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (عَمَّا قَلِيلٍ) :«مَا» زَائِدَةٌ.
وَقِيلَ: هِيَ بِمَعْنَى شَيْءٍ، أَوْ زَمَنٍ. وَقِيلَ: بَدَلٌ مِنْهَا.
وَفِي الْكَلَامِ قَسَمٌ مَحْذُوفٌ جَوَابُهُ: «لَيُصْبِحُنَّ»
وَ «عَنْ» يَتَعَلَّقُ بِيُصْبِحُنَّ، لَمْ تَمْنَعِ اللَّامُ ذَلِكَ كَمَا مَنَعَتْهَا لَامُ الِابْتِدَاءِ، وَأَجَازُوا: زَيْدٌ لَأَضْرِبَنَّ ; لِأَنَّ اللَّامَ لِلتَّوْكِيدِ ; فَهِيَ مِثْلَ قَدْ، وَمِثْلَ لَامِ التَّوْكِيدِ فِي خَبَرِ إِنَّ ; كَقَوْلِهِ: (بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ) [الرُّومِ: ٨].
وَقِيلَ: اللَّامُ هُنَا تَمْنَعُ مِنَ التَّقْدِيمِ إِلَّا فِي الظُّرُوفِ، فَإِنَّهُ يُتَوَسَّعُ فِيهَا.
قَالَ تَعَالَى: (ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَى كُلَّمَا جَاءَ أُمَّةً رَسُولُهَا كَذَّبُوهُ فَأَتْبَعْنَا بَعْضَهُمْ بَعْضًا وَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ فَبُعْدًا لِقَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ (٤٤)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (تَتْرَى) : التَّاءُ بَدَلٌ مِنَ الْوَاوِ ; لِأَنَّهُ مِنَ الْمُوَاتَرَةِ، وَهِيَ الْمُتَابَعَةُ ; وَذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِمْ: جَاءُوا عَلَى وَتِيرَةٍ ; أَيْ طَرِيقَةٍ وَاحِدَةٍ، وَهُوَ نَصْبٌ عَلَى الْحَالِ ; أَيْ مُتَتَابِعِينَ، وَحَقِيقَتُهُ أَنَّهُ مَصْدَرٌ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ. وَقِيلَ: هُوَ صِفَةٌ لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ ; أَيْ إِرْسَالًا مُتَوَاتِرًا.
وَفِي أَلِفِهَا ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ ; أَحَدُهَا: هِيَ لِلْإِلْحَاقِ بِجَعْفَرٍ، كَالْأَلِفِ فِي أَرْطَى ; وَلِذَلِكَ تُؤَنَّثُ فِي قَوْلِ مَنْ صَرَفَهَا. وَالثَّانِي: هِيَ بَدَلٌ مِنَ التَّنْوِينِ. وَالثَّالِثُ: هِيَ لِلتَّأْنِيثِ، مِثْلَ سَكْرَى ; وَلِذَلِكَ لَا تُنَوَّنُ عَلَى قَوْلِ مَنْ مَنَعَ الصَّرْفَ.
قَالَ تَعَالَى: (ثُمَّ أَرْسَلْنَا مُوسَى وَأَخَاهُ هَارُونَ بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ (٤٥)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (هَارُونَ) : هُوَ بَدَلٌ مِنْ «أَخَاهُ».
قَالَ تَعَالَى: (فَقَالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَابِدُونَ (٤٧)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (مِثْلِنَا) : إِنَّمَا لَمْ يُثَنَّ لِأَنَّ «مِثْلًا» فِي حُكْمِ الْمَصْدَرِ، وَقَدْ جَاءَتْ تَثْنِيَتُهُ وَجَمْعُهُ فِي قَوْلِهِ: (يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ) [آلِ عِمْرَانَ: ١٣] وَفِي قَوْلِهِ تَعَالَى: (ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ) [مُحَمَّدٍ: ٣٨].
وَقِيلَ: إِنَّمَا وَحَّدَ لِأَنَّ الْمُرَادَ الْمُمَاثِلَةُ فِي الْبَشَرِيَّةِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ الْكَمِّيَّةَ.
وَقِيلَ: اكْتَفَى بِالْوَاحِدِ عَنِ الِاثْنَيْنِ.
قَالَ تَعَالَى: (وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ (٥٠)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَأُمَّهُ آيَةً) : قَدْ ذُكِرَ فِي الْأَنْبِيَاءِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَمَعِينٍ) : فِيهِ وَجْهَانِ ; أَحَدُهُمَا: هُوَ فَعِيلٌ مِنَ الْمَعْنِ، وَهُوَ الشَّيْءُ الْقَلِيلُ، وَمِنْهُ الْمَاعُونُ. وَقِيلَ: الْمَاعُونُ: الْمَاءُ، فَالْمِيمُ أَصْلٌ. وَالثَّانِي: الْمِيمُ زَائِدَةٌ، وَهُوَ مِنْ عِنْتُهُ إِذَا أَبْصَرْتَهُ بِعَيْنِكَ، وَأَصْلُهُ مَعْيُونٌ.
قَالَ تَعَالَى: (وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ (٥٢) فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (٥٣))
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَإِنَّ هَذِهِ) : يُقْرَأُ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ. وَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ ; أَحَدُهَا: تَقْدِيرُهُ: وَلِأَنَّ، وَاللَّامُ الْمُقَدَّرَةُ تَتَعَلَّقُ بِـ «فَاتَّقُونِ» أَيْ فَاتَّقُونِ لِأَنَّ هَذِهِ.... وَمَوْضِعُ أَنَّ نَصْبٌ، أَوْ جَرٌّ عَلَى مَا حَكَيْنَا مِنَ الِاخْتِلَافِ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى مَا قَبْلَهُ، تَقْدِيرُهُ: إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ وَبِأَنَّ هَذِهِ. وَالثَّالِثُ: أَنَّ فِي الْكَلَامِ حَذْفًا ; أَيْ وَاعْلَمُوا أَنَّ هَذِهِ.
وَيُقْرَأُ بِتَخْفِيفِ النُّونِ، وَهِيَ مُخَفَّفَةٌ مِنَ الثَّقِيلَةِ.
وَيُقْرَأُ بِالْكَسْرِ عَلَى الِاسْتِئْنَافِ.
وَ (أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً) : قَدْ ذُكِرَ فِي الْأَنْبِيَاءِ، وَكَذَلِكَ: «فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ» وَ (زُبُرًا) بِضَمَّتَيْنِ: جَمْعُ زَبُورٍ، مِثْلَ رَسُولٍ وَرُسُلٍ.
وَيُقْرَأُ بِالتَّسْكِينِ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى.
وَيُقْرَأُ بِفَتْحِ الْبَاءِ، وَهُوَ جَمْعُ زُبْرَةٍ، وَهِيَ الْقِطْعَةُ أَوِ الْفِرْقَةُ ; وَالنَّصْبُ عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ عَلَى الْحَالِ مِنْ «أَمْرَهُمْ» أَيْ مِثْلَ كُتُبٍ. وَقِيلَ: مِنْ ضَمِيرِ الْفَاعِلِ. وَقِيلَ: هُوَ مَفْعُولٌ ثَانٍ لِتَقَطَّعُوا ; وَعَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي: هُوَ حَالٌ مِنَ الْفَاعِلِ.
قَالَ تَعَالَى: (أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ (٥٥) نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَل لَا يَشْعُرُونَ (٥٦))
قَوْلُهُ تَعَالَى: (أَنَّمَا) : بِمَعْنَى الَّذِي، وَخَبَرُ أَنَّ: «نُسَارِعُ لَهُمْ» وَالْعَائِدُ مَحْذُوفٌ ; أَيْ نُسَارِعُ لَهُمْ، أَيْ فِيهِ ; وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْخَبَرُ «مِنْ مَالٍ» لِأَنَّهُ إِذَا كَانَ «مِنْ مَالٍ» فَلَا يُعَابُ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ ; وَإِنَّمَا يُعَابُ عَلَيْهِمِ اعْتِقَادُهُمْ أَنَّ تِلْكَ الْأَمْوَالَ خَيْرٌ لَهُمْ.
وَيُقْرَأُ نُسَارِعُ بِالْيَاءِ وَالنُّونِ، وَعَلَى تَرْكِ تَسْمِيَةِ الْفَاعِلِ، وَنُسْرِعُ بِغَيْرِ أَلِفٍ.
قَالَ تَعَالَى: (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ (٦٠)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (مَا آتَوْا) :«مَا» بِمَعْنَى الَّذِي، وَالْعَائِدُ مَحْذُوفٌ ; أَيْ يُعْطُونَ مَا يُعْطُونَ.
وَيُقْرَأُ: أَتَوْا - بِالْقَصْرِ ; أَيْ مَا جَاءُوهُ.
(أَنَّهُمْ...) أَيْ وَجِلَةٌ مِنْ رُجُوعِهِمْ إِلَى رَبِّهِمْ، فَحُذِفَ حَرْفُ الْجَرِّ.
قَالَ تَعَالَى: (أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ (٦١)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَهُمْ لَهَا) ; أَيْ لِأَجْلِهَا. وَقِيلَ: التَّقْدِيرُ: وَهُمْ يُسَابِقُونَهَا ; أَيْ يُبَادِرُونَهَا ; فَهِيَ فِي مَوْضِعِ الْمَفْعُولِ ; وَمِثْلُهُ: (هُمْ لَهَا عَامِلُونَ) [الْمُؤْمِنُونَ: ٦٣] أَيْ لِأَجْلِهَا وَإِيَّاهَا يَعْمَلُونَ.
قَالَ تَعَالَى: (حَتَّى إِذَا أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِمْ بِالْعَذَابِ إِذَا هُمْ يَجْأَرُونَ (٦٤)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (إِذَا) هِيَ لِلْمُفَاجَأَةِ، وَقَدْ ذُكِرَ حُكْمُهَا.
قَالَ تَعَالَى: (قَدْ كَانَتْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ تَنْكِصُونَ (٦٦) مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سَامِرًا تَهْجُرُونَ (٦٧)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (عَلَى أَعْقَابِكُمْ) : هُوَ حَالٌ مِنَ الْفَاعِلِ فِي «تَنْكِصُونَ» وَقَوْلُهُ تَعَالَى: «مُسْتَكْبِرِينَ» : حَالٌ أُخْرَى.
وَالْهَاءُ فِي «بِهِ» لِلْقُرْآنِ الْعَظِيمِ. وَقِيلَ: لِلنَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ. وَقِيلَ: لِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى ; وَقِيلَ: لِلْبَيْتِ ; فَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ تَكُونُ مُتَعَلِّقَةً بِـ «سَامِرًا» أَيْ تَسْمُرُونَ حَوْلَ الْبَيْتِ.
وَقِيلَ: بِالْقُرْآنِ. وَسَامِرًا حَالٌ أَيْضًا، وَهُوَ مَصْدَرٌ، كَقَوْلِهِمْ: قُمْ قَائِمًا، وَقَدْ جَاءَ مِنَ الْمَصْدَرِ عَلَى لَفْظِ اسْمِ الْفَاعِلِ نَحْوَ الْعَاقِبَةِ وَالْعَافِيَةِ. وَقِيلَ: هُوَ وَاحِدٌ فِي مَوْضِعِ الْجَمْعِ.
وَقُرِئَ: (سُمَّرًا) جَمْعُ سَامِرٍ، مِثْلَ شَاهِدٍ وَشُهَّدٍ.
وَ (تَهْجُرُونَ) : فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنَ الضَّمِيرِ فِي سَامِرًا. وَيُقْرَأُ بِفَتْحِ التَّاءِ، مِنْ قَوْلِكَ: هَجَرَ يَهْجُرُ، إِذَا هَذَى. وَقِيلَ: يَهْجُرُونَ الْقُرْآنَ.
وَيُقْرَأُ بِضَمِّ التَّاءِ وَكَسْرِ الْجِيمِ، مِنْ أَهْجَرَ ; إِذَا جَاءَ بِالْهُجْرِ، وَهُوَ الْفُحْشُ. وَيُقْرَأُ بِالتَّشْدِيدِ، وَهُوَ فِي مَعْنَى الْمُخَفَّفِ. قَالَ تَعَالَى: (أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجًا فَخَرَاجُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (٧٢)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (خَرْجًا) : يُقْرَأُ بِغَيْرِ أَلِفٍ فِي الْأَوَّلِ، وَبِأَلِفٍ فِي الثَّانِي.
وَيُقْرَأُ بِغَيْرِ أَلِفٍ فِيهِمَا، وَبِأَلِفٍ فِيهِمَا، وَهُمَا بِمَعْنًى.
وَقِيلَ: الْخَرْجُ: الْأُجْرَةُ، وَالْخَرَاجُ: مَا يُضْرَبُ عَلَى الْأَرْضِ وَالرِّقَابِ.
قَالَ تَعَالَى: (وَإِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ عَنِ الصِّرَاطِ لَنَاكِبُونَ (٧٤)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (عَنِ الصِّرَاطِ) : يَتَعَلَّقُ بِـ «نَاكِبُونَ» وَلَا تَمْنَعُ اللَّامُ مِنْ ذَلِكَ.
قَالَ تَعَالَى: (وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ (٧٦)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (فَمَا اسْتَكَانُوا) :[آلِ عِمْرَانَ: ١٤٦] قَدْ ذُكِرَ فِي آلِ عِمْرَانَ بِمَا فِيهِ مِنَ الِاخْتِلَافِ.
قَالَ تَعَالَى: (وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ (٧٨)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ) :[الْأَعْرَافِ: ١٠] قَدْ ذُكِرَ فِي أَوَّلِ الْأَعْرَافِ.
قَالَ تَعَالَى: (قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٨٤) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (٨٥)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (سَيَقُولُونَ لِلَّهِ) : الْمَوْضِعُ الْأَوَّلُ بِاللَّامِ فِي قِرَاءَةِ الْجُمْهُورِ، وَهُوَ جَوَابُ مَا فِيهِ اللَّامِ، وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى: (لِمَنِ الْأَرْضُ) وَهُوَ مُطَابِقٌ لِلَّفْظِ وَالْمَعْنَى.
وَقُرِئَ بِغَيْرِ لَامٍ حَمْلًا عَلَى الْمَعْنَى ; لِأَنَّ مَعْنَى «لِمَنِ الْأَرْضُ» : مَنْ رَبُّ الْأَرْضِ؟ فَيَكُونُ الْجَوَابُ: اللَّهُ ; أَيْ هُوَ اللَّهُ.
وَأَمَّا الْمَوْضِعَانِ الْآخَرَانِ فَيُقْرَآنِ بِغَيْرِ لَامٍ حَمْلًا عَلَى
اللَّفْظِ ; وَهُوَ جَوَابُ قَوْلِهِ تَعَالَى: (مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ). «مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ» بِاللَّامِ عَلَى الْمَعْنَى ; لِأَنَّ الْمَعْنَى فِي قَوْلِهِ: «مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ» لِمَنِ السَّمَاوَاتُ؟.
قَالَ تَعَالَى: (عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (٩٢)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (عَالِمِ الْغَيْبِ) : يُقْرَأُ بِالْجَرِّ عَلَى الصِّفَةِ، أَوِ الْبَدَلِ، مِنِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى قَبْلَهُ ; وَبِالرَّفْعِ: أَيْ هُوَ عَالِمٌ.
قَالَ تَعَالَى: (رَبِّ فَلَا تَجْعَلْنِي فِي الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٩٤) وَإِنَّا عَلَى أَنْ نُرِيَكَ مَا نَعِدُهُمْ لَقَادِرُونَ (٩٥)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (فَلَا تَجْعَلْنِي) : الْفَاءُ جَوَابُ الشَّرْطِ، وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى: (إِمَّا تُرِيَنِّي) وَالنِّدَاءُ مُعْتَرِضٌ بَيْنَهُمَا. وَ (عَلَى) : تَتَعَلَّقُ بِـ «قَادِرُونَ».
قَالَ تَعَالَى: (حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (٩٩)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (ارْجِعُونِ) : فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ ; أَحَدُهَا: أَنَّهُ جُمِعَ عَلَى التَّعْظِيمِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ) [الْحِجْرِ: ٩] وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا) [فَاطِرٍ: ٢٧]. وَالثَّانِي: أَنَّهُ أَرَادَ يَا مَلَائِكَةَ رَبِّي ارْجِعُونِ. وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ دَلَّ بِلَفْظِ الْجَمْعِ عَلَى تَكْرِيرِ الْقَوْلِ ; فَكَأَنَّهُ قَالَ ارْجِعْنِي ارْجِعْنِي.
قَالَ تَعَالَى: (فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ (١٠١)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (يَوْمَئِذٍ) : الْعَامِلُ فِي ظَرْفِ الزَّمَانِ: الْعَامِلُ فِي «بَيْنَهُمْ» وَهُوَ الْمَحْذُوفُ ; وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَعْمَلَ فِيهِ أَنْسَابَ ; لِأَنَّ اسْمَ «لَا» إِذَا بُنِيَ لَمْ يَعْمَلْ.
قَالَ تَعَالَى: (قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ (١٠٦)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (شِقْوَتُنَا) : يُقْرَأُ بِالْكَسْرِ مِنْ غَيْرِ أَلِفٍ، وَبِالْفَتْحِ مَعَ الْأَلِفِ، وَهُمَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ.
قَالَ تَعَالَى: (فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ (١١٠)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (سِخْرِيًّا) : هُوَ مَفْعُولٌ ثَانٍ، وَالْكَسْرُ وَالضَّمُّ لُغَتَانِ ; وَقِيلَ: الْكَسْرُ بِمَعْنَى الْهَزْلِ، وَالضَّمُّ بِمَعْنَى الْإِذْلَالِ مِنَ التَّسْخِيرِ، وَقِيلَ: بِعَكْسِ ذَلِكَ.
قَالَ تَعَالَى: (إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ (١١١)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (أَنَّهُمْ) : يُقْرَأُ بِالْفَتْحِ عَلَى أَنَّ الْجُمْلَةَ فِي مَوْضِعِ مَفْعُولٍ ثَانٍ ; لِأَنَّ «جَزَى» يَتَعَدَّى إِلَى اثْنَيْنِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: (وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً) [الْإِنْسَانِ: ١٢].
وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ ; وَهُوَ أَنْ يَكُونَ عَلَى تَقْدِيرِ: لِأَنَّهُمْ أَوْ بِأَنَّهُمْ ; أَيْ جَزَاهُمْ بِالْفَوْزِ عَلَى صَبْرِهِمْ. وَيُقْرَأُ بِالْكَسْرِ عَلَى الِاسْتِئْنَافِ.
قَالَ تَعَالَى: (قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ (١١٢) قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلِ الْعَادِّينَ (١١٣) قَالَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (١١٤) أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ (١١٥))
قَوْلُهُ تَعَالَى: (قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ) : يُقْرَأُ عَلَى لَفْظِ الْمَاضِي ; أَيْ قَالَ السَّائِلُ لَهُمْ.
وَعَلَى لَفْظِ الْأَمْرِ ; أَيْ يَقُولُ اللَّهُ لِلسَّائِلِ: قُلْ لَهُمْ.
وَ (كَمْ) : ظَرْفٌ لَلَبِثْتُمْ ; أَيْ كَمْ سَنَةً أَوْ نَحْوَهَا.
وَ (عَدَدَ) : بَدَلٌ مِنْ «كَمْ» وَيُقْرَأُ شَاذًّا عَدَدًا، بِالتَّنْوِينِ.
وَ (سِنِينَ) : بَدَلٌ مِنْهُ.
وَ (الْعَادِّينَ) بِالتَّشْدِيدِ ; مِنَ الْعَدَدِ، وَبِالتَّخْفِيفِ عَلَى مَعْنَى الْعَادِينَ ; أَيِ الْمُتَقَدِّمِينَ كَقَوْلِكَ: هَذِهِ بِئْرٌ عَادِيَةٌ ; أَيْ سَلْ مَنْ تَقَدَّمَنَا، وَحَذَفَ إِحْدَى يَاءَيِ النَّسَبِ، كَمَا قَالُوا: الْأَشْعَرُونَ، وَحُذِفَتِ الْأُخْرَى لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ. (إِلَّا قَلِيلًا) أَيْ زَمَنًا قَلِيلًا، أَوْ لَبِثَا قَلِيلًا.
وَجَوَابُ «لَوْ» مَحْذُوفٌ ; أَيْ لَوْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ مِقْدَارَ لُبْثِكُمْ مِنَ الطُّولِ لَمَا أَجَبْتُمْ بِهَذِهِ الْمُدَّةِ. وَ (عَبَثًا) : مَصْدَرٌ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ، أَوْ مَفْعُولٌ لِأَجْلِهِ.
قَالَ تَعَالَى: (فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ (١١٦)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ) : مِثْلَ قَوْلِهِ تَعَالَى فِي الْبَقَرَةِ: (لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ) [الْبَقَرَةِ: ١٦٣] وَقَدْ ذُكِرَ.
قَالَ تَعَالَى: (وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ (١١٧)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ) : صِفَةٌ لِإِلَهٍ، وَالْجَوَابُ «فَإِنَّمَا حِسَابُهُ».
وَقَوْلُهُ: (إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ) بِالْكَسْرِ عَلَى الِاسْتِئْنَافِ، وَبِالْفَتْحِ عَلَى تَقْدِيرِ بِأَنَّهُ ; أَيْ يُجَازَى بِعَدَمِ الْفَلَاحِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
سورة المؤمنون
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورةُ (المؤمنون) من السُّوَر المكية التي اهتمت بذِكْرِ دلائل وَحْدانية الله تعالى، كما اهتمت بذِكْرِ صفاتِ المؤمنين المفلحين؛ كما في فاتحة السورة الكريمة، وقد صح عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم: أنَّ مَن أقامَ أوَّلَ عَشْرِ آياتٍ من سورة (المؤمنون) دخَلَ الجنَّةَ، وبالأخذِ بهذه الصفات التي ذكَرها الله للمؤمنين، تصلُحُ للعبد دنياه وآخرتُه، ويحقِّقُ معنى التوحيد التام.

ترتيبها المصحفي
23
نوعها
مكية
ألفاظها
1052
ترتيب نزولها
74
العد المدني الأول
119
العد المدني الأخير
119
العد البصري
119
العد الكوفي
118
العد الشامي
119

* قوله تعالى: {وَلَقَدْ أَخَذْناهُمْ بِالْعَذابِ فَما اسْتَكانُوا لِرَبِّهِمْ وَما يَتَضَرَّعُونَ} [المؤمنون: ٧٦]:

عن عبدِ اللهِ بن عباسٍ رضي الله عنهما، قال: «جاء أبو سُفْيانَ بنُ حَرْبٍ إلى رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فقال: يا مُحمَّدُ، أنشُدُك اللهَ والرَّحِمَ؛ فقد أكَلْنا العِلْهِزَ - يعني: الوَبَرَ والدَّمَ -؛ فأنزَلَ اللهُ: {وَلَقَدْ أَخَذْناهُمْ بِالْعَذابِ فَما اسْتَكانُوا لِرَبِّهِمْ وَما يَتَضَرَّعُونَ} [المؤمنون: ٧٦]». أخرجه ابن حبان (٩٦٧).

* سورةُ (المؤمنون):

سُمِّيت سورة (المؤمنون) بذلك؛ لأنَّ فاتحتها أفصَحتْ عن ذِكْرِ صفات المؤمنين.

 * أنَّ مَن أقام أوَّلَ عَشْرِ آياتٍ من سورة (المؤمنون) دخَل الجنَّة:

عن عُمَرَ بن الخطَّابِ رضي الله عنه، قال: «كان إذا نزَلَ على رسولِ اللهِ ﷺ الوحيُ يُسمَعُ عند وجهِه دَوِيٌّ كدَوِيِّ النَّحْلِ، فمكَثْنا ساعةً، فاستقبَلَ القِبْلةَ، ورفَعَ يدَيهِ، فقال: «اللهمَّ زِدْنا ولا تنقُصْنا، وأكرِمْنا ولا تُهِنَّا، وأعطِنا ولا تَحرِمْنا، وآثِرْنا ولا تُؤثِرْ علينا، وارضَ عنَّا وأرضِنا»، ثم قال: «لقد نزَلتْ عليَّ عَشْرُ آياتٍ، مَن أقامَهنَّ دخَلَ الجنَّةَ»، ثم قرَأَ علينا: {قَدْ أَفْلَحَ اْلْمُؤْمِنُونَ} [المؤمنون: 1] حتى ختَمَ العَشْرَ». أخرجه الترمذي (3097).

* كانت تَتجلَّى صفاتُ رسول الله ﷺ من خلالِ هذه السورة:

فعن يَزيدَ بن بابَنُوسَ، قال: «دخَلْنا على عائشةَ، فقُلْنا: يا أمَّ المؤمنين، ما كان خُلُقُ رسولِ اللهِ ﷺ؟ قالت: كان خُلُقُه القُرْآنَ، تَقرَؤون سورةَ المؤمنين؟ قالت: اقرَأْ {قَدْ أَفْلَحَ اْلْمُؤْمِنُونَ}، قال يَزيدُ: فقرَأْتُ {قَدْ أَفْلَحَ اْلْمُؤْمِنُونَ} [المؤمنون: 1] إلى: {لِفُرُوجِهِمْ حَٰفِظُونَ} [المؤمنون: 5]، قالت: هكذا كان خُلُقُ رسولِ اللهِ ﷺ». أخرجه البخاري في " الأدب المفرد" (٤٨).

* هي السورةُ التي قرأها النبيُّ صلى الله عليه وسلم يومَ الفتحِ:

عن عبدِ اللهِ بن السائبِ رضي الله عنه، قال: «حضَرْتُ رسولَ اللهِ ﷺ يومَ الفتحِ وصلَّى في الكعبةِ، فخلَعَ نَعْلَيهِ فوضَعَهما عن يسارِه، ثم افتتَحَ سورةَ (المؤمنون)، فلمَّا بلَغَ ذِكْرَ عيسى أو موسى، أخَذَتْهُ سَعْلةٌ، فركَعَ». أخرجه أبو داود (٦٤٨).

جاءت سورةُ (المؤمنون) على ذِكْرِ الموضوعات الآتية:

1. صفات المؤمنين (١-١١).

2. أدلة وَحْدانية الله (١٢-٢٢).

3. الإيمان بالرسل، ومواقف أقوامهم منهم (٢٣-٥٢).

4. تفرُّق الأُمَم بعد رسلهم (٥٣-٧٧).

5. أدلة إثبات وَحْدانية الله وقدرته (٧٨-٩٨).

6. مِن مشاهِدِ يوم القيامة (٩٩- ١١٨).

ينظر: "التفسير الموضوعي للقرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (5 /124).

ظهَر مقصودُ سورة (المؤمنون) في اسمها؛ وهو اختصاصُ المؤمنين بالفلاح، وقد دارت آيُها حول مِحوَرِ تحقيقِ الوَحْدانية، وإبطالِ الشرك ونقضِ قواعده، والتنويه بالإيمان وشرائعه؛ فكان افتتاحُها بالبشارة للمؤمنين بالفلاح العظيم على ما تحلَّوْا به من أصول الفضائل الرُّوحية والعلمية، التي بها تزكيةُ النَّفس، واستقامةُ السلوك.

ينظر: "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور" للبقاعي (2 /303)، و"التحرير والتنوير" لابن عاشور (18 /6).