تفسير سورة المؤمنون

كتاب نزهة القلوب

تفسير سورة سورة المؤمنون من كتاب كتاب نزهة القلوب
لمؤلفه أبى بكر السجستاني .

﴿ سُلاَلَةٍ مِّن طِينٍ ﴾: يعني آدم عليه السلام استل من طين. ويقال: سل من كل تربة وقوله:﴿ ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِن سُلاَلَةٍ ﴾[السجدة: ٨] معنى السلالة في اللغة: ما نسل من الشيء القليل. وكذلك الفعالة نحو الفضالة والنخالة والنحاثة والقلامة والقوارة وما أشبه ذلك هذا قياسه.
﴿ سَبْعَ طَرَآئِقَ ﴾ أي سبع سماوات، واحدها طريقة، وسميت طرائق لتطارق بعضها فوق بعض.
﴿ تَنبُتُ بِٱلدُّهْنِ ﴾: تأويلها أنها تنبت ومعها الدهن لا أنها تغذى بالدهن، وقرئت: تنبت بالدهن: أي ما تنبته كأنه - والله أعلم - يخرج ثمرها ومعه الدهن، وقال قوم: الباء زائدة إنما يعني: تنبت الدهن: أي ما تعصرون فيكون دهنا ﴿ وَصِبْغٍ لِّلآكِلِيِنَ ﴾: الصبغ والصباغ: ما يصبغ به أو يغمر فيه الخبز ويؤكل به.
﴿ فَارَ ٱلتَّنُّورُ ﴾ يقال لكل شيء ماج وعلا: قد فار، ومنه فارت القدر؛ إذا ارتفع ما فيها وعلا.
﴿ وَأَتْرَفْنَاهُمْ ﴾: نعمناهم وبقيناهم في الملك. والمترف: المنقلب في لين العيش.
﴿ هَيْهَاتَ ﴾ كناية عن البعد، يقال: هيهات ما قلت: أي بعيد ما قلت وهيهات لما قلت: أي البعيد ما قلت.
﴿ غُثَآءً ﴾ أي هلكى كالغثاء، وهو ما علا السيل من الزبد والقماش، لأنه يذهب ويتفرق، أي جعلناهم لا بقية لهم.
﴿ تَتْرَا ﴾ وتترآ: فعل وفعلا من المواترة وهي المتابعة، من لم يصرفها جعل ألفها للتأنيث، ومن صرفها جعلها ملحقة بفعلل، وأصل تترى: وترى، فأبدلت التاء من الواو كما أبدلت في تراث وتجاه، ويجوز في قول الفراء أن تقول في الرفع: تتر وفي الخفض تتر، وفي النصب تترا، الألف بدل التنوين ﴿ أَحَادِيثَ ﴾ أي جعلناهم أخبارا وعبرا يتمثل بهم في الشر، لا يقال: جعلته حديثا، في الخير.
﴿ رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ ﴾: قيل إنها دمشق. والربوة والربوة والربوة: الارتفاع من الأرض ذات قرار: أي يستقر بها للعمارة. ومعين: أي ماء ظاهر جار.
﴿ فَتَقَطَّعُوۤاْ أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ ﴾ أي اختلفوا في الإعتقاد والمذاهب.﴿ زُبُراً ﴾ أي كتبا جمع زبور.
﴿ يَجْأَرُونَ ﴾ أي يرفعون أصواتهم بالدعاء.
﴿ تَنكِصُونَ ﴾ أي ترجعون القهقري، يعني إلى خلف.
﴿ سَامِراً ﴾: يعني سمارا، أي متحدثين: بالليل.﴿ تَهْجُرُونَ ﴾ من الهجر وهو الهذيان: وتهجرون أيضا من الهجرة وهي الترك والأعراض، وتهجرون بتشديد الجيم: تعرضون أعراضا بعد إعراض. وتهجرون من الهجر وهو الإفحاش في المنطق.
﴿ خَرْجاً ﴾ وخراجا: إتاوة وغلة، والخرج أخص من الخراج، يقال أد خرج رأسك وخراج مدينتك، وقوله عز وجل ﴿ أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجاً فَخَرَاجُ رَبِّكَ ﴾ معناه: أم تسألهم أجرا على ما جئت به فأجر ربك وثوابه خير؛ وقوله عز وجل:﴿ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً ﴾[الكهف: ٩٤] أي جعلا.
﴿ ذَرَأَكُمْ ﴾ أي خلقكم وكذلك﴿ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ ﴾[الأعراف: ١٧٩]: أي خلقنا لجهنم.
﴿ تُسْحَرُونَ ﴾: تخدعون.
﴿ هَمَزَاتِ ٱلشَّياطِينِ ﴾: نخسات الشياطين وغمزاتهم للإنسان وطعنهم فيه.
﴿ بَرْزَخٌ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ ﴾: يعني القبر، لأنه بين الدنيا والآخرة؛ وكل شيء بين شيئين فهو برزخ؛﴿ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخاً ﴾[الفرقان: ٥٣] أي حاجزا.
﴿ ٱخْسَئُواْ فِيهَا ﴾: أبعدوا وهو إبعاد بمكروه.
﴿ سِخْرِيّاً ﴾ بكسر السين من الهزء. وسخريا بالضم: من السخرة وهو أن يضطهد ويكلف عملا بلا أجرة. وقوله:﴿ لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضاً سُخْرِيّاً ﴾[الزخرف: ٣٢] أي ليستخدم بعضهم بعضا.
﴿ ٱلْعَآدِّينَ ﴾ يعني الحساب.
سورة المؤمنون
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورةُ (المؤمنون) من السُّوَر المكية التي اهتمت بذِكْرِ دلائل وَحْدانية الله تعالى، كما اهتمت بذِكْرِ صفاتِ المؤمنين المفلحين؛ كما في فاتحة السورة الكريمة، وقد صح عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم: أنَّ مَن أقامَ أوَّلَ عَشْرِ آياتٍ من سورة (المؤمنون) دخَلَ الجنَّةَ، وبالأخذِ بهذه الصفات التي ذكَرها الله للمؤمنين، تصلُحُ للعبد دنياه وآخرتُه، ويحقِّقُ معنى التوحيد التام.

ترتيبها المصحفي
23
نوعها
مكية
ألفاظها
1052
ترتيب نزولها
74
العد المدني الأول
119
العد المدني الأخير
119
العد البصري
119
العد الكوفي
118
العد الشامي
119

* قوله تعالى: {وَلَقَدْ أَخَذْناهُمْ بِالْعَذابِ فَما اسْتَكانُوا لِرَبِّهِمْ وَما يَتَضَرَّعُونَ} [المؤمنون: ٧٦]:

عن عبدِ اللهِ بن عباسٍ رضي الله عنهما، قال: «جاء أبو سُفْيانَ بنُ حَرْبٍ إلى رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فقال: يا مُحمَّدُ، أنشُدُك اللهَ والرَّحِمَ؛ فقد أكَلْنا العِلْهِزَ - يعني: الوَبَرَ والدَّمَ -؛ فأنزَلَ اللهُ: {وَلَقَدْ أَخَذْناهُمْ بِالْعَذابِ فَما اسْتَكانُوا لِرَبِّهِمْ وَما يَتَضَرَّعُونَ} [المؤمنون: ٧٦]». أخرجه ابن حبان (٩٦٧).

* سورةُ (المؤمنون):

سُمِّيت سورة (المؤمنون) بذلك؛ لأنَّ فاتحتها أفصَحتْ عن ذِكْرِ صفات المؤمنين.

 * أنَّ مَن أقام أوَّلَ عَشْرِ آياتٍ من سورة (المؤمنون) دخَل الجنَّة:

عن عُمَرَ بن الخطَّابِ رضي الله عنه، قال: «كان إذا نزَلَ على رسولِ اللهِ ﷺ الوحيُ يُسمَعُ عند وجهِه دَوِيٌّ كدَوِيِّ النَّحْلِ، فمكَثْنا ساعةً، فاستقبَلَ القِبْلةَ، ورفَعَ يدَيهِ، فقال: «اللهمَّ زِدْنا ولا تنقُصْنا، وأكرِمْنا ولا تُهِنَّا، وأعطِنا ولا تَحرِمْنا، وآثِرْنا ولا تُؤثِرْ علينا، وارضَ عنَّا وأرضِنا»، ثم قال: «لقد نزَلتْ عليَّ عَشْرُ آياتٍ، مَن أقامَهنَّ دخَلَ الجنَّةَ»، ثم قرَأَ علينا: {قَدْ أَفْلَحَ اْلْمُؤْمِنُونَ} [المؤمنون: 1] حتى ختَمَ العَشْرَ». أخرجه الترمذي (3097).

* كانت تَتجلَّى صفاتُ رسول الله ﷺ من خلالِ هذه السورة:

فعن يَزيدَ بن بابَنُوسَ، قال: «دخَلْنا على عائشةَ، فقُلْنا: يا أمَّ المؤمنين، ما كان خُلُقُ رسولِ اللهِ ﷺ؟ قالت: كان خُلُقُه القُرْآنَ، تَقرَؤون سورةَ المؤمنين؟ قالت: اقرَأْ {قَدْ أَفْلَحَ اْلْمُؤْمِنُونَ}، قال يَزيدُ: فقرَأْتُ {قَدْ أَفْلَحَ اْلْمُؤْمِنُونَ} [المؤمنون: 1] إلى: {لِفُرُوجِهِمْ حَٰفِظُونَ} [المؤمنون: 5]، قالت: هكذا كان خُلُقُ رسولِ اللهِ ﷺ». أخرجه البخاري في " الأدب المفرد" (٤٨).

* هي السورةُ التي قرأها النبيُّ صلى الله عليه وسلم يومَ الفتحِ:

عن عبدِ اللهِ بن السائبِ رضي الله عنه، قال: «حضَرْتُ رسولَ اللهِ ﷺ يومَ الفتحِ وصلَّى في الكعبةِ، فخلَعَ نَعْلَيهِ فوضَعَهما عن يسارِه، ثم افتتَحَ سورةَ (المؤمنون)، فلمَّا بلَغَ ذِكْرَ عيسى أو موسى، أخَذَتْهُ سَعْلةٌ، فركَعَ». أخرجه أبو داود (٦٤٨).

جاءت سورةُ (المؤمنون) على ذِكْرِ الموضوعات الآتية:

1. صفات المؤمنين (١-١١).

2. أدلة وَحْدانية الله (١٢-٢٢).

3. الإيمان بالرسل، ومواقف أقوامهم منهم (٢٣-٥٢).

4. تفرُّق الأُمَم بعد رسلهم (٥٣-٧٧).

5. أدلة إثبات وَحْدانية الله وقدرته (٧٨-٩٨).

6. مِن مشاهِدِ يوم القيامة (٩٩- ١١٨).

ينظر: "التفسير الموضوعي للقرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (5 /124).

ظهَر مقصودُ سورة (المؤمنون) في اسمها؛ وهو اختصاصُ المؤمنين بالفلاح، وقد دارت آيُها حول مِحوَرِ تحقيقِ الوَحْدانية، وإبطالِ الشرك ونقضِ قواعده، والتنويه بالإيمان وشرائعه؛ فكان افتتاحُها بالبشارة للمؤمنين بالفلاح العظيم على ما تحلَّوْا به من أصول الفضائل الرُّوحية والعلمية، التي بها تزكيةُ النَّفس، واستقامةُ السلوك.

ينظر: "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور" للبقاعي (2 /303)، و"التحرير والتنوير" لابن عاشور (18 /6).