وقد بدأت السورة بأقسام ثلاثة على أن أعمال الناس مختلفة : بعضها هدى وبعضها ضلال. فمن أنفق واتقى وصدّق بالجنة التي أعدّها الله للأبرار يسّره الله لليسرى. ومن بخل واستغنى وكذّب بالآخرة والجنة التي ونعيمها فمصيره الشقاء الأبديّ، ويومئذ لا يُغني عنه ماله إذا هلك. ثم حذّرت أهل مكة من عذاب الله وانتقامه، وأنذرتهم نارا حامية. وخُتمت بذكر نموذج للمؤمن الصالح الذي ينفق ماله في سبيل الله ليزكّي نفسه ويصونها من عذاب الله.
ﰡ
يقسِم الله تعالى بهذه الظواهرِ المتقابلة في الكون، وفي الناس، أنَّ سَعْيَ الناسِ مختلفٌ، وطُرُقَهم مختلفة. وهو يقسم باللّيل حين يغشَى البسيطة ويغمرها بظلامه.
وبالنهارِ حين يتجلّى ويظهرُ في تجلّيه كلُّ شيء.
وبالله القادرِ الذي خلقَ الزوجَين : الذكر والأنثى.
اتقى : ابتعد عن الشر وعمل بما يرضي الله.
بعد أن أشار إلى اختلاف أعمالِ الناس في أنواعها وصفاتها، أَخذَ يفصّل هذا الاختلافَ ويبين عاقبَةَ كلٍ منها : فأما من أنفقَ في سبيل الله وخافَ ربَّه واتقاه.
وصدَّق بإخلاصٍ بالفضيلة الحسنى، ( وهي الإيمانُ بالله عن عِلم ).
فسنهيّئُه إلى اليُسر والراحة بتوجيهِه إلى الخير. ومن يسَّره الله لليُسرى فقد وَصَل وسَلم.
وأما من بخِل بماله، واستغنى عن ربّه وهُداه.
فإن الله تعالى يُعسِّر عليه كلَّ شيء، ويَحْرِمه التيسير، ويكونُ من أهل الشقاءِ الأبدي.
لن ينفعَه ماله إذا هلك وهوى في نارِ جهنم.
إن علينا بمقتضى حِكمتنا أن نبين للخلقِ طريقَ الهدى.
فبعدَ هذا البيانِ أحذّركم من نار جهنم التي تلتهب.
لا يدخُلها على صفةِ الدوام إلا الكافر.
وسيُبْعَد عن نار جهنم التقيُّ النقيُّ المخلِص في إيمانه.
الّذي ينفق مالَه في وجوه الخير ليطهِّر نفسَه من رِجْسِ البخل.
وهذا المؤمنُ الصادق الإيمانِ لا ينفق شيئاً من ماله رِئاءَ الناس، وإنما يُنفق من مالِه وليس لأحد عنده يدٌ سابقة يحبُّ أن يجازيَه بها.
فهو ينفق لوجهِ الله وابتغاءَ مرضاتِه.