ﰡ
﴿ وَٱلنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّىٰ ﴾؛ أي أضاءَ، وأنارَ، وذهبَ بظُلمةِ الليلِ.
﴿ وَمَا خَلَقَ ٱلذَّكَرَ وَٱلأُنثَىٰ ﴾؛ وأقسَمَ بخلقهِ الذكر والأُنثى لإبقاءِ النَّسلِ، وَقِيْلَ: معناهُ: ومَن خلقَ الذكر والأُنثى.
﴿ وَصَدَّقَ بِٱلْحُسْنَىٰ ﴾؛ أي أيقنَ بالخلفِ في الدُّنيا، والثواب في الآخرة، وَقِيْلَ: معناهُ: وصدَّقَ بالجنةِ.
﴿ فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَىٰ ﴾؛ فسنوفِّقهُ للعودِ إلى الطاعةِ مرَّة بعد أُخرى لتسهل عليه طريقَ الجنة. وعن أبي الدَّرداءِ قال: قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:" مَا مِنْ يَوْمٍ غَرَبَتْ شَمْسُهُ إلاَّ وَمَلَكَانِ يُنَادِيَانِ: اللَّهُمَّ أعْطِ مُنْفِقاً خَلَفاً، وَأعْطِ مُمْسِكاً تَلَفاً "وقال الضحَّاك: ((مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ وَصَدَّقَ بِٱلْحُسْنَىٰ ﴾ بـ: لاَ إلَهَ إلاَّ اللهُ)). وَقِِيْلَ: إنَّ هذه الآيةَ نزَلت في أبي بكرٍ رضي الله عنه.
﴿ وَكَذَّبَ بِٱلْحُسْنَىٰ ﴾؛ وكذب بثواب المصدِّقين في الجنةِ، وكذبَ بالتوحيدِ والنبوَّة.
﴿ فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَىٰ ﴾؛ أي يخذلُه بمعاصيهِ ومصيرهُ النار، والمرادُ به أبو جهلٍ، ويدخلُ فيه كلُّ مَن عمِلَ مثلَ عملهِ.
﴿ ٱلَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰ ﴾؛ وهو الكافرُ الذي كذبَ بتوحيدِ الله تعالى والقرآنِ، وأعرضَ عنِ الإيمانِ.
﴿ ٱلَّذِى يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّىٰ * وَمَا لأَحَدٍ عِندَهُ مِن نِّعْمَةٍ تُجْزَىٰ ﴾؛ أي لم يفعَلْ مجازاةً لبرٍّ أسدِيَ إليه ولا لمثابةِ الدُّنيا، ولكن أعطى ما أعطَى لطلب ثواب الله ورضاهُ، ولسوفَ يُعطيهِ اللهُ في الآخرة من الثواب حتى يرضَى. قِيْلَ: إنَّ قولَهُ ﴿ وَسَيُجَنَّبُهَا ٱلأَتْقَى ﴾ إلى آخرِ السُّورة نزَلت في أبي بكرٍ رضي الله عنه، حدَّثَنا هشامُ بنُ عروة عن أبيهِ: ((أنَّ أبَا بَكْرٍ رضي الله عنه أعْتَقَ سَبْعَةً، كُلُّهُمْ كَانُوا يُعَذبُونَ فِي اللهِ تَعَالَى، وَهُمْ: بلاَلُ؛ وَعَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ شَهِدَ بَدْراً وَأُحُداً وَقُتِلَ يَوْمَ بئْرِ مَعُونَةَ شَهِيداً. وأمُّ عُمَيس وَزَنِيرَةَ، فَأُصِيبَ بَصَرُهَا حِينَ أعْتَقَهَا، فَقَالَتْ قُرَيْشُ: مَا أذْهَبَ بَصَرَهَا إلاَّ اللاَّتُ وَالْعُزَّى! فَقَالَتْ: كَذبُوا وَثَبَّتَها اللهُ، فَرَدَّ اللهُ بَصَرَهَا. وَأعْتَقَ النَّهْدِيَّةَ وَابْنَتَهَا، وَكَانَتَا لاِمْرَأةٍ مِنْ بَنِي عَبْدِ الدَّار، وَمَرَّ بجَاريَةِ بَنِي مُؤَمَّلٍ حَيّ مِنْ بَنِي عَدِيِّ بْنِ كَعْبٍ، وَكَانَتْ مُسْلِمَةً، وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّاب يُعَذِّبُهَا لِتَرْكِ الإسْلاَمِ وَهُوَ يَوْمَئِذٍ مُشْرِكٌ، فَاشْتَرَاهَا أبُو بَكْرٍ فَأَعْتَقَهَا. فَأَمَّا بلاَلٌ فَكَانَ لِبَعْضِ بَنِي جَمْحٍ مُوَلَّداً مِنْ مُوَلَّدِيهِمْ وَهُوَ بلاَلُ بْنُ رَبَاح، وَكَانَ اسْمُ أُمِّهِ حَمَامَةٌ، وَكَانَ صَادِقَ الإسْلاَمِ طَاهِرَ الْقَلْب، وَكَانَ أُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ الْجَمْحِيُّ يُخْرِجُهُ إذا حَمِيَتِ الظَّهِيرَةُ فَيَطْرَحُهُ عَلَى ظَهْرِهِ فِي بَطْحَاءِ مَكَّةَ، ثُمَّ يَأْمُرُ بالصَّخْرَةِ الْعَظِيمَةِ، فَتُوضَعُ عَلَى صَدْرهِ، وَيُقَالُ لَهُ: لاَ تَزَالُ هَكَذا حَتَّى تَمُوتَ أوْ تَكْفُرَ بمُحَمَّدٍ وَتَعْبُدَ اللاَّتَ وَالْعُزَّى، فَيَقُولُ وَهُوَ فِي ذلِكَ الْبَلاَءِ: أحَدٌ أحَدٌ. فَمَرَّ بهِ أبُو بَكْرٍ يَوْماً وَهُمْ يَصْنَعُونَ بهِ ذلِكَ، فَقَالَ لأُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ: (ألاَ تَتَّقِي اللهَ فِي هَذا الْمِسْكِينِ؟ حَتَّى مَتَى؟) فَقَالَ: أنْتَ أفْسَدْتَهُ فَأَنْقِذْهُ مِمَّا تَرَى. فَقَالَ أبُو بَكْرٍ: (عِنْدِي غُلاَمٌ أسْوَدُ أجْلَدَ مِنْهُ، وَأقْوَى عَلَى دِينِكَ أُعْطِيكَهُ بهِ). قَالَ: قَدْ قَبلْتُ، قَالَ: (هُوَ لَكَ). فَأَعْطَاهُ أبُو بَكْرٍ غُلاَمَهُ ذلِكَ وَأخَذَ بلاَلاً فَأَعْتَقَهُ. فَقَالُواْ: لَوْ أبَيْتَ أنْ تَشْتَرِيَهُ إلاَّ بأُوْقِيَّةِ لَمَا مَنَعْنَاكَ. فَقَالَ أبُو بَكْرٍ: (وَلَوْ أبَيْتُمْ إلاَّ بمِائَةِ أُوْقِيَّةٍ لأَخَذْتُهُ). وَأمَّا النَّهْدِيَّةُ وَابْنَتُهَا فَكَانَتَا لامْرَأةٍ مِنْ بَنِي عَبْدِ الدَّار، مَرَّ بهِمَا أبُو بَكْرٍ وَهُمَا يَطْحَنَانِ، وَسَيِّدَتُهُمَا تَقُولُ: وَاللهِ لاَ أُعْتِقُكُمَا أبَداً، فَقَالَ لَهَا أبُو بَكْرٍ: (يَا أُمَّ فُلاَنٍ خَلِّ عَنْهُمَا)، فَقَالَتْ: بَلْ أنْتَ خَلِّ عَنْهُمَا، أنْتَ أفْسَدْتَهُمَا، فَقَالَ: (بكَمْ هُمَا؟) قَالَتْ: بكَذا وَكَذا، قَالَ: (أخَذْتُهُمَا بذلِكَ وَهُمَا حُرَّتَانِ للهِ تَعَالَى) ثُمَّ قَالَ لَهُمَا: (قُومَا وَارْبَعَا لَهَا طَحِينَهَا)، قَالَتَا: ألاَ نَفْرَغُ مِنْ طَحِينهَا وَنَرُدُّهُ إليَهَا؟ قَالَ: (ذلِكَ إلَيْكُمَا إنْ شَئْتُمَا). فَقَالَ أبُو قُحَافَةَ لأَبي بَكْرٍ: (يَا بُنَيَّ إنِّي أرَاكَ تُعْتِقُ رقَاباً ضِعَافاً، فَلَوْ أنَّكَ أعْتَقْتَ رجَالاً جِلاَداً يَمْنَعُونَكَ وَيُقَوِّمُونَ دُونَكَ؟) فَقَالَ أبُو بَكْرٍ: (يَا أبَهْ إنِّي إنَّمَا أُريدُ اللهَ)، فَنَزَلَ فِيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَىٰ وَٱتَّقَىٰ * وَصَدَّقَ بِٱلْحُسْنَىٰ... ﴾؛ إلَى قَوْلِهِ: ﴿ وَمَا لأَحَدٍ عِندَهُ مِن نِّعْمَةٍ تُجْزَىٰ ﴾ إلَى آخِرِ السُّورَةِ)). وعن سعيدِ بن المسيَّب قال: ((بَلَغَنِي أنَّ أُمَيَّةَ بْنَ خَلَفٍ الْجُمَحِيَّ قَالَ لأَبي بَكْرٍ حِينَ طَلَبَ مِنْهُ أنْ يُعْطِيَهُ بلاَلاً قَالَ لَهُ: لاَ أبيعُهُ مِنْكَ إلاَّ بغُلاَمِكَ مِنْطَاس، وَكَانَ مُشْرِكاً، فَرَاوَدَهُ أبُو بَكْرٍ عَلَى الإسْلاَمِ فَأَبَى، وَكَانَ لِمِنْطَاسَ عَشْرَةُ آلاَفِ دِينَاراً وَمَوَاشٍ وَجَوَارٍ. فَرَاوَدَهُ أبُو بَكْرٍ عَلَى الإسْلاَمِ، وَيَكُونُ مَالُهُ لَهُ فَأَبَى، فَأَبْغَضَهُ أبُو بَكْرٍ، فَلَمَّا قَالَ لَهُ أُمَيَّةُ ذلِكَ بَاعَهُ مِنْهُ، فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ: مَا فَعَلَ أبُو بَكْرٍ ذلِكَ لِبلاَلٍ إلاَّ لَيَدٍ كَانَتْ لِبلاَلَ عِنْدَهُ، فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى ﴿ وَمَا لأَحَدٍ عِندَهُ مِن نِّعْمَةٍ تُجْزَىٰ ﴾ )) ﴿ إِلاَّ ٱبْتِغَآءَ وَجْهِ رَبِّهِ ٱلأَعْلَىٰ * وَلَسَوْفَ يَرْضَىٰ ﴾؛ بثواب الله في العُقبى عِوَضاً عمَّا فعلَ في الدُّنيا.